مسألة فناء النار

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد؛ فقد اتفق عامة أهل السنة والجماعة على أن النار لا تفنىٰ وأنها باقية أبدية.
ومع هذا فقد دار خلاف حول رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يوافق جمهور السلف على أبدية النار.
القول الثاني: أنه يذهب إلى القول بفناء النار.
القول الثالث: أن أقوال ابن تيمية لم تحرر في هذه المسألة!
لذا لم نجد له قولاً صريحًا في فناء النار، كما هو ظاهر أقواله في أبدية الجنة!
بل له أقوال ظاهرها الميل إلى القول بفناء النار.
وهذا في حد ذاته لا يدل قطعاً على تحقيق اختياره في مسألة فناء النار!
ولعل هذا أظهر الأقوال الثلاثة في مذهبه رحمه الله.
ومع هذا فلا بد من ذكر بعض التفصيلات كما يلي:
أن كلام ابن تيمية في مسألة فناء النار لا يخرج عن موطنين:
الأول: أن أكثر كلامه في هذه المسألة عبارة عن حكايات وسماعات، يحكيها آخرون عنه، وليست أقولا صريحة عنه.
وعليه؛ فهناك فرق بين حكاية الأقوال وبين نقل نصوصها؛ فعندئذ يجب أن نفرق عندما يقال: حكاه ابن تيمية، وبين ما يقال: نص عليه ابن تيمية أو اختاره أو نصره أو استظهره ونحو ذلك.
الثاني: هناك رسالة خرجت لابن تيمية تتكلم عن "مسألة فناء النار"، يظهر للناظر فيها: أن ابن تيمية يميل فيها إلى مذهب فناء النار!
ومع هذا فإن هذه الرسالة ليس لها ابتداء ولا انتهاء، بل هي مبتورة المقدمة والخاتمة، وفيها أيضا بتر وتداخل في بعض نصوصها!
لأجل هذا فقد ذهب بعض أهل العلم إلى نفي صحتها لابن تيمية.

فمصنفات ابن تيمية التي نقطع نحن والمخالف بأنها لابن تيمية، مثل "درء التعارض"، و"منهاج السنة النبوية"، و"بيان تلبيس الجهمية"، و"مجموع الفتاوى" و"جامع الرسائل"، وغيرها: أن من قرأها يقطع فيها بأن ابن تيمية ممن ينصر القول بأبدية النار، مع حكايته أيضا أقوال المخالفين في المسألة.


وأكثر من نقل عن ابن تيمية في هذه المسأله؛ هو تلميذه ابن القيم رحمه الله؛ ولم يقل مع كثرة نقوله عن شيخه: أن ابن تيمية نص على ذلك أو اختاره؛ بل نقل حكايته وسماعه عن ابن تيمية؛ بمعنى: "أن هذه الحكاية سمعها عن ابن تيمية في هذه المسألة، وليس نصاً عنه أو اختيار له".
ونحن لا نعلم حقيقة هذا السماع، هل كان بواسطة أم لا؟
في حين أنني تتبعت بعض سماعات ابن القيم عن شيخه فكان بعضها بواسطة!

وقد ذكر ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح" - وهو من أفضل وأوسع وأجمع الكتب التي تكلمت عن مسألة فناء النار -، وكذلك في كتاب "الصواعق المرسلة"؛ فعندما سُئل في كتابه "حادي الأرواح": إلى أين انتهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن، التي هي أكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة؟
قال: كما قال تعالى: (إن ربك فعال لما يريد)، وهذا دليل على أن ابن القيم لم ينتصر لشيخه ابن تيمية بإثباتها له.

فأخطأ من نسب فناء النار لابن تيمية!
و من تدبر كلام ابن تيمية من مجموع كلامه في مصنفاته: علم أنه يوافق جمهور أهل السنة في بقاء النار، حيث كانت أقواله فيها إما صحيحة وإما صريحة، والحمد لله.

أخيراً أختم بذلك؛ أن أصل هذه المسألة هي مما كسبته أيادي أهل البدع للنيل من ابن تيمية كي يشنعوا عليه ويسقطوه من مكانته العلمية لعظيم قدره عند عموم المسلمين لاسيما عند أهل السنة منهم!
ومن أسف أيضا: أن بعض أهل السنة من تلقف هذه المسألة فقام يرد على ابن تيمية باجتهاد وبغير قصد!
مع العلم أن القول بفناء النار قد قال به بعض الصحابة: كعمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم بغض النظر عن صحتها أو ضعفها؛ وهذا ما نص عليه ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح"!
لاجل هذا كان على الحصيف أن يدرك السبب الذي لأجله حامت الأقلام وقامت الردود على ابن تيمية خاصة، وهو مع هذا مسبوق بهذا القول!
ثم لماذا لا تبحث هذه المسالة عند المخالفين مجردة بالدليل والتعليل دون إقحام خلاف ابن تيمية فيها!
فلماذا هذه الردود التي لم تزل تدار حول ابن تيمية دون سواه ممن قال بفناء النار، مع العلم أن ابن تيمية لم ينص ولم يصرح بفنائها!

والله اعلم

وجزاكم الله خيرا

✏️ هذبه واختصره
طلال بن صالح النفيعي
من درس كتاب "شرح الطحاوية" لشيخنا
فضيلة الشيخ الدكتور
ذياب بن سعد الغامدي