رمضان شهر القرآن


أحمد محمد كنعان




إن الحمد لله الذي بلغنا رمضان، ونسأله تعالى أن يعيننا فيه على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان، وأصلي على خير من صام وصلى الذي كان خلقه القرآنالذي أنزل في ليلة مباركة من رمضان، فلا جدال بأن يشتهر هذا الشهر الكريم بأنه شهر القرآن .

ومن أحسن أدباً مع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أدبه صلى الله عليه وسلم مع القرآن؛ التخلق بأخلاقه، والعمل به، والتأدب بآدابه، ودعوة الناس إليه .. وهكذا يجب أن تكون علاقة المسلم مع القرآن الكريم؛ الاجتهاد للعمل به والاهتداء بهداه، فالقرآن نور من الله مبين، من تمسك به نجا، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم .

وقد ذكر العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله هدي النبي مع القرآن، في كتابه " زاد المعاد " فقال رحمه الله تعالى : (كان له صلى الله عليه وسلم حِزب يقرؤه ولا يُخِلُّ به، وكانت قراءتُه ترتيلاً لا هذراً ولا عجلة، بل قِراءةً مفسَّرة حرفاً حرفاً، وكان يُقَطِّع قراءته آية آية، وكان يمدُّ عند حروف المد، فيمد اسم "الرحمن" واسم "الرحيم" وكان يستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم في أول قراءته، فيقول : "أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَجِيم" ورُبَّما كان يقول : "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم من هَمْزِهِ ونَفْخِهِ، ونَفثِهِ" وكان تعوّذُه قبلَ القراءة، وكان يُحبُّ أن يسمع القراَنَ مِن غيره، فقد أمر عبد اللّه بن مسعود، فقرأ عليه وهو يسمع، وخَشَع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن مِنه حتى ذرفت عيناه الشرفتان .. ) زاد المعاد (1/482-484) .

وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ القراَن قائماً، وقاعداً، ومضطجعاً، ومتوضئاً، ولم يكن يمنعه من قِراءته إلا الجنابة، وكان صلى الله عليه وسلم يتغنَّى بالقرآن، ويُرجِّع صوتَه به أحياناً كما رجَّع يوم الفتح في قراءته : ( إنَّا فتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً ) سورة الفتح 1 .

وكان يقول : (زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم) ويقول : (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن) ويقول : (ما أَذِنَ اللهُ لِشَيء، كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْان) وذكر الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجري رحمه الله، في كتابه النافع "أخلاق حملة القرآن"، باباً في (أدب القراء عند تلاوتهم القرآن مما لا ينبغي لهم جهله) لخص فيه جملة من آداب قارئ القرآن، من أدب السنة، وهدي السلف، فقال رحمه الله :

" وأحب لمن أراد قراءة القرآن، من ليل أو نهار أن يتطهر، وأن يستاك، وذلك تعظيم للقرآن؛ لأنه يتلو كلام الرب عز وجل؛ وذلك أن الملائكة تدنو منه عند تلاوته للقرآن، ويدنو منه الملك، فإن كان متسوكاً وضع فاه على فيه، فكلما قرأ آية أخذها الملك بفيه، وإن لم يكن تسوك تباعد منه؛ فلا ينبغي لكم يا أهل القرآن أن تباعدوا منكم الملك، استعملوا الأدب، فما منكم من أحد إلا وهو يكره إذا لم يتسوك أن يجالس إخوانه" .

ويحب أن يكثر القراءة في المصحف لفضل من قرأ في المصحف، ولا ينبغي له أن يحمل المصحف إلا وهو طاهر، فإن أحب أن يقرأ في المصحف على غير طهارة فلا بأس، لكن دون أن يمسه، ويصفح المصحف بشيء، ولا يمسه إلا طاهراً.

وينبغي للقارئ إذا كان يقرأ فخرجت منه ريح أمسك عن القراءة، حتى تنقضي الريح، فإن أراد متابعة القراءة قام فتوضأ ثم يقرأ طاهراً، وإن قرأ غير طاهر فلا بأس منه، لكن مع الطهارة أفضل، وإذا تثاءب وهو يقرأ، أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب .

ويحب للقارئ أن يأخذ نفسه بسجود القرآن كلما مر بسجدة سجد فيها، وفي القرآن خمس عشرة سجدة، وقيل : أربع عشرة، وقيل : إحدى عشرة سجدة، والأفضل أن يسجد كلما مرت به سجدة ؛ فإنه يرضي ربه عز وجل ويغيظ عدوه الشيطان . روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول : يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار » رواه مسلم في صحيحه 81

ويحب لمن كان جالساً يقرأ أن يستقبل بوجهه القبلة، إذا أمكن، ويحب لمن تلا القرآن أن يقرأه بحزن، ويبكي إن قدر، فإن لم يقدر تباكى، ويحب له أن يتفكر في تلاوته، ويتدبر ما يتلوه، ويستعمل غض الطرف عما يلهي القلوب، ولو ترك كل شيء حتى ينقضي درسه كان أحب؛ ليحضر فهمه، فلا يشتغل بغير كلام مولاه عز وجل، ويحب إذا درس فمرت به آية رحمة سأل مولاه الكريم رحمته، وإذا مرت به آية عذاب استعاذ بالله عز وجل من النار، وإذا مر بآية تنزيه لله عز وجل عما قال أهل الكذب سبح الله وعظمه، ومن كان يقرأ فأدركه النعاس، يحسن به أن يقطع القراءة ويرقد، حتى يقرأ القرآن وهو يعقل ما يتلو .