تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: هل المقتول مات بأجله ؟ أم قطع القاتل أجلَه ؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي هل المقتول مات بأجله ؟ أم قطع القاتل أجلَه ؟

    يقول شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى :
    الْمَقْتُولُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْتَى لَا يَمُوتُ أَحَدٌ قَبْلَ أَجَلِهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ أَحَدٌ عَنْ أَجَلِهِ . بَلْ سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَالْأَشْجَارِ لَهَا آجَالٌ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ .
    فَإِنَّ أَجَلَ الشَّيْءِ هُوَ نِهَايَةُ عُمْرِهِ وَعُمْرُهُ مُدَّةُ بَقَائِهِ فَالْعُمْرُ مُدَّةُ الْبَقَاءِ وَالْأَجَلُ نِهَايَةُ الْعُمْرِ بِالِانْقِضَاءِ .
    وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ } – وَفِي لَفْظٍ – {ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} .
    وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} . وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ; وَقَدْ كَتَبَ ذَلِكَ
    فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يَمُوتُ بِالْبَطْنِ أَوْ ذَاتِ الْجَنْبِ أَوْ الْهَدْمِ أَوْ الْغَرَقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ
    وَهَذَا يَمُوتُ مَقْتُولًا : إمَّا بِالسُّمِّ وَإِمَّا بِالسَّيْفِ وَإِمَّا بِالْحَجَرِ وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ .
    وَعِلْمُ اللَّهِ بِذَلِكَ وَكِتَابَتُهُ لَهُ بَلْ مَشِيئَتُهُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَخَلْقُهُ لِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَمْنَعُ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ ;
    بَلْ الْقَاتِلُ : إنْ قَتَلَ قَتِيلًا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَثَابَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ قَتَلَ قَتِيلًا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَقَتْلِ الْقُطَّاعِ وَالْمُعْتَدِين َ عَاقَبَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ قَتَلَ قَتِيلًا مُبَاحًا – كَقَتِيلِ الْمُقْتَصِّ – لَمْ يُثَبْ وَلَمْ يُعَاقَبْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ حَسَنَةٌ أَوْ سَيِّئَةٌ فِي أَحَدِهِمَا .
    وَالْأَجَلُ أَجَلَانِ ” أَجَلٌ مُطْلَقٌ ” يَعْلَمُهُ اللَّهُ ” وَأَجَلٌ مُقَيَّدٌ “ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ } فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمَلَكَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ أَجَلًا وَقَالَ : “ إنْ وَصَلَ رَحِمَهُ زِدْتُهُ كَذَا وَكَذَاوَالْمَلَكُ لَا يَعْلَمُ أَيَزْدَادُ أَمْ لَا ; لَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ .

    وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ الْمَقْتُولُ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ : إنَّهُ كَانَ يَعِيشُ وَقَالَ بَعْضُ نفاة الْأَسْبَابِ : إنَّهُ يَمُوتُ وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ ; فَإِنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ بِالْقَتْلِ فَإِذَا قَدَّرَ خِلَافَ مَعْلُومِهِ كَانَ تَقْدِيرًا لِمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ وَهَذَا قَدْ يَعْلَمُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَقَدْ لَا يَعْلَمُهُ
    فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ قَدَّرَ مَوْتَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ قَدَّرَ حَيَاتَهُ إلَى وَقْتٍ آخَرَ فَالْجَزْمُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي لَا يَكُونُ جَهْلٌ .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل المقتول مات بأجله ؟ أم قطع القاتل أجلَه ؟

    خلق الله تعالى الخلق وقضى لهم آجالهم في ساعة معينة ، وقد أعلم الله تعالى الملَك الذي يأتي الجنين في بطن أمه بهذا الأجل ، فإذا جاء أجلهم – بموت طبيعي أو مرض أو قتل أو حادث – فإنه لا يتقدم عن الموعد ولا يتأخر ، وفي تلك الكتابة الكونية التي لا تتغير قطع على تعلق الناس بغير الله في زيادة عمر أحدٍ أو إنقاصه ، وليس الذي حافظ على صحته قد أطال عمر نفسه ، بل الله تعالى قدَّر له ذلك ، وليس الذي قتلَ أحداً قد أنقص عمر ذلك المقتول ، بل الله تعالى قدَّر ذلك أزلاً ، ويُحاسب القاتل على تعديه على الحكم الشرعي إن كان قتَل بغير حق .
    وقالت المعتزلة – وهي من فرق الضلال - : إن الإنسان لو لم يمت بالقتل أو المرض لطال عمره ! وهذا باطل ليس عليه دليل من كتاب ولا سنَّة ، ولا هو قول أحد من أهل السنَّة ، بل قد قدَّر الله أجل كل أحد من خلقه وقدَّر السبب الذي ينتهي به أجله ، وهو أجل واحد ، وهو معلوم لله تعالى ، وقد أعلمه ملائكته التي أمرها بكتابة أجل الإنسان في بطن أمه .
    قال الشيخ ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
    " الله سبحانه وتعالى قدَّر آجال الخلائق بحيث إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، قال تعالى ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) الأعراف/ 34 والنحل/ 61 ، وقال تعالى ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ) آل عمْران/ 145 .
    وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ سَأَلَتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ أَجَلِهِ ، وَلَنْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ أَجَلِهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ) .
    فالمقتول ميت بأجله ، فعلَم الله تعالى وقدَّر وقضى أن هذا يموت بسبب المرض ، وهذا بسبب القتل ، وهذا بسبب الهدم ، وهذا بسبب الحرق ، وهذا بالغرق ، إلى غير ذلك من الأسباب ، والله سبحانه خلق الموت والحياة ، وخلق سبب الموت والحياة .
    وعند المعتزلة : المقتول مقطوع عليه أجله ، ولو لم يُقتل لعاش إلى أجله ! فكان له أجلان ، وهذا باطل ؛ لأنه لا يليق أن يُنسب إلى الله تعالى أنه جعل له أجلاً يعلم أنه لا يعيش إليه البتة ، أو يجعل أجلَه أحد الأمرين ، كفعل الجاهل بالعواقب .
    ووجوب القصاص والضمان على القاتل لارتكابه المنهي عنه ومباشرته السبب المحظور .
    وعلى هذا يخرج قوله صلى الله عليه وسلم (صِلَةُ الرَّحِم تَزِيدُ فِي العُمُرِ) أي : سبب طول العمر ، وقد قدر الله أن هذا يصِلُ رحمه فيعيش بهذا السبب إلى هذه الغاية ، ولولا ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية ، ولكن قدَّر هذا السبب وقضاه ، وكذلك قدَّر أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا ، كما قلنا في القتل وعدمه " انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 100 ، 101) .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " في شرح قوله تعالى ( ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) : وأما أجل الموت : فهذا تعرفه الملائكة الذين يكتبون رزق العبد وأجله وعمله وشقي أو سعيد ، كما قال في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - : (إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خُلُقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُبْعَثُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُقَالُ : اُكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ) ، فهذا الأجل الذي هو أجل الموت قد يُعلمه الله لمن شاء من عباده ، وأما أجل القيامة المسمى عنده : فلا يعلمه إلا هو " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/489) .
    وسئل أيضاً رحمه الله : عن المقتول : هل مات بأجله ؟ أم قطع القاتل أجلَه ؟
    فأجاب :
    " المقتول كغيره من الموتى ؛ لا يموت أحدٌ قبل أجله ، ولا يتأخر أحد عن أجله ، بل سائر الحيوان والأشجار لها آجال لا تتقدم ولا تتأخر ، فإن أجل الشيء هو نهاية عُمُره ، وعمره : مدة بقائه ، فالعمُر : مدة البقاء ، والأجل : نهاية العمر بالانقضاء ، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) ، وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، وفي لَفْظٍ (ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، وقَد قَالَ تَعَالَى : (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) ، والله يعلم ما كان قبل أن يكون ، وقد كتب ذلك فهو يعلم أن هذا يموت بالبطن أو ذات الجنب أو الهدم أو الغرق ، أو غير ذلك من الأسباب ، وهذا يموت مقتولاً : إما بالسم وإما بالسيف وإما بالحجر وإما بغير ذلك من أسباب القتل ، وعلْم الله بذلك وكتابتُه له ، بل مشيئته لكل شيء ، وخلقه لكل شيء : لا يمنع المدح والذم ، والثواب والعقاب ؛ بل القاتل : إن قتل قتيلاً أمر الله به ورسوله - كالمجاهد في سبيل الله - : أثابه الله على ذلك ، وإن قتل قتيلاً حرَّمه الله ورسوله - كقتل القطاع والمعتدين - : عاقبه الله على ذلك ، وإن قتل قتيلاً مباحاً - كقتيل المقتص - : لم يُثب ولم يعاقب ، إلا أن يكون له نية حسنة أو سيئة في أحدهما .
    والأجل أجلان : " أجل مطلق " يعلمه الله " ، وأجل مقيد " ؛ وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال : " إن وصل رحمه زدته كذا وكذا " والملك لا يعلم أيزداد أم لا ، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر ، فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر .
    ولو لم يُقتل المقتول : فقد قال بعض القدرية : إنه كان يعيش ! وقال بعض نفاة الأسباب : إنه يموت ! وكلاهما خطأ ؛ فإن الله علم أنه يموت بالقتل ؛ فإذا قدر خلاف معلومه ، كان تقديراً لما لا يكون لو كان كيف كان يكون ، وهذا قد يعلمه بعض الناس وقد لا يعلمه ، فلو فرضنا أن الله علم أنه لا يُقتل ، أمكن أن يكون قدر موته في هذا الوقت وأمكن أن يكون قدر حياته إلى وقت آخر ، فالجزم بأحد هذين على التقدير الذي لا يكون : جهل ، وهذا كمن قال : لو لم يأكل هذا ما قُدر له من الرزق : كان يموت أو يرزق شيئاً آخر ، وبمنزلة من قال : لو لم يحبل هذا الرجل هذه المرأة هل تكون عقيماً أو يحبلها رجل آخر ؟ ولو لم تزدرع هذه الأرض هل كان يزدرعها غيره أم كانت تكون مواتاً لا يزرع فيها ؟ وهذا الذي تعلم القرآن من هذا لو لم يعلمه : هل كان يتعلم من غيره أم لم يكن يتعلم القرآن ألبتة ؟ ومثل هذا كثير " انتهى من "مجموع الفتاوى" المصدر الاسلام سؤال وجواب

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل المقتول مات بأجله ؟ أم قطع القاتل أجلَه ؟

    من مات حرقاً أو غرقاً أو بأي سبب كان ، فقد مات لأَجَلِه
    السؤال:
    إذا غرق الشخص أو مات حرقاً فهل يمكن القول بأنه مات قبل وقته ، ولماذا يُصنف على أنه من الشهداء ؟
    الجواب :
    الحمد لله
    أولا :
    لا يموت أحد إلا بأجله الذي كتبه الله له في اللوح المحفوظ ، سواء مات مقتولاً ، أو حرقاً ، أو غرقاً ، أو مات على فراشه
    قال الله تعالى : ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) الأعراف/ 34 ، والنحل/ 61 ، وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ) آل عمْران/ 145 .
    فالمقتول مات بأجله ، والمحروق مات بأجله ، والغريق مات بأجله ، ولا يموت أحد أيَّ مِيتة كانت إلا بأجله ..
    والقول بأن الإنسان لو لم يمت بالقتل أو المرض ، لطال عمره : هو قول المعتزلة ، وهي إحدي الفرق الضالة التي خالفت أهل السنة والجماعة في عدة أصول من أصول الاعتقاد .
    قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
    " الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ، فَعَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ وَقَضَى أَنَّ هَذَا يَمُوتُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، وَهَذَا بِسَبَبِ الْقَتْلِ ، وَهَذَا بِسَبَبِ الْهَدْمِ ، وَهَذَا بِسَبَبِ الْحَرْقِ ، وَهَذَا بِالْغَرَقِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ، وَخَلَقَ سَبَبَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ .
    وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ : الْمَقْتُولُ مَقْطُوعٌ عَلَيْهِ أَجَلُهُ ، وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَعَاشَ إِلَى أَجَلِهِ فَكَأَنَّ لَهُ أَجَلَينِ .
    وَهَذَا بَاطِلٌ ، لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَجَلًا ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إِلَيْهِ الْبَتَّةَ ، أَوْ يَجْعَلُ أَجَلَهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ ، كَفِعْلِ الْجَاهِلِ بِالْعَوَاقِبِ " انتهى من
    " شرح الطحاوية " ( ص 100 )
    وانظر السؤال رقم : (153438) .
    ثانيا :
    روى البخاري (652) ، ومسلم (1914) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : المَطْعُونُ ، وَالمَبْطُونُ ، وَالغَرِيقُ ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .
    وقد روى ابن ماجة (2803) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عد من مات بالحرق شهيداً .
    صححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
    والحكمة من جعل هؤلاء شهداء : أن موتتهم كانت شديدة ، فكَفِّرت عنهم ذنوبهم ، ورفعت درجاتهم حتى ألحقتهم بدرجة الشهداء .
    قال النووي رحمه الله :
    " قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَوْتَاتُ شَهَادَةً بِتَفَضُّلِ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ شِدَّتِهَا ، وَكَثْرَةِ أَلَمِهَا " انتهى من" شرح النووي على مسلم " (13/ 63) .
    وقَالَ ابن التِّينِ رحمه الله :
    " هَذِهِ كُلُّهَا مِيتَاتٌ فِيهَا شِدَّةٌ، تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ جَعَلَهَا تَمْحِيصًا لِذُنُوبِهِمْ ، وَزِيَادَةً فِي أُجُورِهِمْ، يُبَلِّغُهُمْ بِهَا مَرَاتِبَ الشُّهَدَاءِ " انتهى من " فتح الباري " (6/ 44) .
    ثالثاً :
    معنى أن هؤلاء شهداء : أن لهم ثواب الشهيد عند الله تعالى في الآخرة ، أما في أحكام الدنيا فلا تشملهم أحكام الشهيد ، ولذلك فإنهم يُغسَّلون ويُكفنون ويُصلى عليهم ، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، مع كونه قتل شهيداً ، ولكنه رضي الله عنه شهيد في أحكام الآخرة والثواب ، وليس في أحكام الدنيا ، لأنه لم يقتل في ساحة القتال في سبيل الله .
    قال النووي رحمه الله :
    " اعْلَمْ أَنَّ الشَّهِيدَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : الْمَقْتُولُ فِي حرب الكفار بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ ، فَهَذَا لَهُ حُكْمُ الشُّهَدَاءِ فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ ، وَفِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ .
    وَالثَّانِي : شَهِيدٌ فِي الثَّوَابِ دُونَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَهُوَ الْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِتَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا ، فَهَذَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَهُ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ثَوَابِ الْأَوَّلِ .
    وَالثَّالِثُ : مَنْ غَلَّ في الغنيمة ، وشبهه ممن وَرَدَتِ الْآثَارُ بِنَفْيِ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا ، إِذَا قُتِلَ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ = فَهَذَا لَهُ حُكْمُ الشُّهَدَاءِ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يُغَسَّلُ ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لَهُ ثَوَابُهُمُ الْكَامِلُ فِي الْآخِرَةِ " انتهى من" شرح النووي على مسلم " (2/ 164) .
    والله أعلم .
    المصدر موقع الإسلام سؤال وجواب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •