قال الشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه مختصر سيرة
الرسول صلى الله عليه وسلم
"قصة عمرو بن لُحَيٍّ، وتغييره دين إبراهيم : فإنه نشأ على أمر عظيم
من المعروف والصدقة، والحرص على أمور الدين. فأحبه الناس حبًا
عظيمًا. ودانوا له لأجل ذلك. حتى مَلّكوه عليهم.
وصار ملك مكة وولاية البيت بيده. وظنوا أنه من أكابر العلماء، وأفاضل
الأولياء. ثم إنه سافر إلى الشام . فرآهم يعبدون الأوثان. فاستحسن ذلك
وظنه حقًا. لأن الشام محل الرسل والكتب. فلهم الفضيلة بذلك على أهل
الحجاز وغيرهم. فرجع إلى مكة ، وقدم معه بهُبَل. وجعله في جوف الكعبة
، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله. فأجابوه. وأهل الحجاز في دينهم تبع
لأهل مكة . لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم . فتبعهم أهل الحجاز على ذلك
ظنا أنه الحق. فلم يزالوا على ذلك حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم
بدين إبراهيم عليه السلام وإبطال ما أحدثه عمرو بن لحي"انتهى
يقول ابن هشام فى السيرة : إن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام
فلما قدم مآب من أرض البلقاء ورآهم يعبدون الأصنام
فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون
؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا
فقال لهم: ألا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه؟
فأعطوه صنما يقال له : هبل فقدم به مكة فنصبه ،
وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .

قال ابن كثير قال ابن إسحاق : واستبدلوا بدين ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات وفيهم على ذلك بقايا من عهد ابراهيم عليه السلام يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفات والمزدلفة وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك فيوحدونه بالتلبية ، ثم يدخلون معه أصنامهم ، ويجعلون ملكها بيده يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ)
أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي
قال ابن كثير رحمه الله
وَمَا كَانُوا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الشَّرَائِعِ الْبَاطِلَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي ظَنَّهَا كَبِيرُهُمْ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ قَبَّحَهُ اللَّهُ مَصْلَحَةً وَرَحْمَةً بِالدَّوَابِّ وَالْبَهَائِمِ وَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ فِي ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ اتَّبَعَهُ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ الطَّغَامُ فِيهِ بَلْ قَدْ تَابَعُوهُ فِيمَا هُوَ أَطَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ بِكَثِيرٍ وَهُوَ عبادة الأوثان مع الله عزوجل وَبَدَّلُوا مَا كَانَ اللَّهُ بَعَثَ بِهِ ابْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ مِنَ الدِّينِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِالْ مُسْتَقِيمِ مِنْ تَوْحِيدِ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَتَحْرِيمِ الشِّرْكِ وَغَيَّرُوا شَعَائِرَ الْحَجِّ وَمَعَالِمَ الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا بُرْهَانٍ وَلَا دَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ وَاتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُشْرِكِينَ وَشَابَهُوا قَوْمَ نُوحٍ وكانوا أَوَّلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَعَبَدَ الْأَصْنَامَ وَلِهَذَا بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا وَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ بُعِثَ يَنْهَى عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ نُوحٍ (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كثيرا)[البداية والنهاية - ابن كثير]