تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الفقه الغائب عند تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد والمصالح الراجحة- متجدد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الفقه الغائب عند تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد والمصالح الراجحة- متجدد

    مراعاة المصالح والمفاسد ، هو باب من الفقه دقيق ،
    وأساس متين ، قامت عليه الشريعة ،
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    " فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها،
    وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان ،
    ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعا، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعا " .
    و قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
    باب التعارض باب واسع جدا لاسيما فى الأزمنة والأمكنة التى نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة
    فان هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل
    ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة
    فانه اذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم
    فأقوام قد ينظرون الى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وان تضمن سيئات عظيمة وأقوام قد ينظرون الى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وان ترك حسنات عظيمة
    والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أولأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات لكون الأهواء قارنت الآراء
    ولهذا جاء فى الحديث إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات
    فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل
    وقد يكون الواجب في بعضها كما بينته فيما تقدم العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء لا التحليل والاسقاط مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبرمنها
    فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية مثل أن ترفع مذنبا الى ذي سلطان ظالم فيعتدى عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضررا من ذنبه ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر
    العالم تارة يأمر وتارة ينهي وتارة يبيح وتارة يسكت عن

    الأمر أو النهي أو الاباحة كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح
    وعند التعارض يرجح الراجح كما تقدم بحسب الامكان
    فأما اذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن إما لجهله واما لظلمه ولا يمكن ازالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والامساك عن أمره ونهيه
    كما قيل ان من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الاسلام وظهر
    فالعالم في البيان والبلاغ كذلك
    قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء الى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام الى وقت تمكن رسول الله تسليما إلى بيانها
    يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) والحجة على عباد انما تقوم بشيئين بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدة على العمل به فاما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي
    واذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلا
    وهذه أوقات الفترات فاذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول

    شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا ومعلوم أن الرسول لا يبلغ الا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة كما يقال اذا أردت ان تطاع فأمر بما يستطاع
    فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ الا ما أمكن علمه والعمل به كما أن الداخل في الاسلام لا يمكن حين دخوله ان يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها
    وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد لا يكمن في اول الأمر ان يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فانه لا يطيق ذلك واذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال واذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأمير ان يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله الى وقت الامكان كما عفى الرسول عما عفى عنه الى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب اقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بامكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط
    فتدبر هذا الأصل فانه نافع

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفقه الغائب عند تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد والمصالح الراجحة- متجدد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    و قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
    باب التعارض باب واسع جدا لاسيما فى الأزمنة والأمكنة التى نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة فان هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فانه اذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم فأقوام قد ينظرون الى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وان تضمن سيئات عظيمة وأقوام قد ينظرون الى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وان ترك حسنات عظيمة والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أولأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات لكون الأهواء قارنت الآراء ولهذا جاء فى الحديث إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها كما بينته فيما تقدم العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء لا التحليل والاسقاط مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبرمنها فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية مثل أن ترفع مذنبا الى ذي سلطان ظالم فيعتدى عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضررا من ذنبه ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر
    العالم تارة يأمر وتارة ينهي وتارة يبيح وتارة يسكت عن

    الأمر أو النهي أو الاباحة كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح وعند التعارض يرجح الراجح كما تقدم بحسب الامكان فأما اذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن إما لجهله واما لظلمه ولا يمكن ازالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والامساك عن أمره ونهيه كما قيل ان من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الاسلام وظهر
    فالعالم في البيان والبلاغ كذلك قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء الى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام الى وقت تمكن رسول الله تسليما إلى بيانها
    نعم
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    " فصل جامع في تعارض الحسنات ؛ أو السيئات ؛ أو هما جميعا " جاء فيه:
    " فالتعارض إما بين:
    1- حسنتين لا يمكن الجمع بينهما؛ فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح.
    2- وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما؛ فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما.
    3- وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة؛ وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ، ومضرة السيئة.
    فالأول: كالواجب والمستحب ؛ وكفرض العين وفرض الكفاية ؛ مثل تقديم قضاء الدين المطالب به ، على صدقة التطوع .
    وكتقديم نفقة الأهل على نفقة الجهاد الذي لم يتعين ؛ وتقديم نفقة الوالدين عليه كما في الحديث الصحيح : ( أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة على مواقيتها ، قلت : ثم أي ؟ قال : ثم بر الوالدين . قلت . ثم أي ؟ قال : ثم الجهاد في سبيل الله ).
    وتقديم الجهاد على الحج كما في الكتاب والسنة، متعين على متعين، ومستحب على مستحب [يعني : تقديم الجهاد الواجب المتعين على الحج الواجب المتعين ، وتقديم الجهاد المستحب على الحج المستحب] ، وتقديم قراءة القرآن على الذكر إذا استويا في عمل القلب واللسان، وتقديم الصلاة عليهما إذا شاركتهما في عمل القلب، وإلا فقد يترجح الذكر بالفهم والوجل على القراءة التي لا تجاوز الحناجر . وهذا باب واسع.
    والثاني : كتقديم المرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب، كما فعلت أم كلثوم التي أنزل الله فيها آية الامتحان : (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) ، وكتقديم قتل النفس على الكفر كما قال تعالى : (والفتنة أكبر من القتل) ، فتقتل النفوس التي تحصل بها الفتنة عن الإيمان؛ لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس، وكتقديم قطع السارق ورجم الزاني وجلد الشارب على مضرة السرقة والزنا والشرب ، وكذلك سائر العقوبات المأمور بها فإنما أمر بها مع أنها في الأصل سيئة وفيها ضرر ؛ لدفع ما هو أعظم ضررا منها ؛ وهي جرائمها ؛ إذ لا يمكن دفع ذلك الفساد الكبير إلا بهذا الفساد الصغير .
    وكذلك في " باب الجهاد " وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراما فمتى احتيج إلى قتال قد يعمهم مثل: الرمي بالمنجنيق ، والتبييت بالليل جاز ذلك ، كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق ، وفي أهل الدار من المشركين يبيّتون، وهو دفع لفساد الفتنة أيضا بقتل من لا يجوز قصد قتله ...
    وأما الثالث : فمثل أكل الميتة عند المخمصة ؛ فإن الأكل حسنة واجبة لا يمكن إلا بهذه السيئة ، ومصلحتها راجحة ، وعكسه الدواء الخبيث ؛ فإن مضرته راجحة على مصلحته من منفعة العلاج لقيام غيره مقامه ؛ ولأن البرء لا يتيقن به ، وكذلك شرب الخمر للدواء . فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها.
    والحسنة تترك في موضعين : إذا كانت مفوتة لما هو أحسن منها ؛ أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة ، هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية .
    وأما سقوط الواجب لمضرة في الدنيا ؛ وإباحة المحرم لحاجة في الدنيا ؛ كسقوط الصيام لأجل السفر ؛ وسقوط محظورات الإحرام وأركان الصلاة لأجل المرض، فهذا باب آخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج الذي قد تختلف فيه الشرائع ؛ بخلاف الباب الأول ؛ فإن جنسه مما لا يمكن اختلاف الشرائع فيه وإن اختلفت في أعيان ه، بل ذلك ثابت في العقل كما يقال : ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر ، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين " .
    إلى أن قال: " فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة ، وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة ، وإن سمي ذلك ترك واجب ، وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر ، ويقال في مثل هذا: ترك الواجب لعذر ، وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة ؛ أو لدفع ما هو أحرم ، وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها : إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء . هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، فإن ذلك وقتها ، لا كفارة لها إلا ذلك) .
    وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات : وقع الاشتباه والتلازم، فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم على العمل بالحسنات وترك السيئات ؛ لكون الأهواء قارنت الآراء ، ولهذا جاء في الحديث : (إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات) . فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل" انتهى من " مجموع الفتاوى " باختصار (20/48-58). وراجعه بتمامه فإنه مهم.
    ولابن القيم رحمه الله تقرير نافع أيضا في هذا الباب .
    قال رحمه الله: " هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد".
    ثم قال: " ونحن نذكر تفصيل ما أجملناه في هذا الفصل بحول الله وتوفيقه ومعونته بأمثلة صحيحة:
    المثال الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ، ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه ، وأبغض إلى الله ورسوله : فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم ، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر .
    وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقالوا: أفلا نقاتلهم ؟ فقال : لا ؛ ما أقاموا الصلاة .
    وقال: من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يدا من طاعته.
    ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء...
    المثال الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تقطع الأيدي في الغزو). رواه أبو داود. فهذا حد من حدود الله تعالى وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره، من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا، كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم..." انتهى من " إعلام الموقعين " (3/3-5).المصدر الاسلام سؤال وجواب

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفقه الغائب عند تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد والمصالح الراجحة- متجدد

