الوجيز في فقه زكاة الفطر


د. عبدالسلام حمود غالب


مفهوم زكاة الفطر:

• زكاة الفطر: هي الصدقة التي تجب بالفطر من رمضان.
والأصل في وجوب زكاة الفطر: عموم الكتاب وصريح السنة والإجماع:
أما عموم الكتاب، فقيل: قول الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15].
وأما السنة؛ فلأحاديث كثيرة، ومنها حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين...))؛ [متفق عليه]
وأما الإجماع، فأجمع أهل العلم: أن صدقة الفطر فرض؛ قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: "وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض، وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء، إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال، الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر".

وقت فرضها:

فرضت زكاة الفطر في السنة التي فرض فيها صيام شهر رمضان؛ وهي السنة الثانية من الهجرة.
حكمة مشروعية زكاة الفطر:

فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائمين مما أصاب صيامهم من النقص والخلل، وشكرًا لله على إكمال عدة الصيام، وإشاعة السرور والفرح بين الأغنياء والفقراء في يوم العيد، بإطعام الجائعين، ومواساة المحتاجين.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات))؛ [أخرجه أبو داود، وابن ماجه].
حكم زكاة الفطر:

تجب زكاة الفطر على كل مسلم، ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، حرًّا أو عبدًا، إذا ملك صاعًا من طعام، فاضلًا عن قوته وقوت من تلزمه نفقته، ويستحب إخراجها عن الجنين في بطن أمه.

• قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15].
• وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة))؛ [متفق عليه].

أنواع زكاة الفطر:

1- السنة إخراج زكاة الفطر من كل طعام يقتاته الناس كالبر، أو الشعير، أو التمر، أو الزبيب، أو الأقط، أو الأرز، أو الذرة، أو الدخن، أو غيرها من كل حب وثمر يُقتات، ولا يجوز إخراج القيمة بدل الطعام إلا عند الحاجة.
2- إذا كان قوت أهل البلد من غير الحبوب والثمار كاللبن، واللحم، والسمك، ونحوها فيخرجون زكاة الفطر من قوتهم الحلال كائنًا ما كان؛ لأن المقصود سد حاجة المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم.
3- أفضل أنواع هذه الأطعمة أنفعها للمتصدق عليه، وأحبها إليه؛ لأنه الذي يحصل به الإغناء المطلوب للمساكين في ذلك اليوم.
• عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كنا نخرج زكاة الفطر، صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب))؛ [متفق عليه].
• وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كنا نُخرِج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب، والأقط والتمر))؛ [متفق عليه].
مقدار زكاة الفطر:

الواجب في زكاة الفطر صاع من أي صنف من الطعام عن كل إنسان.

الصاع = 4 أمداد، ويعادل بالوزن (2.40) كيلو جرام.
1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب، والأقط والتمر))؛ [متفق عليه].
2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة))؛ [متفق عليه].

حكم إخراجها قيمة عند الفقهاء:

أما إخراج قيمتها للفقير، سواء كان ذلك بغير سبب، أو بسبب؛ كحاجة الفقير للنقود، أو تعذر شراء المزكي لزكاة الفطر، أو لكون إخراجها نقدًا هو الأيسر جمعًا وحفظًا ونقلًا وتوزيعًا لجهات الجمع كالجمعيات ونحوها، فقد اختلف فيه الفقهاء على قولين:
القول الأول: القول بالمنع:
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "ولا تجزئ القيمة؛ لأنه عدول عن المنصوص"، وقال الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: "ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم، وهو أصح دليلًا، بل الواجب إخراجها من الطعام، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم"، ورجحت ذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: "ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعامًا، ولا يجوز العدول عن الأدلة الشرعية؛ لقول أحد من الناس".
القول الثاني: جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر وممن قال بهذا:
من الصحابة رضوان الله عليهم عمر بن الخطاب، وابنه عبدالله بن عمر، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، ومعاذ بن جبل، قال أبو إسحاق السبيعي من الطبقة الوسطى من التابعين، قال: "أدركتهم - يعني الصحابة - وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام"؛ [مصنف ابن أبي شيبة: 3/174، وعمدة القارئ: 9/8].
ومن أئمة التابعين عمر بن عبدالعزيز؛ فعن قرة قال: "جاءنا كتاب عمر بن عبدالعزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم"، والحسن البصري قال: "لا بأس أن تعطَى الدراهم في صدقة الفطر"، وطاووس بن كيسان، وسفيان الثوري؛ [مصنف ابن أبي شيبة: 3/174، وموسوعة فقه سفيان الثوري: 473، وفتح الباري: 4/280].
قال النووي: "وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه".
قال ابن رشيد: "وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل، ولهم في ذلك أدلة اعتمدوا عليها، واعتبارات استندوا إليها، كما أن المانعين لإخراج القيمة لهم أيضًا أدلة واعتبارات مخالفة".
وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية مذهبًا وسطًا بين الفريقين المتنازعين؛ قال فيه: "الأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة، ممنوع منه، ولهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين، أو عشرين درهمًا ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه: متى جوز إخراج القيمة مطلقًا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر؛ ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل، فلا بأس به؛ مثل: أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا أو حنطة، إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك".
ويمكن الاعتماد في الترجيح بالقياس على فعل معاذ في الاستبدال في الزكاة المفروضة، وأقره النبي على ذلك؛ حيث روي قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: ((خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر))، وهو صريح في دفع الأعيان، لكن معاذًا رضي الله عنه قال لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس - أنواع من الأقمشة - في الصدقة مكان الشعير والذرة؛ فإنه أهون عليكم وأنفع لمن بالمدينة، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولئن جاز في الزكاة - وهي الأعلى - جاز من باب أولى في زكاة الفطر وهي الأدنى.
وإذا اعتمدنا في الترجيح على المقاصد، والمقصد من الزكاة، فيكون كما يلي:
شرعت زكاة الفطر لمقصد منصوص عليه في الحديث الصحيح؛ وهو: طهرة للصائم من الرفث واللغو، وطعمة للفقراء والمساكين، وفي الحديث الضعيف على الأرجح: اغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم، فالمقصد هو أن يشعر الفقير بفرحة العيد مثل الغني، والفقير اليوم يحتاج أن يشتري لأولاده الملابس الجديدة وهدايا العيد، ولا يصح فيها اليوم غير المال، وقد رأينا عشرات المرات المساكين يبيعون الحبوب لنفس التجار الذين اشترى منهم الأغنياء تلك الأصناف بثمن أقل، فيمكن الترجيح بما هو أنفع للفقير يوم العيد وما يسد حاجته إذا لم يجد شيء كإيجار البيت أو دواء لأهله أو كسوة، وغيرها من الحاجيات يوم العيد؛ وقال الشيخ الصاوي: "الأظهر الإجزاء لأنه يسهل بالعين سد خلته في ذلك اليوم"، وقد أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قرارًا بجواز دفع القيمة قرار 4/23، (يونيو) 2013م.

