تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: محبة الله غاية المؤمنين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي محبة الله غاية المؤمنين



    محبة الله غاية المؤمنين (1)









    كتبه/ حسن حسونة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فحب الله جل وعلا من أجلِّ العبادات القلبية التي يسعى المسلم لتحقيقها، والتي لها أثر بالغ في حياته الدنيا، وكذلك يوم ميعاده، فإذا ما حقق العبد هذه المحبة نَعِمَ هذا القلب، وانشرح الصدر بنور المحبة قال الله: "والذين آمنوا أشد حبًّا لله"، وقال أيضًا: "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه"؛ هذا النور الذي يورثه فرقانًا يفرِّق به بين الحق والباطل، وبين الصحيح والسقيم، وبين الصراط المستقيم والضلال المبين، يزيل به العقبات من أمامه، ويسير على بينة من أمره؛ هذا النور يجعله عبدًا ربانيًّا يعيش بطاعة الله على نور من الله يرجو ثواب الله، ويجتنب معصية الله يخاف عقاب الله، يسلك المنهج الصحيح المبني على الكتاب والسنة بفهم أعلم الناس بهما، وهم سلف الأمة، القرون المفضلة الثلاث الأول.

    هذا النور يورثه السداد والرشد؛ فإن تكلم تكلم لله، وإن رأى رأى بتوفيق الله، وإن سمع سمع بتوفيق من الله، وإن مَشَى فبتوفيق الله، ولئن سأل الله أعطاه، وإن استعاذ بالله أعاذه، وأما إن قصَّر العبد عن بلوغ درجة المحبة مات قلبه، وأورثه العمى والصَمم، "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، فالعمى هنا عن إبصار الطريق الموصل إلى الله؛ عمى عن معرفة الله، ومعرفة دينه، ومعرفة نبيه، فلا يبصر إلا الشهوات والمنكرات، والملذات المحرمة، فيحيا حياةَ تخبطٍ من انحدار عقدي وسلوكي وأخلاقي، "ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا".


    فهذه ثمار مَن لم يحقق محبة الله وآثارها على هوى نفسه وغيرها كثير، بل وأعظمها في الآخرة حينما يرى جزاء ما قدَّم من أعمال سيئة، "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل".

    ومحبة الله لها علامات تدل عليها، نتعرف عليها في المقال القادم إن شاء الله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: محبة الله غاية المؤمنين



    محبة الله غاية المؤمنين (2)









    كتبه/ حسن حسونة


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فإن سألتَ آحاد الناس: هل تحبُ الله تعالى؟ الإجابة حتمًا ويقينًا: نعم، يستوي في ذلك المطيع والعاصي، المؤمن والكافر، المُوحِّد والمشرك، فإن سألت ما علامة ذلك؟ لأنه من البديهي كلُ ادعاء لا بد له من برهان، فإن أتيت بذلك البرهان فهو صدق، وإلا فهو كذب! فإن طرحنا السؤال السابق: ما دليل محبتك لله؟ يذكر المحب حقيقة برهانه، بينما يتلعثم الكاذب، ولا يجد ما يبرهن به.

    وهناك علامات للمحبة الصادقة من العبد لربه، نذكر منها وندلل عليها بدليلها مِن وحي القرآن والسنة النبوية، فمنها:

    أولًا: تحقيق الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فحياته عليه السلام منهج حياة في التوحيد والعبادة، والأخلاق والسلوك والمعاملة، فمَن كان على طريقه فهو صادق في محبته، ومَن كان معرضًا متنكبًا الصراط ومحاربًا لسنته؛ فهو أبعد الناس عن الله، قال الحسن البصري رحمه الله: "ادَّعى قوم محبة الله فابتلاهم بهذه الآية: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله".

    ثانيًا: من علامات المحبين لله، ما ذكره في هذه الآية: "يا أيها الذّين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يُحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يُجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم".

    هذه الآية ذَكَرَت أربع صفات للمحبين:

    1- "أذلة على المؤمنين": فالمؤمن رحيم بهم، متواضع معهم، مشفق عليهم؛ لاقتدائه برسول الله صلى الله عليه وسلم "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك".

    2- وصفٌ آخر: "أعزة على الكافرين"، أي: شديدٌ عليهم، يبغضهم لكفرهم، ولأن الله يبغضهم وهم أعداء الله "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء"، فمِن البرهان على محبتك لله: أن تحب ما يحبه المحبوب، وأن تبغض ما يبغضه المحبوب، فالله يحب المؤمنين، المتقين، الملتزمين بالدين، ويبغض الكافرين المشركين المتمردين على أوامره، وأنت كذلك أيها المحب.

    3- الوصف الثالث في الآية: "يجاهدون في سبيل الله" أي: بالنفس والمال واللسان، والقلم والقلب؛ لأنهم يعلمون أنه ذروة سنام هذا الدين، وهو التجارة الرابحة مع رب العالمين، "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم . تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"، وكأن السؤال: وما لنا إن فعلنا ذلك؟ فجاءت الإجابة: "يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدنٍ ذلك الفوز العظيم"؛ ولأن ترك الجهاد فيه المَهانة والذِلة للأمة": "إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلَّط الله عليكم ذُلًّا"، فالمحبون لله يجاهدون في سبيل الله على درجة استطاعتهم، وما يتعين عليهم من ذلك.

    4- الصفة الرابعة للمحبين: "لا يخافون لومة لائم في الله"؛ لأنهم يبحثون عن محاب الله ورضوانه؛ فلا يهمهم في إقامة ما أوجبه عليهم لائمة من أحدٍ؛ ولأنهم يعلمون أن مَن أرضى الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومَن أرضى الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وإرضاء جميع الناس غاية لا تُنَال؛ فما عليك أيها المحب إلا أن تأتي محاب الله ورضوانه، ولا تكترث بكلام الناس، فقد قيل عن الأنبياء أقبح الصفات، "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرٌ أو مجنون"، وبيَّن الله أن هذا دأبهم: "أتواصوا به بل هم قوم طاغون"، ومع ذلك لم يتركوا دعوتهم، فإن كان هذا مع الرُّسُل وهم الأكرم؛ فما دونهم أيسر وأهون.

    ثالثًا: من علامات محبة العبد لربه: الإقبال على الطاعات، فيبدأ بالفرض؛ لأن الله يحب ذلك؛ بالصلوات والزكوات، والصيام والحج، والعبادات القلبية مِن: خوف، ورجاء، وإخلاص، إلخ، ثم يتبع ذلك بالنوافل والمستحبات؛ ليحيا بتوفيق الله في كلِّ حياته، ويسعد في دنياه وأخراه.


    فهذه من علامات محبة العبد لمولاه وخالقه، وغيرها كثير، لكن هذه جوامع وأصول لفروعٍ كثيرةٍ.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: محبة الله غاية المؤمنين



    محبة الله غاية المؤمنين (3)

    ثمرات محبة الله لعبده









    كتبه/ حسن حسونة


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    محبة الله على العبد واجبة ولازمة، فيجب عليه أن يتقرَّب إليه بصنوف الطاعات الظاهرة والباطنة، لكن السؤال الآن الذي يسأله كلُّ واحد منا: هل الله يحبني؟ وما علامة ذلك؟

    فصفة المحبة ثابتة لله عز وجل فالله يُحبُ ويُحَبُ، فالله يحب المؤمنين، ويحب المحسنين، ويحب المتقين، وغيرها من الصفات الطيبة، وأهل السنة يثبتون هذه الصفة بلا تكييف ولا تعطيل، ومن غير تأويل ولا تمثيل "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".

    وعلامات محبة الله لعبده كثيرة، منها:

    أولًا: وضع القبول في الأرض، كما في الحديث: "إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ قَدْ *أَحَبَّ *فُلَانًا *فَأَحِبَّهُ، *فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ".

    فهذه منحة عظيمة تأتي من المنحة الأعظم، محبة الله، فمحبة جبريل الأمين فمحبة الملأ الأعلى، فلا يُذكر في السماء إلا بصفات المدح والثناء عليه، وعلى أثر هذه المحبة يوضع له القبول في الأرض وتنشأ له محبة أهل الأرض وبخاصة الصالحين منهم، كلما رآه أحد أحبه، ولربما لم يتعامل معه؛ إلا أن القبول يلاحقه، وتأمل قوله تعالى عن كليمه موسى عليه السلام: "وألقيت عليك محبة مني" .

    قال ابن كثير رحمه الله: "أي: عند عدوك جعلته يحبك"، وقال سلمة بن كهيل: "أي: حببتك إلى عبادي، فكان لا يراه أحد إلا أحبه".

    ثانيًا: التوفيق والسداد في أموره كلها، فإن سَمِعَ فبتوفيقه له، وإن نظر فتوفيق الله يلاحقه، ولئن مشى بقدمه فيسدده الله، ولئن لجأ إلى الله في شيء أعطاه ما تمني، ولئن استعاذ بالله أعاذه الله من كلِّ مكروه وسوء، كما في الحديث القدسي، قال الله: "كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ورجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها".

    ثالثًا: مِن علامات محبة الله لعبده يحفظه ويرعاه من شياطين الإنس والجن، ويرعاه في ماله وأولاده.

    رابعًا: يديم عليه نعمة الطاعة ويرزقه الشكر على نعمه والصبر عند الضراء، ويرزقه الاستقامة، وعملًا صالحًا قبل موته ليقبضه عليه، ويرزقه قلبًا مخبتًا منيبًا إليه، "يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا مَن أتى الله بقلب سليم".

    فهذه علامات على محبة الله لعبده المؤمن وغيرها كثير.

    ثم نختم بسؤال أخير وهو: ما الأسباب الجالبة لمحبة الله؟

    ذكر ابن القيم رحمه الله عشرة أسباب لمحبة الله وموصلة إليها، منها:

    أولها: قراءة القرآن، وتدبره، قال الله تعالى: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ *لِيَدَّبَّرُوا *آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ".

    ثانيها: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.

    ثالثها: دوام ذِكْر الله على كل حال بالقلب واللسان.

    رابعها: إيثار محاب الله على محاب النفس.

    خامسها: مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته، ومشاهدتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة، وكذلك النظر في الكون، "ربنا ما خلقت هذا باطلًا سبحانك فقنا عذاب النار".

    سادسها: مشاهدة بره وإحسانه، ونعمه الظاهرة والباطنة.

    سابعها: انكسار القلب بين يديه.

    ثامنها: الخلوة وقت النزول الإلهي وتلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار.

    تاسعها: مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطيب ثمرات كلامهم.

    عاشرها: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

    وقد أحسن رحمه الله في ترتيب هذه الأسباب الجالبة لمحبته عز وجل، نسأل الله أن يرزقنا حبه، وحب ما يحبه، وكل عمل يقربنا إلى حبه، اللهم اجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.


    أمين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •