تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    روى البخاري (1379) ، ومسلم (2866)
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ
    ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ،
    وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ : هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) .
    أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث أن الميت في قبره يرى مقعده من الجنة أو النار
    ولا يعني هذا أنه ليس ثمة فائدة لما يكون بعد البعث من القبور والحشر والحساب
    بناء على أن المؤمن قد عرف ـ بما يراه في قبره ـ أنه من أهل الجنة ، والكافر قد علم أنه من أهل النار ؛
    وذلك لأن ما يراه المسلم من مقعده في قبره هو باعتبار مآله الأخير ،
    وباعتبار نجاته من الكفر والخلود والنار ،
    وليست أسئلة الملكين هي آخر مطاف العبد . ومما يقوي هذا ويؤكِّده
    أن حسنات المسلم وسيئاته التي دفنت معه وقت السؤال لن تقف عند حدِّها ذاك !
    فالحسنات قد تزيد بما خلَّفه وراءه من صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له
    ، والسيئات قد تزداد بما تركه وراءه من سنَّة سيئة وسيئات جارية .

    ومما يقويه أيضاً
    أن الحسنات قد تنقص يوم الحساب لانشغال ذمة فاعلها بحقوق للناس ، فقد يلقى الله تعالى المسلم ربَّه بحسنات صلاته وصيامه وحجه فتذهب كلها لمن قذفه وشتمه وأكل ماله ،
    وما يلقى ربَّه به من سيئات قد تزداد بأخذ سيئات ممن ظلمه فتلقى عليه ، وحديث " المفلس " دليل واضح وبيِّن على هذا الأمر ، ولله تعالى الحكَم البالغة حيث لم يجعل الميزان في أول موت العبد ، بل جعل الميزان آخر المطاف ليكون بعده الفلاح أو الخسارة ، وانظر تفصيل هذا ببيان أكثر جواب السؤال رقم (


    ثانياً:
    وسؤال : هل رؤية العبد لمقعده من الجنة في قبره يمتنع معه أن يعذَّب في قبره على بعض ذنوبه ؟!
    وجواب هذا السؤال :
    أنه بالطبع لا يمتنع ؛ وذلك لأن الوعيد المترتب على العذاب في البرزخ ليس هو بالضرورة الوعيد المترتب على العذاب في نار جهنم ،
    ولأن رؤية المقعد من الجنة هو باعتبار أنه ليس كافراً فحسب ،
    ولذا فقد يرى العبد مقعده من الجنة في قبره ويعذَّب على بعض ذنوبه ،
    ولذا فقد ذهب الأكثر من العلماء إلى أن حديث رؤية المقعد في القبر إنما هو باعتبار الكفر، فيرى مقعده في النار ، أو الإسلام ، فيرى مقعده في الجنة ؛ وأما حال المسلم العاصي ، فلا تعرض لذكره في الحديث
    ومما يؤكد هذا :
    أن رؤية المسلم لمقعده تكون بعد سؤال الملكين عما يعلم به إسلام العبد من كفره ، وليس يكون هذا على ما جاء به من حسنات ،
    ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا ) .

    ومثله يقال في أخذ الكتاب باليمين عند تطاير الصحف ؛
    فإن هذا الأخذ باليمين باعتباره مسلماً لا كافراً وليس يعني أنه لن يعذَّب أو لن يدخل النار على ذنوب اقترفها .

    ثالثاً:
    ومما يزيل الإشكال – كذلك – معرفة أن أهوال القيامة وكربها وشدائدها مما يكفِّر الله تعالى به الذنوب ، فهذا الذي رأى مقعده من الجنة قد يكون مستحقّاً للعذاب بسيئات راجحة فغفرت له بما يراه في قبره من الضغطة والفتنة وبما يراه من أهوال القيامة وشدائدها ،

    على أنه ، بعد ذلك كله ، ينبغي الانتباه إلى أن لكل موطن فزعته التي تذهل العبد عن حاله التي هو فيها ، فكيف بحاله التي كان عليها من قبل ؟
    فقد يفزّع المؤمن ثم يؤّمن ليشهد المنة ، وقد يفزع لما كان عليه من التقصير في أمر الله ، ويكون فزعه تكفيرا لسيئاته .
    والأنبياء عليهم السلام يقول كل منهم يوم القيامة – كما في حديث الشفاعة - : نفسي نفسي نفسي . فكيف بمن دونهم ؟
    وقال الله تعالى عن الكافرين : ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) يس/ 52 .
    قال ابن كثير رحمه الله :
    " وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم ؛ لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد " . انتهى من " تفسير ابن كثير" (6 /581) .
    الاسلام سؤال وجواب بتصرف

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
    عقد أبو عبد الله القرطبي في كتاب: التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، بابًا لهذا الحديث،
    وذكر قوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا {غافر:46}،
    ثم قال: فأخبر تعالى أن الكافرين يعرضون على النار، كما أن أهل السعادة يعرضون على الجنان بالخبر الصحيح في ذلك،
    وهل كل مؤمن يعرض على الجنان؟
    فقيل: ذلك مخصوص بالمؤمن الكامل الإيمان، ومن أراد الله إنجاءه من النار.

    وأما من أنفذ الله عليه وعيده من المخلطين، الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، فله مقعدان يراهما جميعًا، كما أنه يرى عمله شخصين في وقتين، أو في وقت واحد قبيحًا وحسنًا.
    وقد يحتمل أن يراد بأهل الجنة كل من يدخلها كيفما كان. اهـ.
    وقال أبو العباس القرطبي في كتاب المفهم:
    غير الشهداء إما مؤمن، وإما غير مؤمن. فغير المؤمن هو الكافر. فهذا يرى مقعده من النار غدوًّا وعشيًّا،
    وهذا هو المعني بقوله تعالى: {النَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدخِلُوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ}،
    وأما المؤمن:
    فإما ألا يدخل النار، أو يدخلها بذنوبه، فالأول يرى مقعده من الجنة، لا يرى غيره رؤية خوف،
    وأما المؤمن المؤاخذ بذنوبه،
    فله مقعدان:
    مقعد في النار زمن تعذيبه، ومقعد في الجنة بعد إخراجه، فهذا يقتضي أن يعرضا عليه بالغداة والعشي،
    إلا إن قلنا: إنه أراد بأهل الجنة كل من يدخلها كيف كان، فلا يحتاج إلى ذلك التفسير. اهـ.

    فالأمر محتمل! والذي اختاره ولي الدين ابن العراقي في طرح التثريب، هو الاحتمال الثاني،
    حيث قال: الأمر واضح في الكافر والمؤمن المخلص،
    أما المخلط الذي له ذنوب هو مؤاخذ بها غير معفو عنها،
    فماذا يعرض عليه؟ الذي يظهر أن المعروض عليه مقعده من الجنة، وأما النار فليس له بها مقعد مستقر، وإنما يدخلها لعارض لينقى ويطهر ويمحص، ثم يدخل مقعده من الجنة نقيًّا مخلصًا. اهـ.

    واختار ذلك أيضا أبو الحسن المباركفوري في شرح مشكاة المصابيح،
    فقال: يكون عرض المقعدين على كل واحد من: المؤمن المخلص، والكافر، والمؤمن المخلط؛ لأنه يدخل الجنة في الجملة، فيرى مقعده في الجنة،
    فيقال له: هذا مقعدك، وستصير إليه بعد مجازاتك بالعقوبة على ما تستحق. اهـ.

    ومال الحافظ ابن حجر إلى محصل الاحتمال الأول،
    وهو رؤية مقعدين:
    أحدهما في الجنة باعتبار المآل، والثاني في النار باعتبار الحال، حيث قال: الانفصال عن هذا الإشكال يظهر من الحديث الذي أخرجه ابن أبي الدنيا، والطبراني، وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة في قصة السؤال في القبر، وفيه: "ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له: هذا مقعدك، وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرورًا. ثم يفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك، وما أعد الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطة وسرورًا .. " الحديث.

    وفيه في حق الكافر: "ثم يفتح له باب من أبواب النار". وفيه: "فيزداد حسرة وثبورًا"، في الموضعين. وفيه: "لو أطعته".
    وأخرج الطبراني عن ابن مسعود: "ما من نفس إلا وتنظر في بيت في الجنة، وبيت في النار، فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة، فيقال: لو عملتم. ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار، فيقال: لولا أن منّ الله عليكم".
    فعلى هذا يحتمل في المذنب الذي قدر عليه أن يعذب قبل أن يدخل الجنة، أن يقال له مثلًا بعد عرض مقعده من الجنة:
    هذا مقعدك من أول وهلة لو لم تذنب، وهذا مقعدك من أول وهلة لعصيانك -نسأل الله العفو، والعافية من كل بلية في الحياة، وبعد الموت؛ إنه ذو الفضل العظيم-. اهـ.

    وإذا قلنا:
    إن المؤمن المخلّط يرى مقعده من الجنة الذي يؤول إليه، فهذا لا يلزم منه أن يُنعَّم في قبره كالمؤمن المخلص؛
    ولذلك فرَّق بعض أهل العلم بين مجرد رؤية المقعد من الجنة، وبين حصول النعيم في القبر،
    فقد قال ابن أبي زيد القيرواني في مقدمته: أرواح أهل السعادة باقية ناعمة إلى يوم يبعثون، وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدين. اهـ.

    فقال شارحه أبو الحسن الشاذلي المالكي، في كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني:
    (وأرواح أهل السعادة) أي: أهل الجنة، وهم المؤمنون: محسنهم ومسيئهم ... (ناعمة) أي: منعمة برؤيتها لمقعدها في الجنة (إلى يوم يبعثون) أي: إلى يوم القيامة (وأرواح أهل الشقاوة) وهم الكفار (معذبة) برؤيتها لمقعدها في النار، وغير ذلك من أنواع العذاب. اهـ.

    فعلّق العدوي في حاشيته على كفاية الطالب الرباني،
    فقال:
    ظاهر عبارة الشارح أن التنعيم ليس إلا برؤية المقعد في الجنة، وليس كذلك،
    بل من نعيمه،
    كما أفاده اللقاني: توسيعه؛ فقد ورد أنه يفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعًا ...
    وظاهر أن هذا الذي ذكره اللقاني في المؤمن الطائع، لا في مطلق مؤمن، بخلاف رؤية المقعد في الجنة، ففي كل مؤمن، ولو عاصيًا. اهـ.
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    ورؤية الإنسان مصيره وهو في قبره لا تتعارض مع الحساب والشفاعة يوم القيامة، فالشفاعة أنواع، فمن أنواع الشفاعة: الشفاعة فيمن وجبت لهم النار بأعمالهم أن لا يدخلوها فلا يدخلونها بسبب الشفاعة، ومنها الشفاعة في رفع درجات المشفوع لهم في الجنة.... إلى غير ذلك.

    وأما الحساب فلإظهار عدله سبحانه وأنه لا يظلم أحداً، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت:46]، فالكافر يعطى كتابه بشماله من وراء ظهره ويناقش الحساب ويقرأ كتابه بنفسه ويجد فيه ما قدم وما أخر، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].

    وأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه، ويحاسب حساباً يسيراً، وهو العرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نوقش الحساب عذب، قالت عائشة أليس يقول الله تعالى: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، قال: ذلك العرض. رواه البخاري عن عائشة، قال ابن حجر: الحساب المذكور في الآية إنما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة. انتهى،
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    هل يعذَّب في قبره من تكون حسناته أكثر من سيئاته في الميزان ؟

    نبغي أن يُعْلم أن كثرة الحسنات على السيئات ليست بمنجية صاحبَها من عذاب القبر بذاتها ؛ لأن الوعيد المترتب على العذاب في البرزخ ، ليس هو الوعيد المترتب على العذاب في نار جهنم ، وقد يأتي المسلم بسبب واحد من أسباب العذاب في قبره ، فيعذَّب عليها ، وله أمثال الجبال من الحسنات . والميزان الذي توزن به أعمال الناس فيشقى بعده طوائف خفت موازينهم ، ويسعد آخرون ثقلت موزاينهم : إنما يكون في آخر المطاف ، بعد أن يقطع الناس أشواطاً في مراحل الدار الآخرة .
    قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله - :
    والذي تدل عليه الآي ، والأخبار : أن من ثقل ميزانه : فقد نجا وسلِم ، وبالجنة أيقن ، وعلِم أنه لا يدخل النار بعد ذلك ، والله أعلم .
    " التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " ( ص 272 ) .
    والمسلم الذي نفترض كثرة حسناته لو وضعت في الميزان بعد موته مباشرة : لا ينجو من عذاب القبر، إن شاء الله تعذيبه على بعض سيئاته تلك ، وليتأمل الأخ السائل المسائل التالية فهي تحل الإشكال الوارد في ذهنه :
    1. من كثرت حسناته على سيئاته وأجاب الملَكين في القبر عن أسئلتهم : لا يعني بالضرورة أنه ينجو من عذاب القبر إذا جاء بما يستحق عليه العذاب من سيئاته تلك ، وشاء الله أن يعذبه عليها في قبره .
    2. من كثرت حسناته على سيئاته ليس بالضرورة إذا رأى مقعده من الجنة في قبره ، أنه لن يعذَّب على ما شاء الله من ذنوبه ، وللعلماء في هذا قولان :
    الأول : أن من ارتكب سيئات وشاء الله تعذيبه في القبر ، وهو في الآخرة من أهل الجنة : أنه يرى مقعده من الجنة باعتبار مآله .
    والثاني : أنه يرى مقعده من النار باعتبار حاله .
    وعليه :
    فإن زيادة حسنات العبد على سيئاته ، ليس بمانع من أن يعذب في قبره على بعض ذنوبه التي ورد الوعيد لفاعلها بالعذاب في قبره . مثل عقوبة المرابي وأنه يسبح في نهر دم ، وعقوبة الزناة والزانيات ، والعقوبة على النميمة ، والغلول من الغنائم ، والكذب ، وعدم الاستبراء من البول ، وغير ذلك مما جاءت النصوص واضحة في التنصيص على معاصٍ بعينها .
    ثالثاً :
    ومن حكمة الله تعالى أنه لم يجعل الميزان أول موت العبد ؛ ويبدو لنا بعض الحكَم من ذلك نرجو أن تكون موافقة للصواب :
    1. أنه يُخفف حِمل السيئات على العاصي بما يصيبه من عذاب القبر ؛ تخفيفاً عنه من عذاب جهنم ، ولا شك أن ما يصيب العاصي من عذاب القبر أهون عليه مما يصيبه من نار جهنم .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
    ما يحصل للمؤمن في الدنيا والبرزخ والقيامة من الآلام التي هي عذاب : فإن ذلك يُكفِّر الله به خطاياه ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزَن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله به من خطاياه ) .
    " مجموع الفتاوى " ( 24 / 375 ) .
    قال رحمه الله :
    السبب الثامن : ما يحصل في القبر ، من الفتنة ، والضغطة ، والروعة ، فإن هذا مما يكفّر به الخطايا . " مجموع الفتاوى " ( 7 / 500 ) .
    2. أنه ليس كل مَن جاء بحسنات تبقى معه حتى يدخل بها الجنة ، ولا من جاء بسيئات تبقى معه حتى يدخل بسببها النار ، فثمة ما يُسمَّى " المقاصة " ، وهو أخذ أصحاب الحقوق من حسنات من ظلمهم ، أو إلقاء سيئاتهم عليه ، كما في حديث " المفلس " الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ، وهذا إنما يكون قبل الميزان .
    قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله - :
    و أما المخلِّطون : فحسناتهم توضع في الكفة النيرة ، وسيئاتهم في الكفة المظلمة ، فيكون لكبائرهم ثقل ؛ فإن كانت الحسنات أثقل ، ولو بصؤابة – وهي بيضة القَمْل - : دخل الجنة ، وإن كانت السيئات أثقل ، ولو بصؤابة : دخل النار ، إلا أن يغفر الله ، وإن تساويا : كان من أصحاب الأعراف ، هذا إن كانت الكبائر فيما بينه وبين الله ، وأما إن كانت عليه تبعات ، وكانت له حسنات كثيرة : فإنه ينقص من ثواب حسناته بقدر جزاء السيئات ؛ لكثرة ما عليه من التبعات ، فيحمل عليه مِن أوزار مَن ظلمه ، ثم يعذب على الجميع ، هذا ما تقتضيه الأخبار .
    " التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " ( ص 269 ، 270 ) .
    3. أنه لم تنقطع الحسنات ، ولا السيئات بالموت ، بل ثمة " حسنات جارية " ، و " سيئات جارية " ، فالأول : كمن تصدَّق بصدقة جارية ، أو علَّم علماً نافعاً ، أو دلَّ غيره على عمل صالحٍ ، أو كان له ذرية يعملون بعد موته بطاعات ، وكل ذلك مما يجعل للميت مجالاً لزيادة الحسنات ، وأما الثاني : فهو لمن دلَّ غيره على عمل فاسد ، أو ابتدع بدعة ، وغير ذلك مما تجري سيئات أعمالهم على فاعلها ، وعلى الميت ، الذي كان سبباً في فعل تلك السيئات والبدع .
    وبه يُعلم أنه ليس بالموت يقف " عدَّاد " الحسنات ، والسيئات ، ولذا نرى عظيم الحكمة في عدم اعتبار الميزان أول موت المسلم ، بل لا يكون ذلك إلا في آخر المطاف ، وبعدها يكون دخول الجنة ، أو النار ، وعندها يمكن للمسلم أن يفهم معنى قوله تعالى ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/ 8 ، وقوله ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) القارعة/ 6 ، 7 .
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    بخصوص فتنة القبر لأصحاب الكبائر : فثمة مسائل ثلاثة :
    الأولى : إجابة الملكين منكر ونكير على أسئلتهما في العقيدة : عن ربه عز وجل ، وعن دينه ، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم .
    والثانية : تعذيبه على ذنوبه .
    والثالثة : هل يرى الفاسق في قبره مقعده في الجنة ؟ .
    أما الأولى : فإن الظاهر أن الناس فيها قسمان : مسلم ، ومنافق ، أو كافر ، فالمسلم يجيب عن أسئلة الملَكين ، ولو كان فاسقاً ، والكافر – أو المنافق – لا يجيب ، ويعذَّب على ذلك .
    قال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - :
    ومقتضى أحاديث سؤال الملكين : أن المؤمن ولو فاسقاً يجيبهما ، كالعدل ، ولكن بشارته تحتمل أن تكون بحسب حاله .
    " الفتاوى الحديثية " ( ص 7 ) .
    وأما الثانية : فإنه لا يلزم من إجابة المسلم الفاسق على أسئلة الملَكين أنه لا يعذَّب على اقترافه الذنوب والمعاصي ، إن لم يتب منها ، بل مِن عذاب هؤلاء ما يستمر إلى قيام الساعة ، ومنه ما ينقطع .
    قال الشيخ محمد السفاريني – رحمه الله - :
    فمن أغضب الله ، وأسخطه ، في هذه الدار ، بارتكاب مناهيه ، ولم يتب ، ومات على ذلك : كان له عذاب البرزخ بقدر غضب الله ، وسخطه عليه ، فمستقل ، ومستكثر ، ومصدق ، ومكذب .
    " لوامع الأنوار البهية " ( 2 / 18 ) .
    وقال :
    ومن الذين يعذبون في قبورهم ، وأخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم : الجبارون ، والمتكبرون ، والمراءون ، والهمازون ، واللمازون ، والطعانون على السلف ، والذين يأتون الكهنة والمنجمين والعرافين فيسألونهم ويصدقونهم ، وأعوان الظلمة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ، ونحو هؤلاء ، ممن يشتغل بذنوب الناس عن ذنبه ، وبعيوبهم عن عيبه ، فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسب كثرتها ، وقلتها ، وصغرها ، وكبرها ، ولما كان أكثر الناس كذلك : كان أصحاب القبور معذبين ، والفائز منهم قليل ، فظواهر القبور تراب ، وبواطنها حسرات وعذاب ، فنسأل الله تعالى العافية ، والرحمة ، والعفو ، والغفران ، وبالله الإعانة ، والعون .
    " لوامع الأنوار البهية " ( 2 / 19 ) .
    وأما المسألة الثالثة : ففيها احتمالان :
    1. الأول : أن المسلم يرى مقعده في الجنة باعتباره ليس كافراً ، وأن مصيره إليها ، لكن هذا لا يعني أنه لن يعذَّب في قبره إن شاء الله تعذيبه .
    فنحن نجزم بصحة ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من وجود من يُعذَّب في قبره من المسلمين إلى يوم القيامة ، كمثل آكل الربا الذي رآه صلى الله عليه وسلم يسبح في نهر من الدم ، وكمثل الزناة والزواني الذين رآهم صلى الله عليه وسلم في تنور يصرخون ، وغير هؤلاء ، ونجزم أن مصير هؤلاء إن كانوا مسلمين هو الجنة في نهاية الأمر .
    عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَى مَقْعَدِهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيُقَالُ : هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
    رواه البخاري ( 1379 ) ومسلم ( 2866 ) .
    قال ابن حجر – رحمه الله - :
    قال القرطبي : وهذا في حق المؤمن والكافر واضح ، فأما المؤمن المخلِّط : فمحتمل في حقه أيضاً ؛ لأنه يدخل الجنة في الجملة .
    " فتح الباري " ( 3 / 243 ) .
    وقال الشيخ أبو الحسن عبيد الله بن العلامة محمد عبد السلام المباركفوري :
    ويكون عرض المقعدين على كل واحد من المؤمن المخلص والكافر والمؤمن المخلط ؛ لأنه يدخل الجنة في الجملة ، فيرى مقعده في الجنة ، فيقال له : هذا مقعدك وستصير إليه بعد مجازاتك بالعقوبة على ما تستحق .
    " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 1 / 222 ) .

    2. والثاني : أنه يمكن أن يقال : إن عرض مقعد الجنة على المؤمن المخلِّط ، أو المسلم الفاسق هو لإخباره بأن هذا مقعدك في قبرك لولا أنك أذنبت ، واستحققت العذاب ، ويُعرض عليه مقعده من النار ويقال له : هذا بسبب ذنوبك .
    قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
    فعلى هذا : يحتمل في المذنب الذي قُدِّر عليه أن يعذب قبل أن يدخل الجنة أن يقال له – مثلاً - بعد عرض مقعده من الجنة : هذا مقعدك من أول وهلة لو لم تذنب ، وهذا مقعدك من أول وهلة لعصيانك ، نسأل الله العفو والعافية من كل بلية ، في الحياة ، وبعد الموت ، إنه ذو الفضل العظيم .
    " فتح الباري " ( 11 / 366 ) .
    فالله أعلم بما يكون من ذلك ، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل اليمين ، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته .
    https://islamqa.info/ar/answers

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    سئل الشيخ أبن عثيمين رحمة الله : إذا توفي الإنسان هل يذهب إلى الجنة أو إلى النار بعد وفاته أو يبقى في القبر إلى يوم القيامة نرجو توضيح ذلك مع إضافة بعض المعلومات عن ذلك وشكراً لكم؟
    الجواب
    الشيخ: أما جسم الميت فإنه يبقى في الأرض في المكان الذي دفن فيه إلى يوم القيامة قال الله تعالى (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) وقال تعالى (ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون) فهو باقٍ في الأرض وأما روحه فإنها تكون في الجنة أو تكون في النار قال الله تبارك وتعالى (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلامٌ عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) فبين أن هذا القول يكون عند الوفاة فمعنى ذلك أنهم يدخلون الجنة يوم وفاتهم وهذا لا يكون إلا للروح لا يكون للبدن وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت في قبره إذا كان مؤمناً يفتح له بابٌ إلى الجنة ويأتيه من روحها ونعيمها وأما الكافر فإن روحه أيضاً يذهب بها إلى العذاب قال الله تعالى عن آل فرعون (النار يعرضون عليها غدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) وفيها قراءة (يوم تقوم الساعة وأُدخُلوا آل فرعون أشد العذاب) وقال تعالى (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفون في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة) وقال تعالى (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلامٍ للعبيد) فهذا دليل على أن الميت المؤمن يلقى جزاءه في الجنة من يوم موته والكافر يلقى عذابه في النار من يوم موته وهذا بالنسبة للروح أما البدن فإنه يبقى في الأرض إلى يوم القيامة وقد تتصل الروح به معذبةً أو منعمة كما تدل على ذلك الأحاديث.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    سئل الشيخ صالح آل الشيخ - حفظه الله - :
    هل العاصي يُعْطَى كتابه بيمينه أم بشماله ؟
    فأجاب : " العاصي يُعْطَى كتابه بيمينه ، أما الذي يُعْطَى كتابه يوم القيامة بشماله فهو الكافر ، يُعْطَى كتابه بشماله وراء ظهره ، أما المؤمن فيُعْطَى كتابه باليمين سواءٌ أكَانَ من السابقين ، أم من المقتصدين ، أم ممن ظلم نفسه ، ثم يأتي بعد ذلك الحساب والوزن ، ثم تأتي الْمُجَازاة " انتهى من " شرح الطحاوية " (ص 686) بترقيم الشاملة .
    وسئل الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - :
    هل المسلم العاصي يأخذ كتابه بشماله أم بيمينه ؟
    فأجاب :
    " المسلم العاصي يأخذ كتابه بيمينه ، لكن ولو أخذ كتابه بيمينه قد يعذب بسيئاته ، لكن لا يخلد في النار كما يخلد الكافر "
    http://alfawzan.af.org.sa/node/8786
    وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/725-727) : " مذهب أهل السنة والجماعة أنه من مات على الإيمان يتناول كتابه بيمينه ولو كان مرتكبا للكبائر ، وأن من مات على الكفر - والعياذ بالله - يتناول كتابه بشماله من وراء ظهره ، وهو بذلك يمثل هيئة الفاتر المتألم الكاره لما يتناوله ، ولكن لا بد من تناوله ، وهذا هو الذي دلت عليه النصوص ، فإنها لم يذكر فيها بالنسبة لتناول الكتاب إلا مؤمن ولو مطلق الإيمان ، وكافر وإن اختلف نوع كفره أو تفاوتت درجته ، وقوله تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ) الآيات.. هي في الكافر كفرا يخرج عن ملة الإسلام ، لخبر الله عنه بأنه لا يؤمن بالآخرة ، في قوله سبحانه آخر هذه الآيات : ( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) أي : يرجع إلى ربه للحساب والجزاء ، ولا منافاة بين خبر الله تعالى عن الكافر مرة بأنه يؤتى كتابه من وراء ظهره ، وأخرى بأنه يؤتى كتابه بشماله ؛ لإمكان الجمع بينهما بأخذه كتاب عمله بشماله من وراء ظهره كما تقدم ، فإحدى الآيتين في بيان العضو الذي يتناول صحيفة العمل ، والأخرى في صفة التناول وهيئته ..
    وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " .
    الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز . الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن قعود . الشيخ عبد الله بن غديان .
    ثانيا :
    قوله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) الانشقاق/ 7 – 9 .
    هذا وصف حال أهل الإيمان البررة الأتقياء ، يؤتون كتبهم بأيمانهم ، ويحاسبون حسابا يسيرا ، ثم يدخلون الجنة مسرورين سعداء بما آتاهم الله من الخير والكرامة .
    وهم في ذلك السرور بحسب أعمالهم ، فأفضلهم عملا أشدهم سرورا ، وأشدهم فرحا بكتابه وبما فيه ، وأسعدهم بقول الله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) الحاقة/ 19 - 24 .
    أما الموحد العاصي الذي يدخل النار بذنوبه ثم يخرج منها ، فله من هذا الفضل نصيبه الذي يناسبه ، ففرحه وسروره بحسب عمله ، وما وجده في كتابه ، وكونه مات على التوحيد ، فهو يعلم أنه ليس من الكافرين المخلدين في النار ، ولذلك يفرح ، ولكن أين يقع فرحه من فرح أهل التقوى والصلاح ؟ ولا مانع من أن يقع فرحه فيعقبه حزن ثم يعقبه فرح . يأخذ كتابه بيمينه فيفرح ، ثم يعذب بذنبه فيحزن ، ثم يدخل الجنة برحمة الله فيفرح . بخلاف البررة الأتقياء الذين يفرحون ولا يحزنون ، ويرحمون ولا يعذبون .
    وهذا كما أن أهل الجنة يتفاضلون في أشياء كثيرة ، في منازلهم في الجنة بحسب أعمالهم ، كما روى البخاري (3256) ، ومسلم (2831) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ ) .
    فأصحاب الجنة يتفاضلون في كل شيء ، في الحساب ، وفي تناول الصحف ، وفي الفرح بها وبما فيها من العمل ، وفي درجات الجنة ، كل بحسب عمله ، وبحسب ما تفضل الله به عليه .
    فالمؤمن العاصي يأخذ كتابه بيمينه ، ويحاسب حسابا يسيرا ، وينقلب إلى أهله مسرورا ، هذا حاله في الجملة ، ولا يمنع ذلك من أن يصيبه ما يصيبه من عذاب الله بذنوبه ، فهذه الآيات إنما تحدثت عن دخوله الجنة وفرحه ، ولم تتعرض لما يصيبه عند موته ، وفي قبره ، وفي الموقف قبل تطاير الصحف ووضع الموازين .
    ومن كان مصيره الجنة - أصابه قبل ذلك ما يصيبه - فلا شك أنه من الفرحين المسرورين .
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    قول السائل : لماذا عليه يوم القيامة الانتظار والمرور بكل مواقف الحساب وهو يعلم مصيره سلفا ؟
    فالجواب أن يقال :
    أولا :
    كونه يعلم مصيره بمجرد البعث لما مر به في البرزخ فيه نظر ؛ فإن هول قيام الساعة كفيل بأن ينسى المرء كل ما مر به ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج/ 1، 2 .
    ثانيا :
    أن هول ما يراه يوم القيامة يجعله يطمع في النجاة ، ولذلك فهو يوم القيامة يكذب ويحاج عن نفسه عسى أن ينجو من العذاب ، قال تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) الأنعام/ 22 – 24 .
    ثالثا :
    لما كان يوم القيامة هو يوم الحساب ، كان لا بد من قيام الحجة لله على خلقه ، ومحاسبتهم على أعمالهم ، وتقريرهم بذنوبهم ، حتى إذا ما دخلوا النار أيقنوا أن الله لم يظلم منهم أحدا شيئا ، قال تعالى : ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ* وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك/ 6 – 11.
    وروى مسلم (2968) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حديث الرؤية وفيه محاسبة الرب عبده يوم القيامة ، وفيه : ( ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ، فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ ، وَبِرُسُلِكَ ، وَصَلَّيْتُ ، وَصُمْتُ ، وَتَصَدَّقْتُ ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ ، فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا ، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ : انْطِقِي ، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ ) .
    فالكافر يجادل عن نفسه يوم القيامة ، فيدحض الله حجته ، وتقوم الأشهاد تشهد عليه بما كان من عمله ، ومن تلك الأشهاد أعضاؤه ، وبذلك تقوم الحجة البالغة لله على خلقه ، فلا يرى ظالم لنفسه عذرا ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) غافر/ 10، 11.
    رابعا :
    كما تقوم حجة الله على الكافرين أصحاب النار ، يظهر فضل الله على المؤمنين أصحاب الجنة ، ويقوم ميزان العدل بين الناس يوم القيامة ، فينظر الكافرون إلى عدل الله ، وينظر المؤمنون إلى فضله ، فيعلم الكافرون أن الله لم يظلمهم شيئا ، ويغتبط المؤمنون بما تفضل الله به عليهم من الرحمة والنجاة من النار ، ولولا فضل الله ما نجوا .
    وهذا وغيره من الحكم الجليلة لا يمكن أن يظهر ويتبين للفريقين إلا بالمرور بأحوال يوم القيامة .
    خامسا :
    أن ما يحصل يوم القيامة من الأفزاع والأهوال والمرور على الصراط يجعله الله تعالى رحمة وكفارة لبعض أهل الإيمان ، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بعدة أسباب ، فذكر منها : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا.
    "مجموع الفتاوى" (7/487- 501) .
    ولو لم يمر بها هؤلاء فلربما قدر الله عليهم أن يعذبوا في النار ، حتى يهذبوا وينقوا ويؤذن لهم بدخول الجنة .
    سادسا :
    أن مرور العبد بهذه المراحل يدل على عظمة الله تعالى ، وصدق ما أخبر به في كتبه ، وأخبرت به عنه رسله ، وكون العالمين إنسهم وجنهم في قبضته ، لا يخرجون عن هيمنة سلطانه ، ويوم القيامة أعظم يوم تظهر فيه عظمة الرب تعالى وكمال قدرته وآثار أسمائه وصفاته ، فكان لا بد من حصول ذلك .
    سابعا :
    أن يوم الحساب يوم يتقاص فيه المخلوقات ، فيقتص الله فيه لبعضهم من بعض ، فكان لا بد من المرور بمرحلة القصاص التي لا تكون إلا في عرصات القيامة .
    ثامنا :
    لله تعالى الحكمة البالغة فيظل خلقا من خلقه في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ويفضح أقواما على رءوس الأشهاد ، ويهين المتكبرين والمتجبرين أمام الخلائق ، فيعلم الخلق كلهم ما كان عليه هؤلاء وما كان عليه أولئك ، ويخسر المبطلون وينكشف أمرهم لكل الخلائق ، ويكرم الله أولياءه المتقين فتظهر كرامتهم عليه أمام الخلائق أجمعين .
    وأيا ما كان الأمر في هذه الحكم ، أو بعضها ، فهي من وجوه النظر والاجتهاد ، وليس شيء منها منصوصا عليه ،
    لكن الذي يعني العبد في دينه أن يعلم أن الإيمان هو ركن من أركان الإيمان الستة ، التي لا يصح للعبد إيمانه إلا بها ، وله من الحكم والأسرار ما قد تعجز العقول عن إدراكه ، ويضيق المقام عن ذكر ما نعلمه منه ؛ ولا يمكن أن ينظر في ذلك ويسأل عن حكمته لأجل بشارة ترد العبد في قبره ، ثم لا تتحقق له حقيقتها ما دام في قبره لم يبعث
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكى حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا! ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( القبر أول منازل الآخرة ، فإن ينج منه فما بعده أيسرُ منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشدُّ منه . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه ) رواه أحمد والترمذي وحسنه الشيخ الألباني .

    وهذا الموقف من عثمان رضي الله عنه وما ينتابه من خوف وفزع من رؤية القبر ، نابع عن تصور صحيح لذلك المكان الموحش ، فبعد أن كان الإنسان يحيا حياة الأنس والسرور ، إذا به يأوي إلى مكان ليس فيه أنيس ولا جليس ، وبعد أن كان مبجَّلاً معظماً في هذه الحياة إذا به يهال عليه التراب ، ويرمى في قعر بعيد ، إنه أمرٌ لو تفكر فيه المتفكرون ، واعتبر به المعتبرون ، ما التذوا بعيش ، ولا هنئوا بسعادة .
    أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر
    وأين المذلُّ بسلطانه وأين القوي إذا ما قدر
    تفانوا جميعا فما مخبر وماتوا جميعا ومات الخبر

    ومما يروى في هذا المعنى أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله وعظ يوماً أصحابه في حال أهل القبور ، فقال : إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً ، وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم .. سل غنيهم ، ما بقي من غناه ؟ .. واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون .. واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟! .. أكلت الألسن، وغفرت الوجوه، ومحيت المحاسن، وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء ، فأين حجابهم وقبابهم ؟ وأين خدمهم وعبيدهم ؟ وجمعهم وكنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات ؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء ؟ قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة والمال والأهل.

    فيا ساكن القبر غداً ! ما الذي غرك من الدنيا ؟ أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ .. ليت شعري بأي خديك بدأ البلى .. يا مجاور الهلكات صرت في محلة الموت .. ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا ..وما يأتيني به من رسالة ربي .. ثم انصرف رحمه الله فما عاش بعد ذلك إلا أسبوعا واحداً .

    إن القبر هو أول منازل الآخرة وهو إما أن يكون روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، فإن العبد إذا أدخل في قبره ضمه القبر ضمة تتداخل معها أضلاعه ، وهذه الضمة لا ينجو منها أحد ، سواء أكان مؤمنا تقياً أم كافرا شقياً ، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إن للقبر ضغطة ، ولو كان أحدٌ ناجياً منها نجا منها سعد بن معاذ ) رواه أحمد .

    حتى إذا فُرِّج عن العبد من ضمة القبر أقعد للسؤال - مؤمناً كان أم كافراً - فيسأل عن ربه ودينه والرجل الذي بعث فيهم ، فأما المؤمن فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، والرجل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فينادي منادٍ من السماء ، أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، وألبسوه من الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفتح له فيها مد بصره ، وأما الكافر فيأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ فيقول : هاه ، هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بُعثَ فيكم ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فينادي منادٍ من السماء أن كذب ، فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ثم يُوكل له أعمى أبكم ، معه مطرقة من حديد لو ضُرب بها جبل لصار تراباً ، فيضربه بها ضربةً يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير تراباً ، ثم تعاد فيه الروح . كما روى ذلك أبو داود وصححه الشيخ الألباني .[ مقال بعنوان عذاب القبر ونعيمه]

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكى حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا! ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( القبر أول منازل الآخرة ، فإن ينج منه فما بعده أيسرُ منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشدُّ منه . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه ) رواه أحمد والترمذي وحسنه الشيخ الألباني .
    نعم
    روى الإمام أحمد في مسنده بسندٍ صحيح من حديث عثمانَ بنِ عفانَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما رأيت منظرًا قطُّ إلا والقبر أفظع منه)).
    القبر منظر فظيع؛ لأنه بيت يَنزله الأولون والآخرون، الأغنياء والفقراء، الأتقياء والأشقياء، الكبار والصغار، الرجال والنساء، الأُمراء والحُقراء، الملوك والعبيد، وكلٌّ سيدخل هذا الباب.
    الموتُ بابٌ وكلُّ الناس داخلُهُ
    يا ليتَ شِعْريَ بعْد البابِ ما الدارُ؟
    الدارُ دارُ نعيمٍ إن عَمِلت بما
    يُرضي الإله وإن خالَفت فالنارُ

    القبر منظر فظيع؛ لأنك ستنتقل فيه من بيت إلى بيت، فلكل إنسان بيتان: أحدهما ظاهر الأرض، والآخر في باطنها، فالميِّت سينتقل من بيته الظاهر الذي عمَّره إلى بيته الباطن الذي خرَّبه، (وذلك غالب أحوال الناس).
    القبر منظر فظيع؛ لأنك بين ليلتين: إحداهما عند أهلك وبين أحبابك، ووسط خَدمك، والأخرى تبقى فيها وحيدًا فريدًا، لا أنيس ولا جليس، ولا صاحب ولا حبيبة.
    القبر منظر فظيع؛ لأنها اللحظة التي ستُفارق فيها الأحياء، وتَركَن إلى الحياة الطويلة مع الأموات. ظلمة طويلة، ووحشة قاتلة، فسَلِ الأموات عنها، سلْهم عن محاسن وجوههم: كيف فعَلت بها الديدان؟ وسلهم عن رقَّة جلودهم: كيف فعَل بها التراب؟ وسَلْهم عن طِيب روائحهم: كيف تغيَّر إلى النتن؟ سلهم عن العظام: كيف تهشَّمت؟ سلهم عن الليل والنهار: أما يتساوى عندهم؟ سلْهم وسَلْهم!
    القبر أفظع المناظر؛ لأن فيه ضمَّة لا ينجو منها أحد؛ قال -صلى الله عليه وسلم- والحديث عند النسائي بسند صحيح عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عن سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: ((هذا الذي تحرَّك له العرش وفُتِحت له أبواب السماء، وشهِده سبعون ألفًا من الملائكة، لقد ضُمَّ ضمَّة، ثم فُرِّج عنه عذاب القبر))، وقال -عليه الصلاة والسلام- أيضًا من رواية عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((للقبر ضغطة لو نجا منها أحدٌ، لنجا منها سعد بن معاذ))، والحديث أخرجه ابن حبَّان وغيره بسند صحيح.
    القبر أفظع المناظر؛ لأن فيه فتنة؛ كما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن العبد إذا وُضِع في قبره، وتولَّى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرْع نِعالهم، أتاه ملكان، فيُقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل (لمحمد -صلى الله عليه وسلم-)، فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدَلك الله به مقعدًا من الجنة، فيراهما جميعًا. وكما أخرج النسائي بسندٍ صحيح أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: ((كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنةً)).
    القبر أفظع المناظر؛ لأنه بيت الظُّلمة، والحديث في الصحيحين عن أبي هريرة أن امرأة سوداء كانت تَقُمُّ المسجد - أو شابًّا - ففقَدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأل عنها أو عنه، فقالوا: ماتت، فقال: ((أفلا كنتم آذنتموني؟))، فكأنهم صغَّروا أمرها أو أمره، فقال: ((دُلُّوني على قبره))، فدلُّوه، فصلى عليها، ثم قال: ((إن هذه القبور مملوءةٌ ظُلمةًً على أهلها، وإن الله يُنوِّرها لهم بصلاتي عليهم)).
    القبر أفظع المناظر؛ لأنه أكبر واعظٍ، ولو وقَفت على القبور وكُشِف عنك الحجاب، ورأيت سُكانها، لخرَج لك من كل قبرٍ واعظٌ يعِظ. وقف علي -رضي الله عنه- على القبور، فنادى أصحابها: أتخبرونا أخباركم؟ أم نُخبركم أخبارنا؟
    أمَّا أخبارُنا، فإن الأموال قد قُسمت، والنساء تزوَّجت، والمساكن قد سُكنت، فما هي أخباركم؟ ثم التفت إلى أصحابه، فقال: أما إنهم لو تكلَّموا، لقالوا: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197].[حسام الدين السامرائى]


  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الفوائد المجموعة على حديث ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ )

    فتنة القبر وسؤال الملكين خاص بالمقبور أم تشمل كل ميت سواء قبر أو أكلته السباع؟

    كل مكلف ممن تصيبه هذه الفتنة ، تصيبه بعد موته ، على أي صفة كان حاله ، سواء دفن في المقابر أو لم يدفن ، أو دفن كله أو بعضه ، وسواء مات على فراشه ، أو غرق في البحر ، أو حُرّق أو قُطّع أو أكلته السباع ، في أي مكان ، وعلى أية صفة.
    قال النووي رحمه الله : " قال أصحابنا (أي الشافعية): لا يمنع من سؤال الملكين وعذاب القبر : كون الميت قد تفرقت أجزاؤه ، كما نشاهد في العادة ، أو أكلته السباع أو حيتان البحر ، أو نحو ذلك، فكما أن الله تعالى يعيده للحشر، وهو سبحانه وتعالى قادر على ذلك ، فكذا يعيد الحياة إلى جزءٍ منه ، أو أجزاءٍ ، وإن أكلته السباع والحيتان .. " .
    انتهى من "شرح صحيح مسلم" (17/201) . وقال السيوطي رحمه الله في منظومته " أبيات التثبيت" (83) :
    ويُسأل المطروح والمصلوبُ * والحي عن رؤيته محجوبُ
    وقال الصنعاني رحمه الله في شرحه على المنظومة "نظم الشتيت" :
    " السؤال عام لكل هالك ، على أي صفة مات ، بالطرح ، أو بالغرق ، أو الإلقاء في النار ، أو أكلته السباع ، أو تخطفته الطير ، لعموم أدلة السؤال .. " انتهى .
    وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
    " القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، والعذاب والنعيم للروح والجسد جميعا ، في القبر ، .. وهكذا في الآخرة ، في الجنة بالروح والجسد، في النار بالروح والجسد .
    أما من مات بالغرق ، ومن مات بالحرق ، ومن مات بأكل السباع، فإن الروح يأتيها نصيبها من العذاب والنعيم، والتي جسدها في البحر ، أو بالحرق، أو في بطون السباع يأتيه نصيبه من ذلك، على الوجه الذي يعلمه الله سبحانه وتعالى " .
    انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 304) .
    وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
    " هل هذا - يعني فتنة القبر - خاص بالمقبور لقوله: (إذا دفن الميت) أو يشمل كل ميت؟
    والجواب: أن هذا ليس خاصا بالمقبور ، بل يشمل كل ميت، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دفن الميت ... ) إلخ ، بناءً على الأغلب، وما قيد بقيد أغلبي فلا مفهوم له .
    وعلى هذا : فإذا ألقي الإنسان في البر، أو القي في البحر ومات هناك، فإنه يأتيه الملكان ويفتن " انتهى من "شرح العقيدة السفارينية" (1/ 433) .
    فالميت ، سواء قبر بشكل صحيح ، أو لم يقبر ، سيأتيه الملكان ، ويفتن في قبره ، ويسأل على الوجه الذي يعلمه الله تعالى .المصدر الاسلام سؤال وجواب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •