مظاهر محبة الله









كتبه/ ياسر عبد التواب


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمحبة الله إما أن تكون محبة منك لله -تعالى-، أو محبة من الله لك، ولن تحصل على محبة الله لك إلا أن تحصل محبتك أنت لله؛ فهذه المحبة منك تقتضي محبة القرآن الكريم، ومحبة الشريعة السمحة، ومناصرة دين الله الذي لا صلاح للناس إلا به؛ وتدور مع الشرع حيث دار فيجدك الله -تعالى- حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك.

ويقول عثمان -رضي الله عنه-: "لو سلمت منا القلوب ما شبعت من كلام الله -عز وجل-"، وكيف يشبع المحب من كلام محبوبه وهو غاية مطلوبه؟! ومحبة الله -تعالى- تقتضي البعد عما لا يحبه الله -تعالى-.

تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس شنيع

لـو كان حـبـك صادقاً لأطعته إن الـمـحـب لمن يحب مطيع

إن محبة الله وطاعته واحة غناء، وجنة وارفة الظلال... إنها بذل في الطاعات والعبادات بروح المحب الراغب في البذل والقرب؛ فمحبة الطاعات هي علامة كبرى من علامات محبتك لله -تعالى- ومحبة الله لك، وإن لها للذة وحلاوة يجدها من وفقه الله لأدائها كما ينبغي، فينظر في نفسه فينقيها من الأخطاء والآثام، وينظر لعمله فينقيه من الرياء والنفاق، ويعتني بطاعة ربه كما يعتني بحياة نفسه، بل وأكثر؛ قال يحيى بن معاذ: "أيها المريدون لطريق الآخرة والصدق، والطالبون أسباب العبادة والزهد: اعلموا أنه من لم يعرف آفة العمل لم يحسن يحترز منه، ومن لم تصح عنايته في طلب الشيء لم ينتفع به إذا وجده"، فلا بد لنا من تقدير قيمة ما لدينا حتى نشعر بالسعادة به.

وهذه اللذة بالطاعات حرم منها غير المؤمنين، بل ظنوا بعض مظاهر الدنيا وزخرفها دليلاً على محبة الله -تعالى- لهم، ونسوا أن الدنيا دار اختبار، فقال -تعالى- إخبارًا عن المترفين المكذبين: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينََ) (سبأ:35)، أي: افتخروا بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا، ثم يعذبهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك، قال الله -تعالى-: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ. نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون:55-56)، وقال: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:55)، وقال تعالى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا. وَبَنِينَ شُهُودًا. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا. سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) (المدثر:11-17).


إن الناس يعيشون من أجل اللذة... ويسعون إليها وهي هدفهم في الحياة، واللذة هي: طيب الشيء وذهاب الألم منه، لكن اللذة الحقيقية هي في طاعة الله -تعالى- وهي علامة كبيرة من علامات محبة الله تعالى للعبد.