الاستدلال بفتوى الشيخ العثيمين في قول (رمضان كريم) على المنع من الثناء على شهر رمضان بأنه كريم استدلال مجانب للصواب:
إذا كتبت رسالة تهنئة برمضان وذكرت فيها, الشهر الكريم، بادرك بعض الإخوة بأنها كلمة لا تجوز وقد نهى الشيخ العثيمين عنها، وينقل الفتوى التالية:
سُئل العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن الصائم
حينما يقع في معصية من المعاصي ويُنهى عنها ، يقول : «رمضان كريم» !!!




فما حكم هذه الكلمة ؟ وما حكم هذا التصرف ؟


فأجاب رحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء بقوله :


( حكم ذلك أن هذه الكلمة «رمضان كريم» غير صحيحة ،
وإنما يقال: « رمضان مبارك » وما أشبه ذلك ؛ لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريماً،
وإنما الله تعالى هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهراً فاضلاً، ووقتاً لأداء ركن من أركان الإسلام،
وكأن هذا القائل يظن أنه لشرف الزمان يجوز فيه فعل المعاصي،
وهذا خلاف ما قاله أهل العلم بأن السيئات تعظم في الزمان والمكان الفاضل،
عكس ما يتصوره هذا القائل، وقالوا: يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل
في كل وقت وفي كل مكان، لاسيما في الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة،
وقد قال الله عز وجل :
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
فالحكمة من فرض الصوم تقوى الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه،
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
«من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»
فالصيام عبادة لله، وتربية للنفس وصيانة لها عن محارم الله،
وليس كما قال هذا الجاهل: إن هذا الشهر لشرفه وبركته يسوغ فيه فعل المعاصي.)


انتهى من مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (ج 20 / رقم 254 )
https://www.sahab.net/forums/index.p...opic&id=130714


ورحم الله العلماء حيث اشترطوا في إنكار المنكر أن يكون المنكر عالما بالمسألة التي ينكر فيها على من تلبس بها، ولا يقولن قائل أنا مقلد لإمام، لأنه سيقال له افهم كلام الإمام على مراده ثم قلد.
الفتوى احتوت على أمور:
الأمر الأول: يظهر من سياق السؤال وهو الاحتجاج على المعصية بهذه المقولة من العوام لمن ينهاهم عن معصية ما (رمضان كريم)، وقد انصب عليها أكثر كلام الشيخ.
الأمر الثاني: مقصد المتكلم الذي أنكر عليه الشيخقوله, (رمضان كريم)، بأن نسب الكرم للشهر، وهو الاستهانة بالمعصية بحجة نسبة الكرم للشهر
فليس السياق سياق تهنئى أو ثناء على الشهر.


الأمر الثالث: إنكار الشيخ بأن كلمة كريم لا يفهم منها إلا المعطي إنكار على ما عناه المتكلم من هذه العبارة، وليس مقصد الشيخ أن كريم لا يفهم منها إلا ذلك، يشهد بذلك تفسير الشيخ وشروحه اللغوية، فالشيخ فيما نحسبه أعلى مكانة من أن يخفى عليه مثل هذا، وكلمة كريم وصفت بها أمور عدة في كتاب الله عز وجل منها قول الله تعالى: {إني ألقي إلي كتاب كريم}، وقوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم}، ومن راجع تفسير جميع هذه الآيات من كلام الشيخ عرف أنه يعلم المعاني العديدة لكلمة كريم، جاء في لسان العرب:
كرم : الكريم : من صفات الله وأسمائه ، وهو الكثير الخير الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ، وهو الكريم المطلق . والكريم : الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل . والكريم . اسم جامع لكل ما يحمد فالله عز وجل كريم حميد الفعال ، ورب العرش الكريم العظيم . ابن سيده : الكرم نقيض اللؤم ، يكون في الرجل بنفسه ، وإن لم يكن له آباء ،


وفي اللسان أيضا:
والكريم : الصفوح .


وفيه أيضا:
والكريم : الذي كرم نفسه عن التدنس بشيء من مخالفة ربه .
وفي كتاب الله: {ورزق كريم}، {ملك كريم}، {{ومقام كريم}، {رب العرش الكريم}، بجر الكريم على أنها صفة للعرش، قال ابن فارس في مقاييس اللغة (5/171-172): [(كرم) الكاف والراء والميم أصلٌ صحيح له بابان: أحدهما شَرَف ٌفي الشَّيء في نفسِه أو شرفٌ في خُلُق من الأخلاق. يقال رجلٌ كريم، وفرسٌ كريم، ونبات كريم. وأكرَمَ الرّجلُ، إذا أتَى بأولادٍ كرام. واستَكْرَم: اتَّخَذَ عِلْقاً كريماً. وكَرُم السّحابُ: أتَى بالغَيث. وأرضٌ مَكرَُمةٌ للنَّبات، إذا كانت جيِّدة النبات. والكَرَم في الخُلْق يقال هو الصَّفح عن ذنبِ المُذنب. قال عبدُ الله بنُ مسلِم بن قُتيبة: الكريم: الصَّفوح. والله تعالى هو الكريم الصَّفوح عن ذنوب عبادِه المؤمنين....
(تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة رحمه الله حيث قال (494):
(الكريم: الشريف الفاضل، قال الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) أي: أفضلكم.
وقال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) أي: شرفناهم وفضلناهم.
وقال حكاية عن إبليس: (أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) أي: فضلت.
وقال: (إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ) أي: فضله. وقال: (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ). أي: الشريف الفاضل.
وقال: (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) أي: شريفًا.
وقال: (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) أي شريف لشرف كاتبه، ويقال: شريف بالختم.والكريم: الصفوح. وذلك من الشرف والفضل.
قال الله عز وجل (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) أي: صفوح.
وقال (ما غرك بربك الكريم) أي الصفوح.والكريم: الكثير الكرم
قال الله تعالى: (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي: كثير.والكريم: الحسن، وذلك من الفضل.
قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) أي: حسن.
وكذلك قوله: (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي: حسن يُبتهج به.
وقال تعالى: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) أي: حسنًا. وهذا وإن اختلف، فأصله الشرف).



فالشيخ رحمه الله نظر إلى مقصد المتكلم، ولم يحرم الثناء على رمضان بأنه كريم بإطلاق، ولو ثبت عنه ذلك، ففي هذهفاللغة والنصوص ترده، فلصيغة كريم معنيان، وقد أثني على غير رمضان من المخلوقات, كالعرش بأنه كريم، وليس يقصد بها المعطي، والله أعلم.
والحاصل أنه يجوز الثناء على رمضان بأنه كريم في حال قصد الشرف والرفعة، أو بأنه مكرم مفضل على غيره، ولا يجوز التعبير عنه بأنه كريم من حيث التهوين من شأن المعصية فيه، والله الموفق.