الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
قال أبو حامد ( بتصرف يسير ) :
فإن قلت: فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج وترك اجتناب مخالفات الجوارح فقد قال الفقهاء صومه صحيح ( أي لا يبطل صومه ) فما معناه ؟
فاعلم أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة لاسيما الغيبة وأمثالها، ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته. فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إلى المقصود وهو الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم ، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة. والملائكة مقربون من الله عز وجل والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب، وليس القرب ثم بالمكان بل بالصفات. وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأي جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأخر طول النهار؟ ولو كان لمثله جدوى فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم " كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش " وقوله " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ولهذا قال أبو الدرداء: يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم! ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغتربين. ولذلك قال بعض العلماء كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم.
وقال ابن حزم ( بتصرف يسير ) :
ويبطل الصوم أيضا تعمد كل معصية أي معصية كانت، لا تحاش شيئا إذا فعلها عامدا ذاكرا لصومه، كمباشرة من لا يحل له من أنثى أو ذكر، أو تقبيل غير امرأته وأمته المباحتين له من أنثى أو ذكر، أو اتيان في دبر امرأته أو أمته أو غيرهما، أو كذب، أو غيبة، أو نميمة، أو تعمد ترك صلاة، أو ظلم، أو غير ذلك من كل ما حرم على المرء فعله * برهان ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ، ولا يسخب فان سابه أحد أو قاتله فليقل: إنى صائم ، وقوله الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل، فان أمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل، إنى صائم) * وقوله : من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .فنهى عليه السلام عن الرفث والجهل في الصوم، فكان من فعل شيئا من ذلك عامدا ذاكرا لصومه لم يصم كما أمر، ومن لم يصم كما أمر فلم يصم، لانه لم يأت بالصيام الذى أمره الله تعالى به، وهو السالم من الرفث والجهل، وهما اسمان يعمان كل معصية، وأخبر عليه السلام أن من لم يدع القول بالباطل وهو الزور ولم يدع العمل به فلا حاجة لله تعالى في ترك طعامه وشرابه، فصح أن الله تعالى لا يرضى صومه ذلك ولا يتقبله، وإذا لم يرضه ولا قبله فهو باطل ساقط، وقد كابر بعضهم فقال: إنما يبطل أجره لاصومه * قال أبو محمد: فكان هذا في غاية السخافة! وبالضرورة يدرى كل ذى حس أن كل عمل أحبط الله تعالى أجر عامله فانه تعالى لم يحتسب له بذلك العمل ولا قبله، وهذا هو البطلان بعينه بلا مرية * وبهذا يقول السلف الطيب 00 ثم ذكر طرفاً من آثار السلف في ذلك .