لمَاذا الفَرحُ بالعيد؟ وكيف نفهمُ العيدَ؟

عبدالمجيد البيانوني




سؤال يتردّد على ألسنة عدد من الناس .. ويجيبنا على ذلك كتاب الله تعالى : إذ يقول الله عزّ وجلّ : {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58] .
فالفرح بالعيد وفي العيد ، ليس فرحاً بالدنيا ، ولا هو كشيء من شئونها ، ولو كان يشرع فيه الترويح عن النفس بشيء من مباحاتها .. ولكنّه بنصّ الآية الكريمة : فرح بِفَضْلِ اللهِ تعالى وَبِرَحْمَتِهِ .. وفَضْلُ اللهِ وَرَحْمَتُه أعظم من الدنيا كلّها ، وما فيها من هموم واهتمامات ، وهموم وأحزان ..
وربّما يطوف في بالِ المَحزون وما أكثر الحزانى والمَنكوبين في هذه الأيّامِ أنّه بما هو فيه بمعزل عن هذا الفرح ..! فنقول له : بل أنت المَقصود بالفرح أوّلاً ... أرأيت وأنت في غمرة أحزانك وآلامك لو جاءك من يبشّرك بجائزة تبلغ عشرة ملايين من الدنانير ، وأنّك أصبحت في منصب كذا وكذا ..! أفما كنت تنسى أحزانك ، وتتبدّد آلامك ، ويغمرك السرور الطافح بما لا مزيد عليه .. فو الله إنّ فرحة المؤمن بالقبول والرضا ، وفَضْل اللهِ وَرَحْمَتِه ، وثواب الطاعة الكبير ، أعظم من ذلك وأتمّ .. وعلى قدر ما يعلو قدر المؤمن بالإيمان واليقين ، يذوق ذلك وبستشعره في الدنيا قبل الآخرة ..
وفي العيد كذلك معان عميقة ، تتجدّد في النفوس ، وتستشفّها القلوب عاماً بعد عام ، ويريد الأعداء أن تغيّب عن حياة المسلم ، ليتحوّل العيد في شعوره وتعامله إلى عادات باهتة ، وتقاليد سخيفة ، معزولة عن دينه وقيمه ، كما هو الحال في دين أولئك ومنظومة حياتهم وعلاقاتهم ..
ولعلّ من أهمّ معاني العيد العميقة : أن يخرج المسلم من دائرة الوهن والحزن ، والاستكانة للبلاء إلى دائرة أوسع من الدنيا ، وما فيها من اهتمامات تدعوه إلى الفرح ، فيفرح ، ولكن فرحاً يتجاوز المادّة إلى المعنى ، والجسد إلى الروح ، والأرض إلى آفاق الغيب ، وحقائق الخلود ، وهذا ما توحي به الآية في رقائق معانيها ..
أنا أفهمُ العيدَ : فرحاً بهذا الدين ، الذي هو أعظم نعمة ، حرّرت الإنسان من الجهل والخرافة ، وكان حرباً على الحقد والكراهية ، والظلم والعدوان ، والبغي والطغيان ..
أنا أفهمُ العيدَ : تجديداً للعهد مع الله ، وشعوراً بقرب الله ، والأنس بالله ، وطمأنينة القلب بذكر الله ..
أنا أفهم العيد : تجديداً لحبّ الله .. تعلّقا بالله .. أملاً عظيماً بفضل الله ورحمته .. حسن ظنّ بالله : بأنّه معنا ، ولن يتخلّى عنّا .. وأنّ العاقبة لنا ..
أنا أفهم العيد : تجديداً لأخوّة الإيمان ، وإحياء لصلة الرحم ، وحسن العلاقة مع الجيران ، ومع الإنسان حيث كان ..
أنا أفهمُ العيدَ : بعثاً للهمّة الخامدة ، والعزيمة الوانية ، وشطباً للتشاؤم والملل ، والخمول والكسل ، فأمّة الحقّ والهدى لا تتخلّى عن الجدّ والعمل ..
أنا أفهمُ العيدَ : قيماً سامية ، ومبادئ غالية ، لا تعرف حدود الزمان والمكان ، تنشر الأمان ، وتسعد الإنسان .. أفلا يحقّ لنا بعد ذلك أن نفرح بالعيد ، ونخرج فيه عن همومنا وأحزاننا إلى سعة فضل الله ورحمته .؟!
فيا أيُّها المُبتلى المَحزون ، والمَكلوم بأنواع البلاء والهموم ثق بالله الحكيم العليم ، ثق بالله الغفور الرحيم ، أنّه ما ابتلاك ليعذّبك ، بل ليكرمك ، ويرفع مقامك .. فقل للنفس بكلّ يقين : فصبر جميل ، ممزوج بالشكر والرضا .. فعند الصباح يحمد القوم السرى ..