تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: هل الإنسان مسير أو مخير ؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي هل الإنسان مسير أو مخير ؟

    سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله –
    هل الإنسان مخير أو مسير ؟
    فأجاب بقوله :
    على السائل أن يسأل نفسه : هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال ؟ وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها ؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبيَّن له الجواب هل هو مسير أو مخير ، ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره ؟ هل يصيبه المرض باختياره ؟ هل يموت باختياره ؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسيَّر أو مخيَّر ، والجواب : أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب ، واسمع إلى قول الله تعالى : { فمَنْ شَاءَ اتخذَ إِلى ربِّهِ مَآبًا } ، وإلى قوله :{ مِنْكُم مَن يُريدُ الدنْيا ومِنْكُم من يُريدُ الآخِرَة } ، وإلى قوله : { وَمَن أرادَ الآخرةَ وسَعى لها سَعْيَها وهُوَ مُؤمن فأولئكَ كانَ سعيُهم مَشْكُوراً } ، وإلى قوله : { فَفِدْية من صِيَامٍ أَوْ صَدَقةٍ أوْ نُسُك } حيث خيَّر الفادي فيما يفدي به ولكن العبد إذا أراد شيئاً وفعله : علِمنا أن الله تعالى قد أراده ؛ لقوله تعالى : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُم أَنْ يَسْتَقيم . وَمَا تَشاءونَ إلاَّ أَنْ يَشاءَ الله ربُّ العَالَمينَ } ، فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد فيها ولا إرادة ، والله الموفق .
    مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين
    وقال –رحمه الله تعالى – " هل الإنسان مسير أو مخير ؟ وهل له إرادة أو ليس له إرادة ؟
    فنقول : الإنسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر بمعنى أن له الاختيار
    وإن كان ليس سواءً لا يستوي الكفر والإيمان لكن له اختيار أن يختار الإيمان أو أن يختار الكفر وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم فليس أحدٌ أجبر الكافر على أن يكفر وليس أحدٌ أجبر المؤمن على أن يؤمن بل الكافر كفر باختياره والمؤمن آمن باختياره كما أن الإنسان يخرج من بيته باختياره ويرجع إليه باختياره وكما أن الإنسان يدخل المدرسة الفلانية باختياره ويدخل الجامعة الفلانية باختياره وكما أن الإنسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك وهذا أمرٌ لا إشكال فيه ولا جدال فيه ولا يمكن أن يجادل فيه إلا مكابر نعم هناك أشياء لا يمكن أن تكون باختيار الإنسان كحوادث تحدث للإنسان من انقلاب سيارة أو صدم أو سقوط بيتٍ عليه أو احتراق أو ما أشبه هذا هذا لا شك أن لا اختيار للإنسان فيه بل هو قضاءٌ وقدر ممن له الأمر ولهذا عاقب الله سبحانه وتعالى الكافرين على كفرهم لأنهم كفروا باختيارهم ولو كان بغير اختيارٍ منهم ما عوقبوا ألا ترى أن الإنسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفراً أو على القول ولو كان كفراً فإنه لا يعاقب عليه لأنه بغير اختيارٍ منه ألا ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر وقد يرى نفسه ساجداً لصنم وهو نائم ولا يؤاخذ بهذا لأن ذلك بغير اختياره فالشيء الذي لا اختيار للإنسان فيه لا يعاقب عليه فإذا عاقب الله الإنسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب بحقٍ وعدل لأنه فعل السيئ باختياره , وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله سبحانه وتعالى قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء وهذا الإنسان من أهل السعادة فإن هذا لا حجة فيه وذلك لأن الإنسان ليس عنده علمٌ بما قدر الله سبحانه وتعالى إذ أن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غداً وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلاً فالإنسان الذي يصلي لا يعلم أن الله كتب له أن يصلي إلا إذا صلى والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق وهو لم يجبر على السرقة ولم يجبر المصلي على الصلاة بل صلى باختياره والسارق سرق باختياره ولما حدث النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بأنه ( ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ) قالوا : يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل ؟ قال : ( لا اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له ) فأمر بالعمل والعمل اختياري وليس اضطرارياً ولا إجبارياً فإذا كان يقول - عليه الصلاة والسلام- ( اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له ) نقول للإنسان اعمل يا أخي صالحا اعمل صالحاً حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة وكلٌ بلا شك إن شاء عمل عملاً صالحاً وإن شاء عمل عملاً سيئاً ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله ويقول هذا أمرٌ مكتوب علي يترك الصلاة مع الجماعة ويقول هذا أمر مكتوب علي يشرب الخمر ويقول هذا أمر كتب علي يطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول هذا أمرٌ مكتوبٌ علي ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته , أنت لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة , وأما قول السائل هل للإنسان إرادة ؟ نقول : نعم له إرادة بلا شك قال الله تبارك وتعالى ( مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ )(آل عمران : 152) وقال تعالى ( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ )(الإسراء : 19) وقال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) (الشورى :20) والآيات في هذا معروفة وكذلك الأحاديث معروفة في أن الإنسان يعمل باختيار وإرادة ولهذا إذا وقع العمل الذي فيه المخالفة من غير إرادة ولا اختيار عفي عنه قال الله تعالى ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )(البقرة :28) فقال الله : قد فعلت . وقال تعالى ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ) (الأحزاب :5) وهذا أمرٌ ولله الحمد ظاهر ولا إشكال فيه إلا على سبيل المنازعة والمخاصمة , والمنازعة والمخاصمة منهيٌ عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول على الحق وقد خرج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فتأثر من ذلك عليه الصلاة والسلام لأن هذا النزاع لا يؤدي إلى شيء إلا إلى خصومة وتطاول كلام وغير ذلك وإلا فالأمر واضح ولله الحمد." ا.هـ

