القوة والأمانة صفات أساسية للقيادي الناجح (1)









كتبه/ أحمد حسين أبو مالك


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا شك ما مِن علم يشغل بال الناس وفيه مصلحة ملحة؛ إلا أشار القرآن إلى تعلُّمه، ووضع قواعده، وبيَّن صفاته، ومِن أهم هذه العلوم الاجتماعية: علم الإدارة، ولا يكاد يخلو منه كيان ناجح يواكب التطورات الزمنية والمتغيرات المتتابعة على مرِّ العصور، ولا شك أننا لدينا قصور في تعلُّم هذا العِلْم، ومراعاة متطلباته وقواعده؛ فضلًا عن الاعتراف بأهميته.

وعلم الإدارة كما يعرِّفه (فردريك تايلور) هو: "المعرفة الصحيحة لما تريد من الرجال عمله، ثُمَّ التأكُّد من أنَّهم يقومون بأعمالهم بأحسنِ طريقة وأرخصها"، وعرَّفه بعضهم بأركانه كما عرَّفه (هنري فايول)، فيقول: "إنَّ معنى أن تدير، هو أن تتنبأ، وتخطط، وتنظم، وتصدر الأوامر، وتنسق، وتراقب".

فنجد أن عناصر الإدارة أصلها أربعة، هي: التخطيط والتنظيم، والمتابعة والتقرير، ولكن ماذا عن صفات الإداري الناجح في القرآن؟

بالاستقراء تجد أن هناك أربع صفات أساسية لا غِنَى عنها للإداري الناجح؛ لا سيما القائم على رأس المنظومة الإدارية، ولو كانوا بضعة أفراد، وإليك بيانها.

أولًا: القوة: وقد جاءت الإشارة إليها في سورة القصص على لسان الرجل الصالح ختن موسى عليه السلام، فقال تعالى: "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ"، وصفة القوة مِن أحب الصفات إلى الله؛ فقد وصف نفسه بالقوة، ومن أسمائه: القوي، كما قال تعالى: "فلما جاء أمرنا نجينا صالحًا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذٍ إن ربك هو القوي العزيز"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ. احْرِصْ على ما يَنفعُكَ، واسْتَعنْ باللهِ ولا تَعجزْ. وإنَّ أصابك شيءٌ فلا تقلْ: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدَرُ اللهِ وما شاءَ فَعَل، فإنَّ (لَوْ) تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ".

فكثير من المشاكل الإدارية تعود لضعف القائم على رأس المنظومة الإدارية؛ سواء كان فردًا أو مجلس إدارة؛ فتجده مرتعش اليد في اتخاذ قراراتٍ مصيريةٍ يترتَّب عليها حفظ الكيان، ومصلحة المجموع، ومع ذلك لا يقوى على هذا، وقد يعود هذا إلى شخصيته التي تخشى المواجهة والصدام، وإن كان في قول الحق والصدع به، أو كونه أقل من مرؤوسيه علميًّا أو اجتماعيًّا، والضعف من العيوب الإدارية الخطيرة؛ خصوصًا في بعض الإداريات، ولعل ذلك ما دعا إلى اختيار الأمير القوى في الجهاد وان كان فاسقًا، وترك الورع الضعيف؛ لأن قوته للمسلمين وفسقه على نفسه، أم الآخر؛ فضعفه للمسلمين، وورعه لنفسه.

وقد اختارت السيدة خديجة رضي الله عنها الزواج من المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأمانته وصدقه، ومقدرته على الحفاظ عليها، وعلى أموالها وتجارتها؛ فهو أهل ثقة لديها، وهو أهل خبرة سبق أن اختبرته عندما ذهب للتجارة في بضاعتها، وهو أمين صاحب حسب ونسب؛ فعلينا إن أردنا إصلاحًا لشئون حياتنا أن نختار أهل الخبرة صاحب الخلق، وأهل الثقة صاحب الخبرة.

وإذا أردنا إصلاح التعليم؛ فعلينا أن نولي أهل الثقة من أهل الخبرة في مجال التعليم، وإذا أردنا إصلاح الاقتصاد؛ فعلينا أن نولي أهل الخبرة في الاقتصاد، والمشهود لهم بالأخلاق الحميدة.

وقد بيَّن ذو القرنين هذا الأمر فقال: "قال ما مكني فيه ربي خير"، قال الشيخ عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله في تفسير ذلك: "فلم يكن ذو القرنين ذا طمع ولا رغبة في الدنيا، ولا تاركًا لإصلاح أحوال الرعية، بل قصده الإصلاح، فلذلك أجاب طلبهم (في بناء السد)؛ لما فيه من المصلحة، وشكر ربه على تمكينه واقتداره، فقال لهم: "ما مكني فيه ربي خير"، أي: مما تبذلون لي وتعطونني، وإنما أطلب منكم أن تعينوني بقوة منكم بأيديكم "أجعل بينكم وبينهم ردمًا" أي: مانعا من عبورهم عليكم" (انتهى).


هم طلبوا منه سدًّا، وهو بخبرته جعل لهم ردمًا، والردم أقوى وأقدر من السد على مجابهة الهزات الأرضية، وعوامل التعرية، وغيرها، وجعل الردم من الحديد والطين المحروق، ثم بعد ذلك غطاه بطبقة من النحاس؛ ليحول دون تآكل الحديد بالعوامل الجوية؛ فهذا رجل عليم خبير أمين، قال الله تعالى عنه: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا . فَأَتْبَعَ سَبَبًا"؛ فهو متبع للأسباب الإلهية في الخلق، ومتبع للعلم النافع الذي علَّمه الله تعالى له.


وللحديث بقية إن شاء الله.