وقت وجوب زكاة الفطر:
تجب زكاة الفطر على كل مسلم بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ لأنه وقت الفطر من جميع رمضان، فمن مات بعد غروب الشمس وجبت عليه زكاة الفطر، ومن وُلد أو أسلم بعد غروب الشمس فلا تجب عليه؛ لعدم وجود سبب الوجوب في حقه.
ويخرج الأب زكاة الفطر عن أهله وأولاده، وإن أخرجها كل واحد عن نفسه جاز.
مصرف زكاة الفطر:

زكاة الفطر تصرف للفقراء والمساكين؛ لأنها طعمة لهم، وهي أشبه بالكفارة، فلا تعطى إلا لمن يستحق الكفارة.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات))؛ [أخرجه أبو داود، وابن ماجه].
وقت إخراج زكاة الفطر:

1- يبدأ وقت إخراج زكاة الفطر من غروب الشمس ليلة عيد الفطر، إلى ما قبل صلاة العيد.
2- الأفضل إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن صلاة العيد إلا لعذر.
3- زكاة الفطر عبادة من العبادات، من أداها في وقتها فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد صلاة العيد وأخرها من غير عذر، فهي عبادة قد فات محلها، وهو آثم بتأخيرها، فتكون صدقة من الصدقات، وإن كان معذورًا قضاها، ولا إثم عليه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر، قبل خروج الناس إلى الصلاة))؛ [متفق عليه].
4- يجوز تقديم زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن بعض الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين.
ونذكر أقوال الفقهاء في ذلك:
تجب الزكاة بالفطر من رمضان بالاتفاق واختلفوا في تحديد وقت الوجوب:
فقال الشافعي وأحمد ومالك في رواية: تجب بغروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان، وقال مالك في الرواية الأخرى وأبو حنيفة: تجب بطلوع الفجر من يوم العيد.

واختلفوا في تعجيلها عن وقتها:

فمنع ابن حزم وقال: لا يجوز تقديمها قبل وقتها أصلًا، وذهب مالك وأحمد في المشهور عنه إلى أنه يجوز تقديمها يومًا أو يومين.
وذهب الشافعي إلى أنه: يجوز إخراجها أول رمضان، وذهب أبو حنيفة إلى أنه: يجوز إخراجها قبل رمضان، والراجح مذهب مالك وأحمد وهو جواز إخراجها قبل الفطر بيوم أو يومين؛ لما روى البخاري عن ابن عمر قال: ((وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)).

حكم إخراج زكاة الفطر بعد خروج وقتها:
1- زكاة الفطر عبادة من العبادات، ولها وقت يجب أداؤها فيه، ويحرم تأخيرها عن وقتها إلا لعذر.
2- زكاة الفطر لا تسقط بعد خروج وقتها؛ لأنها حق واجب للفقراء في ذمته، فلا يسقط عنه إلا بالأداء، أما حق الله في التأخير عن وقتها، فلا يسقط إلا بالتوبة والاستغفار.
مكان إخراج زكاة الفطر:

زكاة المال تخرج في بلد المال، وزكاة الفطر تخرج حيثما كان الإنسان، ولا يعدل عن ذلك إلا لحاجة ومصلحة.
تلك جملة مما يتعلق بزكاة الفطر.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
تلك خلاصة لفقه الصيام، وكذلك الاعتكاف وزكاة الفطر، وبالله التوفيق والسداد.
المراجع:

1- الموسوعة الفقهية الكويتية
2- الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي.
3- الموسوعة الفقهية للتويجري وهو محمد بن إبراهيم بن عبدالله التويجري ولد في مدينة بريدة عام 1371هـ.
4- مفطرات الصيام المعاصرة للدكتور أحمد الخليل.
5- مختصر المفطرات المعاصرة للشيخ خالد المشيقح.

6- الفقه الميسر، عدة باحثين، بمراجعة وإشراف د. محمد الفقيهي وتقديم الفوزان.
7- وغيرها من المراجع الإلكترونية مسائل في الصيام وأحكامه من موقع صيد الفوائد، وموقع الدرر السنية، وموقع الألوكة؛ لعدد من الكتاب والأبحاث المنشورة.
والحمد لله رب العالمين.