    كما سئلت اللجنة الدائمة عن ذلك ؟
    فأجابت اللجنة : أولاً : ثبت أن الله - تعالى - وسع كل شيء رحمة وعلماً وكتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة ، وعمت مشيئته وقدرته كل شيء، بيده الأمر كله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير، وقد دلَّ على ذلك وما في معناه نصوص من الكتاب والسنة، وهي كثيرة معروفة عند أهل العلم، ومن طلبها من القرآن ودواوين السنة وجدها، من ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (العنكبوت:62) وقوله ) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)( الزمر:62]، وقوله: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" [القمر:49]، وقوله: "وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً" [الإنسان:30]، وقوله: "يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، وقوله:"( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير ) الحديد:22]، وقوله: " "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (يونس99) وقوله: "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) (السجدة: 13)

    ومما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك ما حث على الذكر به عقب الصلاة من قول: "لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" البخاري (844) ومسلم (593)، وكذا ما جاء في حديث عمر – رضي الله عنه – من سؤال جبريل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الإيمان فأجاب النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: "الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" مسلم (8)، فهذه النصوص وما في معناها تدل على كمال علمه - تعالى - بما كان وما هو كائن وتقديره كل شؤون خلقه، وعلى عموم مشيئته وقدرته، ما شاءه – سبحانه - كان وما لم يشأ لم يكن.

    ثانياً: ثبت أن الله حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه، رحيم بعباده، وأنه - تعالى - أرسل الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وأنزل الكتب وشرع الشرائع وأمر كلاً منهم أن يبلغها أمته، وأنه - تعالى - لم يكلف أحداً إلاَّ وسعه، رحمة منه وفضلاً، فلا يكلف المجنون حتى يعقل، ولا الصغير حتى يبلغ، وعذر النائم حتى يستيقظ، والناسي حتى يذكر، والعاجز حتى يستطيع ومن لم تبلغه الدعوة حتى تبلغه، رحمة منه تعالى وإحساناً.

    وثبت عقلاً وشرعاً الفرق بين حركة الصاعد على سلم مثلاً والساقط من سطح مثلاً، فيؤمر الأول بالمضي إلى الخير وينهى عن المضي إلى الشر والاعتداء، بخلاف الثاني فلا يليق في شرع ولا عقل أن يوجه إليه أمر أو نهي، وثبت الفرق أيضاً بين حركة المرتعش لمرضه وحركة من ليس به مرض، فلا يليق شرعاً ولا عقلاً أن يوجه إلى الأول أمر ولا نهي فيما يتعلق في الرعشة، لكونه ملجأ مضطراً إليه، بل يرثى لحاله ويسعى في علاجه، بخلاف الثاني فقد يحمد كما في حركات العبادات الشرعية، وقد ينهى كما في حركات العبادة غير الشرعية وحركات الظلم والاعتداء، فتكليف الله عباده ما يطيقون فقط وتفريقه في التشريع والجزاء بين من ذكروا وأمثالهم دليل على ثبوت الاختيار والقدرة والاستطاعة لمن كلفهم دون من لم يكلفهم.

    ثم إن الله - تعالى - حكم عدل علي حكيم لا يظلم مثقال ذرة، جواد كريم يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات، ثبت ذلك بالفعل الصريح والنقل الصحيح فلا يتأتى مع كمال حكمته ورحمته وواسع مغفرته أن يكلف عباده دون أن يكون لديهم إرادة واختيار لما يأتون وما يذرون وقدرة على ما يفعلون، ومحال في قضائه العادل وحكمته البالغة أن يعذبهم على ما هم إلى فعله ملجؤون وعليه مكرهون، وإذاً فقدر الله المحكم العادل وقضاؤه المبرم النافذ من عقائد الإيمان الثابتة التي يجب الإذعان لها وثبوت الاختيار للمكلفين وقدرتهم على تحقيق ما كلفوا به من القضايا التي صرح بها الشرع وقضى بها العقل، فلا مناص من التسليم بها والرضوخ لها، فإذا اتسع عقل الإنسان لإدراك السر في ذلك فليحمد الله على توفيقه، وإن عجز عن ذلك فليفوض أمره لله، وليتهم نفسه بالقصور في إدراك الحقائق فذلك شأنه في كثير من الشؤون، ولا يتهم ربه في قدره وقضائه وتشريعه وجزائه فإنه - سبحانه - هو العلي القدير الحكيم الخبير، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (181) )وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الصافات:182) وليكف عن الخوض في ذلك الشأن خشية الزلل والوقوع في الحيرة، وليقنع عن رضا وتسليم بجواب النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه – رضي الله عنهم - لما حاموا حول هذا الحمى، فقالوا: يا رسول الله ، أفلا نتكل؟ فقال لهم : "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" رواه البخاري (4949) من طرق عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال : كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بقيع الغرقد في جنازة فقال: "ما منكم من أحد إلاَّ وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار"، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل، فقال: "اعملوا فكل ميسر لما خُلق له"، ثم قرأ قوله تعالى: "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى"، إلى قوله تعالى: "فسنيسره للعسرى"، ورواه أيضاً مسلم (2647) وأصحاب السنن الترمذي (2136)، وابن ماجة (78)، وأحمد (621( .وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل الإنسان مسير أو مخير ؟

    سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
    الإنسان مسيَّر أو مخير ؟
    فأجاب :
    الإنسان مسيَّر وميسَّر ومخيّر ، فهو مسيَّر وميسر بحسب ما مضى من قدر الله ؛ فإن الله قدر الأقدار وقضى ما يكون في العالم قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة ، قدر كل شيء سبحانه وتعالى ، وسبق علمه بكل شيء ، كما قال عز وجل:{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [ القمر / 49 ] وقال سبحانه : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } [ الحديد / 22 ] وقال عز وجل في كتابه العظيم : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } [ التغابن / 11- 14 ] ، فالأمور كلها قد سبق بها علم الله وقضاؤه سبحانه وتعالى ، وكل مسيَّر وميسَّر لما خلق له ، كما قال سبحانه : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } [ يونس / 22 ] وقال سبحانه : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى .
    وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [ الليل / 5 –14 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء ” أخرجه مسلم في صحيحه .
    ومن أصول الإيمان الستة : الإيمان بالقدر خيره وشره ، فالإنسان ميسَّر ومسيّر من هذه الحيثية لما خلق له على ما مضى من قدر الله ، لا يخرج عن قدر الله ، كما قال سبحانه :{ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }
    [ يونس / 22 ] وهو مخيَّر أيضا من جهة ما أعطاه الله من العقل والإرادة والمشيئة ، فكل إنسان له
    عقل إلا أن يسلب كالمجانين ، ولكن الأصل هو العقل ، فمن كان عنده العقل فهو مخير يستطيع أن يعمل الخير والشر ، قال تعالى : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ . وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
    [ التكوير / 28 – 29 ] وقال جل وعلا : { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ } [ الأنفال / 67 ] فللعباد إرادة ، ولهم مشيئة ، وهم فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم ، كما قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ المائدة / 8 ] وقال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [ النور / 30 ] ، وقال تعالى
    : { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } [ النمل / 88 ] ، فالعبد له فعل ، وله صنع ، وله عمل ، والله سبحانه هو خالقه وخالق فعله وصنعه وعمله ، وقال عز وجل: { فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }
    [ المدثر / 55 ، 56 ] ، وقال سبحانه : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ . وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ
    رَبُّ الْعَالَمِينَ } [ التكوير / 28 – 29 ] فكل إنسان له مشيئة ، وله إرادة ، وله عمل ، وله صنع ، وله اختيار ولهذا كلف ، فهو مأمور بطاعة الله ورسوله ، وبترك ما نهى الله عنه ورسوله ، مأمور بفعل الواجبات ، وترك المحرمات ، مأمور بأن يعدل مع إخوانه ولا يظلم ، فهو مأمور بهذه الأشياء ، وله قدرة ، وله اختيار ، وله إرادة فهو المصلي ، وهو الصائم ، وهو الزاني ، وهو السارق ، وهكذا في جميع الأفعال هو الآكل ، وهو الشارب ، فهو مسئول عن جميع هذه الأشياء لأن له اختيارا وله مشيئة ، فهو مخير من هذه الحيثية ؛ لأن الله أعطاه عقلا وإرادة ومشيئة وفعلا ، فهو ميسر ومخير ، مسير من جهة ما مضى من قدر الله ، فعليه أن يراعي القدر فيقول : { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة / 156 ] إذا أصابه شيء مما يكره ، ويقول : قدر الله وما شاء فعل ، يتعزى بقدر الله ، وعليه أن يجاهد نفسه ويحاسبها بأداء ما أوجب الله ، وبترك ما حرم الله ، بأداء الأمانة ، وبأداء الحقوق ، وبالنصح لكل مسلم ، فهو ميسر من جهة قدر الله ، ومخير من جهة ما أعطاه الله من العقل والمشيئة والإرادة والاختيار ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار ” ، فقال بعض الصحابة
    رضي الله عنه : ففيم العمل يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ” اعملوا فكلٌّ ميسر لما خُلق له ، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وكلها تدل على ما ذكرنا ، والله ولي التوفيق .
    مجموع فتاوى ومقالات ( 94 / 8 )

