حاجة كل مسلم إلى الاعتناء بالسنة (1)
أهمية السنة
كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمما ينبغي التنبُّه إليه: أن السنة النبوية كما أنها مصدر من مصادر التشريع والأحكام لا يستغنى عنه، فهي كذلك مصدر للتربية والبناء لا غنى عنه.
ولا أدل على ذلك: مما نحن فيه في مجتمعنا من نقص تربوي وأخلاقي؛ سببه الرئيسي: الابتعاد عن الاستفادة من الجوانب التربوية والأخلاقية في الكتاب والسنة، وبالتالي: فقدُ دورهما المحوري في عملية البناء الاجتماعي والأخلاقي في الأمة.
وقد نبَّه القرآن الكريم تنبيهًا واضحًا، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا شافيًا، على دور السنة النبوية وأهمية الأخذ بها، والعمل حتمًا بما فيها، وجاء التحذير كل التحذير من التهاون في الأخذ بها، وترك العمل بمقتضاها، وذلك من أوجه عديدة لا يليق بعدها أن يتأخر المسلم عمدًا أو تكاسلًا في الاعتناء بالسنة النبوية الاعتناء الواجب بها، وهذا باب يطول سرده، ولكن نذكر منه مقتطفات، ففي القرآن الكريم:
قال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، وقال تعالى: "وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى"، وقال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"، وقال تعالى: "من يطع الرسول فقد أطاع الله"، وقال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا".
وتحكيمه صلى الله عليه وسلم: بالتحاكم إلى القرآن الذي أنزل عليه وأمر بتبليغه، قال تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل فأولئك هم الكافرون"، وأيضًا بالتحاكم إلى سنته صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد مماته صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث المرفوع: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"، وقال تعالى: "وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى"، وقال تعالى: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله"، أي: إلى كتابه عز وجل، "ورسوله" أي: إلى سنته صلى الله عليه وسلم "ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون"، وقال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر"، وقال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم".
أما في السنة النبوية:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى". قيل: ومَن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"، وقال صلى الله عليه وسلم: "وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"، فسنته صلى الله عليه وسلم هي من الوحي.
والناس في الأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ومما جاء به سنته، على مراتب: فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيثٍ أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك الماء ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل مَن لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين: "فهكذا الناس بالنسبة لما بعث الله به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والهدى، منهم مَن فقه في دين الله، فعلم وعلم، وانتفع الناس بعلمه، وانتفع هو بعلمه، وهذا كمثل الأرض التي أنبتت العشب والكلأ فأكل الناس منها، وأكلت منها مواشيه.
والقسم الثاني: فقوم حملوا الهدى، ولكن لم يفقهوا في هذا الهدي شيئًا، بمعنى أنهم كانوا رواة العلم والحديث، لكن ليس عندهم فقه، فهؤلاء مثلهم مثل الأرض التي حفظت الماء، واستقى الناس منه وشربوا، لكن الأرض نفسها لم تنبت شيئًا؛ لأن هؤلاء يروون أحاديث وينقلونها، ولكن ليس عندهم فيها فقه وفهم.
والقسم الثالث: مَن لم يرفع بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والهدى رأسًا، وأعرض عنه، ولم يبالِ به؛ فهذا لم ينتفع بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، ولم ينفع غيره، فمثله كمثل الأرض التي ابتلعت الماء ولم تنبت شيئًا".
وأضاف: "وفي هذا الحديث: دليل على أن من فقه في دين الله، وعلم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعمل؛ فإنه خير الأقسام؛ لأنه علم وفقه لينتفع وينفع الناس، ويليه من علم ولم يفقه، يعني روى الحديث وحمله، لكن لم يفقه منه شيئًا، وإنما هو راوية، هذا يأتي في المرتبة الثانية في الفضل بالنسبة لأهل العلم والإيمان. والقسم الثالث: لا خير فيه، رجل أصابه ما أصابه من العلم والهدى الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه لم يرفع به رأسًا، ولم ينتفع به، ولم يعلمه الناس، لكن -والعياذ بالله- كمثل الأرض السبخة التي ابتلعت الماء ولم تنبت شيئًا للناس، ولم يبقَ الماء على سطحها حتى ينتفع الناس به" (راجع: "شرح رياض الصالحين" للشيخ محمد بن صالح العثيمين).