معاشر العباد ها قد انتصف رمضان


معاشر العباد: قَالَ صلى الله عليه وسلم: ««وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..»[1] (رواه الترمذي وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ) . ها قد انتَصَفَ رَمَضَانُ.. فما أجملَكم حينما استقبلتم المَوسِمَ العَظِيمَ، جَعَلَنَا الله جَمِيعًا فِيمَا نَستَقبِلُ مِن شَهرِنَا خَيرًا مِمَّا وَدَّعنَا..

أحسنتم والله حينما تسابقتم على أبواب الخير في هذا الشهر المبارك، من صَلاةٍ وَصَومٍ وَقِيَامِ لَيلٍ، وَصَدَقَةٍ وَإِحسَانٍ وَحُبٍّ لِلمَسَاكِينِ، وَرِفقٍ بِالنَّاسِ وَتَجَاوُزٍ عَنِ المُعسِرِينَ، وَصِلَةٍ لِلرَّحِمِ وَرَحمَةٍ، وَكَفٍّ لِلِّسَانِ عَنِ الشَّرِّ وَإِشغَالٍ لَهُ بِالتَّلاوَةِ وَالذِّكرِ.. ما أروع اصطحاب أبنائكم للطاعة ولن يخيب الله أملكم فيهم حين أكثرتم لهم من الدعاء: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}[2]. حرصُكم على الأَمرٍ بِالمَعرُوفِ وَالنَهيِ عَنِ المُنكَر لن يضيع سدى بإذن الله في أمنكم واستقرار مجتمعكم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[3].


معاشر اللاحقين بالعباد: ها هي أيام الشهر قد تتابعت، ولياليه الغر قد تلاحقت، هذه أيام رمضان، ها نحن على أبواب العشر الأواخر، وقفنا على الليالي العشر ونحن فقراء إلى رحمة الله، وقفنا نشكو تقصيرنا إلى الله، وقفنا وكلنا أمل وطمع في رحمة الله ألا يخيب رجاءنا، وأن يستجيب دعاءنا، وقفنا على أبواب عشر ما دخلت على رسول الله إلا شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.

بينها ليلة خير من ألف شهر، من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، عشر إذا دخلت على الأخيار والصالحين فروا إلى بيوت الله معتكفين ركعًا سجدًا، يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود..


معاشر العُباد: وصية لكم من كتاب الله وسنة رسول الله: اعلموا أن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، لا يقبل الله من العبادة إلا ما كان خالصًا لوجهه، يراد به ما عنده: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[4]. أخلصوا لله النيات، وأخلصوا لله العبادات والطاعات، فلا يزال العبد بخير إذا تكلم تكلم لله، وإذا عمل عمل لله.


معاشر العباد: كم من قائم على أم حنون يسقيها دواءها، ويعالج جراحها وداءها، بلَّغه الله أجر المعتكفين، كم من قائم على أب ضعيف، شيخ كبير، يقضي حوائجه، ويرحم ضعفه، ويحسن إليه، ويجبر بإذن الله كسره، بلَّغه الله مقام المعتكفين، كم من قائم على زوجة سقيمة مريضة، يقوم عليها، بلَّغه الله أجر الاعتكاف بما كان من إحسانه إليها.

تخلف عثمان - رضي الله عنه وأرضاه - عن غزوة بدر _ والتي انتصر فيها المسلمون في السابع عشر من رمضان يوم الفرقان يوم التقى الجمعان _ تخلف رضي الله عنه بسبب زوجه التي كان يمرضها، رقية - رضي الله عنها وأرضاها - فعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجل من مصر حج البيت فقال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، هل تعلم أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال: نعم، ولكن أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله فمرضت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ»[5].
فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.


معاشر العباد: إياكم وحرق أعمالكم بألسنتكم من غيبة وسب وأذية.. ألزموها البر كما عُهد عنكم بالذكر والدعاء والقرآن والتسبيح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترتفع درجاتكم وتعلو منازلكم..

معاشر العباد: تنوع العبادات في هذا الشهر دليل على التوفيق، وثمة قضية تؤرق الكثير من الصالحين وهي قطع الرحم.. فكونوا سابقين في وصلها قدوات صالحة في ذلك قالَ تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ}[6]. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ حُرِمَ حَظُّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَزِدْنَ فِي الْأَعْمَار، وَيُعَمِّرْنَ الدِّيَارَ»[7] رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[8] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

عِبَادَ اللهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [9]، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.


[1] صحيح؛ أخرجه الترمذي (3545)، وصححه الألباني في المشكاة (927).
[2] [إبراهيم: 40].
[3] [آل عمران: 110]
[4] [الكهف: 110]
[5] أخرجه البخاري(3130).
[6] [محمد: 22]
[7] صحيح؛ أخرجه أحمد (25259)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (117).
[8] أخرجه البخاري (2067)، ومسلم (2557)، من حديث أنس.

[9] [الأحزاب: 56].
______________________________ ____________________________
الكاتب: د. صغير بن محمد الصغير