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: هل الإنسان مسير أو مخير ؟

    بارك الله فيكم، وهذا ما يشكل على عامة المسلمين،
    وهناك من يظن أنه مسير ويحتج بما يفعله من منكرات بأن لو شاء الله لهداه - نسأل الله الهداية وإياهم-.
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل الإنسان مسير أو مخير ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    وهناك من يظن أنه مسير ويحتج بما يفعله من منكرات بأن لو شاء الله لهداه
    بارك الله فيك
    إن الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات ، أو فَعَلَ من المعاصي . باتفاق المسلمين والعقلاء . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين ، وسائر أهل الملل ، وسائر العقلاء ؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال ، وسائر أنواع الفساد في الأرض ، ويحتج بالقدر. ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه ، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه ، بل يتناقض ، وتناقض القول يدل على فساده ، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول " مجموع الفتاوى ( 8/179)
    وقد دل على فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات ؛ الشرع والعقل ، فمن الأدلة الشرعية :
    1ـ قول الله- تعالى - : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا ءَابَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ ) الأنعام/39 ، فهؤلاء المشركون احتجوا بالقدر على شركهم ، ولو كان احتجاجهم مقبولاً صحيحاً ما أذاقهم الله بأسه . فمن احتج بالقدر على الذنوب والمعائب فيلزمه أن يصحح مذهب الكفار ، وينسب إلى الله الظلم تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً .
    2ـ قال تعالى : ( رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/165 ، فلو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لما انقطعت الحجة بإرسال الرسل ، بل كان إرسال الرسل لا فائدة له في الواقع .
    3ـ أن الله أمر العبد ونهاه ، ولم يكلفه إلا ما يستطيع ، قال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 ، وقال سبحانه : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) البقرة/286
    ولو كان العبد مجبراً على الفعل لكان مكلفاً بما لا يستطيع الخلاص منه ، وهذا باطل ، ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل ، أو إكراه ، فلا إثم عليه لأنه معذور . ولو صح هذا الاحتجاج لم يكن هناك فرق بين المكره والجاهل ، وبين العامد المتعمد ، ومعلوم في الواقع ، وبدائه العقول أن هناك فرقا جليا بينهما .
    4ـ أن القدر سر مكتوم ، لا يعلمه أحد من الخلق إلا بعد وقوعه ، وإرادة العبد لما يفعله سابقة لفعله ، فتكون إرادته للفعل غير مبنية على علم بقدر الله ، فادعاؤه أن الله قدر عليه كذا وكذا ادعاء باطل ؛ لأنه ادعاءٌ لعلم الغيب ، والغيب لا يعلمه إلا الله ، فحجته إذاً داحضة ؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه .
    5ـ أنه يترتب على الاحتجاج بالقدر على الذنوب تعطيل الشرائع والحساب والمعاد والثواب والعقاب .
    6- لو كان القدر حجة لأهل المعاصي لاحتج به أهل النار ، إذا عاينوها ، وظنوا أنهم مواقعوها ، كذلك إذا دخلوها ، وبدأ توبيخهم وتقريعهم ، لكن الواقع أنهم لم يحتجوا به ، بل إنهم يقولون كما قال الله عز وجل عنهم : ( رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل ) إبراهيم/44 . ويقولون : ( ربنا غلبت علينا شقوتنا ) المؤمنون/106
    وقالوا : ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك/10 . و ( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) المدثر/44 ، إلى غير ذلك مما يقولون .
    ولو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي سائغاً لاحتجوا به ؛ فهم في بأمس الحاجة إلى ما ينقذهم من نار جهنم .
    7- لو كان الاحتجاج بالقدر صحيحا لكان حجة لإبليس الذي قال : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) الأعراف/16 ، ولتساوى فرعون عدو الله ، مع موسى كليم الله عليه السلام .
    8- ومما يرد هذا القول ، ويبين فساده : أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه حتى يدركه ، ولا تجد شخصا يترك ما يصلح أمور دنياه ويعمل بما يضره فيها بحجة القدر فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر ؟!
    وإليك مثالاً يوضح ذلك : لو أن إنساناً أراد السفر إلى بلد ، وهذا البلد له طريقان ، أحدهما آمن مطمئن ، والآخر كله فوضى واضطراب ، وقتل ، وسلب ، فأيهما سيسلك ؟
    لاشك أنه سيسلك الطريق الأول ، فلماذا لا يسلك في أمر الآخرة طريق الجنة دون طريق النار ؟
    9 ـ ومما يمكن أن يُرد به على هذا المحتج ـ بناء على مذهبه ـ أن يقال له : لا تتزوج ، فإن كان الله قد قضى لك بولد فسيأتيك ، وإلا فلن يأتيك . ولا تأكل ولا تشرب ، فإن قدر الله لك شبعاً ورياً فسيكون ، وإلا فلن يكون . وإذا هاجمك سبع ضار فلا تفر منه ، فإن قدر الله لك النجاة فستنجو ، وإن لم يقدرها لك فلن ينفعك الفرار . وإذا مرضت فلا تتداو ، فإن قدر الله لك شفاءً شفيت ، وإلا فلن ينفعك الدواء .
    فهل سيوافقنا على هذا القول أم لا ؟ فإن وافقنا علمنا فساد عقله ، وإن خالفنا علمنا فساد قوله ، وبطلان حجته .
    10- المحتج بالقدر على المعاصي شبه نفسه بالمجانين ، والصبيان ، فهم غير مكلفين ، ولا مؤاخذين ، ولو عومل معاملتهم في أمور الدنيا لما رضي .
    11- لو قبلنا هذا الاحتجاج الباطل لما كان هناك حاجة للاستغفار ، والتوبة ، والدعاء ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
    12- لو كان القدر حجة على المعائب والذنوب لتعطلت مصالح الناس ، ولعمت الفوضى ، ولما كان هناك داع للحدود ، والتعزيرات ، والجزاءات ، لأن المسيىء سيحتج بالقدر ، ولما احتجنا لوضع عقوبات للظلمة ، وقطاع الطريق ، ولا إلى فتح المحاكم ، ونصب القضاء ، بحجة أن كل ما وقع إنما وقع بقدر الله ، وهذا لا يقول به عاقل .
    13- أن هذا المحتج بالقدر الذي يقول : لا نؤاخذ ، لأن الله كتب ذلك علينا ، فكيف نؤاخذ بما كتب علينا ؟
    فيقال له : إننا لا نؤاخذ على الكتابة السابقة ، إنما نؤاخذ بما فعلناه ، وكسبناه ، فلسنا مأمورين بما قدره الله لنا ، أو كتبه علينا ، وإنما نحن مأمورين بالقيام بما يأمرنا به ، فهناك فرق بين ما أريد بنا ، وما أريد منا ، فما أراده بنا طواه عنا ، وما أراده منا أمرنا بالقيام به .
    وكون الله علم وقوع ذلك الفعل من القدم ثم كتبه لا حجة فيه لأن مقتضى علمه الشامل المحيط أن يعلم ما خلقه صانعون ، وليس في ذلك أي نوع من أنواع الجبر ، ومثال ذلك من الواقع ـ ولله المثل الأعلى ـ : لو أن مدرسا علم من حال بعض تلاميذه أنه لا ينجح هذا العام لشدة تفريطه وكسله ، ثم إن هذا الطالب لم ينجح كما علم بذلك الأستاذ فهل يقول عاقل بأن المدرس أجبره على هذا الفشل ، أو يصح للطالب أن يقال أنا لم أنجح لأن هذا المدرس قد علم أني لن أنجح ؟*!
    وبالجملة فإن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي ، أو ترك الطاعات احتجاج باطل في الشرع ، والعقل ، والواقع .
    ومما تجدر الإشارة إليه أن احتجاج كثير من هؤلاء ليس ناتجاً عن قناعة وإيمان ، وإنما هو ناتج عن نوع هوى ومعاندة ، ولهذا قال بعض العلماء فيمن هذا شأنه : " أنت عند الطاعة قدري ، وعند المعصية جبري ، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به " ( مجموع الفتاوى 8/107 ) يعني أنه إذا فعل الطاعة نسب ذلك نفسه ، وأنكر أن يكون الله قدر ذلك له ، وإذا فعل المعصية احتج بالقدر .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن المحتجين بالقدر : " هؤلاء القوم إذا أصروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى " ( مجموع الفتاوى 8 / 262 )
    وعليه فلا يسوغ للعبد أن يحتج على معايبه ومعاصيه بالقدر .
    وإنما يسوغ الاحتجاج بالقدر :عند المصائب التي تحل بالإنسان كالفقر ، والمرض ، وفقد القريب ، وتلف الزرع ، وخسارة المال ، وقتل الخطأ ، ونحو ذلك ؛ فهذا من تمام الرضا بالله رباً ، فالاحتجاج إنما يكون على المصائب ، لا المعائب ، " فالسعيد يستغفر من المعائب ، ويصبر على المصائب ، كما قال تعالى : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) والشقي يجزع عند المصائب ، ويحتج بالقدر على المعائب "
    ويوضح ذلك المثال الآتي : لو أن رجلاً أسرع بسيارته وفرَّط في أسباب القيادة السليمة فتسبب في وقوع حادث ، فوبِّخ على ذلك ، وحوسب عليه فاحتج بالقدر ، لم يكن الاحتجاج منه مقبولاً ، بينما لو أن شخصا صُدِمت سيارته وهي في مكانها لم يتحرك بها ، فلامه شخص فاحتج بالقدر لكان احتجاجه مقبولا ، إلا أن يكون قد أخطأ في طريقة إيقافها .
    فالمقصود أن ما كان من فعل العبد واختياره فإنه لا يصح له أن يحتج بالقدر ، وما كان خارجا عن اختياره وإرادته فيصح له أن يحتج عليه بالقدر .
    ولهذا حَجَّ آدم موسى عليهما السلام كما في قوله صلى الله عليه وسلم في محاجتهما : " احتج آدم وموسى فقال له موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، ثم تلومني على أمر قد قدّر علي قبل أن أخلق ؟ فحج آدمُ موسى" ( أي : غلبه في الحجة ) رواه مسلم ( 2652 ).
    فآدم عليه السلام لم يحتج بالقدر على الذنب كما يظن ذلك من لم يتأمل في الحديث ، وموسى عليه السلام لم يلم آدم على الذنب ؛ لأنه يعلم أن آدم استغفر ربه وتاب ، فاجتباه ربه ، وتاب عليه ، وهداه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
    ولو أن موسى لام آدم على الذنب لأجابه : إنني أذنبت فتبت ، فتاب الله علي ، ولقال له : أنت يا موسى أيضاً قتلت نفساً ، وألقيت الألواح إلى غير ذلك ، إنما احتج موسى بالمصيبة فحجه آدم بالقدر . انظر الاحتجاج بالقدر لشيخ الإسلام ابن تيمية ( 18 – 22 )
    " فما قُدِّر من المصائب يجب الاستسلام له ؛ فإنه من تمام الرضا بالله رباً ، أما الذنوب فليس لأحد أن يذنب ، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب ، فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب " شرح الطحاوية ( 147 ) .
    تنبيه :
    ذكر بعض العلماء أن ممن يسوغ له الاحتجاج بالقدر التائبُ من الذنب ، فلو لامه أحد على ذنب تاب منه لساغ له أن يحتج بالقدر .
    فلو قيل لأحد التائبين : لم فعلت كذا وكذا ؟ ثم قال : هذا بقضاء الله وقدره ، وأنا تبت واستغفرت ، لقُبل منه ذلك الاحتجاج ، لأن الذنب في حقه صار مصيبة وهو لم يحتج على تفريطه بالقدر بل يحتج على المصيبة التي ألمت به وهي معصية الله ولا شك أن المعصية من المصائب ، كما أن الاحتجاج هنا بعد أن وقع الفعل وانتهى ، واعترف فاعله بعهدته وأقر بذنبه ، فلا يسوغ لأحد أن يلوم التائب من الذنب ، فالعبرة بكمال النهاية ، لا بنقص البداية
    المصدر الاسلام سؤال وجواب

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل الإنسان مسير أو مخير ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    ويحتج بما يفعله من منكرات بأن لو شاء الله لهداه .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين ، وسائر أهل الملل ، وسائر العقلاء ؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال ، وسائر أنواع الفساد في الأرض ، ويحتج بالقدر. ونفس المحتج بالقدر إذا اعتدي عليه ، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه ، بل يتناقض ، وتناقض القول يدل على فساده ، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول " مجموع الفتاوى ( 8/179)

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل الإنسان مسير أو مخير ؟

    قال ابن القيم رحمه الله :
    (وقد يتوجه جواب آخر، وهو أن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه، وترك معاودته، كما فعل آدم، فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد, ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع، لأنه لا يدفع بالقدر أمراً ولا نهياً, ولا يبطل به شريعة، بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة، يوضحه: أن آدم قال لموسى، أتلومني على أن عملت عملاً كان مكتوباً عليَّ قبل أن أخلق، فإذا أذنب الرجل ذنباً ثم تاب منه توبة، وزال أمره حتى كأن لم يكن، ثم أنبه مؤنب عليه ولامه، حسن منه أن يحتج بالقدر بعد ذلك ويقول: هذا أمر كان قد قدر عليَّ قبل أن أخلق، فإنه لم يدفع بالقدر حقاً، ولا ذكره حجة له على باطل، ولا محذور في الاحتجاج به، وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل، بأن يرتكب فعلاً محرماً، أو يترك واجباً، فيلومه عليه لائم، فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيبطل بالاحتجاج به حقاً, ويرتكب باطلاً كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله)

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل الإنسان مسير أو مخير ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    ويحتج .. بأن لو شاء الله لهداه
    إن قول الله عن المشركين: { لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} وقولهم: { لو شاء الرحمن ما عبدناهم} هو خلطٌ متعمّد بين أمرين مختلفين، وحقيقتين شرعيّتين متباينتين، ومحصّلهما أن الله جلّ جلاله متّصفٌ بإرادتين: الإرادة الشرعيّة، والتي تتعلّق بما يحبّه الله تعالى ويرضاه من عباده شرعاً، وهذه الإرادة لا يلزم وجود مرادها، فقد توجد وقد لا توجد، فإن الله أراد شرعاً أن يعبده المكلّفون، وهذا المُراد الإلهي قد حقّقه الطائعون دون غيرهم، وأما الإرادة الثانية فهي الكونيّة، وهي المتعلّقة بما أراد الله وجوده وتحقّقاً كوناً وقدراً، ولا يلزم منها أن تكون تلك المرادات مما يحبّه الله ويرضاه, فقد يدخل فيها الكفر والفسوق والعصيان، وهذه الإرادة لا يخرج عن مرادها شيء في الكون.

    والواقع أن هؤلاء المشركين اعتقدوا أن كل ما شاء الله وجوده وكونه بالإرادة القدرية، فقد أمر به ورضيه، وقادهم هذا الخلط إلى تطبيقه على قضيّة شركهم، فرأوا أن شركهم بغير شرع مما قد شاء الله وجوده، فيكون قد رضيه وأمر به –حسب زعمهم-.

    فكان الرّد عليهم بما يلي:

    {كذلك كذّب الذين من قبلهم} فأخبر سبحانه وتعالى أن هذه الشبهة ليست وليدةً، بل تذرّع بها المشركون من الأمم السابقة، ولم يزالوا يدافعون دعوات الرسل بهذه الحجّة، فلم تُغنِ عنهم من الله شيئاً، وحاق بهم ما كانوا يكسبون، والشاهد: أن هذه الشبهة لو كانت صحيحة وقائمةً على منطقٍ صحيح، لدفعت عنهم العذاب، وما حلّ بهم من الله العقاب، وما أذاق المشركين من أليم الانتقام، ومعلومٌ أن العذاب لا يحلّ إلا بمن يستحقّه.

    { قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} أن مبنى اعتراضهم غير قائم على حجّةٍ أو برهان، وإنما هو الظنّ المجرّد والتخرّص بغير علم، وكذبٌ محض يُراد منه إبطال الشريعة، يقول الشيخ السعدي: " الحجة، لا بد أن تكون حجة مستندة إلى العلم والبرهان، فأما إذا كانت مستندة إلى مجرد الظن والخرص، الذي لا يغني من الحق شيئا، فإنها باطلة، ولهذا قال: {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} فلو كان لهم علم -وهم خصوم ألدّاء- لأخرجوه، فلما لم يخرجوه عُلم أنه لا علم عندهم. {إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} ومن بنى حججه على الخرص والظن، فهو مبطل [ص:279] خاسر، فكيف إذا بناها على البغي والعناد والشر والفساد؟".

    والحجّة التي يفتقدها المشركون في اعتراضهم على القدر، والتي طالبهم الله بها، تشمل الحجة العقليّة والنقليّة، وشبهتهم ليس فيها مثقال ذرّةٍ من الصحّة عقلاً، ولا مستندٌ إلهيٍّ نقلاً، وهو المذكور في قوله سبحانه: {أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون}، وبذلك ينتفي المستند العقلي والنقلي لديهم.

    { قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}، فقد أوضحت الأدلّة ما ينبغي على الناس اعتقاده من الإرادتين معاً، ومن ضرورة الامتثال للشرعةِ الإلهيّة التي تأمرُ وتنهى، وتبيح وتحرّم، وهذا التوازن في النظرة هو الحق الذي ليس بعده إلا الباطل.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " لله الحجة البالغة على خلقه، حين أرسل الرسل إليهم فدعوهم إلى توحيده وشريعته، ومع هذا فلو شاء هدى الخلق أجمعين إلى متابعة شريعته، لكنه يمنّ على من يشاء، فيهديه فضلاً منه وإحساناً، ويحرم من يشاء؛ لأن المتفضل له أن يتفضل، وله أن لا يتفضل، فترك تفضله على من حَرَمه عدلٌ منه وقسط، وله في ذلك حكمةٌ بالغة، وهو يعاقب الخلق على مخالفة أمره وإرادته الشرعية، وإن كان ذلك في إرادته القدرية؛ فإن القدر كما جرى بالمعصية جرى أيضا بعقابها".

    وينبغي في هذا المقام أن نبيّن كذلك أوجهاً من فساد هذه الشبهةِ عقلاً، فإن مقولة المشركين تجعل من يعصي الله تعالى مساوٍ لمن أطاعه، وهذا في غاية الفساد وإمعانٌ في الظلم والجور، ولا يمكن أن ترضاه العقول السويّة والفطر المستقيمة، : {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} (الجاثية:21).

    ومن فساد اعتراضهم: أن تذرّعهم بالقدر ليس عادةً مطّردة، ولكنّه مخصوص عندهم بما يصدر من العاصي في حقّ الله سبحانه وتعالى، ويرفضون رفضاً قاطعاً التمسّك بالاحتجاج بالقدر لمن يقوم بالاعتداء عليهم وظلمهم من الناس، ولذلك يُقال لهم: "إن كان القدر حجة فدع كل أحد يفعل ما يشاء بك وبغيرك، وإن لم يكن حجة بطل أصل قولك: إن القدر حجة".

    وإنما مثل من يحتج بالقدر في المعاصي، كمثل رجلٍ طارت إلى بيته شرارة، فقال له العقلاء: أطفئها لئلا تحرق المنزل، فأخذ يتذرّع بأن هذه الشرارة قد أتت بها الرياح، وأنّه لا ذنب له بوصولها إلى بيته، وأنها من أقدار الله، وظلّ يُلقي معاذيره حتى ذهبت النار ببيته كلّه، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

    والحاصل أن القدر يُؤمن به ولا يُحتج به –كما يقول العلماء-، العبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب، ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب، ومن احتج بالقدر على ما فعله من ذنوبه، وأعرض عما أمره ربّه، فقد خسِر الدنيا والآخرة
    المصدر الاسلام سؤال وجواب بتصرف

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل الإنسان مسير أو مخير ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    لو شاء الله لهداه
    العبد مطالب بالأخذ بأسباب الهداية ،
    مُطالَب بالصبر والثبات والبدء بطريق الاستقامة ،
    فقد وهبه الله عز وجل عقلا منيرا ، وإرادة حرة ،
    يختار بها الخير من الشر ، والهدى من الضلال ،
    فإذا بذل الأسباب الحقيقية ، وحرص على أن يرزقه الله الهداية التامة جاءه التوفيق من الله تعالى .
    قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) الْأَنْعَام/53 . وقد أطال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان هذه المسألة التي تشكل على بعض الناس ،
    فقال :
    " إذا كان الأمر راجعا إلى مشيئة الله تبارك وتعالى ، وأن الأمر كله بيده ،
    فما طريق الإنسان إذن ،
    وما حيلة الإنسان إذا كان الله تعالى قد قَدَّر عليه أن يضل ولا يهتدي ؟
    فنقول :
    الجواب
    عن ذلك أن الله تبارك وتعالى إنما يهدي من كان أهلاً للهداية ،
    ويضل من كان أهلاً للضلالة ،
    ويقول الله تبارك وتعالى : ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) الصف/5 ،
    ويقول تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) المائدة/13 .
    فبين الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه
    ، والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له ، لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور .
    فهو لا يدري هل قدر الله له أن يكون ضالا أم أن يكون مهتديا ؟
    فما باله يسلك طريق الضلال ، ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك !
    أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول :
    إن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم .
    أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة ، وقدريا عند الطاعة !
    كلا ، لا يليق بالإنسان أن يكون جبريا عند الضلالة والمعصية ،
    فإذا ضل أو عصى الله قال : هذا أمر قد كُتب علي وقُدِّر علي ولا يمكنني أن أخرج عما قضى الله تعالى .
    فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار ،
    وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق ،
    والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ،
    ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً
    ، لا يجلس في بيته
    ويقول : إن قُدِر لي رزق فإنه يأتيني ، بل يسعى في أسباب الزرق مع أن الرزق نفسه مقرون بالعمل ،
    كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
    فهذا الرزق أيضا مكتوب ، كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب ،
    فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا ،
    ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم !!
    إن البابين واحد ، ليس بينهما فرق ،
    فكما أنك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك ،
    فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك ،
    ومع ذلك فإن لك ما قُدِّر من الأجل لا يزيد ولا ينقص ،
    ولست تعتمد على هذا وتقول :
    أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قُدِّر الله لي أن يمتد الأجل امتد . بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس أن يُقَدِّر الله الشفاء على يديه .
    فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفى العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا ؟
    وقد سبق أن قلنا :
    إن القضاء سر مكتوم لا يمكن أن تعلم عنه .
    فأنت الآن بين طريقين :
    طريق يؤدى بك إلى السلامة وإلى الفوز والسعادة والكرامة .
    وطريق يؤدى بك إلى الهلاك والندامة والمهانة .
    وأنت الآن واقف بينهما ومخير ، ليس أمامك من يمنعك من سلوك طريق اليمين ، ولا من سلوك طريق الشمال ،
    إذا شئت ذهبت إلى هذا ، وإذا شئت ذهبت إلى هذا .
    بهذا تبين لنا أن الإنسان يسير في عمله الاختياري سيراً اختيارياً ،
    وأنه كما يسير لعمل دنياه سيراً اختيارياً ،
    فكذلك أيضا هو في سيره إلى الآخرة يسير سيراً اختيارياً ،
    بل إن طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا ؛
    لأن مبين طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
    فلا بد أن تكون طرق الآخرة أكثر بيانا وأجلى وضوحا من طرق الدنيا .
    ومع ذلك فإن الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامنا لنتائجها ،
    ولكنه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة ؛ لأنها ثابتة بوعد الله ، والله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد .
    بعد هذا نقول :
    إن أهل السنة والجماعة قرروا هذا ، وجعلوا عقيدتهم ومذهبهم أن الإنسان يفعل باختياره ،
    وأنه يقول كما يريد ، ولكن إرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته .
    ثم يؤمن أهل السنة والجماعة بأن مشيئة الله تعالى تابعة لحكمته ،
    وأنه سبحانه وتعالى ليس مشيئته مطلقة مجردة ،
    ولكنها مشيئة تابعة لحكمته
    ؛ لأن من أسماء الله تعالى الحكيم ، والحكيم هو الحاكم المحكم الذي يحكم الأشياء كوناً وشرعاً ،
    ويحكمها عملاً وصنعاً ،
    والله تعالى بحكمته يقَدِّر الهداية لمن أرادها ، ل
    من يعلم سبحانه وتعالى أنه يريد الحق ،
    وأن قلبه على الاستقامة .
    ويقَدِّر الضلالة لمن لم يكن كذلك ، لمن إذا عرض عليه الإسلام يضيق صدره كأنما يصعد في السماء ،
    فإن حكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يكون هذا من المهتدين ، إلا أن يجدد الله له عزماً ويقلب إرادته إلى إرادة أخرى ، والله تعالى على كل شيء قدير ، ولكن حكمة الله تأبى إلا أن تكون الأسباب مربوطة بها مسبباتها "
    انتهى باختصار من " رسالة في القضاء والقدر " (ص14-21) .
    هكذا يفهم المسلم قضية الإيمان بالقضاء والقدر مع قضية العمل الذي كلف به الإنسان ، وترتب عليه سعادته أو شقاؤه ، فالهداية ودخول الجنة سببها العمل الصالح . قال الله تعالى عن أهل الجنة : ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأعراف/43 ، وقال تعالى : ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) النحل/32 . والضلال ودخول النار سببه العمل بمعصية الله والإعراض عن طاعته ، قال الله تعالى عن أهل النار : ( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) يونس/52 ، وقال تعالى : ( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) السجدة/14 .
    وحينئذ يضع المسلم خطوته الأولى في الطريق الصحيح ، فلا يضيع لحظة واحدة بغير عمل أو سعي في طريق الله عز وجل ، وفي الوقت نفسه ، يتواضع لربه ، ويدرك أنه عز وجل بيده مقاليد السماوات والأرض ، فيستشعر الفقر إليه دائما وأبدا ، والحاجة إلى توفيقه وتسديده .الاسلام سؤال وجواب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •