سؤال : ما حكم صيام يوم الجمعة منفرداً ؟ .

الجواب : لا بد من ذكر ما ورد في هذا الباب من أحاديث ، وهي :

1 ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " .

2ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده " .

3ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفرد يوم الجمعة بصوم " .

4ـ عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث ـ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال : " أصمت أمس ؟ " قالت : لا . قال : " تريدين أن تصومي غدا ؟ " . قالت : لا . " فافطري " .

5ـ عن محمد بن عباد قال : سألت جابراً وهو يطوف بالبيت أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الجمعة ؟ قال : نعم ورب هذا البيت .

6ـ عن جنادة بن أبي أمية قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من الأزد يوم الجمعة ، فدعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام بين يديه فقلنا : إنا صيام فقال : " صمتم أمس ؟ " قلنا : لا . قال : " افتصومون غدا ؟ " قلنا : لا . قال : " فأفطروا " . ثم قال : " لا تصوموا يوم الجمعة مفرداً " .

7ـ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة : من صام يوم الجمعة وراح إلى الجمعة وعاد مريضاً وشهد جنازة واعتق رقبة " .

قلت : وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة على عدم شرعية صيام يوم الجمعة إفراداً في نافلة ، و يُستثنى من ذلك من صام قبله أو بعده ، وعلى هذا لا يشرع صوم يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده .

قال ابن حزم في " المحلى " ( 6 / 393) :
" ولا يَحلُ صومُ يوم الجمعة إلا لمن صامَ يوماً قبله أو يوماً بعده ، فلو نذرهُ أنسانٌ كان نذرهُ باطلاً ، فلو كانَ إنسانٌ يصومُ يوماً ويفطرُ يوماً فجاءه صومهُ في يوم الجمعة فليصمهُ " .

وقال ابن قيم الجوزية في " تهذيب السنن " (3/ 297) :
" فذهب طائفة من أهل العلم إلى القول بهذه الأحاديث منهم : أبو هريرة وسلمان . وقال به أحمد والشافعي . وقال مالك وأبو حنيفة : لا يكره . وفي الموطأ : قال مالك : لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به ينهى عن صيام يوم الجمعة . وصيامه حسن . وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه . وأراه كان يتحراه . قال الداودي : لم يبلغ مالكاً هذا الحديث . ولو بلغه لم يخالفه . وقد روى النسائي عن زر بن حبيش عن ابن مسعود " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وقلما رأيته يفطر يوم الجمعة " وإسناده صحيح . ولا معارض بينه وبين أحاديث النهي . إذ ليس فيه : أنه كان يفرده بالصوم . والنهي إنما هو عن الإفراد ، فمتى وصله بغيره زال النهي " أ.هـ .

وقال المنذري في " محتصر سنن أبي داود " (3/ 297 ) :
" اختلف العلماء في صيام يوم الجمعة . فنهت طائفة عن صومه ، إلا أن يصوم قبله أو بعده ، على ماجاء في الأحاديث الصحيحة . روي ذلك عن أبي هريرة وسلمان . وهو مذهب الشافعي ... " أ.هـ .

والبعض قد ينزعج من هذا ، فيقال له : إن كان الحامل على صيام عرفة ـ حتى وإن كان يومه يوم الجمعة منفردا ـ هو مايدركه من ثواب ، وتكفير لذنوب سنتين ، فإن هذا الثواب محصَّل من غير صيام يوم عرفة هذا ، ولبيان ذلك أقول :
إن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أمره أو في نهيه هي في ذاتها محقَّقة للثواب ، فالله أمرنا بذلك ، فقال : ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكُم لِما يُحييكم ) ، وقال ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ؛ فلا تكون طاعته بمخالفة أمره صلى الله عليه وسلم ، ولا تكون بالوقوع فيما نهى عنه ، وقد نهانا عن صيام الجمعة منفردا ، فنعوض مافاتنا من ثواب صيام يوم عرفة ـ إن صادف يوم الجمعة منفرداً ـ بفطره ولا بدّ ، فمن ترك شيئاَ لله عوضه الله خيراً منه ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام ، فأنا إذ أُفطر يوم عرفة ـ إن كان يوم جمعة ـ لله عز وجل ؛ مدرك ـ ولا بدّ ـ ثواب صومه إن كان غير يوم الجمعة ، فطاعة الرسول هي مناط تحقق الثواب المرجو أمراً أو نهياً (1) .

وذهب الجمهور إلى جواز صيام يوم عرفه إذا صادف يوم الجمعة ، فقد سئل العلامة الشيخ ابن عثيمين عن هذه المسألة فأجاب بقوله :
" صيام يوم الجمعة منفردا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، ودخلت عليه امرأة من نسائه ، أو دخل عليها ، فوجدها صائمة ، فقال لها : "أصمت أمس؟ " فقالت : لا ، قال: " أتصومين غدا؟" قالت : لا ، قال : " فأفطري" ، لكن إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة مثلا ، وصامه وحده فلا بأس ، لأن هذا الرجل صامه لأنه يوم عرفة ، لا لأنه يوم جمعة ، وكذلك لو كان عليه قضاء من رمضان ، ولا يتسنى له الفراغ إلا يوم الجمعة ، فإنه لا حرج عليه أن يفرده ، لأنه أفرده لم يفرده لأنه يوم جمعة ، ولكنه أفرده لأنه يوم فراغه ، وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشورا فصامه فإنه لا حرج عليه أن يفرده ، لأنه صامه لأنه يوم عاشوراء ، لا لأنه يوم جمعة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ، ولا ليلتها بقيام " فنص على الخصوصية ، أي على أن يفعل الإنسان هذا لخصوصية يوم الجمعة وليلة الجمعة " .

قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 4/ 275) :
" ويؤخذ من الاستثناء جوازه لمن صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كمن يصوم أيام البيض أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة ، ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيد مثلا أو يوم شفاء فلان " .

وقال الإمام النووي في " شرح مسلم " :
" وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم ، وأنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة له ، فإن وصله بيوم قبله أو بعده ، أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدا ، فوافق يوم الجمعة لم يكره ؛ لهذه الأحاديث " .

وقال الشيخ الفاضل مراد شكري في كتابه الماتع " المنخلة النونية في فقه الكتاب والسنة النبوية " (85) :
" ويكره صوم يوم الجمعة مفرداً ؛ لحديث أبي هريرة ؛ قال صلى الله عليه وسلم : " لا يصومنَّ أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو بعده " . أخرجاه في " الصحيحين " . ونص على عدم الجواز بعض الشافعية ، وهو مروي عن الإمام أحمد ، وكذلك ابن المنذر وطائفة ، وقبلهم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم " .

فإن قال قائلٌ : كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده " ، وقوله : " لا تصوموا يوم السبت ، إلا فيما افتُرِض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا عنبة أو عود شجرة فليمضغه " .
الجواب : قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تصوموا يوم السبت إلا في فريضة ، ولو أن أحدكم لم يجد إلا عود كرمة أو لحاء شجرة فليفطر عليه " . ظاهره النهي عن صيام يوم السبت في غير الفريضة ، قال الإمام ابن قيم في " تهذيب السنن " ( 3/298 ) :
" دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفرداً أو مضافاً ؛ لأن الاستثناء دليل التناول ، وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ، ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد لقال : لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوماً قبله أو بعده ، كما قال في الجمعة ، فلما خص الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة ؛ علم تناول النهي لما قابلها " .
قال شيخنا الإمام الألباني في " تمام المنة " ( ص/ 406 ) بعد نقله كلام ابن قيم المتقدم :
" قلت : وأيضاً لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها ؛ لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض ؛ لأن شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران ، فإذا استثنى الفرض وحده دل على عدم استثناء غيره كما لا يخفى " .

فإن قال قائل : وماذا تقول في قوله عليه السلام : " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده " ؟ .
أجاب عن هذه الشبهة شيخنا العلامة محمد إبراهيم شقرة بقوله :
" نعم إن الحديث يؤذن بظاهره بجواز صوم السبت في النافلة في قوله : " أو يوم بعده " ، ولكن حين ننزله على القاعدة الأصولية ـ وهي أن النفي مقدم على الإثبات يسلم لنا حديث : " لا تصوموا يوم السبت " ، فيبقى النهي عن الصوم ، ويُرَدُّ حديث الجمعة ؛ لأنه مثبت ، فالقاعدة هي القاعدة .
وشيء آخر في هذا الحديث ، وهو أن قوله صلى الله عليه وسلم : " أو يوم بعده " ؛ لا يفيد مشروعية صيام السبت إلا بمفهومه ، أمَّا قوله صلى الله عليه وسلم : " ولا تصوموا يوم السبت " ، فيفيد عدم مشروعية صيام السبت بمنطوقه الصريح ، والمنطوق في علم الأصول مقدم على المفهوم ، إذ المنطوق أقوى في الدلالة على المراد " (2) .

قال عبدالعزيز : ومن القواعد التي ينبغي أن نستأنس بها في هذا المقام قولهم :
ـ إذا تعارض حاظر ومبيح قُدِّم الحاظر على المبيح .
فقوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا تصوموا يوم السبت ) حاظر ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أو يوم بعده ) مبيح ، فيقُدَّم الحاظر على المبيح .

انظر : تمام المنة (ص/ 405 ـ 408 ) ، وزهرُ الرَّوْض في حُكم صِيَام يَوم السبت في غير الفَرض لصاحبنا الكبير فضيلة الشيخ علي بن حسن الحلبي ـ حفظه المولى ـ
وكتبه لكم : ابوعبدالرحمن عبدالعزيز بن مبارك الحنوط - عفا الله عنه -
ـــــــــــــــ ــ
(1) إرشاد الساري إلى عبادة الباري ـ القسم الثالثت الصيام (ص: 45 46 ) للشيخنا العلامة محمد إبراهيم شقرة .
(2) إرشاد الساري إلى عبادة الباري ـ قسم الصيام (ص/ 44) .