همسات إلى الفضائيات.. في شهر الرحمات


تستعدُّ الفضائيَّات قبل حلول الشهر بفتراتٍ طويلة، قد تبدأ من بعد رمضان حتَّى رمضان الذي يليه، تُرسِل عبر شاشاتها كلَّ يوم النداءات والاستغاثات: لا تَذْهبوا في مكانٍ آخر؛ فمسلسلاتُكم عندنا، واسألوا مَن جرَّبَنا وفاز ببرامجنا، رمضان معنا أحلى، رمضانك عندنا، كما عوَّدناكم في رمضان، انتظروا المفاجآت في رمضان، (رمضان السنة دي غير معانا)، رمضان (بيجمعنا)... ثم تتَبارى القنوات الفضائيَّة وتتنافس، ويا ليتَها تتنافس على فعل الخيرات، وإرضاء ربِّ السموات، والخروج بِأُمَّتنا بأمنٍ وأمان من المتاعب والمشكلات، ومن كثير الفِتَن والمُضِلاَّت!

بل إنَّها تتَنافس على كيفيَّة جذب المشاهدين إليها في شهر رمضان، والاستمتاع بما سيتمُّ عرضه من إبداعاتٍ فنِّية.

وتقوم بِمَجهودات جبَّارة، وتنفق الملايين في إعداد الجديد من البَرامج والسهرات؛ من الأفلام والمسلسلات،
والفكاهيَّات والفوازير.

في حين أنَّ هذه الملايين يمكن أن تسدّ ملايين من بطون الجِيَاع، وتزوِّج ملايين من الشابَّات والشبان، وتقضي حوائج ملايين من الفقراء والمُعْوِزين.

ثم نسمع - وكثيرًا ما نسمع يوميًّا - النَّصائح الغالية، والصرخات المدوِّية منهم بعدم الذَّهاب إلى فضائيات أخرى؛ لأنه في حال تَمَّ ذلك، فلن تكون إلاَّ الخسارة الكبيرة؛ لما سيَفوت المشاهدَ من خيراتٍ كثيرة!

يا أحبابنا، رفقًا بنا وبشهر ربنا:
نناشد ونرجو السادة الأفاضل الكرام أصحاب الفضائيَّات: ارحموا مَن في الأرض يرحَمْكم مَن في السماء.

وبكلِّ الحب والاحترام، أسوق لحضراتكم بعضًا من المعاني الهامَّة، التي تهمُّنا وتهمكم، وتسعدنا وتسعدكم، وتنجينا وتنجيكم.

ولِم لا، وهذا الشهر العظيم فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، شهرٌ نسبَه الله إليه في حديثه القدسيِّ: ((الصوم لي وأنا أجزي به))، شهرٌ أنزل الله فيه القرآنَ بوحي أمينٍ - جبريل - على نبِيٍّ أمين - محمَّد - من أجل سعادة البشريَّة قاطبة؟!

فكونوا - يا رعاكم الله - مفتاحًا لكل خير، ومغلاقًا لكل شر:
1- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فنحن منكم وبكم ولكم، وما كنا عليكم، بل إنَّنا نحرص على رفقتكم معنا في جنَّات رمضان.

2- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، فبدلاً من المسلسلات والأفلام استبدلوا بِها - حفظكم الله - بَرامِجَ صالحة نافعة، تكون حجَّة لكم لا عليكم.

3- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فصَحابة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كانوا يستعدُّون لرمضان قبله بفترة طويلة، راجين ربَّهم ألا يَحْرمهم بلوغه، وينفعهم بخيراته، ثم ما أن يأتي وينتهي، تجدهم يرجون ربَّهم باقي عامهم، ويتضرَّعون إليه بالقبول.

4- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، فذُنوبنا أهلكَتْنا، وهمومنا أتعبتنا، فلا تَزِيدونا ذنوبًا، ولا تتعسونا غمًّا وهَمًّا بالبُعد عن ربِّنا.

5- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، فجِنان ربِّنا في أول ليلة من رمضان تتزيَّن للصائمين، وتفرح بحلول شهر الرحمة والمغفرة والعتق.

6- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فما أحوجَنا إلى التضرُّع إلى ربنا في شهرنا؛ لعله يجبر كسرنا، ويطيِّب خاطرنا، ويسعد قلوبنا، ويقضي حوائجنا، ويشفي مريضنا، ويذهب هَمَّنا، ويفرِّج كربنا.

7 - رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، فرمضان شهر الله، وقد شرَّفه بأنْ نسبَه إليه بقوله في الحديث القدسي: «الصوم لي وأنا أجزي به»، فلا تضيعوا علينا جزاء ربِّنا في شهره المعظَّم.

