تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

    يقول الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الأعراف/ 199 .
    وهذه الآية جامعة لخصال الخير، ففيها أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن اقتدى به من أهل الإيمان: أن يأخذوا ما سهُل من أخلاق الناس، وأن يتركوا الغلظة في التعامل معهم، وأن يأمروا بالمعروف ؛ وَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْعُرْفِ " تفسير الطبري" (10/ 644) .
    وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: أن يعرض عن الجاهلين، والإعراض هنا: يقتضي أن يحلُم عنهم، وأن يحتمل أذاهم، إلا من أبى وعاند فإنه يجب عليه أن يحاربه، وأن ينصر دين الله تعالى .
    يقول "مكي بن أبي طالب": " قال بعض أهل المعاني: في هذه الآية بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أُوتيتُ جَوَامِعَ الكَلاَمِ ".
    فهذه الآية قد جمعت معاني كثيرة، وفوائد عظيمة، وجمعت كل خُلُقٍ حسن ؛ لأن في " أخذ العفو ": صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين.
    وفي " الأمر بالمعروف ": تقوى الله ( عز وجل)، وطاعته ( جلت عظمته )، وصلة الرحم، وصون اللسان عن الكذب، وغض الطرف عن الحُرُمات .
    وسُمِّيَ ذلك وَنَحْوَهُ " عُرْفاً " ؛ لأن كل نفس تعرفه وتركن إليه .
    وفي " الإعراض عن الجاهلين ": الصبر، والحلم، وتنزيه النفس عن مخالطة السفيه، ومنازعة اللَّجُوج، وغير ذلك من الأفعال المَرْضَيَّةِ " انتهى من "الهداية" (4/ 2687).
    ... فقوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين، مُحْكَمةٌ، وهي: أُمر بالاحتمال واللِّين، وليس معناها ترك الدعوة إلى الله .
    قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (30/ 370): " وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا جِمَاعُ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ النَّاسِ: إمَّا أَنْ يَفْعَلُوا مَعَهُ غَيْرَ مَا يُحِبُّ، أَوْ مَا يَكْرَهُ .
    فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا يُحِبُّ، مَا سَمَحُوا بِهِ، وَلَا يُطَالِبَهُمْ بِزِيَادَةِ.
    وَإِذَا فَعَلُوا مَعَهُ مَا يَكْرَهُ: أَعْرَضَ عَنْهُمْ .
    وَأَمَّا هُوَ: فَيَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ " انتهى.
    فلا تعارض بين الإعراض والدعوة إلى الله كما تبين .
    قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/ 276): " ومن هذا قولُه تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199]، ليس المرادُ به إعراضَه عمَّن لا علم عنده، فلا يعلِّمه، ولا يرشدُه؛ وإنما المرادُ إعراضُه عن جهل من جَهِلَ عليه منهم، فلا يقابلُه، ولا يعاتبُه" انتهى .
    وقال في "التبوكية" (88): " واقفًا عند قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)، متدبرًا لما تضمنتْه هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حقِّ اللهِ فيهمِ، والسلامة من شرهم .
    فلو أخذ الناسُ كلُّهم بهذه الآية: لكفَتْهم، وشَفَتْهم.
    فإن العفو: ما عَفَا من أخلاقهم، وسَمَحَتْ به طبائعهم، ووَسِعَهم بذلُه، من أموالهم، وأخلاقهم؛ فهذا ما منهم إليه .
    وأما ما يكون منه إليهم: فأمرهم بالمعروف، وهو ما تَشهدُ به العقولُ، وتَعرِفُ حُسْنَه، وهو ما أمر الله به .
    وأما ما يَتَّقِيْ به أَذَى جاهِلهم: فالإعراضُ عنهم، وتركُ الانتقامِ لنفسه والانتصارِ لها .
    فأيُّ كمالٍ للعبدِ وراءَ هذا ؟
    وأي معاشرة وسياسة للعالَمِ، أحسنُ من هذه المعاشرة والسياسة ؟
    ولو فكَّر الرَّجلُ في كل شرٍّ يَلحقُه من العالم - أعني الشرَّ الحقيقيَّ الذي لا يُوجِبُ له الرِّفعةَ والزُّلفَى من الله - وَجَدَ سببَه الإخلالَ بهده الثلاثِ أو ببعضِها، وإلا فمع القيام بها، فكل ما يَحْصُلُ له من الناس، فهو خيرٌ له وإن كان شرًّا في الظاهر، فإنَّه متولِّدٌ من القيامِ بالأمر بالمعروف، ولا يتولَّدُ منه إلا خيرٌ، وإن وَرَدَ في حالةِ شرٍّ وأذًى ؛ كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وقال تعالى لنبيه: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .
    وقد تضمنتْ هذه الكلماتُ مراعاةَ حقِّ اللهِ، وحقِّ الخَلْقِ ؛ فإنهم إمّا أنْ يُسِيْئُوا في حقِّ اللهِ، أو في حقِّ رسولِه ؛ فإن أساءوا في حقِّك، فقابِلْ ذلك بعَفْوِكَ عنهم، وإن أساءوا في حقِّي، فاسألني أغفِرْ لهم، وأَسْتَجْلِبْ قلوبَهم، وأَسْتَخْرِجْ ما عندَهم من الرأي بمشاورتهم، فإن ذلك أحرى في استجلاب طاعتِهم وبِذْلِهم النصيحةَ، فإذا عَزَمْتَ على أمرٍ فلا استشارةَ بعد ذلك، بل توكَّلْ على اللهِ، وامْضِ لما عَزَمْتَ عليه من أمرِك ؛ فإن الله يُحِبُّ المتوكلين " انتهى.
    وقال ابن كثير في "تفسيره" (3/ 532):
    " قَالَ [ابن جرير]: وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ . وَبِالْإِعْرَاض ِ عَنِ الْجَاهِلِينَ .
    وَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَإِنَّهُ تَأْدِيبٌ لِخُلُقِهِ، بِاحْتِمَالِ مَنْ ظَلَمَهُمْ وَاعْتَدَى عَلَيْهِمْ، لَا بِالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ جَهِلَ الْحَقَّ الْوَاجِبَ مَنْ حَقَّ اللَّهِ، وَلَا بِالصَّفْحِ عَمَّنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَجَهِلَ وَحْدَانِيَّتَه ُ، وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ حَرْبٌ .
    وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ قَالَ: هَذِهِ أَخْلَاقٌ أَمَرَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] بِهَا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلَّهُ عَلَيْهَا .
    وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ هَذَا الْمَعْنَى، فَسَبَكَهُ فِي بَيْتَيْنِ فِيهِمَا جِنَاسٌ فَقَالَ:
    خُذ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بعُرفٍ كَمَا ... أُمِرتَ وأعْرض عَنِ الجَاهلينْ
    وَلِنْ فِي الكَلام لكُلِّ الْأَنَامِ ... فَمُسْتَحْسَن مِنْ ذَوِي الْجَاهِ لِينْ
    وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: النَّاسُ رَجُلَانِ: فَرَجُلٌ مُحْسِنٌ، فَخُذْ مَا عَفَا لَكَ مِنْ إِحْسَانِهِ، وَلَا تُكَلِّفْهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَلَا مَا يُحْرِجُهُ .
    وَإِمَّا مُسِيءٌ، فَمُرْهُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى ضَلَالِهِ، وَاسْتَعْصَى عَلَيْكَ، وَاسْتَمَرَّ فِي جَهْلِهِ، فَأَعْرِضْ عَنْهُ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّ كَيْدَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:96-98]، وَقَالَ تَعَالَى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا أَيْ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فُصِّلَتْ:34-36] "انتهى .
    ثانيًا:
    المراد بالجاهلين في آية (وأعرض عن الجاهلين)

    قال "ابن الجوزي" في "زاد المسير" (2/ 181): " وفي قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ قولان:
    أحدهما: أنهم المشركون، أُمر بالإِعراض عنهم، ثم نُسخ ذلك بآية السيف .
    والثاني: أنه عام فيمن جهل، أُمر بصيانة النفس عن مقابلتهم على سفههم، وإن وجب عليه الإنكار عليهم .
    وهذه، الآية عند الأكثرين: كلها محكمة "انتهى .
    المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

    قال الشيخ عبد الرحمن السعدى
    : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199]. "هذه الآية جامعةٌ لحسنِ الخُلُقِ مع الناسِ، وما ينبغي في معاملتِهم، فالذي ينبغي أن يُعامِلَ به النَّاسَ، أن يأخذَ العفو، وهو ما سَهُلَ عليهم من الأعمال والأخلاقِ، وَيشكُرَ من كلِّ أحدٍ ما قَابَلَهُ بِهِ، من قولٍ وفعلٍ جميلٍ، وأنْ يَتجاوزَ عن تَقصِيرِهم ويَغُضَّ طَرفه عن نَقصِهم ولا يتكبَّرُ على صَغيرٍ لِصغَرِهِ، ولا ناقصِ عقلٍ لِنقصِهِ، ولا لِفَقِيرٍ لِفقرِهِ، بل يعاملُ الجميعَ بالُّلطفِ والمُقَابَلَةِ بِما تَنشَرِحُ لُه صُدُورُهم.

    (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي: "بكلِّ قولٍ حَسَنٍ وفِعلٍ جميلٍ، وخُلُقٍ كَامِلٍ لِلقرِيبِ والبَعيدِ، من تَعلِيمِ علمٍ، أو حثٍّ على خَيرٍ، أوصِلةِ رَحِمٍ، أو بِرِّ والِدَين، أو إصلاحٍ بين الناس، أو نصيحةٍ نافعةٍ، أو رأيٍ مُصِيبٍ، أو معاوَنَةٍ على بِرٍّ وتقوى، أو زجرٍ عن قبيحٍ، ولمَّا كانَ لا بُدَّ من أذيةِ الجَاهِلِ، فقد أمركَ اللَّهُ تعالى بالإعراضِ عنه وعدمِ مُقَابَلَتِهِ بِجهلِه، فمن آذاكَ بقولِهَ أو فِعلهِ فلا تُؤْذِهِ، ومن حَرَمَكَ فلا تَحرِمه، ومن قطَعَكَ فَصِلْهُ، ومنْ ظَلَمَك فاعدل فيه".



    وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
    ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ ) من جاهل خاطبهم به ،
    ( قَالُوا ) مقالة عباد الرحمن أولي الألباب : ( لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ )
    أي : كُلٌّ سَيُجازَى بعمله الذي عمله وحده ، ليس عليه من وزر غيره شيء ،
    ولزم من ذلك : أنهم يتبرءون مما عليه الجاهلون ، من اللغو ، والباطل ، والكلام الذي لا فائدة فيه .
    ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ )
    أي : لا تسمعون منَّا إلا الخير ، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم ، فإنكم وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم :
    فإننا ننزه أنفسنا عنه ، ونصونها عن الخوض فيه ،
    ( لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) من كل وجه .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

    قال ابن القيم:
    وقد جمع الله له مكارم الأخلاق في قوله تعالى:
    {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف:199]،
    قال جعفر بن محمد:
    أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق. وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية.
    ولا ريب أن للمطاع مع الناس ثلاثة أحوال:

    أحدها: أمرهم ونهيهم بما فيه مصلحتهم.
    الثاني: أخذه منهم ما يبذلونه مما عليهم من الطاعة.
    الثالث: أن الناس معه قسمان: موافق له مُوالٍ، ومعادٍ له معارض.
    وعليه في كل واحد من هذه واجب.

    فواجبه في أمرهم ونهيهم:
    أن يأمر بالمعروف. وهو المعروف الذي به صلاحهم، وصلاح شأنهم. وينهاهم عن ضده.

    وواجبه فيما يبذلونه له من الطاعة:
    أن يأخذ منهم ما سهل عليهم، وطوعت له به أنفسهم، سماحة واختيارًا. ولا يحملهم على العنت، والمشقة، فيفسدهم.

    وواجبه عند جهل الجاهلين عليه:
    الإعراض عنهم، وعدم مقابلتهم بالمثل والانتقام منهم لنفسه.

    ثم قال تعالى: {وأمر بالعرف} [الأعراف:199]،
    وهو كل معروف.
    وأعرفه: التوحيد، ثم حقوق العبودية وحقوق العبيد.

    ثم قال تعالى: {وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف:199]،
    يعني: إذا سفه عليك الجاهل، فلا تقابله بالسفه، كقوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} [الفرقان:63].

    وعلى هذا؛ فليست بمنسوخة،
    بل يعرض عنه مع إقامة حق الله عليه، ولا ينتقم لنفسه، وهكذا كان خلقه صلى الله عليه وسلم. اهـ.
    باختصار من مدارج السالكين.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

    سئل الشيخ ابن عثيمين
    ، هل إذا رد الإنسان على شيء قبيح من قول أو فعل صادر من شخص آخر هل يكون آثماً؟
    وماذا يجب على الإنسان في هذا الموقف؟ الجواب:
    الشيخ: إذا رد الإنسان على من ظلمه بمثل مظلمته، فإنه لا يكون آثماً بل هو عادل؛
    قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾،
    وقال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾،
    وقال تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾،
    ولكن الأفضل العفو والصفح إذا كان صاحبه أهلاً لذلك؛
    لقول الله تبارك وتعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾،
    أما إذا لم يكن صاحبه أهلاً لذلك،
    بأن كان شريراً معتدياً على الخلق، لو أنه عفا عنه لذهب يظلم آخر،
    فإن الأفضل ألا يعفو عنه، بل أخذه بحقه أفضل؛
    لأن الله تعالى شرط في العفو ان يكون إصلاحاً
    فقال: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾،
    وحينئذ لا يكون العفو مطلقاً أفضل من المؤاخذة،
    بل هو مشروط بهذا الشرط الذي ذكره الله عز وجل وهو الإصلاح،

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

    العفو أفضل من الأخذ بالحق والانتصار للنفس؛
    لقوله تعالي: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
    لكنه مع ذلك ليس دائمًا محمودًا، وإن كان ذلك هو الغالب فيه،
    ففي بعض الأمور والمواقف يكون العفو ضعفًا ومذلة، ولا ينبغي حينئذ العفو، بل الانتقام والأخذ بالحق،
    يقول الشيخ/ الشنقيطي في دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب:
    الانتقام له موضع يحسن فيه, والعفو له موضع كذلك, وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله, ألا ترى أنّ من غصبت منه جاريته -مثلا- إذا كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور, تنتهك به حرمات الله, فالانتقام في مثل هذه الحالة واجب, وعليه يحمل الأمر - فاعتدوا - الآية,
    أي: كما بدأ الكفار بالقتال فقتالهم واجب, بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه من المسلمين بكلام قبيح, ونحو ذلك، فعفوه أحسن وأفضل, وقد قال أبو الطيب المتنبي:

    إذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل. اهـ.

    وعليه؛ فالعفو هو الأفضل والأولى دائمًا إلا إذا ترتب عليه ما ليس محمودًا فيكون عدمه أولي، وقد يتعين عدم العفو إن ترتب على العفو أمر محرم شرعًا.المصدر الاسلام سؤال وجواب

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

    قال ابن عثيمين رحمه الله :
    ليكن معلوما لديكم أن العفو إنما يحمد اذا كان العفو أحمد فان كان أحمد فالعفو أفضل
    ولهذا قال الله تعالى :{ فمن عفى وأصلح فأجره على الله
    فجعل العفو مقرونا بالإصلاح
    عفى وأصلح...
    هل يمكن أن يكون العفو غير إصلاح ؟
    الجواب :نعم .قد يكون هذا اجترأ عليك وجنى عليك وهو رجل شرير معروف بالشر و الفساد؛ فلو عفوت عنه لتمادى في شره و فساده، فما هو الأفضل حينئذ ، أن نعفو أو نأخذ بالجريمة ؟ الأفضل أن نأخذ بالجريمة ؛لأن في ذلك إصلاحا .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    (( الإصلاح واجب ، والعفو مندوب )). فاذا كان في العفو فوات الإصلاح فمعنى ذلك أننا قدمنا مندوبا على واجب .
    وهذا لا تأتي به الشريعة.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

    قال الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله : "قال شيخُ الإسلامِ: الإصلاحُ واجب، والعفوُ مندوبٌ، فإذا كان في العفو فواتُ الإصلاحِ، فمعنى ذلك أننا قدَّمْنَا مندوبًا على واجبٍ، وهذا لا تأتي به الشريعةُ. وصدق رحمه الله" انتهى
    وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لا ينبغِي للمؤمنِ أن يُذلَّ نفسَه))، قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه؟ قال: ((يتعرَّضُ من البلاءِ لمَا لا يطيقُ))[5].
    أَيْ: إن الإنسانَ لا ينبغي له أن يترُكَ نفسَه تتعرضُ للإساءة والإهانة باستمرار، مُتَّسمًا بالعفو في موضعٍ لا يؤدِّي العفوُ لإصلاح، زاعمًا أن الشرعَ حثَّ على العفْوِ، بل ينبغي أن يكون المسلمُ عزيزًا بدينِه وتسامحِه، وإذا تحوَّلتِ العزةُ بالعفوِ إلى ذِلَّةٍ وإهانةٍ، فهنا وجَبَ عليه أن يقف وقفةً حازمة، فالله - عز وجل - عادلٌ لا يقبل الإهانةَ والذلَّ، وكما حث سبحانه على العفو، فقد حث أيضًا على القِصاص والأخذِ حينما يَستدْعي الأمر ذلك - منقول

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

    من وقع عليه من الناس أذى بالسب أو الإهانة أو الضرب ونحوه،
    فله أن يتعامل مع ظالمه بواحد من ثلاث خيارات،
    إما العفو والصفح،
    وإما عدم العفو والصفح، وتأخير المقاصة ليوم القيامة،
    وإما الانتصار منه بالعدل، ومقابلة السيئة بمثلها.
    والعفو أفضل إلا إذا كان سيترتب عليه استطالة الظالم وإصراره على الظلم،
    فإن الانتصار أفضل حينئذ،
    جاء في كتاب بريقة محمودية:
    لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الْعَدْلُ أَفْضَلَ مِنْ الْعَفْوِ بِعَارِضٍ مُوجِبٍ لِذَلِكَ مِثْلِ كَوْنِ الْعَفْوِ سَبَبًا لِتَكْثِيرِ ظُلْمِهِ لِتَوَهُّمِهِ أَنَّ عَدَمَ الِانْتِقَامِ مِنْهُ لِلْعَجْزِ ...اهـ باختصار.
    وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
    والعافين عن الناس ـ
    يعني: الذين إذا أساء الناس إليهم عفوا عنهم، فإن من عفا وأصلح فأجره على الله،
    وقد أطلق الله العفو هنا
    ولكنه بين قوله تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله ـ أن العفو لا يكون خيرا إلا إذا كان فيه إصلاح،
    فإذا أساء إليك شخص معروف بالإساءة والتمرد والطغيان على عباد الله،
    فالأفضل ألا تعفو عنه، وأن تأخذ بحقك، لأنك إذا عفوت ازداد شره،
    أما إذا كان الإنسان الذي أخطأ عليك قليل الخطأ قليل العدوان،
    لكن أمر حصل على سبيل الندرة،
    فهنا الأفضل أن تعفو. اهـ.المصدر الاسلام سؤال وجواب

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: لا تعارض بين الإعراض عن الجاهلين والدعوة إلى الله

    من وقع عليه الأذى والإهانة من الناس
    يشرع له ثلاثة أمور:
    الأول:
    أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين ومعية الله وعونه،
    كما قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين
    وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله
    وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ
    وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ .
    وقال تعالى: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ
    . وقال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً .
    وقال تعالى: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
    وقال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
    وفي صحيح مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
    : إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
    وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
    وفي سنن الترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    المسلم إذا كان مخالطا للناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم. وصححه الألباني.
    وفي سنن ابن ماجه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    من كظم غيظه وهو يقدر على أن ينتصر دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حور العين أيتهن شاء. وحسنه الألباني.
    ***
    ومن هذا الباب الإعراض المستفاد من قوله تعالى:
    وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً
    وقوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
    والخيار الثاني:
    الإمساك عن العفو والصفح ليلقى المذنب ربه بما اقترف من الإثم. لكن كما قال بعض السلف ـ ما يفيدك أن يعذب الله أحدا لأجلك؟ مع ما يفوتك من أجر العفو، لو عفوت.
    أما الخيار الثالث:
    فهو المقاصة، ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز،
    لقوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى: 40}.
    وقوله: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً *إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً {النساء: 148ـ149}.
    وقوله تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ *إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 41ـ 43}.
    ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات، وأفضل الخيارات،
    لما جاء فيه من الأجر والثواب،
    ومما يؤكد ذلك أن الآيات التي أفادت إباحة المقابلة بالمثل قرنت بالدعوة والترغيب في العفو،
    والعفو معناه تحمل الإساءة والصبر على آثارها، رجاء ثواب الله وحسن العاقبة لديه
    . ثم ليعلم أن الأخذ على يد الظالم وأطره على الحق واجب من واجبات الجماعة المسلمة يقوم به ولي أمرهم أو جماعتهم الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر. المصدر الاسلام سؤال وجواب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •