تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: الدفع أولى من الرفع / وفقهاء الأحوطيات !

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    الدولة
    بانتظار وطن !
    المشاركات
    26

    Exclamation الدفع أولى من الرفع / وفقهاء الأحوطيات !

    .

    السادة المشائخ الفضلاء ..
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    أحب أن أستفيد حول هذه القاعدة كثيراً ( الدفع أولى من الرفع ) وتطبيقاتها ..
    أيضا ..
    هل الأصل الأخذ بالأحوط أم الأيسر ؟

    وحبذا لو أحصل على مراجع في هذا الشأن ..

    أحسن الله إليكم ..

    .

    لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,642

    افتراضي


    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    للباحث منيب شاكر كتابٌ بعنوان:
    (العمل بالاحتياط في الفقه الإسلامي)
    ويقع في مجلد متوسط الحجم، نحو (300) صفحة

    ولا أدري عن مستوى بحثه من حيث الجودة


    يسرني متابعتك لصفحتي على الفيسبوك
    http://www.facebook.com/profile.php?...328429&sk=wall

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي

    شكر الله لكم
    الأصل الأخذ بما صح وقوي دليل وتعليله، والأحوط والأيسر معان تختلف باختلاف ما يحتف بكل مسألة من أدلة و... وحال المكلف.
    وهذه القاعدة مسطرة في كتب القواعد الفقهية، وتجدين تطبيقاتها وشروطها هناك .
    بعبارات متقاربة :
    الدفع أسهل من الرفع.
    الدافع أسهل من الرافع .
    الدفع أقوى من الرفع.
    الدفع أولى من الرفع.
    المنع أسهل من الرفع.

  4. #4

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحمادي مشاهدة المشاركة


    للباحث منيب شاكر كتابٌ بعنوان:
    (العمل بالاحتياط في الفقه الإسلامي)
    ويقع في مجلد متوسط الحجم، نحو (300) صفحة
    ولا أدري عن مستوى بحثه من حيث الجودة
    جزاكم الله خيراً: الكتاب جيد جداً في بابه، طبعته دار النفائس بالرياض،،،

    وقد اختلف الفقهاء في الحكم بالاحتياط على الناس: فالمنقول عن جماهير أهل العلم مشروعية الأخذ بالاحتياط والحكم به، وقد ورد ذلك عن جماعات من الأئمة، من الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة، وغيرهم، وخالف ابن حزم، فذهب إلى إنكار قاعدة الاحتياط، وأنه لا يحل لأحد أن يحتاط لأحد في الدين، وحقيقة مذهبه أن الاحتياط من قبيل المستحب، ولا يجوز إفتاءُ الناس به على وجهِ الإلزام.

    والأخذ بالإحتياط جادة مطروقة للعلماء كما تقدم بشروطه، لكن الشأن في توسع بعض الناس في الإفتاء به.

    فائدة: قولهم: "الأحوط": وإن كان مستعملاً في لسان الفقهاء، إلا أنه شاذ لغةً، لأنه أفعل تفضيلٍ، وهو لا يبنى من المزيد.
    فالأحوط عدم استعمال "الأحوط"، وهذه المرة لغةً !

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي

    وهناك كتاب جيد في بابه ، جمع جمعاً نافعاً وحقق فيه مباحث "الاحتياط" اسمه :
    الاحتياط :حقيقته وحجيته وأحكامه وضوابطه
    د. إلياس بلكا
    ط. مؤسسة الرسالة

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    قاعدة: (الدفع أقوى من الرفع)، فهو أن دفع الشيء قبل حصوله أسهل من إلغائه بعد وقوعه.
    وقد اندرجت تحت هذه القاعدة فروع كثيرة شملت أبوابًا عديدة من الفقه ومسائله كالطهارة والصلاة والصوم والحج والنكاح وغيرها، ومن أمثلتها في الطهارة ما ذكره الزركشي في قواعده بعد أن ذكر القاعدة: (وهذا المستعمل إذا بلغ قلتين هل يعود طهورًا؟ به وجهان، ولو استعمل القلتين ابتداء لم يصر مستعملًا بلا خلاف، والفرق أن الماء إذا استعمل وهو قلتان كان دافعًا للاستعمال، وإذا جمع كان رافعًا، والدفع أقوى من الرفع. اهـ.


    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى 25 / 100:
    وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ كُلُّهَا مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُحَرَّمٍ ..اهــ

    وقال رحمه الله أيضا 10 / 512 :
    وَكَذَلِكَ من " الْوَرع " الِاحْتِيَاط بِفعل مَا يشك فِي وُجُوبه لَكِن على هَذَا الْوَجْه. وَتَمام " الْوَرع " أَن يعم الْإِنْسَان خير الخيرين وَشر الشرين، وَيعلم أَن الشَّرِيعَة مبناها على تَحْصِيل الْمصَالح وتكميلها وتعطيل الْمَفَاسِد وتقليلها وَإِلَّا فَمن لم يوازن مَا فِي الْفِعْل وَالتّرْك من الْمصلحَة الشَّرْعِيَّة والمفسدة الشَّرْعِيَّة فقد يدع وَاجِبَات وَيفْعل مُحرمَات.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    د. قطب الريسوني
    عرّف علماء الأصول الاحتياط بتعريفات متباينة تتفاوت حظوظها من الدقة والاستيفاء، ويلاحظ على أكثرها النزوع إلى منحيين:
    الأول: تعريف الاحتياط بالطريق المفضية إليه.
    والثاني: تعريفه بالمآل الذي يُرجى منه، وفي كلا المنحيين تجوّز لا يرتضى في باب الحدود؛ لأن الأصل أن نعرّف الشيء في ذاته ونفسه، إما على نحو من الضبط والإحكام فيكون حدّاً، وإما على سبيل تمييزه عن غيره فيكون رسماً، على ما هو مقرّر في علم النطق.
    ولسنا بحاجة هنا إلى سوق التعريفات وبيان وجه الاختلال في صياغتها، وحسبنا الإشارة إلى أن التعريف المختار هو: (الاحتراز من الوقوع في منهي أو ترك مأمور عند الاشتباه)(11).
    وهـو تعريف لا يؤتى من جهة الجمع والمنع؛ لأن لفظ الاحتراز يشمل العالم والعامـي، فكلاهمـا يصح منـه الاحتراز سواءً كان فعلياً أو تركياً؛ ولأن لفظتـي (المنهـي والمأمور) تشمـلان الأحـكام الشــرعية الأربعة: الحرام، والمكروه، والواجب، والمندوب، فضلاً عـن أن لفظ الاشتباه يشمل التردد في حرمة الشيء، أو كراهته، أو وجوبه، أو استحبابه(2).
    ومن أجود التعاريف التي يمكن الاستئناس بها تعريف القرافي: (ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس)(1)، وأقرّه عليه ابن القيم في (بدائع الفوائد)(2).
    وقد رأيت بعض العلماء يطلق لفظ الورع ويقصد به الاحتياط، على أساس أن (الورع هو الاحتياط نفسه)(3)، ولا ضير في ذلك، فإنّ تغير المباني ليس بمحظور إذا فهمت المعاني.
    والاحتياط حجّة عند الجمهور من الحنفية(4)، والمالكية(5)، والشافعية(6)، والحنابلة(7)، إلا أن أكثر المذاهب إعمالاً للاحتياط المذهب المالكي؛ لأن من أصوله الاجتهادية التوسّع في سدّ الذرائع ومراعاة الخلاف، وكلاهما ضـرب مــن الاحتيـاط تُـدفــع به المفاسد المتوقعة أو الواقعة، وتُراعى المآلات بما يستوفي مصلحة الإنسان في العاجل والآجل.
    ومن ثم فقد عُدّ الاحتياط مسلكاً شرعياً في استنباط الأحكام والترجيح عند تعارض الأدلة، وذكره بعض العلماء ضـمن الأدلـة الشـرعية التبعـية، وهي ضربان: ضرب يرجع إلى الأصول الأربعة رجوعاً معيناً؛ كقول الصحابي مـردود إلى السُّنَّـة، وشـرع من قبلنـا مـردود إلى القرآن إذا قصّه الله تعالى من غيـر إنكــار.
    ولـم يرد في الشرع ما يخالفه، وضربٌ يرجع إلى الأصول رجوعاً مختلفـاً؛ كالاحتيـاط والاستصحـاب، فتـارة مـرجعـهما إلى القـرآن، وتـارة إلى السُّـنَّة، وتارة ثالثة إلى غيرهما كالقـواعد الفقهيـة، ومقاصـد الشـريعة، والمـناسبـة العقلية.
    ونسوق هنا جملة من النصوص التي صرح أصحابها بحجية الاحتياط واعتماده أصلاً من أصول الشرع:
    أ ـ قال السرخسي: «والأخذ بالاحتياط أصل في الشرع»(8).
    ب ـ قال الجصاص: «واعتبار الاحتياط والأخذ بالثقة أصل كبير من أصول الفقه، فقد استعمله الفقهاء كلهم»(9).
    ج ـ قال الشاطبي: «الشريعة مبنية على الاحتياط والأخذ بالحزم، والتحرر مما عسى أن يكون طريقاً إلى المفسدة»(10).
    د ـ قال الجويني: «إذا تعارض ظاهران، أو نصّان، وأحدهما أقرب إلى الاحتياط، فقد ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الأحوط مرجَّح على الثاني، واحتجوا بأن قالوا: اللائق بحكمة الشريعة ومحاسنها الاحتياط»(11).
    أما الفريق المعارض للعمل بالاحتياط فتزَعّمه ابن حزم الذي عقد باباً مستقلاً في (الإحكام) للرد على ما سماه: (الاحتياط، وقطع الذرائع والمشتبه)(12)، ومن جملة أقواله فيه: «ولا يحلّ لأحد أن يحتاط في الدين؛ فيحرِّم ما لم يحرِّم الله؛ لأنه حينئذٍ يكون مفترياً في الدين، والله ـ تعالى ـ أحوط علينا من بعضنا على بعض»(13).
    ولا يفهم من موقف ابن حزم رفض الاحتياط جملةً وتفصيـلاً، فـإن من أشبع النظر في رده على المخالفين يدرك بوضوح وجلاء أنه لا ينكر الورع واجتناب مظانِّ الـرِّيَب؛ وإنمــا إنكـاره منصـرف إلى إثبات التحليل والتحريم من جهة الاحتياط؛ لأنْ لا شرع إلا بالنص، والشرع أحوط علينا من أنفسنا، وأعلم بمواطن الاحتراز والحزم.
    وإذا كان الاحتياط على أضرب، فإن ابن حزم لا ينكرها جميــعاً، فالاحتياط للحكم مشـروع عنـده فـي الجمـلة، ولا سيما في حال تعارض الأدلة والأمارات وعدم ظهور أثر الرجحان، فـإنه تعـدّ هـذه الحـالة شبـهة ينبغي اجتنابهـا(14).
    كمـا يصح عنده الاحتياط لمناط الحكم كاختلاط حلال محصور بحرام محصور، فمذهبه في ذلك التوقف حتى يتبين الحال، والتوقف ـ في حقيقته ومآله ـ ضـرب مـن الاحتيـاط لدين الله والخشية من مواقعة الحرام.
    أما الاحتياط لمآل الحكم وهو ما يعرف بـ (سدّ الذرائع) فقد تصدى ابن حزم لإبطاله وتسفيه حجج القائلين به في كتابه (الإحكام)؛ لأن مرجعه إلى الحكم بالظن الكاذب والرجم بالغيب.
    وهذا لا يحل في الشريعة التي تُبنى أحكامها على الأدلة المستقيمة والحجج الناهضة، يقول: «... فكل من حكم بتهمة، أو احتياط لــم يستيقن أمـره، أو بشيء؛ خوفَ ذريعة إلى ما لم يكن بعد، فقد حكم بالظــن، وإذا حـكم بالظـن فـقد حكـم بالكذب والباطل، وهذا لا يحـل»(1).
    ويستشف من كلامه هذا أنه لا ينكر سد الـذرائع على الإطـلاق، فإذا كان إفضاء الوسيلة إلى المفسـدة مُحقَّـقاً وقطعياً فلا مانع عنده من إجراء العمل بهذه القاعـدة والحـكم بـها، وقـرينة هـذا التقيــيد قوله: «لم يستيقن أمره».
    ويزداد موقف ابن حزم وضوحاً وتجلياً حين ينكر الغلو في الاحتياط إلى حد الإفتاء به على وجه الإلزام؛ لأنه مسلك حسن في الدين، محمول على الورع واجتناب ما حاك في الصدر، لكنه لا يرقى إلى الواجب الذي يُقضى به على الناس.
    يقول: «ليس الاحتياط واجباً في الدين، لكنه حسن، ولا يحل لأحد أن يقضيَ به على أحد، ولا أن يلزم به أحـداً، لكـن يندب إليه؛ لأن الله ـ تعالى ـ لم يوجب الحكم به»(22).
    فليس بساط الخلاف ـ إذاً ـ بين الجمهور وابن حزم بالسعة التي يتصورها الكثير؛ إذ يوجد بينهما قدر غير يسير من المتفق عليه، ويفترقان في مسألة الاحتياط لمآل الحكم الذي ذهب فيه إمام الظاهرية مذهب التقييد بقطعية إفضاء الوسيلة إلى المفسدة المتوقعة.
    وإذا كان الاحتياط أصلاً ثابتاً، ومسلكاً مشروعاً، يستدل عليه بالنصوص القاطعة من الكتاب والسُّنَّة، ويستأنس له بعمل السلف الصالح وفتاوى الأئمة الأربعة، فإن التوسط فيه منزع محمود يليق بمحاسن الشريعة ومقاصدها في التكليف، فلا نغالي فيه إلى حد التنطع والتعمق وإيجاب ما لم يجب، ولا نجفو عنه إلى حد تقحّم الشبهات ومظانِّ الرِّيَب، وقد قيل: إن كل شيء تجاوز حده انقلب إلى ضده.
    ولعل من الغلو في الاحتياط ـ سواء كان أخــذاً بأكثــر ما قيل أو بأثقل ما قيل ـ أن نلزم الناس به على سبيل الوجوب، مع أنه تنزه وتورّع.
    يقول الدهلوي: «أصل التعمق أن يؤخذ موضع الاحتياط لازماً»(3)، فمن المرغوب فيه أن يُندب العالم إلى الورع، ويشير باجتناب ما حاك في النفس، إلاَّ أنه لا يقضي بذلك على أحد، ولا يفتي به فتوى إلزام، وإن شاء أن يكون شديد الأزر على نفسه فيأخذها بالتحوط فله ذلك، ما لم يُخشَ عليه التنطع في الــدين، وهـو مهلكة ما بعدها مهلكة.
    إن الخروج إلى طرف الغلو في الاحتياط لا تزكو به ثمرة الدين، ولا تقوم به مصلحة الخلق، وهذا مشاهَدٌ في كل من ذهب به مذهب العنت فبَغُض إليه الدين، وانقطع عن سلوك طريق الآخرة، ولذلك كان التكلف الشرعي في كل صوره جارياً (على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال)(4).
    فلا غرو ـ إذاً ـ أن يكون من تمام تعريف الاحتياط عند ابن القيم التنصيص على مراعاة التوسط فيه حتى يرتفع المسلم عن تقصير المفرِّطين، ولا يلحق بغلو المعتدين، يقول: «الاحتياط: الاستقصاء والمبالغة في اتِّباع السُّنَّة وما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، من غير غلوٍ ومجاوزة، ولا تقصير ولا تفريط»(5).
    وليس كل احتياط يشرع ويستحب من باب الورع والتنزه عن الشبهات! ذلك أن منه ضرباً مذموماً لا يلتفت إليه، وهو ما كان مفضياً إلى محظور شرعي، أو كان من قبيل الوساوس التي تتخذ ديناً وهي إملاء من الشيطان الرجيم، ومن صوره الشائعة: سد الذرائع التي تفضي نادراً إلى المفسدة، والتنزّه عن الرخص المشروعة، والزيادة في المشروع على سبيل الوسوسة.
    ومن هنا تبدو الحاجة ماسة إلى بيان ضوابط الاحتياط الشرعي التي تصحّح العمل به، وتصونه عن الوقوع في المحظور، ولا سيما أن هذا المسلك موضع لتجاذب الأنظار وتضارب الأفهام؛ فما يراه عالم احتياطاً، لا يراه غيره كذلك، فلا بد ـ إذاً ـ من ثوابت يحتكم إليها في تقويم منارع المجتهدين في هذا المعترك الصعب، ويمكن إجمالها فيما يلي:
    أ ـ ألاّ يكون في المسألة المحتاط فيها نصّ؛ لأن الاحتياط منزع اجتهادي يُلجأ إليه عند فقدان الدليل، فإذا وجد وظنّ المجتهد أن من الاحتياط تركه، فقد تورط في مخالفة صريحة أمْلتْها الوسوسة أو الابتداع في الدين.
    ب ـ أن تكون الشبهة الحاملة على الاحتياط قوية معتبرة؛ ولذلك صرح الفقهاء بأن الخلاف الذي يُراعى ويُستحب الخروج منه ما كان مبيناً على تـكافـؤ الأدلـة، أما السقطات والشذوذات فلا يلتفت إليها، ولا يحتاط لها.
    وكذلك لا يعتد بالشبهة التي تدرأ الحدود إلا إذا كانت قوية ناهضة، وقد نظم ذلك أبو بكر الأهدل الحسيني اليمني فقال:
    وباتفاقٍ الحدودُ تسقط بالشبهات حسبما قد ضبطوا
    وشرطها القوة فيما ذكروا جزماً وإلا فهي لا تؤثر(1)
    ج ـ ألاّ يفضي العمل بالاحتياط إلى مخالفة النص الصحيح الصريح، فكل احتياط جاء على خلاف المشروع فهو ضرب من الاجتهاد في مورد النص، والحكم بفساد اعتباره لا يحتاج إلى تقرير؛ فضلاً عن نصب برهان.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والاحتياط حسن، ما لم يُفضِ بصاحبه إلـى مخالفـة السُّنَّة،فإذا أفضى إلى ذلك فالاحتياط ترك الاحتياط»(2)، وأقرّه تلميذه ابن القيم على ذلك فقـال: «فالصـواب أن يحتـاط الإنسـان لاتّبـاع السُّـنَّة لا لمخالفتها»(3).
    ومـن الاحتياط المخالف للسُّنَّة التورعُ عن اليمين في الحق بالحق من غير إكثار؛ بدعوى أن الأيمان كلها مكروهة، لقوله ـ تعالى ـ: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224].
    وهذا احتياط في غير محله؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يحلف كثيراً، ولو كان مكروهاً لكان أبعد الناس عنه. أما النهي في الآية فمحمول على الإفراط في الحلف الذي لا ينفك عنه الكذب غالباً، وصــدق الشيــخ (زروق) حــين قال: «ورع بلا سُّنَّة بدعة»(4).
    د ـ ألاَّ يفضي الاحتياط إلى مشقة فادحة لا يمكن احتمالها والصبر عليها، وهذا ملاحظ في تصرفات الفقهاء، وجارٍ في فروعهم، ومنها: إذا المرأة المتحيرة التي نسيت عادتها ووقتها يحل للزوج وطؤها؛ (لأنه يستحق الاستمتاع ولا نحرمه بالشك؛ ولأن في منعها دائماً مشقة عظيمة)(5).
    وهذا وجه في المذهب الشافعي، فالاحتياط هنا أُلغيَ رعياً للحرج البالغ الذي يعنت كلا الزوجين، وإلى هذا الوجه مالَ العز بن عبد السلام(66).
    هـ ـ ألاّ يفضي الاحتياط إلى تفويت مصلحة راجحة، وبفواتها يظل التعارض قائماً، فيحتاج إلى دفعه، فإذا كانت المصلحة أقوى وأهم قدمت على أصل الاحتياط.
    قال ابن تيمية: «وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمـن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية قد يدع واجبات ويفعل محرمات، ويرى ذلك من الورع؛ كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة، ويرى ذلك ورعاً، أو يدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة أو فجور ويرى ذلك من الورع»(7).
    إن الاحتياط مسلك تُجتنب به الشبهات، ومرجّح عند تعارض الأدلة، ومخصّص لعمـوم الإباحة إذا ثبت، ولا خلاف في حُسنه بين العقلاء في الجملة، إلا أن الإغراق فيه يؤول في نهاية المطاف إلى الاستدراك على الشرع، واجتراح البدعة المذمومة.
    وقد تفطن (ابن رشد الحفيد) إلى هذا المحذور فقال: «... وهو إن كان يخيّل فيه أنه أولى لمكان النجاة من الذم، فكذلك يخاف لحوق الذم بزيادة ما ليس من الشرع في الشرع»(8).

    -------------------------------------------------------
    (1) العمل بالاحتياط في الفقه الإسلامي لمنيب شاكر: [ص 48].
    (2) المصدر نفسه: [ ص 48 ـ 49].
    (1) الفروق للقرافي: [4/368].
    (2) بدائع الفوائد لابن القيم: [3/257].
    (3) الإحكام لابن حزم: [1/51] .
    (4) الأسرار في الأصول للدبوسي: [1/54] وأصول السرخسي، 1/345، والتحرير مع تيسير التحرير لابن الهمام: [3/151].
    (5) منتهى الوصول والأمال لابن الحاجب [ص 223 ـ 225] ونفائس الأصول للقرافي، 3/334، ومفتاح الوصول للتلمساني، [ص 646].
    (6) المستصفى للغزالي: [2/447] والبرهان للجويني: [1/402] والمحصول للرازي: [5/349].
    (7) العدة لأبي يعلى: [4/1244] والتمهيد للكلوذاني [1/87، 211] والمسودة لآل تيمية: [ ص 308، 531].
    (8) أصول السرخسي: [2/23].
    (9) الفصول في الأصول للجصاص: [2/99].
    (10) الموافقات للشاطبي: [2/276].
    (11) البرهان للجويني: [2/779].
    (12) الإحكام في أصول الأحكام: [6/2 ـ 15].
    (13) المصدر نفسه: [6/10].
    (14) الإحكام لابن حزم: [6/ 3 ـ 4].
    (1) المصدر نفسه: [6/13].
    (2) المصدر نفسه: [1/51].
    (3) الحجة البالغة للدهلوي: [2/134].
    (4) الموافقات للشاطبي: [1/124].
    (5) الروح لابن القيم: [ص 351].
    (1) الفوائد الجنية للفاداني: [2/ 134 ـ 142].
    (2) نقلاً عن إغاثة اللهفان لابن القيم: [1/163].
    (3) الروح لابن القيم: [ص 346].
    (4) قواعد التصوف لزروق: [ص 47 ـ 48].
    (5) المجموع، شرح المهذب للنووي: [2/461].
    (6) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: [2/18] .
    (7) الفتاوى لابن تيمية: [10/215].
    (8) الضروري في أصول الفقه لابن رشد الحفيد: [ص 142].


  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •