تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 49

الموضوع: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (21)











    مثنى محمد هبيان





    من اللمسات القرآنية في سورة البقرة : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6]

    السؤال الأول:

    ما دلالات هذه الآية ؟

    الجواب:

    1ـ قوله تعالى {إِنَّ} تفيد التوكيد .

    2ـ الكافرون صنفان :

    آـ صنف كفر بالله، وعندما جاء الهدى حكّم عقله وعرف الحق فآمن.

    ب ـ وصنف آخر مستفيد من الكفر؛ ولذلك هو متشبِّثٌ به,ومهما جاءه من الإيمان والأدلة فإنه سوف يعاند ويكفر؛ لأنه يريد أنْ يحتفظ بسلطاته الدنيوية ونفوذه القائم ولا يقبل أنْ يُجرد منهما ولو بالحق هذا الصنف هو الذي قال الله عنه : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] .

    هذا الكافر الذي اتخذ الكفر طريقاً لجاه الدنيا لن يؤمن سواء أنذرته أم لم تنذره، بل إنّ هؤلاء هم الذين يقاومون الدين ويحاربون كل من أسلم وآمن , ولذلك فإنّ عدم إيمانهم ليس بسبب أنّ منهج الإيمان لم يبلغهم، ولكنْ لأنّ حياتهم قائمة ومبنية على الكفر.

    3ـ قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } [البقرة:6] صيغة جمع، وقوله {لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] صيغة جمع، والجمع إذا قوبل بالجمع توزع الفرد على الفرد، فمعناه أنّ كل واحد منهم لا يؤمن , ومثال ذلك قول المعلم للطلاب : "أخرجوا دفاتركم" أي: ليخرج كل طالب دفتره.

    السؤال الثاني:

    ما معنى {سَوَآءٌ} في الآية ؟

    الجواب:

    1ـ قوله تعالى في الآية {سَوَآءٌ} بمعنى الاستواء، فكأنه قيل : إنّ الذين كفروا مستوٍ عليهم إنذارك وعدمه .

    2ـ جاءت لفظة {سَوَآءٌ} هنا وبدون واو (حرف عطف)؛ لأنها جاءت ضمن جملة اسمية، بينما جاءت لفظة {وسَوَآءٌ} [يس:10] في آية يس وهي قوله تعالى {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس:10] لأنها جملة مستقلة معطوفة على جملة سابقة فجاءت بواو العطف.

    السؤال الثالث:

    هل هناك أكثر من قراءة في قوله تعالى أَأَنْذَرْتَهُم ْ} ؟ ولماذا ذُكرالإنذار دون البشارة؟

    الجواب:

    1ـ الإنذار هو التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصي, وإنما ذُكر الإنذار دون البشارة؛ لأنّ تأثير الإنذار في الفعل والترك أقوى من تأثير البشارة, واشتغال الإنسان بدفع الضرر أشد من اشتغاله بجلب المنفعة , فكان ذكر الإنذار أولى .

    2ـ في قوله تعالى أَأَنْذَرْتَهُم ْ}ست قراءات :

    آ ـ إمّا بهمزتين محققتين بينهما ألف , أو لا ألف بينهما.

    ب ـ أو أنّ تكون الهمزة الأولى قوية والثانية أقل قوة بينهما ألف , أو لا ألف بينهما.

    ج ـ مع حذف حرف الاستفهام , أو بحذفه وإلقاء حركته على الساكن قبله كما قرىء {قد أفلح}.

    السؤال الرابع:

    ما القول في جملة {لا يُؤمِنُونَ} [البقرة:6] ؟

    الجواب:

    هذه إما أنْ تكون جملة مؤكدة للجملة قبلها أو خبراً لـ {إنَّ} .

    السؤال الخامس:

    ما قاعدة دخول ألف الاستفهام على ألف القطع أَأَنْذَرْتَهُم ْ} ؟

    الجواب:

    1 ـ إذا دخلت ألف الاستفهام على ألف القطع وكانت ألف القطع مفتوحة, نحو قول الله تعالى:{ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } فإنْ شئتَ أثبتَ الهمزتين معاً في اللفظ، وإنْ شئتَ همزت الأولى ومددت الثانية، وأمّا في الكتابة فإنّ بعض الكتاب يثبتهما معاً ليدل على الاستفهام، ألا ترى أنك لو كتبت (أنتَ قلت للناس) (أنذرتهم أم لم تنذرهم) لم يكن بين الاستفهام والخبر فرقٌ، وبعضهم يقتصر على واحدةٍ استثقالاً لاجتماع ألفين.

    2ـ فإذا كانت ألف القطع مضمومة ودخلت عليها ألف الاستفهام , نحو قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} {آل عمران:15} و قولك: أَؤُكرمك، أَؤُعطيك , قُلبتْ ألف القطع في الكتاب واواً، وعلى ذلك كتاب المصحف، وفي غيره إنْ شئت كتبت ذلك بألفين على مذهب التحقيق.

    3ـ وإذا كانت ألف القطع مكسورة ودخلت عليها ألف الاستفهام, نحوقوله تعالى :{قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ } {يوسف:90} ونحوقولك: "أئِنَّك ذاهب" "أئِذَا جئتُ أكرمْتَني" قلبتْ ألف القطع ياء، وعلى ذلك كتاب المصحف، وفي غيره إنْ شئت كتبت ذلك بألفين على مذهب التحقيق.

    -4ومَن كان من لغته أن يُحدث بين الألفين مدة , مثل قول ذي الرمة:

    أيَا ظَبيةَ الوَعْساءِ بينَ جَلاجِلِ=وبينَ النَّقَا آأَنْتِ أمْ أمُّ سالِم

    فلا بدّ من إثبات ألفين؛ لأنها ثلاث ألفات في الحقيقة، فتحذف واحدة؛ استثقالاً لاجتماع ثلاث ألفات، ولا يجوز أنْ تحذف اثنتين فتخل بالحرف. والله أعلم .








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (22)












    مثنى محمد هبيان






    من اللمسات القرآنية في سورة البقرة : {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7]

    السؤال الأول:

    ما معنى الختم ؟ولماذا تم الختم على القلوب والسمع والبصر ؟

    الجواب:

    آ ـ الختم والكتم أخوان ومن الألفاظ الواردة في القرآن في معنى الختم : الطبع ـ الكنان ـ الرين على القلب ـ الوقر في الأذن ـ الغشاوة في البصر .

    ب ـ هذه هي الآية الثانية في الكلام عن الكفار في أول سورة البقرة , وهؤلاء كانوا من عتاة الكفرة من الذين علم الله سبحانه وتعالى أنهم قد أقفلوا قلوبهم .

    وقوله تعالى في الآية السابقة {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة:6] هذه التصريحات في القرآن تجاه أناس معينين هو من دلائل النبوة، ولا يكون من كلام بشر؛ لأنه ما يكون موقفك لو أنّ هؤلاء تظاهروا بالإسلام وقالوا: نحن أسلمنا؟ إذن هذا علم الله سبحانه وتعالى، و هؤلاء عتاة الكفر أغلقوا قلوبهم.

    ج ـ الختم هو الطابَع من الطين،والأصل أنّ العربي كان يغلق فوهة شيء من الأشياء إذا أراد أنْ يحفظها ويأتي بشيء من الطين يضعه على مكان عقدة الخيط ويختم بخاتِمه (خاتَم وخاتِم)، والآن مستعمل هذا الختم بالشمع الأحمر.

    إذن هم أغلقوا قلوبهم أولاً فختم الله سبحانه وتعالى عليها، ولا يحتج أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي ختم فهم مسيّرون ؛ لأنهم هم أغلقوا قلوبهم أولاً؛ لأنّ الختم لا يكون إلا على شيء مغلق، فهم أغلقوا قلوبهم وما عادوا مستعدين للاستماع ولا للتقبّل؛ لذا قيل للرسول صلى الله عليه وسلم : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة:] فهؤلاء لا يؤمنون، أي: انتهى حالهم، وهذا الأمر لا يكون لعموم الناس ، إذن الختم لا يكون إلا بعد الإغلاق، هم أغلقوا قلوبهم فختم الله عليها.

    د ـ والقلب عند العرب هو موطن العقل والتفكير وهم هكذا يستعملونه، والدماغ عندهم حشو الجمجمة، وفي لغة العرب أنّ الإنسان يعقل ويفكر ويتأثر بالعاطفة وكلها في القلب، والقرآن كلّم الناس أنّ موطن العقل وموطن التفكير هو في القلب .

    وبماذا يتدبر الإنسان؟ يتدبر بما يسمعه؛ لأنّ الأصل أنّ الآيات تلقى إلقاء على الناس، الدعوة شفاهاً، والكلام شفاهاً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يكلمهم , فهم إذا أغلقوا قلوبهم ما الفائدة ؟!!!! كأنهم لا يحتاجون إلى آذانهم.

    والسمع هو الوسيلة الأولى التي تدعوك إلى أنْ تنظر، بعد أنْ يقال لك :انظر فتنظر، وهم :

    1ـ أولاً أغلقوا قلوبهم فخُتم عليها.

    2ـ والطريق إلى القلوب هو السمع وما عاد ينفع فختم عليها أيضاً .

    3ـ والسمع وسيلة التذكير بالإبصار فغشّيت الأبصار {غِشَاوَةٌ} .

    لذلك جاء هذا الترتيب الطبيعي، ولا يمكنْ أن يتغير إلا في ظرف معين كما في سورة الإسراء: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:97] .

    السؤال الثاني:

    لماذا ترد كلمة (السمع ) بصيغة المفرد, والأبصار ثم القلوب بالجمع كما في هذه الآية ؟

    الجواب:

    آ ـ القلوب ما يحوك فيها التفكير، وهذا شيء واسع مطلق وليس له حدود حتى لو كان الإنسان ساكتاً؛ لأنّ فكره وقلبه و تفكيره ليس له حدود.

    كذلك النظر أيضاً واسع لكنه لا شك أقل من القلب، فأنت تنظر إلى مكان محدود النظر يأتي في الدرجة الثانية في السعة، متنوع، يعني ترى أشياء كثيرة.

    أمّا السمع فيستقبل الصوت فقط لا يستقبل شيئاً آخر, فالسمع يتعامل مع شيء واحد وهو الصوت اللغوي، والبصر يتعامل مع أشياء كثيرة والقلب يتعامل مع أشياء كثيرة أكثر , فالذي يتعامل مع الكثير استعمل له الجمع، والذي يتعامل مع الواحد استعمل له المفرد (السمع).

    ب ـ لو أنّ مجموعة من الناس ألقي عليهم آية من الآيات، هم كلهم ستدخل في آذانهم بصورة واحدة لا تختلف , وستدخل هذه الذبذبات وتترجم في رؤوسهم , فإذن المستقبَل في السمع واحد ، لكنْ لمّا استقبلوه كلٌّ سيفكر فيه بطريقة خاصة وليس بصورة واحدة، فهذا يقتضي توحيد السمع وجمع القلوب.

    ج ـ القلوب جمع قلب، والأبصار جمع بصر، ليس عندنا جمع آخر ، وقلوب جمع كثرة، وأبصار جمع قِلّة، وطبعاً كلاهما يستعمل للكثرة والقلة، والقرآن جاء بلغة العرب, والعرب جمعوا القلب على قلوب، وجمعوا البصر على أبصار.

    د ـ بعض علمائنا يقولون: وحَّدَ كلمة السمع؛ لأنّ صورتها صورة المصدر، والمصدر عادة لا يُجمع؛ لأنه يدل على الحدث المطلق؛ لأنّ مدركات السمع واحد وهو الصوت، بينما مدركات القلوب ومدركات الأبصار متعددة، أي: ما يدركه السمع واحد وهو الصوت اللغوي والترجمة تكون في الذهن أي: في القلب , بينما النظر مدركاته كثيرة فالقلب مدركاته كثيرة, ومدركات السمع هو الصوت اللغوي، وهو هذه الموجة. (لكن العرب جمعت السمع على أسماع ).

    السؤال الثالث:

    استعمل الختم على القلب والسمع, واستعمل الغشاوة مع البصر فلماذا ؟ وما فائدة تكرار حرف الجر (على) في الآية ؟

    الجواب:

    آ ـ هنا استخدم القرآن الختم على القلب وعلى السمع مع العطف؛ لأنه أراد أنْ يجمع بختم واحد القلوب والسمع لارتباط الموضوع، حيث إنّ موضوع التفكر يكون عن طريق السماع، فلمّا أغلقوا قلوبهم لم يعد هناك فائدة للسمع، فختم على الاثنين: ختم على قلوبهم وعلى سمعهم بختمين وليس بختم واحد؛ لأنّ القلب شيء والسمع شيء آخر.

    أمّا قوله تعالى: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } [البقرة:7] فهذه جملة جديدة وليست معطوفة، فيما لو أردنا أن نقف على سمعهم، ثم نتابع: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}.

    والبصر يحتاج لتغطية، أمّا السمع فيحتاج إلى ختم؛ لأنه ليس هناك شيء يغطيه.

    ب ـ كرر حرف الجر (على) ليدل على شدة الختم في الموضعين : القلوب والسمع.

    السؤال الرابع:

    ما دلالة تقديم السمع على البصر في الآية ؟

    الجواب:

    آ ـ قدّم السمع على البصر للتفضيل، وهذا التفضيل عام في جميع القرآن عدا آيتين هما : الكهف [ 26] والسجدة [12] وسوف نتكلم عنهما في موضعيهما إن شاء الله.

    ب ـ السمع شرط النبوة بخلاف البصر، ولذلك ما بعث الله نبياً أصم، وقد كان فيهم من كان مبتلى بالعمى كيعقوب عليه السلام .

    ج ـ حاسة السمع عند الطفل الوليد أسبق بالعمل من حاسة البصر.

    د ـ تستطيع بالسمع استكمال معارف العقل، بينما البصر لا يوقفك إلا على المحسوسات.

    السؤال الخامس :

    ما دلالة تنكير{غِشَاوَةٌ} و {عَذَابٌ} في الآية ؟

    الجواب:

    نكَّرَ {غِشَاوَةٌ} للتعميم ، ونكّر {عَذَابٌ} ليشمل كل أنواع العذاب .

    والعذاب العظيم نقيض الحقير, والعذاب الكبير نقيض الصغير, فكأنّ العذاب العظيم فوق العذاب الكبير ، والله أعلم.

    السؤال السادس:

    جعل الله تعالى السَّدَّ للكفرة في آية يس {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} [يس:9] دون آية البقرة هذه، فما دلالة ذلك ؟

    الجواب:

    1ـ وصف الله تعالى في أول البقرة الكتاب بأنه لا ريب فيه وهو هدى للمتقين , وبيّن صفات المتقين فذكر ما يتعلق بالإيمان والتقوى والهدى، ثم ذكر الكفرة فذكر أنه مختوم على قلوبهم وعلى سمعهم وأنّ على أبصارهم غشاوة فانسدت منافذ الإيمان والتقوى والهدى .

    2ـ بينما ذكر في يس {إِنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ(3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(4) } [يس:3-4] والصراط إنما يكون للسير فيه وسلوكه، فذكر ما يمنع الكفرة من سلوك الصراط المستقيم وهو الأغلال في أعناقهم والسد من بين أيديهم ومن خلفهم.

    أمّا المؤمنون فإنهم على الصراط المستقيم يسلكونه ويتخذونه سبيلاً، ولم يذكر مثل ذلك في البقرة فكان ذكر السد مناسباً في: {يَس} فناسب كل تعبير مكانه الذي هو أليق به. والله أعلم.

    السؤال السابع:

    في آية البقرة قدّم القلوب على السمع : {عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} ، وفي آية الجاثية 23 قدّم السمع على القلب وعلى البصر : {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] فما دلالة هذا التقديم والتأخير ؟

    الجواب:

    في آية البقرة قدّم القلوب على السمع , وفي آية الجاثية قدّم السمع على القلب وذلك للأسباب التالية :

    1ـ في آية البقرة :

    ـ ذكر القلوب المريضة « آية البقرة:10» فقدّم القلوب لذلك .

    ـ آية البقرة ذكرت من أصناف الكافرين من هم أشد ضلالاً وكفراً ممن ذكرتهم آية 23 الجاثية انظر آيات البقرة [6] و [7].

    ـ أنّ الإنذار وعدمه لهذه الأصناف سواء , وأنهم ميؤوس من إيمانهم , ولم يقل مثل ذلك في آية الجاثية.

    ـ كرّر حرف الجر: {عَلَى} مع القلوب والأسماع مما يفيد التوكيد : {عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة:7] ولم يكرر في الجاثية: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [الجاثية:23] .

    ـ قال في البقرة: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7] بالجملة الاسمية التي تفيد الدوام والثبات، أي : أنّ هؤلاء شأنهم دائماً فلا أمل في إبصارهم في يوم من الأيام.

    ـ ختم الآية بقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[البقرة:7] ولم يقل ذلك في الجاثية فدلّ على أنّ صفات الكفر في البقرة أشد تمكنا فيهم .

    2 ـ في آية الجاثية : إضافة إلى ما ذكر أعلاه :

    ـ ذكر الأسماع المعطلة: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا}[الجاثية:8] فقدّم السمع .

    ـ قال: {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث: {وَجَعلَ} فعل ماض ، ومعنى ذلك أنّ الغشاوة لم تكن قبل الجعل، يدلك على ذلك قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] مما يدلّ على أنه كان مبصراً قبل ترديه .

    3 ـ لذلك قدّم ختم القلب على ما سواه؛ لأنه هو الأهم، فإنّ القلب هو محل الهدى والضلال ,وإذا ختم عليه فلا ينفع سمع ولا بصر، قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] وقال صلى الله عليه وسلم : « ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، واذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» فكان تقديم القلب في البقرة أولى وأنسب وتقديم السمع في الجاثية أنسب, والله أعلم .


    ***













    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (23)







    مثنى محمد هبيان






    من اللمسات القرآنية في سورة البقرة : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8]

    السؤال الأول:

    قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] الضمير{هُم} جمع و {مَن} للمفرد فما دلالة الجمع بين الصيغتين؟

    الجواب:

    (من) و(ما) في اللفظ مذكران صالحان للمفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث، والأصل في (من) إذا ذكرت أنْ يُبدأ بدلالة لفظها ثم ينصرف إلى المعنى، فدلالة اللفظ مفرد مذكر ثم يصرف إلى المعنى الذي يحدده السياق.

    وفي الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] {هُم} جمع و {مَنْ يَقُولُ} مفرد، فيبدأ بالمفرد.

    وكذلك في الآية: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة:49] {مَنْ يَقُولُ} مفرد، {سَقَطُوا} جمع، فيبدأ بالمفرد.

    وفي الآية: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب:30] {مَن يَأْتِ} مفرد و (من) و(ما) عندما يبدأ بلفظهما تكونان للمفرد والمثنى والجمع (مذكر أو مؤنث)، وأكثر الكلام عند العرب يبدؤونه بـ(من) حتى لو كان جمعاً, ولذلك (من) لها لفظ ولها معنى، لفظها المفرد المذكر ومعناها يختلف باختلاف السياق .

    وفي الآية: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} [الأحزاب:31] مع {يَقْنُت} [الأحزاب:31] أعاد الضمير على لفظ (من) وهو الإفراد والتذكير، ومع {وَتَعْمَلْ صَالِحًا} أعاد الضمير على معناه وهو الإفراد والتأنيث .

    السؤال الثاني:

    لماذا كرر حرف الباء مع حرف العطف في الآية ؟


    الجواب:

    الآية حكاية قول المنافق أنه أكّد ذلك بالباء مرتين: {بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآَخِرِ} [البقرة:8] نفياً للتهمة عن نفسه وبالصيغة الفعلية: {آمنَّا} فكذَّبهم الله تعالى بقوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} فأكده بالباء ، وبالصيغة الاسمية .

    ****




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (24)


    مثنى محمد هبيان




    من اللمسات القرآنية في سورة البقرة : {يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]

    السؤال الأول:

    ما الفرق في استعمال: {وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]{لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] {لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] في آيات البقرة :

    {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]) {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] و : {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] ؟

    الجواب:

    هذه الآيات في الكلام عن المنافقين وهم لمّا يعلنوا أنهم قد آمنوا كأنما يعتقدون أنهم يخادعون الله سبحانه وتعالى .

    1ـ الفعل المضارع (يشعرون) يدل على الحال أو الاستقبال، أي: الاستمرار، نحو: فلان ينظم الشعر , أي: هذه حاله.

    2ـ العرب تستعمل لنفي الفعل أدوات؛ ومنها :

    آ ـ استعملوا (ما) لنفي الحاضر.

    ب ـ واستعملوا (لا) لنفي المستقبل.

    ج ـ واستعملوا (لن) للتأبيد.

    ولذلك الصيغتان: {وَمَا يَشْعُرُونَ} و {لا يَشْعُرُونَ} هي لنفي الإحساس والشعور عنهم الآن وفي المستقبل.

    3ـ استعمل القرآن {وَمَا يَشْعُرُونَ} في القضايا الظاهرة وعلى الأحاسيس الواضحة فالمنافقون يخادعون, وهو عمل ظاهر, ويقولون ويتصرفون بالكلام وهذا في الحركة الظاهرة التي فيها معنى الإحساس فاستعمل هنا {وَمَا يَشْعُرُونَ} .

    واستعمل {لا يَشْعُرُونَ} في الآية 12؛ لأنّ الإفساد واضح .

    4ـ بينما استعمل: {لايَعْلَمُونَ} مع القضايا القلبية والمعنوية كما في الآية 13؛ لأنّ العلم في الداخل؛ ولأنّ الإيمان ليس شعوراً ظاهرا،ً وإنما هو علم الباطن.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (25)


    مثنى محمد هبيان



    {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [البقرة:14]

    السؤال الأول:
    عن كيفية ضبط واو الجماعة في (لَقُوا) و(خَلَوا) في الآية وفي الأفعال بشكل عام ؟ ومتى تُفتَحُ الواو وتُضَمُّ ؟
    الجواب:
    أولاً ـ في الآية :
    1ـ الواو ليست مفتوحة ولا مضمومة، وإنما هي ساكنة في الحالتين، وإنما هذا يتعلق بما قبلها.
    2ـ واو الجماعة إذا كان الفعل منتهياً بياء أو واو تُحذف ويُضَمُّ ما قبل واو الجماعة وتبقى واو الجماعة ساكنة .
    3ـ واو الجماعة إذا سبقت بألف يفتح ما قبلها، نحو : خلا خَلَوا , وتبقى واو الجماعة ساكنة.
    أمثلة :
    (لَقِيَ- لَقَوا، نَسِيَ- نَسُوا، خَشيَ- خَشَوا)
    (يدعو يدعُون، خَفِي خَفُوا، خَشِيَ خَشُوا، رَمَى رَمَوا، دعا دَعَوا، مَشَى مَشَوا، قَضَى قَضَوا، رضي رضُوا، يرضى يرضَون، يمشي يمشُون، يسعى يسعَون)
    ثانياً ـ تصريف الأفعال المعتلة الآخر مع واو الجماعة :
    القواعد العامـــــة :
    الأفعال من ناحية الزمن ثلاثة هي : ماضٍ ـ مضارع ـ أمر.
    ومن ناحية البنية تنقسم الأفعال إلى : صحيح ومُعتَلٍّ.
    والفعل الصحيح ينقسم إلى : سالمٍ، ومهموزٍ، ومضعَّفٍ، نحو : شكر ـ أخذ ـ مدّ .
    والفعل المعتل ينقسم إلى : مثال، وأجوف، وناقص ، نحو : وعد ـ قال ـ رمى .
     - الفعل الماضي المعتل مع واو الجماعة :
    1ـ إذا أُسند الفعل الماضي المعتل إلى واو الجماعة يُحذف حرف العلة وتبقى الفتحة قبل الواو إذا كان المحذوف ألفاً نحو : رمى رمَوْا ، وخلا خلَوْا ، ويضم ما قبلها إذا لم يكن ألفاً نحو : خَشِيَ خشُوْا، وقال قالُوا .
    2ـ إذا أُسند الفعل المضارع المعتل إلى واو الجماعة أو ياء المخاطبة يُحذف حرف العلة وتبقى الفتحة قبل الواو إذا كان المحذوف ألفاً نحو: يخشى يخشَون .
    وملخّص ذلك في الجدول التالي :
    السؤال الثاني:
    ما الفرق بين: {خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}[البقرة:14] و {خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} [البقرة:76] فى سورة البقرة؟
    الجواب:
    في قوله تعالى: {وَ إذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} [البقرة:76] أي الشياطين مع بعض أو الكفار مع بعض، أما قوله {وَ إذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة:14] أي خلوا إلى رؤسائهم وإلى قادتهم .
    السؤال الثالث:
    ما دلالة الفرق في الخطاب في الآية بين الجملة الفعلية {آمنَّا} ، والجملة الاسمية {إنَّا مَعَكُمْ} ؟
    الجواب:
    هذا في وصف المنافقين , وقد فرّق القرآن بين قولهم للمؤمنين بالجملة الفعلية الدالة على الحدوث {آمنَّا} وبين مخاطبتهم جماعتهم بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام {إنَّا مَعَكُمْ} ولم يسوَّ بينهما، فلم يقولوا: (إنا مؤمنون) كما قالوا: {إنَّا مَعَكُمْ} لعدم وجود باعثٍ ومحركٍ في عقائدهم، أمّا مخاطبة إخوانهم فيما أخبروا به عن أنفسهم من الثبات على اليهودية والقرار على اعتقاد الكفر فهو عن صدق رغبةٍ وارتياحٍ للمتكلم فكان مظنةً للتحقيق وللتوكيد .
    السؤال الرابع:
    ما المعنى الخاص المميز لكلمة {شَياطِينِهِمْ} في هذه الآية ؟
    الجواب :
    كل ما في القرآن من ذكرٍ لكلمة ( شيطان ) فإنها تعني إبليس وجنوده وذريته , إلا قوله تعالى في آية سورة البقرة : {وَ إذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة: 14] فإنه يريد كهنتهم مثل: كعب بن الأشرف , وحُيي بن أحطب , وأمثالهم .
    السؤال الخامس :
    ما النظائر الأخرى المميزة و المشابهة للسؤال السابق التي وردت في القرآن الكريم ؟
    الجواب :
    فيما يلي أهم النظائر المشابهة للسؤال السابق مرتبة حسب ترتيب سور المصحف :
    البقرة :23
    كل ما في القرآن من كلمة ( شهيد ) وتعني غير القتلى في الغزو , فهم الذين يشهدون على أمور الناس, كما في قوله تعالى في سورة البقرة : وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] إلا قوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ} [البقرة: 23] فإنه يُراد (شركاءكم) .
    البقرة : 248
    كل ما جاء من لفظة ( سكينة ) في القرآن فهي طمأنينة للقلب , كما في قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ } [الفتح: 4] , إلا التي في آية سورة البقرة {فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:248] فإنه يعني شيئاً من الأشياء الموجودة في التابوت من آثار موسى وهارون عليهما السلام إضافة إلى الطمأنينة والسكون.
    آل عمران : 156
    كل ما في القرآن من كلمة (حسرة) فهو الندامة , كقوله تعالى : {يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ} [يس :30] إلا التي في سورة آل عمران {لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } [آل عمران :156] فإنه يعني به ( حزناً ) أو الحزن .
    النساء :6
    كل ما جاء في القرآن من كلمة (النكاح) فهو يعني التزوج , إلا قوله تعالى في سورة النساء: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] فإنه يعني : سن الاحتلام .
    النساء :78
    كل ما في القرآن من ذكرلكلمة ( البروج ) فإنها تعني منازل الكواكب , كقوله تعالى : {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ} [البروج: 1] إلا قوله تعالى : {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } [النساء:78] فإنها القصور المرتفعة الحصينة .
    الأنعام :1
    كل ما جاء في القرآن من لفظٍ يحوي ( من الظلمات إلى النور ) فهو بمعنى الكفر والإيمان , كما في قوله تعالى : {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257] غير واحد في أول سورة الأنعام : {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] فيعني : ظلمة الليل ونور النهار .
    الرعد :31
    كل ما جاء في القرآن من لفظة ( يأس ) فهو القنوط , كما في قوله تعالى : {وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ} [يوسف: 87] إلا التي في آية سورة الرعد {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا} [الرعد: 31] أي : ألم يعلموا .
    قال الشاعر :
    أقول لهم بالشِّعبِ إذ يَيْسِرُوني=ألم تيأسوا أني ابنُ فارس زهدم
    النحل : 76 ـ الإسراء : 97
    كل ما جاء في القرآن من ذكر(البُكم) فهو الخرسُ عن الكلام بالإيمان , كقوله تعالى :
    {صُمٌّ بُكْمٌ} فإنما أراد ( بكم ) أي الخرسُ عن النطق والتوحيد مع صحة ألسنتهم , إلا في موضعين : الأول هوقوله تعالى : {عُمْياً وبُكْماً وَصُمّاُ} [الإسراء :97] والثاني قوله تعالى : {أَحَدُهُمآ أَبْكَمُ} [النحل :76] فإنه أراد في هذين الموضعين :( اللذان لا يقدران على الكلام) .
    الإسراء : 97
    كل ما جاءمن لفظة ( صمم ) في القرآن فهو عن الاستماع للإيمان , إلا في موضع واحد يصف بني إسرائيل في آية الإسراء{عُمْياً وبُكْماً وَصُمّاُ} [الإسراء :97] فمعناه : لا يسمعون شيئاً .
    الكهف :40
    كل ما في القرآن من لفظة ( حسبان ) فهو من العدد , كما في قوله تعالى : {الشَّمْسُ وَالقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: ٥] غير موضع واحد في سورة الكهف {حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} [الكهف :40] فإنه بمعنى العذاب .
    الكهف :82
    كل كلمة ( كنز) في القرآن فالمقصود به هو المال , إلاالذي في آية سورة الكهف {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [الكهف: 82] فإنه أراد صحفاً وعلماً .
    مريم :13
    كل ما جاء في القرآن من كلمة ( زكاة ) فهو المال , غير التي في آية سورة مريم {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً } [مريم:13] فإنه يعني ( تعطفاً ) .
    مريم :26
    كل كلمة ( صوم ) في القرآن فهو الصيام المعروف , إلا الذي في آية سورة مريم {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] فيعني : صمتاً .
    مريم : 46 ـ الكهف 22
    كل ما جاء في القرآن من : (يَرجُمنَّكم ) و ( يَرجُمُوكم ) فهوالقتل , إلا في موضعين : الأول في آية سورة مريم لَأَرْجُمَنَّكَ } [مريم:46] ويعني : لأشتمنك وأذمنّك قولاً وعملاً , والثاني في آية سورة الكهف {رَجْمَاً بِالغَيْبِ} [الكهف:22] أي ظناً . والرجم يعني أيضاً : الطرد واللعن , ومنه قيل للشيطان : رجيم .
    الحج :40
    كل كلمة ( صلاة ) في القرآن فهي عبادة ورحمة, إلا قوله تعالى في آية سورة الحج {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} [الحج: 40] فإنه يريد بيوت عباداتهم .
    النور : 2
    كل ما جاءمن لفظة ( عذاب ) في القرآن فهو التعذيب بأنواعه المختلفة , إلا قوله تعالى في آية سورة النور : {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُما} [النور: 2] فإنه يريد الضرب أو الجلد فقط .
    النور :35
    كل لفظة ( مصباح ) جاء في القرآن فهو الكوكب , إلا الذي في آية سورة النور : {المِصْبَاحُ في زُجَاجَةٍ} [النور: 35] فإنه السراج نفسه .
    الفرقان :42 ـ ص :6
    كل ما جاء في القرآن من ذكر (الصبر ) فهو محمود , إلا في موضعين فهو غير محمود : الأول : آية سورة الفرقان : {لَوْلَآ أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: 42] والثاني : آية سورة ص: {وَاْصبِرُوا عَلَى آلِهَتِكم} [ص : 6]
    الشعراء : 129
    كل لفظ جاء في القرآن ( لعلّكم ) فهو بمعنى ( لكي ) غير واحد في آية الشعراء : {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] فإنه للتشبيه , أي : كأنكم .
    القصص : 66
    النبأ والأنباء في القرآن هي الأخبار , إلا قوله تعالى في آية سورة القصص : {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ}[القصص: 66] فإنه بمعنى : الحجج .
    الروم : 41
    كل ما جاء في القرآن من ذكر ( البَر ) و ( البَحر) فإنه يُراد بالبحر الماء , وبالبرّ التراب اليابس , غير موضع واحد في سورة الروم : {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ} [الروم :41] فإنه بمعنى انتشار الفساد في البوادي والعمران .
    الأحزاب :10
    كل ما جاء في القرآن من لفظة : ( زاغوا) و( لا تُزغ ) نحو قوله تعالى : {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران :8] فإنه من : ( مالوا ) و(لا تملْ ) غير التي في آية الأحزاب: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} [الأحزاب:10] فإنها بمعنى : ( شَخَصَت ).
    الأحزاب :63
    كل ما جاء في القرآن من لفظة (وما أدراك ) فقد أخبرنا به , و كل ما جاء في القرآن من لفظة ( وما يُدريك ) فلم يخبرنا به . حكاه البخاري رحمه الله في تفسيره . واستدرك بعضهم عليه موضعاً , وهو قوله تعالى : {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63] . والله أعلم .
    الصافات : 125
    كل ما جاء في القرآن من لفظة ( البعل ) فهو الزوج , كما في قوله تعالى : {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا}[هود:72] إلا في آية الصافات في قوله تعالى : {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [الصافات:125] فإنه أراد صنماً .
    الصافات : 141
    كل ما جاء في القرآن من ( الدّحض ) و ( الداحض ) فمعناه الباطل , كقوله تعالى : {حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ} [الشورى :16] إلا التي في آية الصافات: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ}[الصافات :141] فمعناه : من المقروعين , أو المغلوبين .ومنه قول الشاعر :
    قتلنا المدحضين بكل فج=فقد قرت بقتلهم العيون
    الزخرف : 32
    كل ما جاء في القرآن من لفظة : (يسخرون) و( سَخِرنا ) فإنه يُراد به الاستهزاء , غير التي في آية الزخرف:{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[الزخرف :32] فإنه أراد أعواناً وخدماً .
    الزخرف :55
    كل ما جاء في كتاب الله من ذكر ( الأسف ) فمعناه الحزن , كقوله تعالى في قصة يعقوب عليه السلام : {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف:84] إلا قوله تعالى : {فَلَمَّا آَسَفُونَا} [الزخرف:55] , فإنّ معناه : ( أغضبونا ) , وأمّا قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام : {غَضْبَانَ أسِفَا} [الأعراف :150] فقال ابن عباس : ( مغتاظاً ) .
    الطور :30
    كل ما جاء في القرآن من لفظة ( ريب ) فهوالشكّ , إلا في قوله تعالى :{نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ}[الطور:30] فإنه يعني حوادث الدهر أو الموت .
    القمر :47
    كل ما جاء في القرآن من لفظة ( السعير ) فهو يعني النار والوقود , إلا قوله تعالى في آية القمر: {إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [القمر: 47] فإنه يعني الخسران والجنون , قاله : ابن عباس رضي الله عنهما . وقيل غير ذلك .
    الحديد :29
    كل ما جاء في القرآن من لفظة ( لئلا) فهو بمعنى ( كيلا ) غير واحد في آية الحديد {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ} [الحديد: 29] فإنه يعني : لكي يعلم .
    المجادلة : 2
    كل ما جاء في القرآن من لفظة ( زور ) فهوالكذب , ويُراد به الشرك , كما في قوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا}[الفرقان:4] إلا التي في آية سورة المجادلة : {مُنْكَرًا مِنَ القَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:2] فإنه كذب غير شرك .
    الممتحنة : 11
    كل ما جاء من لفظة ( إنفاق ) في القرآن فهو الصدقة , إلا قوله تعالى في آية سورة الممتحنة {فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [المتحنة: 11] فإنّ المراد به المهر .
    الطلاق :7
    كل ما جاء في القرآن من {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فيعني : العمل , إلا قوله تعالى في آية سورة الطلاق : {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا} [الطلاق: 7] فيعني : النفقة .
    الجن : 15
    كل ما جاء في القرآن من لفظة ( أقسطوا ) فهو بمعنى العدل , كما في قوله تعالى : {ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} [الأحزاب: 5 ] إلا في آية سورة الجن : {وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: ١٥ ] فيعني : ( الجائرين أو الظالمين ) وهم الذين يعدلون الحق بالباطل , هذا باعتبار صورة اللفظ , وإلا فمادة الرباعي ( أقسط ) تخالف مادة الثلاثي ( قسط ) .
    المدثر :5
    كل ما جاءفي القرآن من لفظة ( رِجز ) بكسر الراء فهو العذاب , كقوله تعالى في قصة بني إسرائيل : {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} [الأعراف:134] إلا التي في آية المدثر: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر:5] بضم الراء فإنه يعني : الصنم , فاجتنبوا عبادته .
    المدثر:31
    كل ما جاء في القرآن من لفظة ( أصحاب النار) فهم أهل النار , إلا قوله تعالى في آية سورة المدثر: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} [المدثر: 31] فإنه يريد خزنتها .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (27)



    مثنى محمد هبيان




    {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:15]
    السؤال الأول:
    لِمَ قال:{يَعْمَهُون} ولم يقل: (يعمون)؟ وما دلالة {وَيَمُدُّهُمْ} ؟
    الجواب:

    1ـ العمى فقد البصر وذهاب نور العين ,أمّا العَمَه فهو الخطأ في الرأي, والمنافقون لم يفقدوا بصرهم وإنما فقدوا المنطق السليم، فهم في طغيانهم يعمهون.
    2ـ أسند المَدَّ إليه سبحانه فالله يمدّهم في طغيانهم هم , ولا يمدّهم في طغيان جديد لم يفعلوه.
    بينما أسند المَدَّ في آية الأعراف [202] إلى الشياطين فذكرَ أنهم يمدونهم في غيٍّ جديد، قال تعالى: وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف:202] .








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (28)



    مثنى محمد هبيان




    {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:16]

    السؤال الأول:

    ما دلالة قوله تعالى في الآية: { اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالهُدَى} [البقرة:16] في سورة البقرة؟

    الجواب:

    السؤال يعني: لماذا جاءت الَضلالة بالهدى ولم تأت الهدى بالضلالة ؟ فنقول: إنّ هناك قاعدة تقول: إنّ الباء تكون مع المتروك، كما في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:16] .

    السؤال الثاني:

    لماذا ذكر عدم الربح ولم يذكر الخسارة، علماً أنّ الخسارة أبلغ في التوبيخ ؟

    الجواب:

    إنّ هَمَّ المشتري للتجارة هو حصول الربح وسلامة رأس المال, فبدأ بالأهم وهو نفي الربح ثم أتى بما يدل على الخسران بقوله: {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:16] فنفى ما هما مقصودان بالتجارة.

    السؤال الثالث:

    ما الفرق بين الفسق والضلالة؟

    الجواب:

    1ـ الضلال هو نقيض الهداية: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالهُدَى} [البقرة:16] .

    2ـ الفسق : هو الخروج من طاعة الله بكبيرة , وأصل الفسق في اللغة العربية هو خروج مكروه , ومنه يُقال للفأرة : الفُويسقة , لأنها تخرج من جحرها للإفساد .

    3ـ الفرق بين الفسق والضلال أنّ الضلال قد يكون عن غير قصد وعن غير علم:

    آـ الضلال هو عدم تبيّن الأمر، تقول : ضلّ الطريق قال تعالى: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104] هذا من دون معرفة بحيث ضلّ عن غير قصد.

    ب ـ وقد يُضلّ بغير علم: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:119] .

    4ـ و أمّا الفسق فهو بعد العلم تحديداً, وحتى يكون فاسقاً ينبغي أنْ يكون مبلَّغاً حتى يكون فسق عن أمر ربه، إذن هنا زيادة أنهم مبلّغون ثم خرجوا فإذن هم فاسقون, ولو قال: ضالون، قد يعطيهم بعض العذر أنهم عن غير قصد، لكنهم فاسقون بعد المعرفة وبعد التبليغ فسقوا.

    5ـ في قوله تعالى: {وَلَا الضَّالِّينَ} هذه عامة؛ لأنّ الضلال عام واليهود والنصارى منهم وليس حصراً عليهم، وقوله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2] نفى عنه الضلال بعلم أو بغير علم, أمّا الفسق فلا يكون إلا بعد علم، فينبغي أنْ يعلم أولاً حتى يقال عنه: فاسق . قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالكِتَابَ} [الحديد:26] فهذا بعد التبليغ: {فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:26] تنكّبوا الصراط بعد المعرفة، وأصل الفسق هو الخروج عن الطريق يُقال: فسقت الرطبة، أي: خرجت من قشرتها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (29)











    مثنى محمد هبيان






    {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة:17]

    السؤال الأول:

    ما دلالة المثل في هذه الآية؟ ولماذا ذهب بنورهم وليس بنارهم؟وما الفرق بين الضوء والنور؟

    الجواب:

    1ـ هذه الآية الكريمة من مجموعة آيات تكلمت عن المنافقين, ومعلوم أنّ المنافقين إنما سُمُّوا بهذه التسمية؛ لأنّ ظاهرهم مع المسلمين وباطنهم في حقيقة الأمر أنهم مع الكفار, حتى قيل إنّ الكفار خير منهم؛ لأنّ الكافر صريح يقول: هو كافر, لكنّ المنافق يقول لك : هو مؤمن مسلم ولكنه يهدم ويخرّب من داخل المجتمع المسلم.

    فضرب الله عز وجل لهم هذا المثل , ووجود النار في الصحراء عند العرب مثال معروف على الظهور والانكشاف وهداية الضالّ ,والأمثال تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه .

    2ـ الآية تتحدث عن شخص أوقد هذه النار ولمّا أوقدها وتعالى لهيبُها أضاءت ما حوله، وامتدت هذه الإضاءة إلى مسافات بعيدة واستناروا بها. ونحن نقول: إنّ هذا المثل يمكن أنْ يحمل أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو مثل الموقِدِ لهذه النار الهادية, فلمّا جاءوا من حولها ورأوا هذا النور وتذوقوا حلاوة إيمان طمسوا بأنفسهم على قلوبهم ولم يستفيدوا شيئاً من ذاك النور الذي علا ضوؤه .

    و نلاحظ أنّ مضمون: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة:17] هنا فرد، ومضمون: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ } [البقرة:17] هو حوله أناس، فالعربي لا يعيش وحده، فلمّا يوقد النار تكون قبيلته حوله, فهم أيضاً يستضيؤون بهذه النار وكذلك الأغراب البعداء يهتدون لهذه النار {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] هم عاشوا في ضوء ولو لحقبة يسيرة، اطلعوا على الإسلام بخلاف الكافر الذي كان يضع إصبعيه في أذنيه ويقول: لا أسمع.

    3ـ والمثل هو لبيان صفة المنافقين , ومُثلت الجماعة بالواحد؛ لأنه يجوز في اللغة وضع (الذي) موضع (الذين) كقوله سبحانه و تعالى: { وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة:69] أي المراد جنس المستوقدين أو الفوج الذي استوقد ناراً .

    4ـ والفرق بين النور والضوء، أنّ النور لا يكون فيه حرارة , أمّا الضوء ففيه حرارة ومرتبط بالنار، والإنسان يمكن أنْ تأتيه حرارة الضوء، فالنار المضيئة إذا خفتت وخمدت يبقى الجمر وهو من مخلفات النار وهو بصيص يُرى من مسافات بعيدة، فلمّا يقول تعالى: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] يعني أصغر الأمور التي فيها هداية زالت عنهم، ولو قال في غير القرآن: ذهب الله بضوئهم، فتعني أنه ذهب الضوء لكنْ بقيت الجمرات، لكنّ يريد القرآن أنْ يبين أنّ هؤلاء بعد أنْ أغلقوا قلوبهم: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة:17] لا يبصرون شيئاً حتى الجمر الصغير ما بقي عندهم.

    السؤال الثاني:

    ما الفارق بين أذهب نورهم، وذهب بنورهم؟

    الجواب:

    أذهبت هذا الشيء، أي: جعلته يذهب أذهبته فذهب، أنت فعلت وهو أيضاً استجاب للفعل، فلو قال: أذهب الله نورهم، كأنها تعني أنّ الله أمر النور أنْ يذهب فاستجاب وذهب، لكنّ هذا الذي ذهب قد يعود.

    أما صورة: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] كأنّ الله تعالى اصطحب نورهم بعيداً عنهم, وما اصطحبه الله عز وجل لا أحد يملك أنْ يعيده، وهذا نوع من تيئيس الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين؛ لأنّ الجهد معهم ضائع .

    فقوله تعالى : {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] يعني مضى به واستصحبه، وهذا يدلك أنه لم يبق لهم مطمع في عودة النور الذي افتقدوه.

    وهذه خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم , فلا يقولن إنسان: إنّ هذا الشخص لا نفع من ورائه فلا داعي لوعظه وتذكيره, إذ إن الله سبحانه خصّ الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، وهو أنّ هؤلاء المنافقين قد انتهى أمرهم.

    السؤال الثالث:

    ما سبب استخدام المفرد والجمع في قوله تعالى في سورة البقرة: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة:17] ؟

    الجواب:

    1. من الممكن ضرب المثل للجماعة بالمفرد، كما في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ} [النحل:92].

    2. اسم الموصول (الذي) قد يستعمل للفريق وليس للواحد فقط والمقصود بـ(الذي) في الآية ليس الشخص إنما قد تدل على الفريق, ويقال عادة: الفريق الذي فعل كذا ولا يقال: (الفريق الذين).

    3. كما يمكن الإخبار عن الفريق بالمفرد والجمع: {فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل:45] .

    4. لفظة (الذي) نفسها يمكن أنْ تستعمل للمفرد والجمع، كما جاء في الشعر العربي:

    وإنّ الذي حانت بِفَلجٍ دِماؤُهم= همُ القومُ كُلُّ القومِ يا أُمَّ خالدِ

    السؤال الرابع:

    لماذا استعمل التأنيث في قوله تعالى: {أَضَاءَتْ} ؟

    الجواب:

    قوله تعالى: {أَضَاءَتْ} التأنيث في الفعل للحمل على المعنى؛ لأنّ ما حول المستوقد أماكن وأشياء, ويعضد ذلك قراءة ابن أبي عقلة (ضاء) .

    والفعل (أضاء) قد يكون لازماً أو متعدياً يُقال : أضاءت النار بنفسها وأضاءت غيرها.

    السؤال الخامس:

    ما دلالة حذف المفعول به في قوله تعالى: { يُبْصِرُونَ} ؟


    الجواب:

    كأنه من قبيل المتروك الذي لا يلتفت إليه، كأنّ الفعل غير متعدٍّ أصلاً .










    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (30)


    مثنى محمد هبيان



    {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18]


    السؤال الأول:

    ما دلالة تكرار صفة: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [البقرة:18] بنفس الترتيب في القرآن؟ ولماذا اختلاف الخاتمة بين الآيتين: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] و: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة:171] فى سورة البقرة ؟

    الجواب:

    1ـ صفة: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} تكررت مرتين بهذه الصيغة في القرآن في سورة البقرة في الآيتين( 18) و ( 171) وهي في المنافقين .

    واعلم أنه لمّا كان المعلوم من حالهم أنهم يسمعون وينطقون ويبصرون امتنع حمل ذلك على الحقيقة, فلم يبق إلا تشبيه حالهم لشدة تمسكهم بالعناد وإعراضهم عما يطرق سمعهم من القرآن وما يظهره الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدلة والآيات بمن هو أصمُّ فلا يسمع, وإذا لم يسمع لم يتمكن من الجواب فلذلك جعله بمنزلة الأبكم , وإذا لم ينتفع بالأدلة ولم يبصر طريق الرشد فهو بمنزلة الأعمى.

    2ـ في آية البقرة رقم (18) قال تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ(17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ(18) }[البقرة:17-18] وهذه الآيات نزلت في المنافقين، والمنافقون الذين رأوا الإيمان وسمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام الله عز وجل وكان يُفترض أنهم تذوقوا شيئاً من الإيمان، عُرِض عليهم الإيمان ثم انتكسوا بعد ذلك، يعني أنهم تحولوا من الإيمان إلى الضلال، فإذن مَثَلُهم كمثل الذي استوقد ناراً، كأنه أُضيءَ أمامهم هذا الدين لكنهم لم ينتفعوا بذلك: {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] أي: لا مجال لهم للرجوع إلى الهدى بعد أنْ باعوه، وعن الضلالة بعد أن اشتروها، ولا إلى النور الذي فقدوه؛ لأنهم نافقوا وطُبِع على قلوبهم والعياذ بالله فلا مجال للرجوع ؛ و لذلك استعمل كلمة: {لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] .

    3ـ وفي الآية الثانية قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ(170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ(171)} [البقرة: 170 - 171] .

    آ ـ هنا تكلّم عن آبائهم قال: {أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا}{البقرة:170} أي: أنّ آباءهم لا يعقلون، فالمناسب أنْ تختم الآية الثانية: {لَايَعْقِلُونَ} [البقرة:171] فكما أن آباءهم لا يعقلون هم لا يعقلون.

    ب ـ أنّ المثال الذي ضُرِب : {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة:171] يمثل صورتهم صورة هؤلاء وهم يُلقى عليهم كلام الله سبحانه وتعالى كمَثَلِ الذي ينعِقُ بما لا يسمع إلا دعاء، أي مثل مجموعة أغنام ينعق فيها الراعي؛ أي: يصيح فيها، وهذه الأغنام تسمع أصواتاً لكنها لا تستطيع أنْ تعقلها؛ لأنها لا تفهم , فكأنّ هؤلاء وهم يستمعون إلى كلام الله سبحانه وتعالى كالأغنام فناسب: {لَايَعْقِلُونَ} [البقرة:171].

    ج ـ وفي آية آخرى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ} [الأعراف:179] مثّلهم بهذا؛ لأنهم لا يعقلون كلام الله سبحانه وتعالى ولا يستعملون عقولهم في إدراكه؛ فجعلهم مثل الأغنام والبهائم؛ ولذلك هذه الصورة هي التي يناسبها كلمة: {لَايَعْقِلُونَ} [البقرة:171].

    السؤال الثاني:

    ما دلالة الواو في الآية: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام:39] وفي البقرة لم يستخدم الواو {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] ؟

    الجواب:

    الأصم الذي لا يسمع، والأبكم الذي لا يتكلم.

    1ـ في البقرة لمّا قال: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18]هم في جماعة واحدة، وعندما تقول: هؤلاء شعراء فقهاء كتاب , فالصفات الثلاث موجودة في فئة واحدة , و عندما تقول : هؤلاء شعراء وفقهاء وكتاب , فيحتمل أنّ المجموعة فيها ثلاث فئات؛ ولذلك عندما قال : {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18] فالكلام في فئة واحدة.

    2ـ وعندما قال: {صُمٌّ وَبُكْمٌ} [الأنعام:39] فهناك احتمالان :

    آ ـ احتمال أنْ تكون جماعة واحدة وكلهم جميعاً صُمٌّ وبُكمٌ .

    ب ـ واحتمال أنْ يكون جماعات متعددة , أي: قسم صُمُّ وقسم بٌكمٌ.

    3ـ وذكر في القرآن من يتكلم ولا يبصر: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} [طه:125] فهو أعمى وليس أبكم.

    السؤال الثالث:

    لماذا هذه المغايرة بين آيتي البقرة (18) والأنعام (39) ؟

    الجواب:

    1ـ أنّ آية البقرة أشدّ؛ لأنها في جماعة واحدة فذكر العمى والصَّمَمَ والبكم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18] وقال أيضاً في الظلمات: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة:17] , بينما آية الأنعام أقلّ فلم يذكر العمى، وإنما قال: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام:39] .

    2ـ في البقرة الكلام عن المنافقين طويل في تسع آيات من الآية [8] إلى الآية [20] ووصفهم بصفات متعددة، فذكر الإفساد ومخادعة الله والذين آمنوا، والاستهزاء وشراء الضلالة بالهدى إضافة إلى صفة التكذيب, أمّا في الأنعام ففي آية واحدة فقط، وذكر فيها صفة التكذيب بالآيات، وهي صفة واحدة: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام:39] .

    فأيهما الأولى بالذمّ وكثرة الصفات السيئة؟ الذين في سورة البقرة الذين هم ليسوا جماعتين وإنما جماعة واحدة , وهؤلاء (صمٌّ بكمٌ عميٌ ) وهم (في الظلمات )، فلا يمكن من الناحية البيانية وضع إحداهما مكان الأخرى ولا يصح؛ فهذا قانون بياني بلاغي.

    السؤال الرابع:

    ما دلالة الاختلاف في الترتيب بين آيتي البقرة [18] و [171] {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18] وآية الإسراء 97 : {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء:97] ؟

    الجواب:

    1ـ في آيتي البقرة كان الترتيب: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18] وفي الإسراء كان الترتيب {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء:97] مع وجود واو العطف بين الصفات في سورة الإسراء بخلاف سورة البقرة، فلا يوجد واو .

    2ـ آيتا البقرة 18- 171 نزلتا في المنافقين الذين رأوا الإيمان ورأوا الرسول صلى الله عليه وسلم وعُرض عليهم الإيمان ثم انتكسوا وتحولوا إلى الضلال؛ لذلك مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً لكنهم لم ينتفعوا بذلك، وشرْعُ الله قُدّم إليهم منطوقاً لكنهم لم يستفيدوا مما سمعوه وكأنهم لم يشهدوه، علماً أنهم في الواقع شهدوه لكنهم لم ينظروا في آيات الله التي دُعوا للنظر فيها، فهم قد ابتعدوا عن الدين كثيراً لذلك استعمل معهم في ختام الآية: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18] أي: لا يرجعون إلى النور الذي فقدوه.

    وأما الآية 17، فهي تتحدث عن الظلمة، والمنافق كان في ظلمات فناسب: {لَا يُبْصِرٌونَ} [البقرة:17] .

    3ـ آية الإسراء تتحدث عن أُناس في المحشر وليس في الدنيا: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [الإسراء:97] .

    وقد سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : «إنّ الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أنْ يمشيهم على وجوههم» .

    وإذا كان وضع التائه أنّ وجهه في التراب فمعنى ذلك أنه لا يبصر, وعندما يفقد البصر يبدأ بالصراخ لعل أحداً يسمعه فيرشده , فإذا فقد الكلام أو كان أبكم عند ذلك يعتمد على أُذنيه لعله يسمع صوتاً فيتجه نحوه، وهذا هو الترتيب الطبيعي فجاءت الآية: {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء:97] .

    4ـ السحب والوجه على التراب يفقد البصر أولاً، ثم يدخل التراب في فمه فيفقد الكلام، ثم يدخل التراب في أُذنيه فيفقد السمع.

    5ـ الواو في آية الإسراء تفيد تكرار العامل، أي: نحشرهم عمياً، ونحشرهم صماً، ونحشرهم بكماً، فيكون فيها نوع من التميز لتركيز المعنى.

    6ـ في آية البقرة 171 ، تكلم القرآن في الآية التي سبقتها عن آبائهم فقال تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170] فناسب أن تختم الآية 171 {لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة:171] فكما أنّ آباءهم لا يعقلون فهم لا يعقلون أيضاً.

    7ـ الآية 171 تمثل صورة هؤلاء الكفار وهم يُلقى عليهم كلام الله كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء، أي: كمجوعة أغنام والراعي يصيح فيها والأغنام تسمعه لكنها لا تفهم معانيه مهما صرخ فيها، وهذه الصورة لا يناسبها إلا (فهم لا يعقلون)؛ لأنه شبههم بالغنم التي تسمع أصواتاً ولا تدرك معناها، وهم يسمعون القرآن ولكنهم لا يفكرون فيه ولا يستخدمون عقولهم لفهمه مثل آبائهم، كما قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170] .


    8 ـ قوله تعالى : {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18]؛ لأنهم صاروا بمنزلة الصُمِّ في أنّ الذي سمعوه كأنهم لم يسمعوه، وبمنزلة البُكمِ في أنهم لا يستجيبون لما دعوا إليه، وبمنزلة العُميِ من حيث أعرضوا عن الدلائل فصاروا كأنهم لم يشاهدوها.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (31)


    مثنى محمد هبيان


    البسملة ومقاصد سورة القاتحة وأسماؤها وفضلها



    القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل فيها , نزل مقروناً باسم الله سبحانه وتعالى: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ] {العلق:1} ونحن حينما نقرأ القرآن نبدأ نفس البداية .

    وإننا مطالبون أن نبدأ كل عمل باسم الله؛ لأننا لا بدّ أن نحترم عطاء الله في كونه , فحين نزرع الأرض مثلاً لا بدّ أن نبدأ باسم الله؛ لأننا لم نخلق الأرض التي نحرثها، ولا خلقنا البذرة التي نبذرها، ولا أنزلنا الماء من السماء لينمو الزرع ،وهكذا.

    وأنت حين تبدأ كل شيء باسم الله كأنك تجعل الله في جانبك يعينك .

    ومن رحمة الله سبحانه أنه علّمنا أن نبدأ كل شيء باسم الله ؛ لأنّ الله هو الاسم الجامع لصفات الكمال سبحانه, والفعل عادة يحتاج إلى صفات متعددة , فلو أنّ الله لم يخبرنا بالاسم الجامع لكل الصفات كان علينا أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها، كأن تقول : باسم القوي، وباسم الرزاق، وباسم المجيب، وباسم القادر، إلى غير ذلك من الأسماء والصفات، ولكنّ الله تعالى جعلنا نقول : {بسم الله} الجامع لكل هذه الصفات.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» أي: عمل ناقص فيه شيء ضائع , لأنك حين لا تبدأ العمل باسم الله قد يصادفك الغرور بأنك أنت الذي سخرت ما في الكون ليخدمك وينفعل لك, وحين لا تبدأ العمل باسم الله فليس عليه جزاء في الآخرة فتكون قد أخذت عطاءه في الدنيا وبترت عطاءه في الآخرة , أمّا إذا أردت عطاء الدنيا والآخرة فأقبل على كل عمل باسم الله .

    وعندما تبدأ قراءة القرآن باسم الله الذي آمنت به رباً وإلهاً والذي عاهدته على أن تطيعه فيما أمر وفيما نهى , وأنه خلق وأوجد , ويحيي ويميت, وله الأمر في الدنيا والآخرة, وأنه سيثيبك في الآخرة تشعر أنّ البداية من الله والنهاية إلى الله سبحانه وتعالى.

    ونلاحظ أنّ هناك ثلاثة أسماء لله قد تكررت في البسملة وفي سورة الفاتحة، وهذه الأسماء هي : (الله ـ الرحمن ـ الرحيم) ونقول إنه ليس في القرآن تكرار, وإذا تكرر اللفظ فإنّ معناه في كل مرة يوحي بدلالة جديدةعن معناه في المرة السابقة؛ لأنّ الله هو المتكلم ؛ لذلك فهو يضع اللفظ في مكانه الصحيح وفي معناه الصحيح .

    وقولنا: {بسم الله الرحمن الرحيم} هو استعانة بقدرة الله حين نبدأ فعل الأشياء، وهي كذلك طلب العون من الله بكل كمال صفاته .

    و{الرحمن الرحيم} في البسملة لها معنى غير {الرحمن الرحيم} في الفاتحة ففي البسملة هي تذكرنا برحمة الله وغفرانه وتوفيقه حتى لا نستحي من أن نستعين به إن كنا قد فعلنا معصية, والله يريدنا أن نستعين باسمه دائماً في كل أعمالنا , فاذا سقط واحد منا في معصية , قال: كيف أستعين باسم الله وقد عصيته؟

    نقول له: ادخل عليه من باب الرحمة يغفر لك واستعن به يجبك , وأنت حين تسقط في معصية تستعيذ برحمة الله من عدله؛ لأنّ عدل الله لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها , ولولا أن رحمة الله سبقت عدله ما بقي للناس نعمة وما عاش أحد على ظهر الأرض , فالله يقول في سورة النحل :[وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] {النحل:61} والإنسان خلق هلوعاً ضعيفاً وذنوبه كثيرة , ولا يمكن لأحد أن ينسب الكمال إلى نفسه حتى الذين يبذلون أقصى جهدهم في الطاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».

    ولكن {الرحمن الرحيم} في الفاتحة مقترنةٌ برب العالمين الذي أوجدك من عدم وأمدك بِنِعَمٍ لا تعد ولا تحصى، فأنت تحمده على هذه النعم التي أخذتها برحمة الله في ربوبيته , ذلك أنّ الربوبية ليس فيها من القسوة بقدر ما فيها من رحمة.

    والله سبحانه رب للمؤمن والكافر، وقد جعل الله رحمته تسبق غضبه، وهذه رحمة تستوجب الشكر، لذلك في الفاتحة تأتي {الرحمن الرحيم} بمعنى رحمة الله في ربوبيته لخلقه؛ فهو يمهل العاصي ويفتح أبواب التوبة لكل من يلجأ إليه.

    كذلك علَّمنا الحق أن نقول:{بسم الله الرحمن الرحيم} لكي نعرف أنّ الباب مفتوح للاستعانة بالله , وأنّ المعصية لا تمنعنا من الاستعانة في كل عمل باسم الله؛ لأنه رحمن رحيم .

    الفاتحة

    أولاً ـ هدف السورة: شاملة لأهداف القرآن :

    سُمِّيت الفاتحة، وأم الكتاب، والشافية، والوافية، والكافية، والأساس، والحمد، والسبع المثاني، والقرآن العظيم , كما ورد في «صحيح البخاريِّ» أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد بن المعلّى: «لأعلّمنّك سورة هي أعظم السور في القرآن: الحمدُ لله ربِّ العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» وقد وصفها الله تعالى بالصلاة.

    فما سِرُّ هذه السورة؟

    سورة الفاتحة مكية، وآياتها سبع بالإجماع , وسميت الفاتحة لافتتاح الكتاب العزيز بها فهي أول القرآن ترتيبا لا تنزيلاً, وهي على قصرها حوت معاني القرآن العظيم واشتملت مقاصده الأساسية بالإجمال، فهي تتناول أصول الدين وفروعه: العقيدة، العبادة، التشريع، الاعتقاد باليوم الآخر، والإيمان بصفات الله الحسنى، وإفراده بالعبادة والاستعانة والدعاء والتوجه إليه جلّ وعلا بطلب الهداية إلى الدين الحق والصراط المستقيم, والتضرع إليه بالتثبيت على الإيمان ونهج سبيل الصالحين وتجنب طريق المغضوب عليهم والضالين وفيها الإخبار عن قصص الأمم السابقة والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء، وفيها التعبد بأمر الله سبحانه ونهيه وغير ذلك من مقاصد وأهداف، فهي كالأم بالنسبة لباقي السور الكريمة، ولهذا تسمى بأمِّ الكتاب.

    إذن اشتملت سورة الفاتحة على كلِّ معاني القرآن، فهدف السورة الاشتمالُ على كل معاني وأهداف القرآن.

    والقرآن نصَّ على : العقيدة والعبادة ومنهج الحياة. والقرآن يدعو للاعتقاد بالله، ثم عبادته، ثم حدد المنهج في الحياة، وهذه نفسها محاور سورة الفاتحة:

    1ـ العقيدة:[الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ(2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4) ]. {الفاتحة}.

    2ـ العبادة:[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] {الفاتحة:5}.

    3ـ مناهج الحياة:[اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7) ]. {الفاتحة}.

    وكل ما يأتي في كل سور وآيات القرآن هو شرح لهذه المحاور الثلاث.

    4ـ تذكِّرُ سورة الفاتحة بأساسيات الدين؛ ومنها:

    آ ـ شكرُ نعم الله {الحمد لله}.

    ب ـ الإخلاص لله: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] {الفاتحة:5}.

    ج ـ الصحبة الصالحة:[صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ] {الفاتحة:7} .

    د ـ وتذكُّرُ أسماء الله الحسنى وصفاته: [الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] {الفاتحة:3}.

    هـ ـ الاستقامة:[اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ] {الفاتحة:6} .

    و ـ الآخرة: [مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ] {الفاتحة:4} ويوم الدين هو يوم الحساب.

    ز ـ أهمية الدعاء.

    ح ـ وحدة الأمَّة:{نعبدُ} {نَسْتَعيِنُ} [الفاتحة:5] ورد الدعاء بصيغة الجمع مما يدل على الوحدة، ولم يرد بصيغة الافراد.

    إذن سورة الفاتحة تُسَلسِلُ مبادئَ القرآن (عقيدة، عبادة، منهج حياة) وهي تثني على الله تعالى وتدعوه؛ لذا فهي اشتملت على كل أساسيات الدين.

    أنزل الله تعالى الكتب الثلاثة (الزبور، التوراة، والإنجيل) ثم جمع هذه الكتب الثلاثة في القرآن، وجمع القرآن في الفاتحة، وجُمعت الفاتحة في الآية:[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] {الفاتحة:5}.


    وقد افتتح القرآن بها فهي مفتاح القرآن، وتحوي كل كنوز القرآن، وفيها مدخلٌ لكل سورة من باقي سور القرآن , وبينها وبين باقي السور تسلسلٌ بحيث إنه يمكن وضعها قبل أي سورة من القرآن ويبقى التسلسل بين السور والمعاني قائماً.

    ثانياً ـ أسماء هذه السورة :

    1ـ فاتحة الكتاب.

    2ـ سورة الحمد.

    3ـ أم القرآن.

    4ـ السبع المثاني.

    5ـ الوافية.

    6ـ الواقية.

    7ـ الأساس.

    8ـ الشفاء.

    9ـ الصلاة : في الحديث القدسي « قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ».

    10ـ سورة الشكر.

    11ـ سورة الدعاء.

    وهناك أسماء أخرى , وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى .

    ثالثاً ـ فضل السورة :

    الآن وقد عرفنا أهداف سورة الفاتحة التي نكررها (17) مرة في صلاة الفريضة يومياً ما عدا النوافل, لا شك أننا سنستشعر هذه المعاني ونتدبر معانيها ونحمد الله تعالى ونثني عليه وندعوه بالهداية لصراطه المستقيم.

    وسورة الفاتحة مكية على قول أكثر العلماء، وفي فضائلها ذكر العلماء أنّ منها :

    آ ـ نزلت من كنز تحت العرش .

    ب ـ قال الحسين رضي الله عنه : أودع الله سبحانه العلوم في الكتب الأربعة : التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ثم أودع علوم هذه الأربعة في القرآن، ثم أودع علوم القرآن في المُفصَّلِ، ثم أودع علوم المفصَّلِ في الفاتحة .

    ج ـ فاتحة الكتاب شفاءٌ من السُّمِّ، كما في حديث حذيفة بن اليمان .

    د ـ وسورة الفاتحة تعلمنا كيف نتعامل مع الله، فأولها ثناء على الله تعالى:[الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ] {الفاتحة:2} ، وآخرها دعاء لله بالهداية: [اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ] {الفاتحة:6} ولو قسَّمنا حروف سورة الفاتحة لوجدنا أنّ نصف عدد حروفها ثناء (63 حرفاً) من : {الحَمْدُ لِله} إلى {وإيَّاك نَسْتَعينُ} ، ونصف عدد حروفها دعاء (63 حرفاً) من {اهدِنا الصِرَاطَ} إلى {ولا الضَّآلينَ}وكأنها إثبات للحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فاذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) ، قال الله عز وجل: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، وإذا قال : (مالك يوم الدين)، قال عز وجل: مجَّدني عبدي، وقال مرَّةً: فوّض إلي عبدي، فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» فسبحان الله العزيز الحكيم الذي قدّر كلَّ شيء.


    وقد سُئِلَ عمرُ بن عبد العزيز رضي الله عنه : لماذا تقف بعد كل آية من آيات سورة الفاتحة؟ فأجاب : لأستمتع بردِّ ربي.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    من روائع البيان في سور القرآن" (32)

    مثنى محمد هبيان


    {يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:20]

    السؤال الأول:

    قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البقرة:20] وقوله: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة:17] ولم يقل بضيائهم، فلماذا؟

    الجواب:

    الضياء أبلغ من النور، ولا يلزم من ذهابه ذهاب النور, بخلاف عكسه فذهاب النور أبلغ في نفي ذلك .

    السؤال الثاني:

    أين المفعول به لفعل {شَاء} [البقرة:20] في الآية ؟ وهل مفعول الفعل: {أَرَاَدَ} يكثر حذفه في القرآن ؟

    الجواب:

    حذف المفعول به لفعل المشيئة {شَاء} [البقرة:20] كثير في كلام العرب، وفي القرآن يقول الله تعالى :

    ـ {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } [البقرة:20] أي: لو شاء الله أنْ يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بسمعهم وأبصارهم.

    ـ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:112] والتقدير: لو شاء ربك أنْ لا يفعلوه ما فعلوه.

    ـ {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64].

    ـ {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}[آل عمران:6]

    ـ {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزُّمَر:74]

    ـ {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:8]

    ولقد كثر حذف المفعول به في الفعل {شَاءَ} [الانفطار:8] والفعل {أَرَاَدَ} [الرعد:11] ولا يكادون يبرزون المفعول به إلا في الشيء المستغرب نحو :

    فلو شئتُ أنْ أبكي دماً لبكيتُه=عليه ولكنْ ساحة الصَّبرِ أوسَعُ

    ومن الآياتِ التي ورد مذكوراً معه مفعولُ المشيئةِ الآياتُ التالية :

    ـ {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} [الأنبياء:17] .

    ـ {لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الزُّمَر:4].

    ـ {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}[المدَّثر:37].

    ـ {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا }[الأنعام:80].

    نقاط للعلم في الفعل {أَرَاَدَ} :

    ورد الفعل {أَرَاَدَ} [الرعد:11] بصيغه المختلفة في القرآن الكريم في 136 موطناً لم يحذف مفعوله في واحد منها إلا في عائد الصلة، كقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[هود:107] وقوله : {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:79] وهذا غير مختص بفعل دون فعل فحذف عائد الصلة المنصوب كثير في عموم الأفعال، كقوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولًا} [الفرقان:41] أي: بعثه، وقوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدَّثر:11] أي: خلقته.

    وهذا الحذف في عائد الصلة ورد في فعل الإرادة في (7) مواطن ، والباقي في (129) موطن من فعل الإرادة لم يحذف في واحد منها كقوله تعالى:

    ـ {وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد:11].

    ـ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا}[الكهف:82].

    ـ {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب:17].

    ـ {لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الزُّمَر:4].

    السؤال الثالث:

    ما دلالة لفظ : {كُلِّ} و {كُلَّما} في اللغة والقرآن ؟

    الجواب:

    اسم ( كُلّ) وضع لضم أجزاء الشيء على جهة الإحاطة , مأخوذ من لفظ

    ( الإكليل ) أو ( الكلّة) , ويفيد الانضمام إلى ذات الشيء , أو انضمام الذوات , وهو المفيد للاستغراق , وهو ملازم للأسماء , ولا يدخل على الأفعال .

    وأمّا قوله تعالى : {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل:87] , فالتنوين بدل من المضاف , أي كل واحد .

    وهو لازم للإضافة معنىً , ولا يلزم إضافته لفظاَ إلا إذا وقع تأكيداً أو نعتاً, وإضافته منويّة عند تجرده منها .

    ويُضاف تارة إلى الجمع المعرّف , نحو : كلُ القوم , ومثله إسم الجنس نحو : {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران:93].

    وتارة إلى ضميره نحو :

    - {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:95].

    - {فَسَجَدَ المَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}الحجر:30].

    وإلى نكرة مفردة نحو: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38].

    وربما خلا من الإضافة لفظاً وينوى فيه , نحو :

    {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل:87].

    {كُلًّا هَدَيْنَا} [الأنعام:84].

    {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ}[الفرقان:39].

    ولفظ ( كُل ) لإفراد التذكير , ومعناه بحسب ما يُضاف إليه , والأحوال ثلاثة :

    1ـ أن يُضاف إلى نكرة فيجب مراعاة معناها , فلذلك جاء الضمير مفرداً مذكراً في قوله تعالى : {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ} [الإسراء:13] .

    وجاء مؤنثاً في قوله تعالى :

    {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38].

    {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ } [آل عمران:185].

    وجاء مجموعاً مذكراً في قوله تعالى :

    {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53].

    ويجب مراعاة المعنى مع النكرة دون لفظ ( كل ) كما في قوله تعالى : {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}[غافر:5].فالجمع باعتبار ( الأمة ) .

    {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27].لأنّ الضامر اسم جمع , كالجامل والباقر .

    وأمّا قوله تعالى : {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ(7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى المَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ(8) } [الصافات:7ـ8].

    إنما عاد الضمير إلى الجمع المستفاد من الكلام , فلا يلزم عوده إلى ( كل ) .

    2ـ أن تضاف ( كُل) إلى معرفة , فيجوزمراعاة لفظها ومراعاة معناها , سواء كانت الإضافة لفظاً , نحو : {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:95]. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: [ كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته ] , ولم يقل : راعون ولا مسؤولون . أو معنى, نحو : {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}[العنكبوت:40]., فراعى لفظها . وقال : {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل:87] فراعى المعنى .

    3ـ أن تقطع عن الإضافة لفظاً , فيجوزمراعاة لفظها ومراعاة معناها , فمن الأول قوله تعالى :

    {كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ} [البقرة:285].

    {إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ} [ص:14] , ولم يقل : كذّبوا .

    ومن الثاني قوله تعالى :

    {وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} [الأنفال:54].

    {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم:26] .

    وقد تتصل ( ما ) بـ ( كل ) نحو : { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا} [البقرة:25] وهي مصدرية لكنها نائبة بصلتها عن ظرف زمان , والمعنى : كل وقت , وتسمى ( ما ) مصدرية ظرفية, أي النائبة عن الظرف , لا أنها ظرف في نفسها . و( كلما ) للتكرار . والله أعلم .

    السؤال الرابع:

    قد يقال : لِمَ أتى قبل الفعل {أَضَاءَ}بـ {كُلَّمَا} وقبل الفعل {أَظْلَمَ} بـ {وَإذَاَ} في الآية ؟ وما وجه المناسبة في ذلك ؟

    الجواب:

    فيه وجوه :

    1ـ أنّ تكرار الإضاءة يستلزم تكرار الإظلام , فكان تنويع الكلام أعذب .

    2ـ أنّ مراتب الإضاءة مختلفة متنوعة , فذكر ( كلّما) تنبيهاً على ظهور التعدد وقوته بالصورة والنوعية , بينما الإظلام نوع واحد , فلم يؤت بصيغة التكرار لضعف التعدد فيه , بعدم ظهوره بالنوعية , وإنْ حصل بالصورة .

    3ـ قاله الزمخشري : أنه لمّا اشتد حرصهم على الضوء المستفاد من النور , كانوا كلّما حدث لهم نور تجدّد لهم باعث الضوء فيه , وأمّا التوقف بالظلام فهو نوع واحد .

    4ـ قال الله : {كُلَّمَا} وعبّر عنها دون (إذا) دلالة على شدة حرصهم على إمكان المشي , فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها , وليس كذلك مع التوقف عند الإظلام . والله أعلم .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (33)



    مثنى محمد هبيان





    {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22]

    السؤال الأول:

    ما الفرق بين (البناء) و (البنيان) في الاستعمال القرآني ؟

    الجواب:

    استعمل القران الكريم البناء للسماء، كما في هذه الآية وآية غافر {اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [غافر:64] ، واستعمل البنيان لما بناه البشر كما في قوله تعالى : {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} [الكهف:21] .

    {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الجَحِيمِ} [الصافات:97 ] {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ } [التوبة 109].

    والله أعلم

    السؤال الثاني:


    ما دلالة رسم كلمة: {فِرَشا} كلمة بدون ألف وسطية في الآية, ورسم كلمة : {بِنَاءً} بالشكل المعتاد ؟

    الجواب:

    وردت كلمة: {فِرَشا}بدون ألف وسطية لتوحي بالتصاقنا بالأرض وجاذبيتها لنا , في حين جاءت كلمة {بِنَاءً} بألف وسطية لتوحي بعظمة السماء وبنائها وسُمكها . والله أعلم .

    ***


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (34)


    مثنى محمد هبيان

    {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23]

    السؤال الأول:

    ما الفرق في آيات التحدي في قوله تعالى بين{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] و {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:38] و {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13] ؟

    الجواب:

    التحدي كان بأكثر من صورة ، وكان هناك تحدٍّ في مكة وتحدٍّ في المدينة.

    1ـ السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) :

    آ ـ {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] ، والحديث يمكن أنْ يكون آية أو عشر آيات أو سورة كاملة، بحديثٍ مثله، أي: الحديث مطلق .

    ب ـ {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:38] بسورة مثله.

    ج ـ {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13] بعشر سور.

    د ـ {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] حكاية حالهم بأسلوب القرآن الكريم، فكان أحياناً يطالبهم بحديث ، فأحياناً يقول لهم: فأتوا بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة واحدة مثل الكوثر أو الإخلاص، هذا كان في مكة فكان يقول: (مثلِه) بدون (من).

    2ـ في المدينة (في سورة البقرة) المكان الوحيد الذي قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23] هنا القرآن انتشر وأسلوبه صار معروفاً، الآن يقول لهم: {بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23].

    3ـ لو قال : بسورة مثله، كما قال سابقاً يعني سورة مثل سور القرآن الكريم، بينما (من) هذه للتبعيض , والقرآن هل له مثل حتى يطالَبون ببعض مماثله؟ هو لم يقل : فأتوا بمثله وإنما ببعض ما يماثله أو بعض ما تتخيلونه مماثلاً ولا يوجد ما يماثله فما معناه؟ هذا معناه زيادة التوكيد.

    ومعناه: أنه لو تخيلتم أو أنّ تصوّركم أنجَدَكم بأنْ تتخيلوا مثالاً لهذا القرآن فحاولوا أنْ تأتوا بمثل ذلك المثال، حتى بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه، فهذا أبعد في التيئيس من قوله: {مِثْلِهِ} مباشرة.

    وهذا إمعان في التحدي وأبعد؛ لأنّ القرآن صار منتشراً، وهذا غير ممكن؛ لأنّ الله تعالى قضى بأنهم : {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:88] فأتوا ليس بمثله وإنما بجزء مما تتخيلونه مماثلاً له.

    السؤال الثاني:

    ما الفرق بين قوله تعالى: {مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23] و {مِثْلِهِ} في آيات الإسراء [88] يونس[ 38] هود[ 13] الطور[34]؟

    الجواب:

    من الناحية اللغوية هناك فرق بين التعبيرين , فعندما تقول : ائتني بشيءمن مثل هذا , فهذا يعني أننا نفترض وجود أمثال لهذا الشيء.

    أمّا عندما نقول : ائتني بشيء مثل هذا, فهذا لا يفترض وجود أمثال لكنه محتمل أنْ يكون لهذا الشيء مثيل وقد لا يكون, فإنْ كان موجوداً ائتني به وإنْ لم يكن موجوداً فافعل مثله.

    هذا هو الفرق الرئيس بينهما, وهذا الأمر طبع كل الآيات الواردة في هذا المجال؛ حيث إننا نعرف أنّ الله تحدى الكفار والمشركين بالقرآن في أكثر من موضع.




    التعليق :

    1ـ أمور الريب أعمُّ وأشمل وأهم من الافتراء , والافتراء واحد من أمور الريب.

    2ـ قال المفسرون: إنّ معنى {مِنْ مِثْلِهِ} أي من مثل القرآن ومن مثل رجل أُميٍّ كالرسول صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ فهي تحتمل المعنيين بينما لفظ {مِثْلِهِ} لا يحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن , لذلك فصيغة: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } [البقرة:23] أعم من : {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38] للسببين أعلاه.

    3ـ حذف مفعولي الفعلين (تفعلوا) و(لن تفعلوا) والحذف في اللغة قد يكون للإطلاق عموماً، كأنْ تقول : قد كان منك ما يؤذيني، و قد كان منك ما يؤذي، وهذا عام.

    4ـ لا يمكن افتراضاً أنْ نضيف كلمة (مفتراة) في آية سورة البقرة فيقول مثلاً : فأتوا بسورة من مثله مفتراة؛ وذلك لسببين :

    آ ـ هم لم يقولوا (افتراه)، كما قالوا في سورة يونس وهود .

    ب ـ لا يحسن أنْ يأتي بعد (من مثله) بكلمة (مفتراة) ؛ لأنه عندما قال: (من مثله) افترض وجود مثيل له, فإذن هو ليس مفترى ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل.

    5ـ كذلك لا يصح أنْ يقول في سورتي يونس وهود مثلاً: (فأتوا بسورة من مثله) بإضافة (من)؛ لأنّ استخدام (من مثله) تفترض أنّ له مِثْلاً، إذن هو ليس بمفترى, لذلك لا يمكن استبدال إحداهما بالأخرى.

    6ـ قال في البقرة: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة:23] وقال في يونس وهود: {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ}؛ والسبب أنه في سورة البقرة قال: {مِنْ مِثْلِهِ} أي: افترض أنّ له مثلاً وهناك من استطاع أنْ يأتي بهذا المثل , فلماذا تدعو المستطيع !!! وإنما صح أن يأتي : {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة:23] ليشهدوا إنْ كان هذا القول مثل هذا القرآن, فالموقف يحتاج إلى شاهد محكَّم ليشهد بما جاءوا به وليحكم بين القولين .

    أمّا في سورة يونس وهود؛ فالآية تقتضي أنْ يقول: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} ليفتري مثله .

    لذلك فقوله تعالى {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة:23] أعمُّ وأوسع؛ لأنه تعالى في آية البقرة طلب أمرين : دعوة الشهداء ودعوة المستطيع, أمّا في آية يونس وهود فالدعوة للمستطيع فقط .

    7ـ مما سبق نلاحظ أنّ آية البقرة بنيت على العموم أصلاً {فيِ رَيْبٍ} {مِنْ مِثْلِهِ} {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} وجاءت هذه الآية {فيِ رَيْبٍ} مناسبة لأول سورة البقرة: {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] .

    8 ـ ثم نسأل : لماذا قال الله في آية البقرة: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} نقول:

    إنّ قوله تعالى: {فَإِن لَم تَفْعَلُوا} هو الشرط، وقوله تعالى {وَلَنْ تَفْعَلُوا} هو جملة اعتراضية بغرض القطع بعدم الفعل، وهذا يناسب قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} في أول سورة البقرة.

    كما ناسب أنْ يقطع بعدم الاستطاعة على الفعل بقوله {وَلَنْ تَفْعَلُوا} ؛ لأنه ذكر ابتداء أنه لا ريب فيه.

    9ـ استخدم {ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة:2] في أول سورة البقرة و{ذَلِكَ} [البقرة:2] اسم إشارة للبعيد , بينما في آيات أخرى جاء اسم الإشارة (هذا) للقريب، كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9]؛ والسبب أنه تعالى عندما قال : {ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة:2] دعا من يستطيع أنْ يأتي بمثله وهذا أمر بعيد الحصول، وفيه إشارة إلى أنهم لن يستطيعوا إليه سبيلاً .

    أمّا استخدام اسم الإشارة (هذا) فجاء مع الهدى؛ لأنّ الهداية ينبغي أنْ تكون قريبة من أفهام الناس حتى يفهموا ويعملوا.

    10ـ حدد القرآن التحدي في سورة هود بعشر سور؛ لأنّ هذا من طبيعة التدرج في التحدي؛ حيث يبدأ بالكل ثم الأقل فالأقل , والله أعلم.


    السؤال الثالث :

    ما المعنى الخاص المميز لكلمة ( شهداءكم ) في هذه الآية ؟

    الجواب :

    كل ما في القرآن من كلمة ( شهيد ) غير القتلى في الغزو , فهم الذين يشهدون على أمور الناس, كما في قوله تعالى في سورة البقرة : وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] , إلا قوله تعالى: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} [البقرة: 23] فإنه يُراد : شركاءكم .

    لمزيد من المعلومات حول نظائر هذه الكلمات انظر آية البقرة 14 .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #34
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (35)


    مثنى محمد هبيان


    {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24]

    السؤال الأول:

    مادلالة قوله تعالى: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} ؟

    الجواب:

    قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}هو الشرط، وقوله تعالى: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} جملة اعتراضية بغرض القطع بعدم الفعل، وهذا يناسب قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ}.

    والقرآن تحدى البشر أولاً بأنْ يأتوا بمثل القرآن، ثم تحداهم بأنْ يأتوا بعشر سور مثله مفتريات؛ لأنهم أشاعوا في أوساط الناس أنّ القرآن مفترى, ثم تحداهم بأنْ يأتوا بسورة واحدة من مثله في البقرة [23].

    ومع هذا التحدي الأخير لم يكتفِ بذلك بل بين أنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا ذلك!!!

    {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} تيئيس للبشر على مدى الزمن , والتأكيد على عجزهم التام .

    إنه تحدٍّ، وأي إنسان في الدنيا يمكن أنْ يقول أو يُصدر هذا الحكم، هل يجرؤ محمد صلى الله عليه وسلم وبخاصة أنه في أول الدعوة لمّا يجهر بها بعد؟ هل يجرؤ أنْ يواجه أعداءه بهذا الحكم {وَلَنْ تَفْعَلُوا} ؟

    من الذي يضمن صحة هذا الحكم واستمراره ؟؟؟ وأين تذهب هيبة النبيِّ وقوته وصدقه؟؟

    إنها النبوة إذن و {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] إنه الله العليم القادر.

    ونحن الآن نتحدث بعد نيف وأربعة عشر قرناً من نزول القرآن وما زال الحكم قائماً !!!!

    السؤال الثاني:

    أين مفعول: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}؟

    الجواب:

    هو محذوف لفظاً لكنه مُراد معنى , أي: هو محذوف للاختصار , ولا يحذف إلا لدليل ، والتقدير : فإن لم تفعلوا الإتيان ولن تفعلوه , وقد حُذف للعلم به.

    السؤال الثالث:

    قوله تعالى: {اتَّقُوا اللهَ} كيف نتقيه بينما نحن نطلب من الله كل النعم وكل الخير, كيف يتم هذا ؟ وكيف نتقي من نحب ؟

    الجواب:

    إن لله تعالى صفات جلال وصفات جمال، صفات جلال تجدها في القهار والجبار والمذل والمنتقم والضار.

    أمّا صفات الجمال فتجدها في الغفار والرحمن والرحيم .

    فإذا كنت تقي نفسك من النار وهي من صفات الجلال فلا بدّ أنْ تقي نفسك من صفات الجلال كلها؛ لأنه قد يكون من متعلقاتها ما هو أشد عذاباً وإيلاماً من النار.

    فكأن الحق سبحانه وتعالى حين يقول : (اتقوا النار) ـ و(اتقوا الله) يعني أنْ نتقي غضب الله الذي يؤدي بنا إلى أنْ نتقي كل صفات جلاله ونجعل بيننا وبينها وقاية، فمن اتقى صفات جلال الله أخذ صفات جماله .

    ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « إذا كانت آخر ليلة من رمضان تجلى الجبار بالمغفرة» وكان المنطق حسب تقدير البشر أنْ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (تجلى الرحمن بالمغفرة) ولكن ما دامت هناك ذنوب فالمقام لصفة الجبار الذي يعذب خلقه بذنوبهم فكأنّ صفة الغفار تشفع عند صفة الجبار، وصفة الجبار للعاصين فتأتي صفة الغفار لتشفع عندها فيغفر الله للعاصين ذنوبهم.

    وجمال المقابلة هنا حينما تسمع أنّ الجبار يتجلى بجبروته تشعر بالفزع والخوف والرعب لكنْ عندما تسمع «تجلى الجبار بالمغفرة» فإنّ السعادة تدخل إلى قلبك؛ لأنك تعرف أنّ صاحب العقوبة وهو قادر عليها قد غفر لك.

    والنار ليست آمرة ولا فاعلة بذاتها ولكنها مأمورة , إذن فاستعذ منها بالآمر أو بصفات الجمال في الأمر.

    من جهة ثانية عرّف النار هنا فقال: {فَاتَّقُوا النَّارَ}[البقرة:24] ونّكرها في آية التحريم [6] بقوله: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]؛ لأنّ الخطاب في البقرة مع المنافقين وهم في أسفل النار فعرّفت بلام الاستغراق.

    أما في آية سورة التحريم فالنار مع المؤمنين والذي يُعَذَّبُ من عصاتهم بالنار يكون في جزء من أعلاها، فناسب تنكيرها لتقللها.

    السؤال الرابع: ما الوَقود ؟

    الجواب:

    الوَقود : - بفتح الواو- هو الأشياء التي توضع في النار لكي تتقد من حجارة أو بشر أو قطران.

    الوُقود : - بضم الواو- فتُطلق على عملية الاشتعال.

    وهناك في القرآن كلمات تعتبر منظومة الوقود مثل : حطب ـ حصب ـ قطران.


    قال تعالى :

    {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:98] .

    {وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:15] .

    {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50].

    ***

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #35
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (36)


    مثنى محمد هبيان


    {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25]
    السؤال الأول:
    في آية سورة البقرة يقول تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة:25] وفي آية الكهف يقول: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [الكهف:31] فما الفرق ؟
    الجواب:
    فى سورة البقرة : {مِنْ تَحْتِهَا} [البقرة:25] الكلام عن الجنة قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25] وفى سورة الكهف: {مِنْ تَحْتِهِمُ} [الكهف:31] يتكلم عن ساكني الجنة المؤمنين: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا(30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}. [الكهف:30-31] .
    فإذا كان الكلام عن المؤمنين يقول: {مِنْ تَحْتِهِمُ} [الكهف:31] وإذا كان الكلام عن الجنة يقول: {مِنْ تَحْتِهَا} [البقرة:25] .
    وقد يقول بعض المستشرقين : إنّ في القرآن تعارضاً، مرةً تجري من تحتها، ومرةً من تحتهم لكنا نقول: إنّ الأنهار تجري من تحت الجنة ومن تحت المؤمنين فليس فيها إشكال ولا تعارض، ولكنّ الأمر مرتبط بالسياق.
    السؤال الثاني:
    قال تعالى في سورة النساء: [بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا] [النساء:138] وفي سورة البقرة: [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] [البقرة:25] ذكر الباء في الآية الأولى: {بِأّنَّ} [النساء:138] وحذفها في الثانية: {أَنَّ} [البقرة:25] مع أنّ التقدير هو: {بأنّ} فلماذا؟
    الجواب:
    1ـ لفظة {بأنّ} [النساء:138] أكثر من {أَنَّ} [البقرة:25] فالباء الزائدة تناسب الزيادة في ذكر المنافقين وجزائهم.
    2ـ إنّ تبشير المنافقين في سورة النساء آكد من تبشير المؤمنين في سورة البقرة، ففي سورة النساء أكّد وفصّل في عذاب المنافقين في عشر آيات ابتداء من قوله في الآية [136] [وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ] [النساء:136] وحتى ما بعد الآية[ 145].
    أمّا في آية البقرة فهي الآية الوحيدة في تلك السورة التي ذكر فيها كلاماً عن الجزاء وصفات المؤمنين.
    3ـ وكذلك جاء بـ (بأنّ) في قوله تعالى في سورة الأحزاب: [وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا] [الأحزاب:47]؛ لأنه تعالى فصّل في السورة جزاء المؤمنين وصفاتهم.
    السؤال الثالث:
    ما دلالة (المطهّرون )و (المتطهرون )؟
    الجواب:
    1ـ الذي يبدو ـ والله أعلم ـ أنّ (المطهّرون) هم الملائكة؛ لأنه لم ترد في القرآن كلمة المطهّرين لغير الملائكة، والمُطهَّر اسم مفعول وهي تعني مُطهَّر من قِبَل الله تعالى.
    2ـ وبالنسبة للمسلمين يقال لهم: متطهرين أو مطّهِّرين، كما في قوله تعالى: [إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِين َ ] [البقرة:222] و: [وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ] [التوبة:108] و(متطهرين) أو (مطّهّرين) هي بفعل أنفسهم، أي: هم يطهرون أنفسهم.
    3ـ ولمّا وصف الله تعالى نساء الجنة وصفهم بقوله تعالى: [وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] [البقرة:25] وكذلك وصفت صحف القرآن الكريم بالمطهّرة: [رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً] [البينة:2] فلم ترد إذن كلمة (مطهّرون) إلا للملائكة .
    ولذلك فإن هذا المعنى يقوّي القول بأنّ المقصود في الآية: [فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ] [الواقعة:78] هو الذي في اللوح المحفوظ ، وليس القرآن الذي بين أيدينا لأكثر من سبب والله أعلم.
    السؤال الرابع:
    ما دلالة البناء للمجهول فى قوله تعالى: {رُزِقُواْ} [البقرة:25] ؟
    الجواب:
    الله تعالى ينسب النعمة والخير إلى نفسه ولا ينسب الشر لنفسه: [وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا] [الإسراء:83]، أمّا في الجنة فإنه لا حساب ولا عقاب يقول تعالى: [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] [البقرة:25] .
    السؤال الخامس:
    لماذا لم تذكر الحور العين في هذه الآية مع نعيم الجنة ؟
    الجواب:
    كثير من السور لم يذكر فيها الحور العين بالرغم من ذكر الجنات، وللعلم فقد وردت الكلمات التالية في القرآن الكريم :
    ـ الحور : أربع مرات في الآيات : الدخان[ 54] الطور [20] الواقعة [22] الرحمن [72].
    ـ عين : أربع مرات في الآيات : الدخان [54] الطور [20] الواقعة[ 22] الصافات[ 48]
    - {الجَنَّةَ} 66 مرة.
    - {جَنَّاتٌ} 69 مرة.
    - {جَنَّتَكَ} مرتان.
    - {جَنَّتَهُ} مرة واحدة.
    - {جَنَّتيِ} مرة واحدة.
    - {جَنَّتَانِ} 3 مرات.
    - {جَنَّتَيِنِ} 4 مرات
    ونلاحظ أنه عندما يذكر القرآن الكريم أزواج أهل الجنة لا يذكر معها الحور العين مراعاة لنفسية المرأة , كما في قوله تعالى: [وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ] [البقرة:25] كما في الآيات : البقرة [25] آل عمران [15] النساء [ 57] فلم يذكر الحور العين مع الأزواج.
    السؤال السادس:
    لماذا جاء الظرف: {مِن قَبْلُ} في الآية مبنياً على الضم ؟
    الجواب:
    هناك ظروف يسميها النحويون ( الظروف المقصودة ) منها : قبل , بعد, فوق , تحت, أمام , خلف ويذكر النحاة أنّ لها أربعة أحوال :
    1ـ ألاّ تضاف وهي في ذلك نكرات كقول الشاعر :
    فساغ لي الشراب وكنت قبلاً أكاد أغص بالماء الفرات
    فمعنى ( قبلاً ) : فيما مضى من الزمان.
    2ـ أنْ تضاف نحو قوله تعالى : [مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ] [النور:58] و [قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ] [آل عمران:144] .
    3ـ أنْ يحذف المضاف إليه ويُنوى لفظه , وهذا قليل كقوله :
    ومن قبلِ نادى كلُ مولى قرابة فما عطفت مولى عليه العواطف
    أي : ومن قبل ذلك , ويعامل المضاف كأنّ المضاف إليه مذكور .
    4ـ أنْ يحذف المضاف ويُنوى معناه , وتكون عند ذاك مبنية على الضم , وتكون في هذه الحالة معرفة من دون معرّف لفظي, وإنما هي معرفة بمعرّف معنوي , وهو القصد إليها , فبنيت على الضم لمخالفة حالاتها الإعرابية الأخرى التي تكون فيه نكرة أو معرّفة بالإضافة .
    شواهد قرآنية :
    [للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ] [الرُّوم:4]
    [وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ] [يوسف:80].
    [وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا] [مريم:9] .
    [إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ] [يوسف:77] .
    [أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ] [القصص:48] .
    وقد ورد التعبير {مِن قَبْلُ} كثيراً في القرآن الكريم . وإعراب {مِن قَبْلُ}
    من : حرف جر . و { قَبْلُ } ظرف مبني على الضم في محل جر .
    ***


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #36
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (37)


    مثنى محمد هبيان


    {إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفَاسِقِينَ} [البقرة:26]

    السؤال الأول:

    ما المعلومات المتوفرة عن بنية البعوضة ؟

    الجواب:

    البعوضة هذا المخلوق الضعيف العجيب، يضرب الله سبحانه مثلاً به ليبين للناس أنّ هذا المخلوق الصغير في حجمه هو عظيم في خلقه .

    واليكم بعضاً من أسراره :

    1ـ البعوضة أنثى .

    2ـ لها مائة عين في رأسها.

    3ـ لها 48 سن في فمها .

    4ـ لها ثلاثة قلوب كاملة في جوفها.

    5ـ لها ست سكاكين في خرطومها ولكل واحد منها وظيفته.

    6ـ لها ثلاثة أجنحة في كل طرف من أطرافها.

    7 ـ مزودة بجهاز حرارة يعمل مثل نظام الأشعة تحت الحمراء يعكس لها لون الجلد البشري في الظلمة إلى لون بنفسجي حتى تراه (رؤية ليلية) .

    8ـ مزودة بجهاز تخدير موضعي يساعدها على غرز إبرتها في جسم الإنسان دون أن يشعر، وما يحس به من قرصة هو نتيجة مص الدم.

    9ـ مزودة بجهاز تحليل للدم فهي لا تستسيغ أية دماء.

    10ـ مزودة بجهاز لتمييع الدم حتى يسري في خرطومها الدقيق جداً أثناء عملية المص .

    11ـ مزودة بجهاز للشم تستطيع من خلاله شم رائحة عرق الإنسان من مسافة 60 كم .

    12 ـ وأغرب من هذا، فإن العلم الحديث اكتشف حشرة صغيرة جداً تعيش فوق ظهر البعوضة لا ترى إلا بالمجهر، مصداق قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26] .

    فسبحان الله !!!!!!!

    مسائل في الآية :

    1ـ لفظ ( بعوضةً ) منصوب بأنه صفة لمثلاً, أو مفعول به ليضرب، و (مثلاً) حال مقدم عليه أو مفعول به ثانٍ ليضرب مضمّن معنى: يجعل .

    2ـ اشتقاق البعوض من البعض وهو القطع، وسمي به لقلة جرمه وصغره؛ ولأنّ بعض الشيء قليل بالقياس إلى كله .

    السؤال الثاني:

    القدامى يفسرون قوله تعالى: {فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26] بأنه دلالة على قدرة الله تعالى، فهل هذا هو المقصود بما فوقها؟ أم أن المقصود بذلك ما أثبته العلم الحديث من وجود جرثومة صغيرة لا ترى بالعين المجردة تعيش فوق ظهر البعوضة ؟ فهل تلك الجرثومة هي المقصود بما فوق البعوضة؟

    الجواب:

    في قوله تعالى: {فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26] وجوه :

    آ ـ الأول ما هو أكبر منها في الجثة والحجم كالذباب والعنكبوت والحمار والكلب.

    ب ـ والثاني ما هو أصغر منها كما ورد أعلاه من أنّ العلم الحديث اكتشف حشرة صغيرة جداً تعيش فوق ظهر البعوضة لا ترى إلا بالمجهر بعد تكبيرها مائة ألف مرة .

    والمحققون مالوا إلى القول الثاني؛ لأنّ المقصد من هذا التمثيل تحقير الأوثان فكلما كان المشبه به أشد حقارة كان المقصود في هذا الباب أكمل حصولاً .

    وكلما كان الشيء أصغر كان الاطلاع على أسراره أصعب، فإذا كان غاية في الصغر لم يحط بعلمه إلا علم الله تعالى.

    ج ـ أو تفيد زيادة الوصف إلى أسفل، كقولك : حقير وفوق الحقير , أي أدنى من الحقير في الصفات.

    د ـ أي ما فوقها في الدلالة، أي: في الاستدلال على بيان قدرة الله في الأشياء التي يريدها ويخلقها . والله أعلم.

    لذلك كلمة (فوق) قد تستعمل للزيادة في الحجم، أي: أكبر منها أو الزيادة في الوصف كما تقول : هو حقير وفوق الحقير يعني هو دون الحقير.

    وإنْ قيل : كيف نفهم (فما) في قوله تعالى: {فَمَا فَوْقَهَا} ؟

    فالجواب: (فما) بمعنى الذي فوقها، ولا يفهم منها أنّ ما دونها غير مخصوص بالكلام، فما فوقها تجمع أمرين , وأصلاً (فوق) في اللغة تأتي بهذين المعنيين وهي ظرف.

    السؤال الثالث:

    ما دلالة الحياء في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة:26] في الآية ؟

    الجواب:

    الحياء في اللغة حالة في نفس الإنسان تجعله يُحجِمُ عن شيء، أو يحجم عن كلامٍ استحياءً، فلا يتكلم أحياناً عن فعل ينوي أنْ يفعله، أو فعل شيئاً إذا وُجِه فيه يصيبه الحياءُ، فالحياء حالة نفسية، لكنها لا تنطبق على الباري سبحانه وتعالى, وإنما يستعمل القرآن هذه الطريقة التي يتكلم بها العرب ليفهم من ذلك أن في كتاب الله تعالى يرد- ومن غير تردُّدٍ- ذكرٌ لهذه الأمثال.

    و إذا ضرب هذا المثل فالمؤمن الواعي المدرك يعلم أنه حق لأنه سيتفكر, وأمّا الذين كفروا: {فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة:26] فيرد عليهم القرآن: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا} [البقرة:26] هذا المثال يكون سبباً للإضلال وسبباً للهداية، والإضلال لا يكون إلا للفاسق؛ لأنه هو الذي اتخذ الضلال له طريقا الآية {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفَاسِقِينَ} [البقرة:26] والفاسق هو الخارج من طبعه أو الخارج من فطرته ؛ لأنّ المخلوق يولد على الفطرة.

    السؤال الرابع:

    لماذا جاء الفعل: {يُضِلُّ} في الآية بالصيغة الفعلية دون الصيغة الاسمية ؟

    الجواب:

    1 ـ هنالك ملاحظة لطيفة وهامة؛ وهي أنه ما كان من شأنه ألا يُفعل إلا مجازاة، وليس من شأنه أنْ يذكر الاتصاف به، لم يأت إلا في تراكيب الأفعال، أي: بالصيغة الفعلية، كقوله تعالى: {وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ }[إبراهيم:27] ذكر الله الإضلال وأضافه إلى نفسه بالصورة الفعلية فقط للدلالة على أنّ هذا الأمر طارىء يفعله لمن يستحقه, ولم يُسند هذا الأمر إلى نفسه بالصورة الاسمية للدلالة على أنّ هذا ليس من صفات الله ونعوته. انظر سورة غافر : [34] و [74] وسورة البقرة [ 26].

    في حين وصف الشيطان بذلك فقال: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص:15].

    فجعله وصفاً ثابتاً له ويجدده أيضاً , انظر آيات الحج:[ 3-4] وقال الشيطان عن نفسه : وَلَأُضِلَّنَّه ُمْ وَلَأُمَنِّيَنّ َهُمْ} [النساء:119] فجعل وصف الشيطان الثابت والمتجدد الإضلال .


    2 ـ بينما جعل الله وصف ذاته العلية الثابت والمتجدد في الهداية، فقال في سورة الحج : {وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا}[الحج:54] . وانظر أيضاً آية الفرقان : [31] والمائدة [ 16] ويونس :[35] فشتّان ما بين الوصفين .

    3ـ وفي قوله تعالى في آية الأعراف[102] {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[الأعراف:201] بالصيغة الاسمية {مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] ؛ لأنّ البصر صفة لازمة للمتقي, وعين الشيطان ربما حجبت فإذا تذكر رأى المذكور ولو قيل : يبصرون، لأنبأ عن تجدد واكتساب لا عن صفة دائمة.

    ***

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #37
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (38)


    مثنى محمد هبيان



    {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [البقرة:27]

    السؤال الأول:

    ما سبب اختيار لفظ النقض في قوله تعالى {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ} [البقرة:27] ؟

    الجواب:

    إنّ النقض يدل على فسخ ما وصله المرء وركّبه , فنقض الحبل يعني حلّ ما كنت قد أبرمتَه، وقطعك الحبل يعني جعله أجزاءً, ونقض الإنسان لعهد ربّه يدلك على عظمة ما أتى به الإنسان من أخذ العهد وتوثيقه ثم حلّ هذا العهد والتخلي عنه، فهو أبلغ من القطع؛ لأنّ فيه إفساداً لما عمله الإنسان بنفسه من ذي قبل.

    فانظر وتأمل كيف جعل الله تعالى التخلي عن الميثاق والوعد نقضاً.

    السؤال الثاني:

    ما صفات الفاسقين المذكورة في الآية ؟

    الجواب:

    أخبر الله تعالى أنّ الفاسقين هم المبتعدون عن منهج الله وحدد صفاتهم في ثلاث :

    {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة:27] فقد أخبرنا الله بأنه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172] ثم جاءت الغفلة إلى القلوب بمرور الوقت فنقضوا العهد واتخذوا آلهة من دون الله.

    {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ }[البقرة:27] والله أمر بصلة الرحم ضمن الروابط التي تبدأ بالأسرة ثم الحي فالقرية فالمدينة فكلِّ المجتمع ضِمنَ تكافلٍ اجتماعيٍّ متميِّزٍ.

    بينما هؤلاء خالفوا أمر الله وقطعوا هذه الصلة وخالفوا منهج الله.

    {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} [البقرة:27] الله خلق كل ما في الكون على نظام: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:3] ولكنّ الإنسان المنحرف جاء وأفسد قضية الصلاح في الأرض والكون بأشكال مختلفة.

    إنّ غياب منهج الله معناه أنّ الأمور أصبحت على أهواء الناس، وقوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [البقرة:27] تدل هذه الصيغة الاسمية الثابتة أنّ الخسران ليس موقوتاً وإنما أبدي؛ ولذلك سيكون الندم عليها شديداً.

    والعجيب أنك ترى الناس يعدون للحياة الدنيا إعداداً قوياً فيرسلون أولادهم إلى مدارس اللغة والجامعات ويتحملون في ذلك ما لا يستطيعون وهم في ذلك يعدونهم لمستقبل مظنون وليس يقيناً؛ لأنّ الإنسان قد يموت وهو شاب أو لا يكمل دراسته في المراحل الأخيرة أو يكمل فتأتيه المشاكل فيضيع عمره بسبب الجرائم والمخدرات أو غيرها .

    ولكن اليقين الذي لا شك فيه هو أننا سنلاقي الله تعالى يوم القيامة وسيحاسبنا على أعمالنا, ومع أنّ هذا يقين إلا أن كثيراً من الناس لا يلتفتون إليه، يسعون للمستقبل المظنون، ولا يبذلون جهداً لحمل أبنائهم على الصلاة والعبادة والتزام منهج الله في الحياة, إنهم ينسون النعيم الحقيقي ويجرون وراء الزائل.

    السؤال الثالث:

    ما دلالة كلمة: {مِنْ بَعْدِ} في الآية27، وما الفرق بينها وبين {خَلْفٌ} ؟

    الجواب:

    1ـ لفظة (بعد) نقيضة لفظة (قبل) وأظهر استعمال لها في الزمان.

    2ـ أمّا لفظة (خلف) فهي نقيضة لفظة : (قُدّام) (وهي في الغالب للمكان) هذا من حيث اللغة. والخلف في اللغة هوالظهر أيضاً.

    3ـ أحياناً لا يصح وضع إحداهما مكان الأخرى؛ فلا يمكننا أنْ نضع (خلف) مكان (بعد), ففي هذه الآيات لا يمكن أنْ تحلّ (خلف) محل (بعد)؛ لأنها كلها متعلقة بالزمان.

    شواهد قرآنية: {مِنْ بَعْدِ} قال تعالى :

    آ ـ {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:52] .

    ب ـ {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [البقرة:27] .

    ج ـ {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الخَاسِرِينَ} [البقرة:64].

    د ـ {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:109] .

    هـ ـ {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] [البقرة:120] .

    و ـ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230].

    ز ـ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ} [آل عمران:8] وكلها متعلقة بالزمان.

    4ـ أمّا (خلف) فهي في الأصل للمكان.

    شواهد قرآنية :

    آ ـ {ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17] .


    ب ـ {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُ مْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}[يس:9].

    ج ـ {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ}[البقرة:255].

    د ـ {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء:9] أي يلونهم مباشرة كأنهم واقفون خلفهم.

    ***





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #38
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (39)


    مثنى محمد هبيان


    {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28]

    السؤال الأول:

    ما غرض الاستفهام في الآية؟

    الجواب:

    إنّ الاستفهام الحقيقي يحتاج إلى جواب، فإذا سألك أحد: كيف حالك؟ قلت: الحمد لله، وهذا جواب لسؤاله.

    أمّا إذا قلت لولدك وهو يضيع وقته أيام الامتحانات: كيف تضيع وقتك على التلفاز؟ هل تنتظر منه جواباً؟ وكذلك قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة:28] هو استفهام، ولكنه خرج إلى غرض آخر وهو التعجب والإنكار.

    السؤال الثاني:

    ما الفرق بين (ثُمَّ) و(ثَمَّ) في الاستعمال القرآني ؟

    الجواب:

    ثُمَّ ـ بضمِّ الثاء ـ هي حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي كما في هذه الآية، وآية الكهف [37] {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف:37].

    ثَمَّ ـ بفتح الثاء ـ هي ظرف بمعنى هناك، كما في آية الشعراء [64] {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآَخَرِينَ} [الشعراء:64].

    السؤال الثالث:

    جاء الإحياء الأول بالفاء وما بعده بثُمَّ، فلماذا ؟

    الجواب:

    الإحياء الأول جاء بعد الموت بغير تراخٍ فجاء بالفاء, وأمّا الموت الأول فقد امتد لفترة لا نعلمها، لذلك هو تراخٍ عن الإحياء .

    وأمّا الإحياء الثاني فهو كذلك متراخ عن الموت أيضاً . والله أعلم.

    السؤال الرابع:

    ما دلالة قوله تعالى : {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] ؟

    الجواب:

    1ـ قوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] المراد هو الرجوع إلى حكمه؛ لأنّ الله يبعث من القبور ويجمعهم في المحشر، وذلك هو الرجوع إلى الله تعالى, وإنما وصف بذلك لأنه رجوع إلى حيث لا يتولى الحكم غير الله, كقولك: رجع الأمر إلى الأمير، أي: إلى حكمه.


    2ـ الآية دالة على أنّ الإحياء والإماتة بيد الله سبحانه فقط.بدون ألف وسطية

    السؤال الخامس :

    ما دلالة رسم كلمة {أَمْوَاتاً} بدون ألف وسطية ورسم كلمة {أَحيَاءٌ} بألف وسطية في مواطن أخرى ؟

    الجواب:

    1 ـ ورد في جميع القرآن الكريم رسم خاص لكلمة {أَحيَاءٌ} حيث وردت بالألف الصريحة لأنّ الحياة حركة ونشاط ,وقد وردت كلمة {أَحيَاءٌ} خمس مرات في القرآن الكريم وكلها بالألف الصريحة وذلك في الآيات :[ البقرة154 ـ آل عمران 169 ـ النحل 21 ـ فاطر 22 ـ المرسلات 26 ].

    2 ـ أمّا رسم كلمة{أَمْوَتٌ} فقد جاءت بغير ألف وسطية ليوحي ذلك بالموت وبالسكينة والهدوء , وقد وردت كلمة {أَمْوَتٌ} ست مرات في القرآن الكريم كلها بدون الف صريحة وذلك في الآيات :[ البقرة28 ـ 154ـ آل عمران 169 ـ النحل 21 ـ فاطر 22 ـ المرسلات 26 ].

    ومن شواهد هذا الموضوع قوله تعالى :{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154] .


    {أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:26]

    {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل:21]

    يرجى الاطلاع في القرآن الكريم على هذه الآيات بالخط العثماني للاطلاع على حذف الألف فيها

    والله أعلم .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #39
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (40)


    مثنى محمد هبيان

    {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29]

    السؤال الأول:

    ما دلالة اللام في قوله تعالى : {خَلَقَ لَكُمْ} ؟

    الجواب:

    قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ} هذه اللام كأنها للمِلك, فالله سبحانه وتعالى يخاطب هذا الإنسان حتى يرى كيف أكرمه الله عز وجل، وأنه خلق من أجله كل ما في الكون.

    علماؤنا يقولون: إنّ هناك شيئين في الكون هما لأجلك؛ أحدهما لتنتفع به مباشرة كالماء والنبات والحيوان، والآخر للاعتبار: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الروم:8] فهذا أيضاً لك حتى يحوزك إلى الإيمان، فإذن {خَلَقَ لَكُمْ} أي: لأجلكم للانتفاع أو للاعتبار.

    لذلك يكون المعنى {خَلَقَ لَكُمْ} أي: من أجلكم للانتفاع والاعتبار.

    السؤال الثاني:

    ما دلالة قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:29] ؟

    الجواب:

    {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:29] المفسرون يقولون : استوى، أي: عمد إلى خلقها, أي: ثم عمد إلى خلق السماء بإرادته سبحانه وتعالى، و(الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب)، وقول المفسرين( عمد إلى خلقها) نوع من التأويل المقبول الآن، نحن بحاجة إليه لكي نترجم التفسير القرآني إلى الآخرين.

    السؤال الثالث:

    هل السماء تدل على المفرد أو الجمع ؟

    الجواب:

    السماء لفظها لفظ الواحد وكل ما علاك فهو سماء, لكنّ معناها معنى الجمع، ولذلك قال: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [البقرة:29] إشارة إلى تفصيلاتها.

    والسماء الدنيا بكل مليارات نجومها هي كحلقة في فلاة قياساً إلى السماء الثانية.

    السؤال الرابع:

    لِمَ قال تعالى: {فَسَوَّاهُنَّ } [البقرة:29] ولم يقل: خلقهنّ ؟

    الجواب:

    لأنّ التسوية خلقٌ وبناءٌ وتزيين, أمّا كلمة (خلق)، فهي تدل على الإيجاد والبناء، ولو تأملت السموات لرأيت بدعة الخلق ودقّته ونظاماً لا يختلُّ ولا يغيب.

    السؤال الخامس:

    الظاهر من الآية تقدم خلق الأقوات، وظاهر آية النازعات: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:30] تأخره، فما القول في ذلك ؟

    الجواب:

    لفظة (ثم) في آية البقرة لترتيب الإخبار لا لترتيب الوقوع، ولا يلزم من ترتيب الإخبار ترتيب الوقوع, كما في آية الأنعام (153ـ154) في قوله تعالى : {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153) ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ } [الأنعام:154] ولا ريب في تقديم إيتاء الكتاب على وصيته للأمة .

    السؤال السادس:

    ما حكمة الرقم (7) في عدد السماوات؟

    الجواب:

    عدد السماوات هو اختيار الله تعالى لذلك , والحكمة من هذا العدد لا يعلمها إلا الله سبحانه , لكنّ اللافت للنظر هو تكرار العدد (7) في أمور كثيرة منها :

    1ـ عدد طبقات السماء .

    2ـ عدد أيام الأسبوع .

    3ـ عدد أشواط الطواف حول الكعبة .

    4ـ عدد أشواط السعي بين الصفا والمروة .

    5ـ عدد أبواب جهنم .

    6ـ عدد عجائب الدنيا .

    7ـ عدد آيات سورة الفاتحة .

    9ـ عدد كلمات شهادة التوحيد ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ).

    10ـ عدد المستويات المدارية للإلكترون .

    11ـ عدد حصى الجمرات التي يرمي بها الحاج في منى خلال الحج .

    12ـ يأمر الله تعالى تعليم الصلاة للطفل عند بلوغه سن السابعة .

    13ـ للضوء المرئي سبعة ألوان , وهناك سبعة إشعاعات للضوء غير المرئي .

    14ـ تهاجر الطيور بسرب على شكل سبعة .

    15ـ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .

    اللهم اجعلنا منهم . والله أعلم .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #40
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

    مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (41)



    مثنى محمد هبيان



    {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]

    السؤال الأول:

    ما دلالة الصيغة الاسمية فى الآية: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة:30] ؟

    الجواب:

    معلوم كما هو مقرر في البلاغة وفي اللغة : أنّ الاسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد، والاسم أقوى من الفعل، وهناك فرق بين أنْ تقول : هو متعلم أو هو يتعلم، هو يتثقف وهو مثقف، هو يتفقه وهو فقيه، هو حافظ أو هو يحفظ، ومن الثوابت في اللغة أنّ الاسم يدل على الثبوت حتى لو لم يقع.

    وفي البلاغة عموماً إذا أردت أنْ تذكر أنّ هذا أمر ثابت فتذكره بالصيغة الاسمية قبل أنْ يقع، فتُسأل مثلاً هل سينجح فلان؟ فتقول: هو ناجح قبل أنْ يمتحن؛ لأنك واثق أنه ناجح , كما قال تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود:37] لم يقل: سأغرقهم، هذا في التعبير أقوى دلالة من الفعل.

    السؤال الثاني:

    قوله تعالى : {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30] هل من فارق بين نقدس لك، ونقدسك؟

    الجواب:

    الفعل (يقدس) فعل متعدٍّ يأخذ مفعولاً به دون حرف الجر اللام، فنقول: نقدس الله، لكنّ الآية أدخلت اللام على الكاف، فما فائدة هذه اللام؟ فائدتُها للتخصيص، أي: التقديس لك لا لغيرك، فالملائكة لا تعصي الله ما أمرها فهي لا تقدس إلا لله، بخلاف البشر الذين قد يقدسون الله ومع تقديسهم لله قد يقدسون غيره.

    السؤال الثالث:

    ما دلالة كلمة: {خَلِيفَةً} في الآية ؟

    الجواب:

    في كلمة (خليفة) عدة أقوال :

    ـ القول الأول : - وعليه أغلب المفسرين- أنه؛ أي الإنسان، خليفة الله عز وجل في الأرض، وأنّ الله سبحانه وتعالى أوكل إليه أنْ يعمر الأرض، وهو يتولى إعمارها بأنْ يبني هذه البيوت وهذه العمارات والطرق وشق الأنهار وغيرها, وهذه أفعال لا يفعلها من مخلوقات الله أحد، لا الجن يفعلها ولا الطيور ولا الدواب ولا الملائكة إلا إذا كلفهم الله عز وجل أن يفعلوا شيئا فيفعلونه .

    وهذا المخلوق ـ الإنسان ـ زُوِّدَ بوسائل بحيث يستطيع أنْ يقوم بالأعمال التي هيأه الله عز وجل لها، فيكون خليفة الله عز وجل في أرضه فيعمر الأرض ، وهذه الأرض موجود فيها المواد والأشياء، وليس هناك في خلق الله سبحانه وتعالى من يجمع هذه الأشياء ويجعل منها حاسوباً إلا هذا الإنسان فهو مُصنِّعٌ في الأرض، وهذه لا تكون إلا بكلمة (كُن فيكونُ) الإلهية.

    ـ القول الثاني : يقول : ممكن أنْ يكون هناك خلق قبلنا، فهذا المخلوق الجديد آدم هو خَلَفٌ لذلك الخلق الذي قبلنا.

    ـ القول الثالث : أنه خليفة، أي: يخلف بعضهم بعضاً فيتوالد ويتكاثر.

    وهذه الآراء جميعاً هي لكبار علمائنا لا نجادل فيها لأنه أمر غيبي، انتهى خلق الإنسان والإنسان الآن يعمل والجدل فيه لا يثمر.

    ـ وآخر قسم من العلماء يقولون : المراد الأنبياء وبقية البشر تبعٌ لهم؛ لأنّ الأنبياء يبلّغون شرع الله ويبلّغون رسالاته، فهم بهذا المعنى خلفاء في أنهم ينقلون شرع الله عز وجل، وهذا المعنى تحتمله اللغة ولا مساس فيه بالاعتقاد , لكنّ سياق الآية لا يُسعف في هذا؛ لأنّ سياق الآية الكلام عن آدم قال: إني جاعل في الأرض خليفة، فتساءل الملائكة: ما هذا الخليفة ؟ ولم يعترضوا على الله سبحانه وتعالى،التساؤل فقط للاستفسار والكشف لا غير .

    السؤال الرابع:

    من أين علمت الملائكة أنّ هذا المخلوق الجديد سوف يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟

    الجواب:

    لعلمائنا أكثر من قول في علم الملائكة بطبيعة هذا المخلوق، وكلها أقوال محترمة:

    ـ الرأي الأول : وهو الذي يميل إليه عدد كبير من العلماء؛ وهو أنّ الحوار في القرآن مختصر، كأنّ الله عز وجل حين قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] كأنّ الملائكة سألت : ما شأن هذا الخليفة؟ ما الخليفة هذا؟ وهم خالو الذهن؟ فقال الله عز وجل : إنّ هذا مخلوق له ذرية، من هذه الذرية من سيُسَبِّحُني ويعبُدُني ويقدِّسُني، ومنهم من سوف يفسد ويسفك الدماء، ومن هنا نفهم لماذا ذكروا تسبيحهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30] فإذا كان هناك من سيُسَبِّحُ ويقدِّسُ من هذه الذرية فنحن نسبِّحُ ونقدِّسُ، والقسمُ الآخر مفسدٌ يسفكُ الدماء، فما الداعي لإيجاده؟ مجرد سؤال أو للاستفسار بصيغةِ سؤالٍ مؤَدَّبٍ، فسألوا ربهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } [البقرة:30] هذا الرأي الأول وقد مال إليه عدد من كبار علمائنا من المفسرين.

    ـ الرأي الثاني: يقول : لعل لديهم تجربة سابقة من خلق إنسان سابق أو مخلوق سابق أفسد وسفك دماءً، فقالوا : هذا سيفعل كما فعل الذي قبله .

    وخلق إنسان سابق فيه نظر، وليس لدينا دليل وقد يكون , لكنّ هذا هو الحوار الذي حدث بين الله سبحانه وبين ملائكته , حتى أنّ بعض العلماء يسأل ويقول : ما الداعي إلى أنّ الله سبحانه وتعالى يحاورهم؟ والجواب أنّ الله سبحانه وتعالى يذكر لنا ذلك في القرآن حتى يعلمنا المشورة والمشاورة فلا ينفرد الحاكم برأيه، فرب العزة يشاور الملائكة ويحدثهم ويذكر لنا هذا الأمر أنه عرض على الملائكة وقال لهم: سيكون كذا فقالوا له: يا رب ما شأنه؟ قال: هذا شأنه: منه من يسفك الدماء ويفسد, ومنه من سيسبحني ويقدسني. وهذا هو واقع الحال؛ فالبشر الآن منهم من يفسد فيها ويسفك الدماء، ومنهم من يسبح الله عز وجل ويعبده .

    ولمَ عرض الباري عز وجل على الملائكة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] ؟ وذلك لأنهم مشتغلون في الأرض، ومهمتهم في الأرض، من أجل هذا عرض عليهم، ولا يعقل أنه عرض على كل ملائكة السماء والكون وإنما على فئة لها شغل بهذا المخلوق الجديد وبمكانه، وإبليس كان من ضمن هؤلاء، وهو ليس مَلَكَاً لكنه من ضمن الذين لهم شغل؛ لذلك كُلّف مباشرة : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ] [الأعراف:12] أُمِر مباشرة بالسجود.

    ومما ذُكر: أنه يحتمل أنهم اطلعوا على اللوح المحفوظ , واللوح المحفوظ كُتِبَ فيه كل شيء وما يفعله البشر، فرأوا ما يفعله هؤلاء فقالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30] فهم اطلعوا إمّا بإخبار الله لهم , أو بما اطلعوا عليه في اللوح المحفوظ.

    السؤال الخامس:

    جاءت قصة آدم عليه السلام في سورة البقرة في الآيات (30-38) وجاء في آيتي الأعراف [10-11] قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ(10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ(11) }. [الأعراف: 10 - 11] والخطاب فيها بصيغة الجمع وليس بالإفراد لآدم , وقوله تعالى في آية الأعراف 172

    {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف:172] وقوله تعالى في آية الأحزاب 72 {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72] فهل يمكن - بعد استعراض جميع الصور القرآنية لجوانب قصة الإنسان والأنفس وآدم - أنْ نبين ترتيب مراحل هذه المسألة ؟

    الجواب:

    المراحل هي : - والله أعلم -

    1ـ خلق جميع البشر كأنفس مجردة عن المادة من آدم عليه السلام حتى قيام الساعة.

    2- إعطاء هذه الأنفس صورها الخاصة بها.

    3ـ عرض الأمانة على المخلوقات وتعهد الإنسان ( النفس ) بحملها

    4ـ أخذ العهد والميثاق من جميع البشر (الأنفس) {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأعراف:172] .

    5ـ إخبار الله تعالى للملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة .

    6ـ معرفة الملائكة بإفساد بني آدم وسفكهم الدماء عندما كشف الله تعالى عنها غطاء غيب الزمن المستقبل .

    7 - خلق جسد آدم عبر المراحل التي بيِّنها القرآن الكريم ، ومن ثمَّ تسويته إنساناً كاملاً ونفخ الروح فيه. وهنا دخل آدم عليه السلام عالم المادة والمكان والزمان وأصبح محكوماً لهذه القوانين.

    8ـ تعليم الله تعالى لآدم الأسماء كلها , وإخبار آدم الملائكة بذلك .

    9ـ الأمر الإلهي للملائكة بالسجود لآدم حين الانتهاء من خلق جسده: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} ونفخ الروح فيه : {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحِجر:29] .

    10ـ سجود الملائكة لآدم عليه السلام وعصيان إبليس بسبب مادة جسم آدم، كما في قوله تعالى على لسان إبليس: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] .

    11ـ إسكان آدم وزوجه جنّة التدريب والاختبار .

    12- إغواء إبليس لهما .

    13ـ تلقي آدم التوبة من الله تعالى حيث اجتباه الله تعالى وهداه ، وهنا دخل آدم عليه السلام مرحلة النبوة .

    14ـ هبوط آدم عليه السلام وذريته إلى الأرض, ووعد الله تعالى بأنْ يرسل لهم رسلاً يحملون لهم الهدى ومنهج الحق . والله أعلم .

    السؤال السادس:

    ما الدروس المختصرة والعبر المعتبرة من قصة آدم عليه السلام وسجود الملائكة له ورفض إبليس ونزول الجميع إلى الأرض ؟

    الجواب:

    أولا ً :

    القصة فيها عبرٌ كثيرة، ومنها :

    ـ إياك والمعاصي فإنها أذلت عزّ {اُسْجُدُوا} وأخرجت آدم من: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} .

    ـ فَرِحَ إبليس بنزول آدم من الجنة وما علم أنّ هبوط الغائص في اللجّة خلف الدّر صعود، كم بين قوله لآدم : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] وقوله لإبليس: {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ} [الإسراء:63] .

    ـ يا آدم لا تجزع من قولي لك: {اخْرُجْ مِنْهَا} فلك ولصالح ذريتك خلقتها.

    ـ تالله ما نفعه عند معصيته عِزُّ: {اسْجُدُوا} ولا خصيصةُ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] ولا فخرُ: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحِجر:29] وإنما انتفع بذلِّ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف:23].

    ـ يا لها لحظة أثمرت حرارة القلق وما زال يكتب بدم الندم سطور الحُزن ويرسلها مع أنفاس الأسف حتى جاءه توقيع : {فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:37] .

    ثانياً :

    كان أولَ المخلوقات القلمُ ليكتب المقادير قبل كونها وجعل آدم آخر المخلوقات وفي ذلك حِكَم :

    1ـ تمهيد الدار قبل الساكن .

    2ـ أنه الغاية التي خلق لأجلها ما سواه.

    3ـ أنّ أحذق الصنّاع يختم عمله بأحسنه وغايته.

    4ـ أنّ النفوس متطلعة إلى النهايات والأواخر دائماً.

    5ـ أنّ الله أخّر أفضل الكتب والأنبياء والأمم إلى آخر الزمان وجعل الآخرة خيراً من الأولى , فكم بين قول المَلَك للرسول صلى الله عليه وسلم : {اقْرَا} فيقول : ما أنا بقارىء وبين قوله تعالى : {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] .

    6ـ أنّ خلق آدم خلاصة الوجود، فناسب أنْ يكون خلقه بعد الموجودات.

    7ـ أنّ من كرامة آدم على خالقه أنه هيأ له مصالحه وحوائجه وأسباب حياته، فما رفع رأسه إلا وذلك كله حاضر.

    8ـ أنه سبحانه أراد أنْ يظهر شرفه وفضله على سائر المخلوقات فقدّمها عليه بالخلق.

    9ـ أنه سبحانه لما افتتح خلق هذا العالم بالقلم كان من أحسن المناسبة أنْ يختمه بخلق الإنسان فإنّ القلم آلة العلم والإنسان هو العالِم، ولهذا أظهر سبحانه فضل آدم على الملائكة بالعلم الذي خُصّ به دونهم.

    ثالثاً :

    الله سبحانه وتعالى كتب عذر آدم قبل هبوطه إلى الأرض ووسمه بالخلافة قبل الهبوط، فقال : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] ونبّه الملائكة على فضله وشرفه .

    والمحب يقيم عذر المحبوب قبل جنايته، فلمّا صوّره على باب الجنة أربعين سنة؛ لأنّ دأب المحب الوقوف على باب الحبيب, ورمى به في طريق ذل: {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا} [الإنسان:1] لئلا يُعجب بموقف: {اسْجُدوا} وكان إبليس يمر على جسده فيعجب منه، ويقول : لأمر قد خلقت , ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول : لئن سُلِّطتُ عليك لأهلكنك، ولئن سلُطت عليَّ لأعصينك، ولم يعلم أنّ هلاكه على يده, رأى طيناً مجموعاً فاحتقره فلمّا صوّر الطين دبّ فيه داء الحسد، فلمّا نفخ فيه الروح مات الحاسد, فلمّا بسط له بساط العز عرضت عليه المخلوقات فاستحضر مدّعي: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} [البقرة:30] إلى حاكم: {أنبِئُوني} [البقرة:31] وقد أخفى الوكيل عنه بينة {وَعَلَّمَ} [البقرة:31] فنكسوا رؤوس الدعاوي على صدور الإقرار، فقام منادي التفضيل في أندية الملائكة ينادي {اسْجُدُوا} فتطهروا من حَدَثِ دعوى: {وَنَحْنُ} [البقرة:30] بماء العذر في آنية: {لَا عِلْمَ لَنَا} [البقرة:32] فسجدوا على طهارة التسليم، وقام إبليس ناحيةً لم يسجد لأنه خَبَثٌ وقد تلون بنجاسة الاعتراض، وما كانت نجاسته تُتلافى بالتطهير؛ لأنها عينية، فلما تمّ كمال آدم جرى القدر بالذنب ليتبين أثر العبودية في الذل.

    ولمّا علم الله أنّ ذنب عبده لم يكن قصداً لمخالفته ولا قدحاً في حكمته علّمه كيف يعتذر إليه: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:37] .

    السؤال السابع:

    ما وجه الاختلاف في قصة آدم بين سورتي البقرة والأعراف؟

    الجواب:

    مقدمــة :

    أولا ًـ ذكر الله تعالى قصة آدم عليه السلام مع قصة إبليس في القرآن الكريم في سبع سور؛ وهي [ البقرة ـ الأعراف ـ الحجر ـ الإسراء ـ الكهف ـ طه ـ ص ].

    ثانياً ـ تبدأ هذه القصة في سورة البقرة من أقدم حدثٍ فيها حين أبلغ الرب سبحانه وتعالى ملائكته بقراره في أنْ يجعل في الأرض خليفة، وذلك قبل خلق آدم, وذكر فيها مراجعة الملائكة لربهم في هذا القرار مبدين عدم رغبتهم في هذا الاستخلاف لأسباب ذكروها , فقطع الله عليهم تخوفهم وظنونهم بعلمه الذي لا يحد , ثم ذكر اختبار المفاضلة الذي أجراه الله بين آدم والملائكة ففضلهم فيه آدم , وثبت بذلك أنّ آدم جدير بالاستخلاف في الأرض.

    هذه الأولويات ذكرت في أول سورة من القرآن وفي أول قصة من السورة ولم يذكرها في مكان آخرفي كل القرآن , و قد جاءت القصة في سورة البقرة مبنية على ركنين:

    آ ـ تكريم آدم، ويتجلى في :

    1ـ ذكر استخلاف آدم في الأرض: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30].

    2ـ تفضيل آدم على الملائكة بتعليمه الأسماء كلها مما لا يعلمه الملائكة.

    3ـ إسجاد الملائكة له.

    ب ـ تكريم العلم، ويتجلى في :

    1ـ إثبات العلم الشامل لله.

    2ـ نفي العلم عن الملائكة إلا ما علمهم إياه رب العزة.

    3ـ إثبات التعليم لآدم بما يصلح أنْ يقوم به أمر الخلافة ويستقيم.

    والاستخلاف الناجح لا بدّ له من أمرين :

    آ ـ أنْ يكون للخليفة حق التصرف والتدبير فيما استخلف فيه.

    ب ـ أنْ تكون له القدرة على هذا التصرف حسب العلم والقدرات التي أعطاها الله للإنسان .

    ونستطيع أنْ نقول بشكل مجمل إنّ القصة في سورة البقرة مبنية بشكل رئيس على تكريم آدم, وكل الجوانب الأخرى المذكورة من العلم والاستخلاف إنما تخدم هذا التكريم.

    أمّا قصة آدم في سورة الأعراف، فهي ليست مبنية على هذا الأمر، بل لها غرض آخر وقد وقع فيها التكريم ثانوياً , وقد ذكرت القصة في سورة الأعراف في سياق العقوبات وإهلاك الأمم الظالمة من بني آدم وفي سياق غضب الله سبحانه، قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ(4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(5) } [الأعراف:4-5].

    وبناء على ذلك بنيت القصة في كل سورة على ما جاء في سياقها , وهذا ما سوف يأتي بيانه إنْ شاء الله تعالى:

    1 ـ معصية إبليس :

    جاء في البقرة قوله تعالى: {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} [البقرة:34].

    بينما جاء في الأعراف قوله: {إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:11].

    فقد جمع لإبليس في سورة البقرة الإباء والاستكبار معاً للدلالة على شناعة معصيته بحق آدم الذي أكرمه الله وعلّمه, ولم يقل مثل ذلك في كل القرآن الكريم، بل هو إمّا أن يقول: {أَبَى} [البقرة:34] وإمّا أن يقول:{وَاستَكبَرَ} [البقرة:34] ولم يجمعهما إلا في هذا الموضع .

    فالفرق واضح بين التعبيرين بحسب موقف التكريم.

    2 ـ سكن الجنة والأكل :

    قال في البقرة : {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35].

    وقال في الأعراف : {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:19].

    واليك الفروق بين التعبيرين في الآيتين :



    فقد أسند القول لنفسه في البقرة {وَقُلْنَا} [البقرة:35]، وهذا في مقام التكريم والتعظيم , وناسب هذا أنْ يذكر {رَغَداً} في البقرة دون الأعراف.

    وقال في البقرة :{وَكُلاَ} بالواو، بينما قال في الأعراف:{فَكُلاَ} بالفاء والواو لمطلق الجمع والفاء تفيد التعقيب والترتيب , أي: أنّ الواو أوسع من الفاء؛ لأنّ من جملة معانيها معنى الفاء , فإذا قلت لشخص ما : ادخل وكل , كان له الحق في أنْ يأكل متى شاء على حسب رغبته ومتى أكل كان موافقاً للأمر , ولو قلت له : ادخل فكل , كان عليه أنْ يأكل في عقب الدخول ولو تأخر لكان مخالفاً للأمر ويحق لك أنْ تمنعه .

    إضافة إلى أنه أعاد ضمير الجنة في البقرة مع الأكل: {وَكُلاَ مِنْهَا} ولم يعده في الأعراف , فأنت ترى أنه ذكر الجنة وضميرها في البقرة وهو المناسب لمقام التكريم فيها، ولم يفعل مثل ذلك في الأعراف.

    ـ الظرف: {حَيٍثُ شِئتُمَا} في البقرة يحتمل أنْ يكون للسكن والأكل جميعاً، والمعنى: اسكنا حيث شئتما وكلا حيث شئتما .

    وأمّا التعبير في الأعراف: {مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} فلا يحتمل إلا أنْ يكون للأكل : فكلا من حيث شئتما ولا يصح تعليقه بالسكن، أي: لا يصح أنْ يُقال : اسكنا من حيث شئتما .

    لذلك المشيئة والتخيير في البقرة أوسع؛ لأنها تشمل السكن والأكل، بخلاف الأعراف، وهذا مناسب لمقام التكريم.

    3 ـ الزلة :

    قال في البقرة : {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة:36].

    وقال في الأعراف: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22].

    الزلة قد تكون في المكان نفسه ,وأمّا التدلية فلا تكون إلا إلى أسفل , ذلك أنها من التدلية في البئر , أمّا الزلة فقد لا تكون إلى أسفل .

    ومعنى {فَدَلَّاهُمَا} [الأعراف:22] أي: أنزلهما من مكان إلى مكان أحط منه , فخفف المعصية في البقرة وسماها زلة مراعاة لمقام التكريم بخلاف الأعراف .

    4 ـ معاتبة الرب لآدم :

    لم يذكر في البقرة معاتبة الرب سبحانه لآدم وزوجه على معصيتهما مراعاة لمقام التكريم، بخلاف الأعراف فقد ذكر أنه عتبهما عليها فقال : {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف:22] .

    ولا شك أنّ مرتبة العتاب أدنى من عدمه .

    ثم انظر كيف ناسب هذا العتاب لأبوي البشر في الجنة عتاب أبنائهما في الدنيا في الآية التي سبقت هذه القصة: {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف:10].

    5 ـ التصريح بالمعصية :

    طوى في البقرة تصريح آدم عن نفسه بالمعصية ولم يذكرها إكراماً له، في حين ذكرها في الأعراف فقال : {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الأعراف:23].

    ذكر الله تعالى ندم المعاقبين من بني آدم في الأعراف فقال: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ(4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(5)} [الأعراف:4-5] .

    فانتهت بـ {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأعراف:5] وذكرت الآية عن ندم آدم عليه السلام بـ {ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف:23] فانظر كيف اتفق الندمان على أمر واحد وهو الظلم، فقال آدم: {ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف:23] وقال أبناؤه: {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأعراف:5].

    ثم انظر إلى التناسب بين العقوبة ومقدار الظلم؛ فقد قال آدم: {ظَلَمْنَا} بالصيغة الفعلية الدالة على الحدوث للدلالة على أنها زلة طارئة وليست معصية إصرار, بينما قال أبناؤه: {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} بالصيغة الاسمية الدالة على الثبات على الظلم والإصرار، فتاب على الأولين وأهلك الآخرين .

    فسبحان الله ؛ ما أبدع هذا الكلام وأعظمه!!!

    6 ـ التوبة على آدم :

    في مقام سورة البقرة ذُكر أنّ آدم تلقى من ربه كلمات فتاب عليه, علماً بأنه لم يذكر فيها أنّ آدم طلب من ربه المغفرة ومع ذلك ذكر أنه تاب عليه.

    وفي مقام سورة الأعراف ذُكر أنّ آدم طلب من ربه المغفرة ولم يذكر أنه تاب عليه.

    فانظر إلى تناسب سياق البقرة مع مقام التكريم وسياق الأعراف مع مقام العتاب والمؤاخذة , ثم قل: جلّ قائل هذا الكلام.

    7 ـ الوعد بالعودة إلى الجنة مع اتباع الهدى :

    قال في البقرة : {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] .

    ولم يقل مثل ذلك في الأعراف , والتكريم واضح في هذه الآية؛ إذ فيها وعد لمن تبع الهدى بالعودة إلى الجنة حيث لا خوف ولا حزن.

    قال في البقرة: {تَبِعَ} [البقرة:38] بالتخفيف ولم يقل ـ اتّبع ـ بالتشديد كما في آية طه، حيث قال : {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه:123] ؛ وذلك للأسباب التالية :

    آ ـ الفعل بالتشديد يفيد المبالغة , فاكتفى في البقرة بالأخف من الحدث، ولم يشدد عليهم تخفيفاً على البشر مراعاة لمقام التكريم.

    ب ـ الفعل (تبع) تردد في سورة البقرة أكثر من أي سورة أخرى في القرآن، فوضعه في مكانه الذي هو أليق به.

    ج ـ جاء التخفيف في البقرة مع إسناد القول إلى نفسه سبحانه : {قُلْنَا اهْبِطُواْ} [البقرة:38] بينما جاء التشديد مع إسناد القول إلى الغائب: {قَالَ اهْبِطَا} [طه:123] والله سبحانه يظهر نفسه في موقف التلطف والتكريم.

    د ـ في البقرة جاء الفعل بواو الجماعة {اهْبِطُواْ} [البقرة:38]، بينما جاء الفعل بالتثنية في طه : {قَالَ اهْبِطَا} [طه:123].

    هـ ـ نهاية آية البقرة تتعلق بالآخرة: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] أي: في الآخرة، ونهاية آية طه تتعلق بالدنيا والآخرة: {فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه:123] أي: لا يضل في الدنيا ؛ لأنّ الضلال إنما يكون فيها، وأمّا في الآخرة فينكشف الغطاء ويصبح الناس كلهم على بصيرة . وقوله: {وَلَا يَشْقَى} [طه:123] متعلق بالآخرة؛ لأنّ الدنيا لا تخلو من الشقاء بدليل قوله تعالى لآدم : {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَ ا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117].

    فلمّا كانت آية طه تتعلق بالدنيا والآخرة بخلاف آية البقرة زاد في بناء الفعل إشارة إلى زيادة متعلَّقه.

    وآية طه تضمنت أمرين هما : مجاهدة الضلال في الدنيا، والفوز بالآخرة، وآية البقرة تضمنت الفوز في الآخرة, والحالة الأولى تتطلب عملاً أكثر وأشق، فجاء بالفعل الدال على المبالغة والتكلف للأمر الشاق, وجاء بالفعل الخفيف للعمل الخفيف .

    وقد تقول : أفلا يتطلب الفوز في الآخرة مجاهدة الضلال في الدنيا؟

    والجواب:

    إنّ الفوز في الآخرة على مراتب بعضها أعلى من بعض , وليس كل الناجين في الآخرة ممن كانوا يجاهدون الضلال في الدنيا أو لم يضلوا في أمر من الأمور .

    فمجاهدة الضلال والتحري لعدم الوقوع فيه مرتبة عالية تتطلب جهداً ومشقة في العمل , فوضع كل فعل في المكان الذي يقتضيه تماماً

    8 ـ التناسب بين القصة وخاتمة السورة :

    في البقرة: قال الله عن إبليس: {وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ}[البقرة:34]، وقال في خاتمة البقرة : {فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ} [البقرة:286].

    في الأعراف قال الله سبحانه: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:11] وقال: {فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا}[الأعراف:13].

    وقال في خاتمة السورة: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف:206].

    9 ـ الغرض من الوسوسة :

    قال في الأعراف : {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا} [الأعراف:20].

    فذكر أنّ الغرض من الوسوسة هو أنْ يبدي لهما السوءات المخفية واللام هنا هي لام العاقبة وقد وقع ذلك فعلاً كما في الآية [22] وعقب على ذلك بقوله: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] .

    ونلاحظ هنا الأمور التالية :

    آ ـ ذكر كلمة ( لباس) مع التقوى فقال: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف:26] فاللباس والريش يواري السوءات الظاهرة، ولباس التقوى يواري السوءات الباطنة.

    ب ـ ثم حذّر الله ذرية آدم فقال: {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا} [الأعراف:27] .

    وفي قوله تعالى: {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} [الأعراف:27] نُسب النزع الذي هو فعل الله إلى إبليس؛ لأنّ سببه أكل الشجرة وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما إنه لمن الناصحين.

    ج ـ أمر الله بأخذ الزينة عند كل مسجد، فقال :{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] .

    والزينة هي الريش واللباس , وعقب بعد ذلك بقوله : {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32].

    د ـ ثم انظر بعد ذلك كيف قال في عذاب أهل جهنم: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41].

    فأنت ترى أنّ الشيطان نزع عن أبوينا اللباس في الجنة, وهو في هذه الدنيا حريص على أنْ يفتننا لنتعرى من اللباس الظاهر والباطن , ولا يرضى في الآخرة إلا بأن نتسربل من سرابيل جهنم , أعاذنا الله وإياكم منها ومن أنْ يكون لنا منها مهاد وغواش . ونسأل الله العافية.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •