كلمة في ليلة القدر من أنابيش الماضي


عبد السميع الأحمد





" ليلة القدر "

ما أجملها من ليلة! وما أعظمها من سويعات! وما ألذها من لحظات!

ما أروع جموع المؤمنين، وهي تسعى لاهثة من أجل نيل الرضا! وما أبهى ذلك المنظر المهيب، وهم يحتشدون في بيوت الله!

بل ما أعذب ذلك الدعاء، والألسنة تلهج في طلب العفو والرضا، وتجأر إلى الله خوف الذنوب والآثام!

وما أروع ذلك النشيج، والدمعات تتساقط لآلئ تغسل الذنوب!

هي ليلة تتوقف فيها عقارب ساعات الدنيا، لتتحرك فيها ساعات الآخرة، وتتوقف فيها عجلة الأرض، لتتحرك فيها عجلات السماء.

ليلة تقترب فيها السماء من الأرض، يتصل فيها المخلوق بالخالق، ويتلاقى فيها إيمان البشر بتسبيح الملائكة، وتنبسط فيها أكف السماء بفيوض ربانية، لتنسكب على الأرض الظمأى غيثا روحانيا، وعطاء إيمانيا.

هي ليلة المؤمن التي تضيق فيها المسافة بين السماء والأرض، وتنعتق فيها النفس البشرية من ظلمة التراب إلى معارج الرقة والسمو، وتتطهر فيها الروح من أوضار المادة لتسبح في فضاءات العشق والفناء.

ليلة يتوقف فيها المسلم عن اللهاث وراء المادة، والسعي خلف اللذة الزائلة، والركض وراء السعادة الفانية، ليطلب الأبدي الدائم الذي لا ينقطع، ولا يتوقف أبد الآبدين ودهر الداهرين.

ليلة تتضاءل وتنكمش فيها نفس المخلوق، وتتصاغر وتذل وتنحني أمام القوة المطلقة، تطلب منها السند والقوة والثبات.

ليلة تصفو فيها النفس المؤمنة، وتتسع لتشمل الجميع، وتتكثف فيها سحائب الرحمة والحب لتتساقط قطرات من الصدق والعطاء، وفيوضا من الحب والحنان .


ليلة تغسل فيها الدموع أوضار النفوس اليائسة، وتتطهر فيها القلوب من درن الحياة البائسة.

ليلة يتجاوب فيها جؤار المؤمنين باستغفار المذنبين، ودعاء العاصين بتسبيح الخاشعين.

ليلة العبد الخائف المظلوم، والبائس المكلوم، والمذنب الآثم، والطائع النادم.

إنها ليلة الله، فلا تجعل مع الله أحدا.