    جاء في نصوص القرآن الكريم ما يشهد لهذا النوع من الفقه بالاعتبار :
    فمن ذلك قوله تعالى في قصة موسى والخضر عليهما السلام :
    (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا . وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا )
    فالخضر عليه السلام بما علَّمه الله من علم وحكمة أقدَم على مفسدة خرق السفينة ليدفع مفسدة ضياعها بالكلية على يد الملك الظالم الذي يأخذ كل سفينة غصبا , وأقدم على مفسدة قتل الغلام ليدفع مفسدة إرهاق أبويه طغيانا وكفرا , وكانت هذه الصورة الأخيرة جائزة في حقه غير جائزة في شرعنا .
    وفي ذلك يقول العز بن عبد السلام في " قواعد الأحكام في مصالح الأنام " (2 / 58) : " ولو اطلع موسى على ما في خرق السفينة من المصلحة ، وعلى ما في قتل الغلام من المصلحة، وعلى ما في ترك السفينة من مفسدة غصبها، وعلى ما في إبقاء الغلام من كفر أبويه وطغيانهما ، لما أنكر عليه ولساعده في ذلك وصوب رأيه ، لما في ذلك من القربة إلى الله - عز وجل -، ولو وقع مثل ذلك في زماننا هذا لكان حكمه كذلك ، وله أمثلة كثيرة : منها: أن تكون السفينة ليتيم يخاف عليها الوصي أن تغصب ، وعلم الوصي أنه لو خرقها لزهد الغاصب عن غصبها، فإنه يلزمه خرقها حفظا للأكثر بتفويت الأقل ، فإن حفظ الكثير الخطير بتفويت القليل الحقير من أحسن التصرفات وقد قال تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) [الأنعام: 152] " انتهى . وفي السنة المطهرة ما يدل على ذلك أيضا , ومن ذلك:
    أولا: أخرج البخاري (1586) ، ومسلم (1333) عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : ( يَا عَائِشَةُ ، لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ ، بَابًا شَرْقِيًّا ، وَبَابًا غَرْبِيًّا ، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ ) .
    فهذا دليل على تقديم أولى المصلحتين ودفع أكبر المفسدتين .
    وفي ذلك يقول النووي رحمه الله تعالى عند شرحه لهذا الحديث : "فِيهِ دَلِيلٌ لِتَقْدِيمِ أَهَمِّ الْمَصَالِحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَمِيعِهَا " انتهى من " شرح النووي على مسلم" (9 / 90).
    وفي " شرح الزرقاني على الموطأ " (2 / 448): " وَفِيهِ تَرْكُ مَا هُوَ صَوَابٌ خَوْفَ وُقُوعِ مَفْسَدَةٍ أَشَدَّ، وَاسْتِئْلَافُ النَّاسِ إِلَى الْإِيمَانِ ، وَاجْتِنَابُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَا يَتَسَارَعُ النَّاسُ إِلَى إِنْكَارِهِ ، وَمَا يُخْشَى مِنْهُ تَوَلُّدُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا ، وَتَأَلُّفَ قُلُوبِهِمْ بِمَا لَا يُتْرَكُ فِيهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ ، كَمُسَاعَدَتِهِ مْ عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ ، وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ ، وَأَنَّهُمَا إِذَا تَعَارَضَا بُدِئَ بِرَفْعِ الْمَفْسَدَة " انتهى .
    ثانيا:
    ما أخرجه البخاري (220) ، ومسلم (284) : " أن أَعْرَابِيا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) . قال النووي في شرحه على مسلم (3 / 191): " وَفِيهِ دَفْعُ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَخَفِّهِمَا ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (دَعُوهُ) قَالَ الْعَلَمَاءُ: كَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (دَعُوهُ) لِمَصْلَحَتَيْن ِ إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ بَوْلَهُ تَضَرَّرَ وَأَصْلُ التَّنْجِيسِ قَدْ حَصَلَ فَكَانَ احْتِمَالُ زِيَادَتِهِ أَوْلَى مِنْ إِيقَاعِ الضَّرَرِ بِهِ . وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ التَّنْجِيسَ قَدْ حَصَلَ فِي جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَوْ أَقَامُوهُ فِي أَثْنَاءِ بَوْلِهِ لَتَنَجَّسَتْ ثِيَابُهُ وَبَدَنُهُ وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ من المسجد" انتهى.
    وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري " (1 / 324) : " لَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ لِمَ نَهَيْتُمُ الْأَعْرَابِيَّ ، بَلْ أَمَرَهُمْ بِالْكَفِّ عَنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ ، وَهُوَ دَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْ نِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا ، وَتَحْصِيلُ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْ نِ بِتَرْكِ أَيْسَرِهِمَا " انتهى .
    وقال الإمام بدر الدين العيني في " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (3 / 127): " فيه دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، فإن البول فيه مفسدة ، وقطعه على البائل مفسدة أعظم منها ، فدفع أعظمهما بأيسر المفسدتين ، وتنزيه المسجد عنه مصلحة وترك البائل إلى الفراغ مصلحة أعظم منها، فحصل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما" انتهى.
    قال العز بن عبد السلام في " قواعد الأحكام في مصالح الأنام " (1 / 5):
    " ومعظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل ، وذلك معظم الشرائع ؛ إذ لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع أن تحصيل المصالح المحضة ، ودرء المفاسد المحضة ، عن نفس الإنسان وعن غيره : محمود حسن ، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها : محمود حسن ، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها : محمود حسن ، وأن تقديم المصالح الراجحة على المرجوحة : محمود حسن، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن " انتهى.
    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (20 / 57) :
    " فإذا ازْدَحَمَ وَاجِبَانِ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا ، فَقُدِّمَ أَوْكَدُهُمَا : لَمْ يَكُنْ الْآخَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَاجِبًا , وَلَمْ يَكُنْ تَارِكُهُ لِأَجْلِ فِعْلِ الْأَوْكَدِ : تَارِكَ وَاجِبٍ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ مُحَرَّمَانِ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ أَعْظَمِهِمَا ، إلَّا بِفِعْلِ أَدْنَاهُمَا : لمْ يَكُنْ فِعْلُ الْأَدْنَى فِي هَذِهِ الْحَالِ مُحَرَّمًا فِي الْحَقِيقَةِ , وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَرْكَ وَاجِبٍ ، وَسُمِّيَ هَذَا فِعْل مُحَرَّمٍ ، بِاعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ : لَمْ يَضُرَّ، وَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا تَرْكُ الْوَاجِبِ لِعُذْرِ ، وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ ؛ أَوْ لِدَفْعِ مَا هُوَ أحرم" انتهى .
    وجاء في " الفروق" للقرافي (3 / 22) :
    " إنَّ شَأْنَ الشَّرَائِعِ دَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْ نِ بِإِيقَاعِ أَدْنَاهَا ، وَتَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا" انتهى.
    وجاء في " المنثور في القواعد الفقهية " (1 / 348):
    " وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ : أَنْ تُدْرَأَ أَعْظَمُ الْمَفْسَدَتَيْ نِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا" انتهى. المصدر الاسلام سؤال وجواب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفقه الغائب عند تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد والمصالح الراجحة- متجدد

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" عن قتال التتار:
    "فإن اتفق مَن يقاتلهم على الوجه الكامل فهو الغايةُ في رضوان اللهِ، وإعزاز كلمته، وإقامة دينه، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. وإن كان فيهم مَن فيه فجورٌ وفسادُ نيةٍ بأن يكون يقاتل على الرِّياسة، أو يتعدّى عليهم في بعض الأمور، وكانت مفسدةُ ترك قتالهم [أي التتار] أعظمَ على الدِّين مِن مفسدة قتالهم على هذا الوجه: كان الواجبُ أيضًا قتالَـهم؛ دفعًا لأعظم المفسدتين بالتزام أدناهما؛ فإنّ هذا مِن أصول الإسلام التي ينبغي مراعاتها، ولهذا كان مِن أصول أهل السنة والجماعة الغزوُ مع كلِّ بَرٍّ وفاجر؛ فإنّ الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار، أو مع عسكرٍ كثير الفجور، فإنه لا بدّ مِن أحد أمرين: إما تركُ الغزو معهم، فيلزم مِن ذلك استيلاءُ الآخرين الذين هم أعظم ضررًا في الدين والدنيا، وإما الغزو مع الأمير الفاجر فيحصل بذلك دفعُ الأفجرَين، وإقامةُ أكثر شرائع الإسلام، وإن لم يمكن إقامة جميعها. فهذا هو الواجب في هذه الصورة وكلِّ ما أشبهها، بل كثيرٌ مِن الغزو الحاصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه".

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفقه الغائب عند تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد والمصالح الراجحة- متجدد

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
    قوله تعالى ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما)
    وقال( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)
    وقال (لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاه إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وقال والفتنه أكبر من القتل )
    وقال( فان خفتم فرجالا أو ركبانا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاه فلتقم طائفة منهم معك)
    إلى قوله (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم )
    وقال
    ( ووصينا الانسان بوالديه حسنا )
    إلى قوله (وأن جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به
    علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي )
    ونقول إذا ثبت أن الحسنات لها منافع وإن كانت واجبة كان فى تركها مضار والسيئات فيها مضار وفى المكروه بعض
    حسنات فالتعارض إما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما فيدفع اسوأهما باحتمال أدناهما واما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما بل فعل الحسنه مستلزم لوقوع السيئة وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة
    فالأول:: كالواجب والمستحب وكفرض العين وفرض الكفاية مثل تقديم قضاء الدين المطالب به على صدقة التطوع
    والثانى:: كتقديم نفقة الأهل على نفقة الجهاد الذي لم يتعين وتقديم نفقة الوالدين عليه كما فى الحديث الصحيح أي العمل أفضل قال الصلاة على مواقيتها قلت ثم أي قال ثم بر الوالدين قلت ثم أى قال ثم الجهاد فى سبيل الله وتقديم الجهاد علىالحج كما فى الكتاب والسنة متعين على متعين ومستحب على مستحب وتقديم قراءة القرآن على الذكر إذا استويا في عمل القلب واللسان وتقديم الصلاة عليهما إذا شاركتهما فى عمل القلب والا فقد يترجح الذكر بالفهم والوجل على القراءة التى لا تجاوز الحناجر وهذا باب واسع
    والثالث:: كتقديم المرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها
    بدار الحرب كما فعلت أم كلثوم التى أنزل الله فيها آية الامتحان يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات وكتقديم قتل النفس على الكفر كما قال تعالى والفتنه أكبر من القتل فتقتل النفوس التى تحصل بها الفتنه عن الايمان لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس وكتقديم قطع السارق ورجم الزانى وجلد الشارب على مضرة السرقه والزنا والشرب وكذلك سائر العقوبات المأمور بها فانما أمر بها مع أنها فى الأصل سيئه وفيها ضرر لدفع ما هو أعظم ضررا منها وهى جرائمها إذ لا يمكن دفع ذلك الفساد الكبير الا بهذا الفساد الصغير
    وكذلك فى باب الجهاد وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراما فمتى احتيج الى قتال قد يعمهم مثل الرمى بالمنجنيق والتبييت بالليل جاز ذلك كما جاءت فيها السنه فى حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق وفى أهل الدار من المشركين يبيتون وهو دفع لفساد الفتنه أيضا بقتل من لا يجوز قصد قتله
    وكذلك مسأله التترس التى ذكرها الفقهاء فان الجهاد هو دفع فتنه الكفر فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي الى قتل اولئك المتترس بهم جاز ذلك وأن لم يخف الضرر لكن لم يمكن الجهاد الا بما بما يفضي الى قتلهم ففيه قولان
    ومن يسوغ ذلك يقول قتلهم لأجل مصلحة الجهاد مثل قتل المسلمين المقاتلين يكونون شهداء ومثل ذلك إقامة الحد على المباذل وقتال البغاة وغير ذلك ومن ذلك إباحة نكاح الأمة خشية العنت وهذا باب واسع أيضا
    وأما الرابع ::فمثل أكل الميتة عند المخمصة فان الأكل حسنة واجبة لا يمكن إلا بهذه السيئة ومصلحتها راجحة وعكسه الدواء الخبيث فان مضرته راجحة على مصلحته من منفعة العلاج لقيام غيره مقامه ولأن البرألا يتيقن به وكذلك شرب الخمر للدواء
    فتبين أن السيئة تحتمل فى موضعين دفع ما هو أسوأ منها اذا لم تدفع الا بها وتحصل بما هو أنفع من تركها اذا لم تحصل الا بها والحسنة تترك فى موضعين اذا كانت مفوتة لما هو أحسن منها أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية
    وأما سقوط الواجب لمضرة في الدنيا واباحة المحرم لحاجة فى الدنيا كسقوط الصيام لأجل السفر وسقوط محظورات الاحرام وأركان الصلاة لأجل المرض فهذا باب آخر يدخل فى سعة الدين ورفع الحرج الذي قد تختلف فيه الشرائع بخلاف الباب الأول فان جنسه مما لا يمكن اختلاف الشرائع فيه وان اختلفت فى أعيانه بل ذلك ثابت في العقل كما يقال ليس العاقل الذى يعلم خير من بشر إنما العقل الذى يعلم خير الخيرين وشر الشرين وينشد ... ان اللبيب اذا بدى من جسمه ... مرضان مختلفان داوى الأخطرا ...

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفقه الغائب عند تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد والمصالح الراجحة- متجدد

    وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
    وهذا ثابت في سائر الأمور فان الطبيب مثلا يحتاج الى تقوية القوة ودفع المرض والفساد أداة تزيدهما معا فانه يرجح عند وفور القوة تركه إضعافا للمرض وعند ضعف القوة فعله لان منفعة ابقاء القوة والمرض إولى من اذهابها جميعا فان ذهاب القوة مستلزمة للهلاك ولهذا استقر فى عقول الناس انه عند الجدب يكون نزول المطر لهم رحمه وإن كان يتقوى بما ينتبه أقوام على ظلمهم لكن عدمه اشد ضررا عليهم ويرجحون وجود السلطان مع ظلمه على عدم السلطان كما قال بعض العقلاء ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحد بلا سلطان
    ثم السطان يؤاخذ على ما يفعله من العدوان ويفرط فيه من
    الحقوق مع التمكن لكن اقول هنا اذا كان المتولي للسلطان العام او بعض فروعة كالامارة والولاية والقضاء ونحو ذلك اذا كان لا يمكنه اداء واجباته وترك محرماته ولكن يتعمد ذلك مالا يفعله غيره قصدا وقدرة جازت له الولاية وربما وجبت وذلك لان الولاية اذا كانت من الواجبات التى يجب تحصيل مصالحها من جهاد العدو وقسم الفىء واقامة الحدود وامن السبيل كان فعلها واجبا فاذا كان ذلك مستلزما لتولية بعض من لا يستحق واخذ بعضى مالا يحل واعطاء بعض من لا ينبغي ولا يمكنه ترك ذلك صار هذا من باب مالا يتم الواجب او المستحب الا به فيكون واجبا اومستحبااذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب او المستحب بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم ومن تولاها اقام الظلم حتى تولاها شخص قصدة بذلك تخفيف الظلم فيها ودفع أكثره باحتمال أيسره كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو اشد منها جيدا
    وهذا باب يختلف باختلاف النيات والمقاصد فمن طلب منه ظالم قادر والزمه مالا فتوسط رجل بينهما ليدفع عن المظلوم كثرة الظلم واخذ منه واعطى الظالم مع اختياره ان لا يظلم ودفعه ذلك لو امكن كان محسنا ولو توسط اعانه للظالم كان مسيئا
    وانما الغالب فى هذه الاشياء فساد النية والعمل اما النية فبقصده السلطان والمال وأما العمل فبفعل المحرمات وبترك الواجبات لا لاجل التعارض ولا لقصد الانفع والاصلح
    ثم الولايه وان كانت جائزة او مستحبة أو واجبة فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها اوجب او احب فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبا تارة واستحابا أخرى
    ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر بل ومسألته أن يجعله على خزائن الارض وكان هو وقومه كفارا كما قال تعالى (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم فى شك مما جاءكم) به الآية وقال تعالى عنه( يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) الآية ومعلوم أنه مع كفرهم لابد أن يكون لهم عادة وسنة فى قبض الاموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم ولم يكون يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فان القوم لم يستجيبوا له لكن فعل الممكن من العدل والاحسان ونال بالسلطان من اكرام المؤمنين من أهل بيته مالم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك وهذا كله داحل فى قوله ( فاتقوا الله ما استطعتم )
    فاذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر فى هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب فى الحقيقة
    وكذلك اذا اجمتع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما الا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما فى الحقيقة وان سمى ذلك ترك واجب وسمى هذا فعل محرم باعتبار الاطلاق لم يضر ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو لضرورة أو لدفع ما هو أحرم وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها إنه صلاها فى غير الوقت المطلق قضاء
    هذا وقد قال النبى (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها اذا ذكرها فان ذلك وقتها لاكفارة لها الا ذلك )

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفقه الغائب عند تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد والمصالح الراجحة- متجدد

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
    جهة المعارض الراجح .
    هذا أصعب من الذي قبله ؛
    فإن الشيء قد يكون جهة فساده يقتضي تركه فيلحظه المتورع
    ؛ ولا لحظ ما يعارضه من الصلاح الراجح ؛ وبالعكس فهذا هذا .
    وقد تبين أن من جعل الورع الترك فقط ؛
    وأدخل في هذا الورع أفعال قوم ذوي مقاصد صالحة بلا بصيرة من دينهم وأعرض عما فوتوه بورعهم من الحسنات الراجحة
    فإن الذي فاته من دين الإسلام أعظم مما أدركه
    فإنه قد يعيب أقواما هم إلى النجاة والسعادة أقرب .
    وهذه القاعدة منفعتها لهذا الضرب وأمثاله كثيرة ؛
    فإنه ينتفع بها أهل الورع الناقص أو الفاسد
    وكذلك أهل الزهد الناقص أو الفاسد فإن الزهد المشروع الذي به أمر الله ورسوله
    هو عدم الرغبة فيما لا ينفع من فضول المباح
    فترك فضول المباح الذي لا ينفع في الدين زهد وليس بورع ولا ريب أن الحرص والرغبة في الحياة الدنيا وفي الدار الدنيا من المال والسلطان مضر كما روى الترمذي عن كعب بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه } " قال الترمذي حديث حسن صحيح . فذم النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على المال والشرف وهو الرياسة والسلطان وأخبر أن ذلك يفسد الدين مثل أو فوق إفساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم . وهذا دليل على أن هذا الحرص إنما ذم لأنه يفسد الدين الذي هو الإيمان والعمل الصالح فكان ترك هذا الحرص لصالح العمل وهذان هما المذكوران في قوله تعالى { ما أغنى عني ماليه } { هلك عني سلطانيه } وهما اللذان : ذكرهما الله في سورة القصص حيث افتتحها بأمر فرعون وذكر علوه في الأرض وهو الرياسة والشرف والسلطان ثم ذكر في آخرها قارون وما أوتيه من الأموال وذكر عاقبة سلطان هذا وعاقبة مال هذا ثم قال : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا } كحال فرعون وقارون ؛ فإن جمع الأموال من غير إنفاقها في مواضعها المأمور بها وأخذها من غير وجهها هو من نوع الفساد . وكذلك الإنسان إذا اختار السلطان لنفسه بغير العدل والحق لا يحصل إلا بفساد وظلم وأما نفس وجود السلطان والمال الذي يبتغى به وجه الله والقيام بالحق والدار الآخرة ويستعان به على طاعة الله ولا يفتر القلب عن محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ولا يصده عن ذكر الله فهذا من أكبر نعم الله تعالى على عبده إذا كان كذلك . ولكن قل أن تجد ذا سلطان

    أو مال إلا وهو مبطئ مثبط عن طاعة الله ومحبته متبع هواه فيما آتاه الله وفيه نكول حال الحرب والقتال في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فبهذه الخصال يكتسب المهانة والذم دنيا وأخرى . وقد قال تعالى لنبيه وأصحابه : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون } فأخبر أنهم هم الأعلون وهم مع ذلك لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا وقال تعالى : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم }

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفقه الغائب عند تعذَّر إقامةُ الواجباتِ مِن العلم والجهاد والمصالح الراجحة- متجدد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    فيلحظه المتورع
    ؛ ولا لحظ ما يعارضه من الصلاح الراجح ؛ وبالعكس فهذا هذا .
    وقد تبين أن من جعل الورع الترك فقط ؛
    وأدخل في هذا الورع أفعال قوم ذوي مقاصد صالحة بلا بصيرة من دينهم وأعرض عما فوتوه بورعهم من الحسنات الراجحة
    فإن الذي فاته من دين الإسلام أعظم مما أدركه
    فإنه قد يعيب أقواما هم إلى النجاة والسعادة أقرب .
    وهذه القاعدة منفعتها لهذا الضرب وأمثاله كثيرة ؛
    نعم
    قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
    الورع المشروع هو الورع عما قد تخاف عاقبته، وهو ما يعلم تحريمه، وما يشك في تحريمه وليس في تركه مفسدة أعظم من فعله، مثل فعل محرم يتعين، مثل من يترك أخذ الشبهة ورعا مع حاجته إليها ويأخذ بدل ذلك محرما بينا تحريمه، أو يترك واجبا تركه أعظم فسادا من فعله مع الشبهة؛ كمن يكون على أبيه أو عليه ديون هو مطالب بها وليس له وفاء إلا من مال فيه شبهة فيتورع عنها ويدع ذمته أو ذمة أبيه مرتهنة، وكذلك من الورع الاحتياط بفعل ما يشك في وجوبه لكن على هذا الوجه، وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات، ويرى ذلك من الورع! كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعا، ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة أو فجور ويرى ذلك من الورع، ويمتنع عن قبول شهادة الصادق وأخذ علم العالم لما في صاحبه من بدعة خفية، ويرى ترك قبول سماع هذا الحق الذي يجب سماعه من الورع. اهـ.
    وقال أيضا: الشريعة تأمر بالمصالح الخالصة والراجحة، كالإيمان والجهاد، فإن الإيمان مصلحة محضة، والجهاد وإن كان فيه قتل النفوس فمصلحته راجحة، وفتنة الكفر أعظم فسادا من القتل، كما قال تعالى: والفتنة أكبر من القتل ـ ونهى عن المفاسد الخالصة والراجحة، كما نهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وعن: الإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون، وهذه الأمور لا يبيحها قط في حال من الأحوال، ولا في شرعة من الشرائع، وتحريم الدم والميتة ولحم الخنزير والخمر وغير ذلك مما مفسدته راجحة، وهذا الضرب تبيحه عند الضرورة، لأن مفسدة فوات النفس أعظم من مفسدة الاغتذاء به. اهـ.
    وقال أيضا: السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها... وذلك ثابت في العقل، كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين. اهـ.
    ومما ذكر في تأصيل هذا الأساس المتين، وبيان مبانيه، قوله: هو مبني على أربعة أصول:
    أحدها: معرفة مراتب الحق والباطل، والحسنات والسيئات، والخير والشر، ليعرف خير الخيرين وشر الشرين.
    الثاني: معرفة ما يجب من ذلك وما لا يجب، وما يستحب من ذلك وما لا يستحب.

    الثالث: معرفة شروط الوجوب والاستحباب من الإمكان والعجز، وأن الوجوب والاستحباب قد يكون مشروطا بإمكان العلم والقدرة.
    الرابع: معرفة أصناف المخاطبين وأعيانهم، ليؤمر كل شخص بما يصلحه أو بما هو الأصلح له من طاعة الله ورسوله، وينهى عما ينفع نهيه عنه، ولا يؤمر بخير يوقعه فيما هو شر من المنهي عنه مع الاستغناء عنه، وهذا القدر الذي دلت عليه هذه الآية من أن دين من أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم هو أحسن الأديان ـ أمر متفق عليه بين المسلمين ـ معلوم بالاضطرار من دين الإسلام. اهـ.
    ولا ريب في أن الحاجة للموازنة بين المصالح والمفاسد تشتد في أزمنة الفتن، وظهور المنكرات، وقلة العاملين بالحق والمعينين عليه، فالحاجة عندئذ لهذا الباب من أبواب الفقه في الدين تعظم، وتصبح ملحة غاية الإلحاح، ولا يقوم بها إلا الأفذاذ من أهل العلم، قال شيخ الإسلام: وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم، فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة، أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم على العمل بالحسنات وترك السيئات، لكون الأهواء قارنت الآراء، ولهذا جاء في الحديث: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات ـ فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها كما بينته فيما تقدم: العفو عند الأمر، والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبر منها فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية، ومثل أن ترفع مذنبا إلى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضررا من ذنبه، ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات، فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر، فالعالم تارة يأمر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة، كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح، أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح ـ كما تقدم ـ بحسب الإمكان، فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه، كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر، فالعالم في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن؛ كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها، يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ـ والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به، فأما العاجز عن العلم كالمجنون، أو العاجز عن العمل، فلا أمر عليه ولا نهي، وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله، كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلا، وهذه أوقات الفترات فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع ـ فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها، وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم، فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان، كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات، لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط، فتدبر هذا الأصل فإنه نافع، ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم، فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل. والله أعلم. اهـ.
    وهنا ننبه على أن العالم وإن كان لا ينفك عن النظر والموازنة بين المصالح والمفاسد، إلا أن تقرير ذلك والعلم بمراتبه يرجع في الجملة إلى أدلة الشرع، لا إلى الآراء المجردة وأهواء النفوس، قال العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ في قواعد الأحكام: مصالح الدارين وأسبابها ومفاسدها، فلا تعرف إلا بالشرع، فإن خفي منها شيء طلب من أدلة الشرع وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح، وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طلب من أدلته، ومن أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحهما ومرجوحهما فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن الشرع لم يرد به، ثم يبني عليه الأحكام فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك إلا ما تعبد الله به عباده ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته، وبذلك تعرف حسن الأعمال وقبحها. اهـ.


    المصدر الاسلام سؤال وجواب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •