كم على شفير جهنم من حزين حائر!



قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[1].

تـأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا}، لتعلم أن الله تعالى غنيٌّ عن العالمين، فلو كفر الناس جميعًا، فلَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا؛ كمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}[2].

وما نقص ذلك من ملك الله شَيْئًا؛ كما قَالَ تَعَالَى: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا»[3].

وهل الإنس والجن إلا صفحة من صفحات هذا الكون العظيم الذي لا يفترُ لحظةً عن تسبيح الله، {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}[4].

ولا يَكَلُّ برهةً عن الصلاةِ لَهُ تباركَ وتعَالَى؛ كمَا قَالَ تَعَالَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[5].

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}[6].

وَأَنَّى لَهُم أَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا؟ {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ }[7].

والكلُ يسارعُ في مرضَاتِهِ، يرجو رحمتَهُ ويخشى عذابَهُ؛ {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}[8].

ولم يشمخْ بأنفِهِ إلا ذلك الكنودُ؛ {إِنَّ الإنْسَاَن لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}[9].

ولم يغتر بربه إلا ذلك الجهولُ؛ {وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا}[10].

ولو يعلم ذلك البائس أنه لا يضر إلا نفسه؟ {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}[11].

وأنه يسعى بظلفه إلى حتفه؟ {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}[12].

فهل من تائب قبل الممات؟ ومستعتب قبل الفوات؟
وساعٍ بجهده في الخلاص، قبل أن ينادي: {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا} [الْمُؤْمِنُونَ: 99]، ولَاتَ حِينَ مَنَاصٍ؟

فكم على شفير جهنم من حزين حائر! وكم هنالك من نادم خاسر!

أمانيهم فيها الهلاك، وما لهم من أسر جهنم فكاك: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[13].


[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَة/ 176.
[2] سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: الآية/ 8.
[3] رواه مسلم- كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ، حديث رقم: 2577.
[4] سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الآية/ 20.
[5] سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الآية/ 44.
[6] سُورَةُ النُّورِ: الآية/ 41.
[7] سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: الآية/ 19.
[8] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الآية/ 116.
[9] سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: الآية/ 6.
[10] سُورَةُ الأَحْزَابِ: الآية/ 72.
[11] سُورَةُ الرومِ: الآية/ 44.
[12] سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الآية/ 15.
[13] سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الآية/ 27.
______________________________ _________________________
الكاتب: سعيد مصطفى دياب