8 - رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فوالله ما تعرضونه يُغضِب حبيبكم وحبيبَنا محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كان يَسْعَد بشهر رمضان، ويعدُّ له العدَّة، ويَقوم فيه ليله، ويعتكف فيه العشر الأواخر منه.

9- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فرمضان شهر الجهاد مع النفس وشهواتها، فلا تتكالبوا علينا فتضلُّونا وتَدْعونا إلى ما فيه هلاكُنا.

10- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فرمضان ننتظره من العام إلى العام؛ لِنَنعم فيه بليلة هي خير من ألف شهر؛ أيْ: أكثر من ثلاثٍ وثمانين سنة، أليست فرصةً؟ أليست نعمة؟ أليست نَفْحة؟ أليست هدية؟ ثم كم يطول بنا العمر والأجَل؟!

11- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فرمضان شهرٌ أنزل الله فيه القرآن هداية للناس كافَّة، أنزله على الرَّؤوفِ الرحيم، سيِّدِنا وقدوتنا محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رحمةً بنا، وسعادة لبشريتنا، ونهضة لبلادنا، وحلاًّ لمشكلاتنا.

12 - رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، نناشدكم سَتْر العورات، وتغطية الصُّدور والشعور، نناشدكم المحافظة على أعيُنِنا في شهرٍ نحن أحوج ما نكون فيه إلى العفَّة وغضِّ الأبصار؛ ليرحمنا ربُّنا الكريم الغفار.

13- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، كونوا سنَدًا لنا على طاعاتنا، ارْفُقوا بِمشاعرنا، واحترموا آدابَ ديننا.

14- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فرمضان جعلَه الله لنتزوَّد منه بالتقوى، فلا تضيعوها علينا، وساعدونا لنتزوَّد منها، ونتَّقِيَ بها لظَى جهنَّم، النَّزَّاعة للشوى، التي تدعو إليها من أدبر وتولَّى - أجارنا الله وإيَّاكم منها.

15- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، خذوا بأيدينا وأيديكم للخروج من مُعْضِلات الأمور، ومُضِلاَّت الفِتَن، وموجبات العذاب.

16- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، واتَّقوا الله وكونوا مع الصَّادقين.

17- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، شجِّعونا على صلواتنا، والانشغال بها وبتراويحنا وبقيامنا؛ فكلُّنا وإياكم ما أحوجَنا إلى صلواتنا!

18- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، ألَسْنا وأنتم بحاجةٍ إلى كرم ربِّنا، والعتق من النار؟ بَلى؛ نحن وإياكم بحاجة.

19- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، نريد أن نُعانق فيه قرآنَنا؛ نتلوه، ندرسه، نتزوَّد منه، نتخلَّق بأخلاقه، ننتهي عن نواهيه، نريد أن نختمه ونكرِّر خَتْمَه، ساعدونا، يرحمكم الله، يحفظكم الله، يهدينا ويهديكم الله.

20- رفقًا بنا وبشهرنا، نريد فيه أن نرفع أكُفَّ الضراعة إلى خالقنا؛ ليرفع عن أمتنا ضَعْفَها وهوانها، ويُمكِّن لها وينصرها.

21- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، نريد الانتفاع بوقتنا فهو حياتنا، فمن فرَّط في وقته فقد أضاع عمره، ومن ضيَّع وقته في رمضان، ولَم يخرج منه بعِتْق من النيران فمتَى بالله عليكم تُعتق الرِّقاب مرَّة ثانية؟ أليست فرصة؟

22- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فنحن فيه مَن يسعد بِصُحبة أحبابنا وعلمائنا ومشايخنا؛ لننعم بوصاياهم، وننهض بصِدْقِ واعتدالِ نصائحهم وإرشاداتهم؛ فالعلماء ورَثة الأنبياء.

23- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، ساعدونا - يرحمكم الله - على أن نستفتح شهرنا بنية صادقة لتغيير أنفسنا إلى ما هو أحسن وأجمل؛ لنا، تراجع ولِمُجتمعاتنا، وللدُّنيا كلِّها من حولنا.

24- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فوالله ما نُريد إلاَّ أن نجعل لنا ولكم من رمضان مَعْبرًا لِجنات ورحمات ربِّنا.

25- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، هيِّئوا لنا الوقت لنحيا فيه بكثرة ذِكْر ربِّنا، والانقطاع التامِّ لعباداتنا، وكونوا معنا، وفي صفِّنا.

26- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، خُذوا بأيدينا للانتصار على الثالوث المدمِّر لنا؛ النَّفس، والشيطان، والهوى، وكونوا عونًا لنا.

27- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، احملونا على هَجْر المعاصي وارتكابِ الآثام، وحِفْظ الجوارح.

28- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، احملونا على الاستغفار، وتوبةٍ إلى الله وفرار.

29- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، احملونا في رمضان على إحياء سُنَن نبيِّنا، وزيادة سَجداتنا وركعاتنا، ووُقوفنا وخشوعنا.

30- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، احملونا على التعرُّف الصحيح على ربِّنا وخالقنا ورازقنا، ومُحْيينا ومميتنا.

31- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، خذوا بأيدينا لنحاسِب أنفسنا، ونتحرَّر من قيودنا، ونُعْلي راياتنا، ونسرع إلى ربِّنا.

32- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا؛ فما أحوجنا وأحوجكم إلى سَكْب الدَّمع من خشية الله بخلواتنا مع ربنا! فلا تشغلونا - يرحمكم الله - بما يضرُّكم ويضرنا.

33- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، ابعثوا فينا روح الأمل، وأسعدونا وقرِّبونا من ربنا، فنحن منكم وأنتم بنا.

34- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، جدِّدوا فينا الإيمان، وعلِّمونا جمال الإسلام وما يَقِينَا من لهيب النيران.

35- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، عودوا بنا إلى ما كان المسلمون عليه من قبلُ في العزَّة والكرامة، والفخر والرِّيادة.

36- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، ارفعونا من ذلِّ المعصية إلى عزِّ الطاعة.

37- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، امنحونا سكينة النَّفس وطمأنينة القلب.

38- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، سابقونا إلى الخيرات وفعل الطَّاعات والوقوف على باب الريَّان؛ باب الصائمين والصائمات.

39- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، احملوا لنا الزاد، وأهِّلونا ليوم الميعاد، وانتشلونا من مآزق الدنيا ومتاعب المفسدين والفساد.

40- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، علِّمونا الإحسان وأركانَ الإيمان، وكيف نصعد وننهض إلى ربٍّ علينا غيرِ غضبان.

41- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، شَوِّقونا إلى الجنة كما هي تتشوَّق إلى الصالحين والعابدين، والمُحْسِنين والرَّبانيين.

42- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، ذَكِّرونا بالرحمن، وأبعدونا عن الشيطان، وجدِّدوا فينا الإيمان.

43- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، امنحونا أمانًا في أنفسنا؛ لنتعبَّد به ربَّنا، وتنصلح به أحوالُنا، وتَنْجبر به كسورنا، وتُفرَّج به همومنا.

44- رفقًا بنا وبشهر ربِّنا، اجعلونا للمتقين إمامًا، ولأمَّتِنا سِراجًا، وللعالَم قدوة وأمنًا وأمانًا.



صحابة الرسول وحالهم مع رمضان:
كان صحابةُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رضي الله عنهم وأرضاهم - يستعدُّون لشهر رمضان من قبل أن يُهلَّ بستَّة أشهر، ويُلِحُّون على الله ألاَّ يَحرمهم بلوغه، ثم يأتي الشهر، الضَّيفُ العظيم، فيجتهدون فيه، ويبذلون ما يملكون من جهد ومجهود في إتمام الطاعات، والقرب الشديد من ربِّ الخيرات في شهر المَكْرُمات؛ فالفرصة قد حانت، والرَّحمات قد نزلت، والجنَّة قد استعدَّت، والنِّيران قد أُغلقت، والشياطين قد صُفِّدت، والهداية قد اقتربت، والأنوار قد حلَّت، والظلمات قد رحَلَت؛ فسبحانه مِن ربٍّ عظيم قائلٍ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

وأخيرًا يا أحبابنا:
سألناكم الرِّفق بنا وبكم في شهر رمضان شهر ربِّنا؛ لأنَّه شهرٌ ذو خصوصيَّة وروحانية، شهرٌ مَن فاته فيه الخير فقد فاته كلُّ خير، شهر من حُرِم فيه من الرحمة والمغفرة والعتق من النِّيران، فمتى بالله عليكم تحصد مثل هذه الكنوز؟ ومتى - بِها وبأيِّ عملٍ - يساعده على أن يَنْعَم بها ويفوز؟

يا أحبابنا رُوَّاد الفضائيات:
سألناكم الرفق بنا؛ لأنَّ رمضان فرصة قد لا تتكرَّر.

فما يُدريكم، وما يدرينا؛ أفي رمضانَ المُقْبِل لنا نصيب؟ أم سنكون ضُعفاء بين أيدي خالقنا، قد فاضت روحُنا، وطُوِيت صحائف أعمالنا، ونزلنا قبورنا، وبكى علينا صحابنا وأبناؤنا ونساؤنا، واستقبَلَنا في قبرنا منكرٌ ونكير؛ لحسابنا وسؤالنا؛ ليتحدَّد بذلك ومن لحظتِها مصيرُنا؛ فإمَّا إلى جنَّة ربنا - جعلنا الله وإيَّاكم منهم - وإمَّا معاذ الله إلى غيرها - حمَانا وحماكم الله منها ومن لهيبها؟

______________________________ ______
الكاتب: د. نبيل جلهوم