من تراجم السلف





كتبه/ محمد سرحان


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

قال الله -تعالى- في وصف المؤمنين: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)(النور: 37).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله) رواه أحمد، وصححه الألباني، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) رواه البيهقي، وصححه الألباني.

وقال محمد بن يونس: "ما رأيت أنفع للقلب من ذكر الصالحين". وقال ابن عيينة: "عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمة". وقال سفيان بن عيينة: "أشرف الناس منزلة من كان بين الله وعباده وهم الأنبياء والعلماء".


ولقد قيض الله لهذه الأمة من الأئمة والعلماء ما يحفظ الله به دينه ويقيم الحجة على عباده، فتكفل الله بحفظ القرآن والسنة في قوله -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر:9)، ومن حفظ الله لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن قيض لها من يحفظها ويفهمها ويبلغها ويفهمها للناس.

قيل لابن المبارك: الأحاديث الضعيفة؟ -أي ما يفعل بها- قال: "يعيش لها الجهابذة"، وقال محمد بن سعيد لهارون الرشيد: ما تفعل بأربعة آلاف حديث وضعتها على النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "أين هي من ابن المبارك ينخلها نخلاً".

- ولم توجد أمة من الأمم لها تاريخ كتاريخنا أو أمجاد كأمجادنا أو أعلام وأئمة وزهاد وعُباد كما في أمتنا.

فحري بنا أن نهتم بهؤلاء فنعرف سيرتهم وأحوالهم، فلذلك أثر كبير في القلوب فكم من كلمة صادقة غيرت حياة إنسان -بإذن الله تعالى-، وتحوله من العصيان إلى الطاعة أو ثبت بها مؤمن على طاعة! وكم من موقف لهؤلاء كان له أكبر الأثر في حياة كثير من المسلمين بعدهم!

ومن ذكر الصالحين يتعلم الإنسان العلم ويتعلم معه الأدب، وهذا من أكثر ما تحتاجه الصحوة الإسلامية في هذا الزمان، تعلم الأدب مع العلماء السابقين والمعاصرين، مع الدعاة، مع الكبير، مع أهل الفضل، الأدب مع العلم وكتب العلم.

وقبل ذلك الأدب مع الله، ومع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما يتعلم من ذلك معاني الإيمان العظيمة من أقوالهم وأفعالهم، نتعلم كيفية الزهادة في الدنيا وكيفية الجمع بين الدنيا والآخرة، وكذلك ليكون لنا أسوة وقدوة بعد الأنبياء فنقتدي بهم ونتخلق بأخلاقهم:

إذا أعجبتك خصـــال امــــرئ فكنها تكن مثل ما أعجبك

فليس على الجود والمكرمات إذا جئتـها حاجــب يحجبك

وغير ذلك كثير من المعاني.

ولقد شُهر كثير من أئمة المسلمين وأعلامهم، وجهلت سيرتهم ومواقفهم، ومَنْ جَهِله المسلمون منهم ربما أكثر مما عرف.

فمن يعرف سيرة عبد الرحمن بن مهدي، وربيعة بن عبد الرحمن، والماجِشُون، وإسماعيل بن أويس، وابن أبي مليكة، وابن عقيل الحنبلي، والقاضي أبو يعلى، والشربيني، وأشهب بن عبد العزيز، والليث بن سعد، وغيرهم كثير وكثير.

وهؤلاء المذكورون من أئمة وأعلام أهل السنة قليل من يعرف أسمائهم، وأقل من ذلك من يعرف سيرتهم.


فانظر مثلاً إلى قول الشافعي في أشهب: "ما أخرجت مصر أفقه من أشهب، لولا طيش فيه"، وقوله في الليث بن سعد: "الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به".

فانظر إلى أفقه من أخرجت مصر من يعرفه أو يعرف سيرته، وفي هذه السلسلة -بإذن الله تعالى- نسلط الضوء على سيرة أمثال هؤلاء من الأئمة الكبار الذين جُهلت أسماؤهم أو سيرهم.

نسأل الله أن يحشرنا في زمرة الصالحين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه وسلم.