تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ذم إثبات مواقيت الصلاة بالحساب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2022
    المشاركات
    22

    افتراضي ذم إثبات مواقيت الصلاة بالحساب

    1. متى دخل طريق الحساب في مواقيت الصلاة وكيف ؟

    ليعلم أن الشارع الحكيم قد علَّق مواقيت الصلوات الخمس بعلامات إنما تدرك بالرؤية العينية؛ قال تعالى :(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ)[الإسراء:78]وكلٌّ من دلوك الشمس وغسق الليل والفجر إنما يُدرك بالرؤية العينية ، وقال تعالى :(وَكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَّيَنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ )[البقرة:187]أي حتى يتبين لكم ضوء النهار من ظلام الليل؛ وقوله تعالى (يَتَبَيَّنَ لَكُمْ )صريح في أنه يعرف بما يظهر للأبصار.


    ومنذ أن أوحى الله ـــ تبارك وتعالى ـــ هذه الآيات على رسوله r لم يزل المسلمون يعرفون أوقات صلواتهم وصيامهم بالطريقة التي كلفهم الله بها أي الرؤية العينية ؛ فلم يزل أمر المسلمين كذلك إلى أن...


    "قدم على الخليفة المنصور في سنة ست وخمسين ومائة من الهند عالم بالحساب المعروف بالسندهندي في حركات النجوم مع تعاديل معلومة على كردجات محسوبة لنصف نصف درجة مع ضروب من أعمال الفلك ومع كسوفين ومطالع البروج وغير ذلك في كتاب يحتوي على اثني عشر بابًا وذكر أنه اختصره من كردجات منسوبة إلى ملك من ملوك الهند يسمى قبغر وكانت محسوبة لدقيقة ؛ فأمر المنصور بترجمة ذلك الكتاب إلى اللغة العربية وأن يُؤَلَّف منه كتاب تتخذه العرب أصلاً في حركات الكواكب فتولى ذلك إبراهيم الفزاري وعمل منه كتابًا يسميه المنجمون بالسندهند الكبير"1 ؛ والفزاري هذا هو إبراهيم بن حبيب "وهو أول من عمل في الإسلام اصطرلاباً2 وله كتاب في تسطيح الكرة منه أخذ كل الإسلاميين وكان من أولاد سمرة بن جندب وكان ميله إلى علم الفلك وما يتعلق به وله تصانيف مذكورة منها كتاب القصيدة في علم النجوم وكتاب المقياس للزوال وكتاب الزيج على سني العرب وكتاب العمل بالأصطرلابات ذوات الحلق وكتاب العمل بالأصطرلاب المسطح"3.ولعل مَن تسبب في انتشاره والعمل به هو محمد بن موسى الخوارزمي إذْ "كان الناس قبل الرصد وبعده يعولون على زيجه الأول والثاني ويُعرفان بالسندهند"4؛ و"الغرض الأصلي من الزيجات هو معرفة الساعات والأوقات وفصول السنة وسمت القبلة وأوقات الصلاة"5.

    تلك كانت بداية استبدال الطريقة الشرعية لمعرفة مواقيت الصلاة التي خاطب بها الله ــــ تبارك وتعالى ــــ المسلمين بطريقة مأخوذة من الغير مسلمين وكانت بداية اختلاف كلمة المسلمين في هذا الباب...


    1 "طبقات الأمم" لابن صاعد الأندلسي ( ص 49 و50 )

    2قال صاحب "شذرات الذهب" : « كلمة يونانية معناها ميزان الشمس ، وقال بعضهم "اللاب" اسم الشمس بلسان اليونان فكأنه قيل : أسطر الشمس إشارة إلى الخطوط التي فيه ، قيل : إن أول من وضعه بطليموس صاحب المجسطي...» انتهى

    3 "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" للقفطي

    4 "الفهرست" لابن النديم ( ص 336 )

    5 "مفتاح السعادة ومصباح السيادة" لطاش كبري زاده ( 1 / 357 )

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2022
    المشاركات
    22

    افتراضي رد: ذم إثبات مواقيت الصلاة بالحساب

    2. لم يزل المسلمون في اختلاف منذ ظهر طريق الحساب في مواقيت الصلاة

    فما أُدخلت مثل هذه العلوم في الأمور الدينية إلا وزلزلت قواعدها إذ ما أريد بنشر هذه الكتب اليونانية والهندية وما إلى ذلك في صفوف المسلمين إلا زلزلة قواعد دينهم ؛ فقد ذُكر في تاريخ دخول مثل هذه الكتب في الملة الإسلامية
    : "أن المأمون رأى في منامه كأنَّ رجلاً أبيض مشرباً بحمرة واسع الجبين مقرون الحاجبين أجلح الرأس أشهل العينين حسن الشمائل جالس على سريره، قال المأمون وكأني بين يديه وقد ملئت له هيبة فقلت له:من أنت ؟ فقال:أنا أرسطوطاليس ؛ فسررت به وقلت:أَيُّها الحكيم أسألك ، قال:سل! قلت:مَا الحسن ؟ قال:مَاحَسُن في العقل ؛ قلتُ ثُمَّ مَاذَا ؟قال:ما حَسُن في الشرع ، فقلتُ ثُمَّ مَاذَا ؟ ثُمَّ لا ثُمَّ ؛ قلتُ:زدني، فقال:من يصحبك في الذهب فليكن عندك كالذهب وعليك بالتوحيد..فلما استيقظ المأمون من منامه حدثته نفسه وحثته همته على تطلب كتب أرسطوطاليس فلم يجد منها شيئاً ببلاد الإسلام فراسل المأمونُ ملكَ الروم ، فجمع الملك مقدمي دولته وعرفهم الأمر واستشارهم واستشار الراهب في تسييرها إلى بلد الإسلام وهل عليه في ذلك خطر في الدنيا أم إثم في الآخرة ؟ فقال له الراهب:سيرها فإنك تثاب عليه فإنها ما دخلت في ملة إلا وزلزلت قواعدها"1.



    قلتُ :قد صدق هذا الراهب إذْ منذ ظهور هذه الطريقة الحسابية في أمور دين المسلمين من مواقيت صلواتهم وصيامهم لم تزل الأمة الإسلامية تختلف شرقًا وغربًا أقول منذ ظهورها إذحتى مؤسسي هذه الطريقة اختلفوا حينأحدثوها.
    فقد تحدث عن هذا الموضوع البيروني في كتابه "القانون المسعودي" ( 1 / 63 إلى67) و(2 / 948 إلى950) وهو من أوائل من أحدث هذه الطريقة وحكى (2 / 950 ) أن أسلافه قد اختلفوا في تحديد الدرجة التي يُبنى عليها حساب الأوقات الخمسة مما يدل على أن مؤسسي ذاك الحساب اختلفوا من حين أحدثوه ، ثم لم تزل دائرة الاختلاف في هذه المسألة تتسع إلى يومنا هذا كما نشاهده فلا يكاد أرباب الطريقة الحسابية يتفقون على شيء منها وهذا بعد ممارستهم لها خلال عدة قرون بل لا يزالون يزدادون اختلافًا على اختلافهم.


    1« إخبار العلماء بأخبار الحكماء » للقفطي ( ص 29 و30 )

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2022
    المشاركات
    22

    افتراضي رد: ذم إثبات مواقيت الصلاة بالحساب

    3. العلماء الذين ذمُّوا الحساب لإثبات مواقيت الصلاة

    وقد تنبه إلى خطورة هذه الطريقة الحسابية لتحديد مواقيت الصلاة وأنكرها لعدم موافقتها مع أصول دين الإسلام ودعا إلى التمسك بالطريقة الشرعية غير واحد من علماء الشريعة الإسلامية من القدماء والمعاصرين منهم :


    % إبراهيم بن علي بن محمد بن منصور بن عوض الأصبحي أبو إسحاق اليماني الشافعي مذهبًا1 المعروف بابن المبرذع المتوفى سنة 667ه في كتابه الذي نقدمه الآن إلى القراء والذي هو بعنوان "كتاب اليواقيت في علم المواقيت"حيث قال فيه ما نصه :"اعلم أن أوقات الصلاة لا تُعرف بدرج الأسطرلاب ولا هي من علم المنجمين تُعرف بالحساب وإنما تعرف بالعيان ؛ كما جاء عنه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أن جبريل أتاه من عند الله تعالى فعلَّمه أوقات الصلاة في يومين متواليين ، والمنجمون إنما أخذوا علمهم عن إقليدس والسندهند وأرسطاطاليس وغيرهم من الفلاسفة وهم كلهم كَفَرَة يُكذِّبون بما جاءت به الأخبار عنه ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ وكذبوا العيان الذي نصَّ عليه الرسول ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ وقالوا حسابنا أصدق منه ، وهذا مذهب قوم يقال لهم السوفسطائيون جحدوا العلوم وأبطلوا الحواس الخمس ، وقد قال ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ :"ليس الخبر كالمعاينة"، فكذبوا الرسول وصدَّقوا حسابهم فالويل لهم ولمن يعمل بحسابهم خاصة في أمر الدين ومعتقدات التوحيد أو يصدقهم في مقالتهم أو في قضائهم الذي يقضون به" انتهى

    وممايدل على مكانته العلمية وعلو أهمية كتابه هذا :

    ماقاله بهاء الدين الجندي المتوفى 732هفي حقه: «كانفقيهًا نحويًّا لغويًّا عارفًا بالحسابإمامًا في علم المواقيت وتصنيف الكتاباليواقيت في علم المواقيت يدل على ذلكوهو كتاب جليل في فنِّه يُتداول بين أهلاليمن وهو برتبة الفقهاء بني فليح وعنهأخذ الفقهاءُثمقال في موضع آخر في حق الفقيه عبد الله بنمحمد الباحري : « وأخذعن ابن المبرذع كتابه اليواقيت في المواقيتوأخذته أنا عمن أخذه عنه2

    ـــوما قاله العباس بن علي الغساني الرسولي : «كانفقيهًا نحويًّا لغويًّا إمامًا عارفًابالحساب له كتاب يسمى "اليواقيتفي علم المواقيت"يدلعلى جودة معرفته وفضله وهو كتاب جليلمتداول بين أهل اليمن وهو برتبة الفقهاءبني فاضل3

    ــــوقال الزركلي :"صنَّف"اليواقيتفي معركة المواقيت"فيبغداد ،قال بامحزمة:كتابجليل يدل على سعة علم مصنفه.وقال:أخذعنه عدة من الفقهاء واستجازوه"ه4

    %أبوعبد الله محمد بن رحيق بن عبد الكريم من علماء القرن الرابع أو الخامس فيما يبدو من كتابٍ له بقي من عنوانه المستطاع قراءته من نسخته المخطوطة المحفوظة في مكتبة مدينة برلين ـــ ألمانيا ـــ5:

    "كتاب المنازل على مذاهب العرب"

    قال فيه ـــ رحمه الله تعالى ـــ :"باب مواقيت الصلاة ؛ اعلم وفقنا الله وإياك أن الأوقات لا تعرف إلا بالعيان والرصد لا بالأسطلاب والتنجيم كما ذكر بعض المتأخرين ، وإنما تحققناها بما ورد به الشرع عن النبي ــــ صلى الله عليه وعلى آله ــــ حين جاءه جبريل ـــ عليه السلام ــــ فعلَّمه أوقات الصلاة في اليومين..."انتهى كلامه

    %وحكى الماوردي الشافعي المتوفى 450ه في مسألة :هل يجزئ الصوم لمن صام بناءً على الحساب ؟وجهين اثنين في المذهب فقال : « الوجه الثاني :لايجزئه وعليه الإعادة لأن النجوم والحساب لا مدخل لها في العبادات وأحكام الشرع »ه1 قلت :فهذاالتعليل عام يشمل مواقيت الصلاة.

    %شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى 728ه فقال ـــ رحمه الله تعالى ـــ في كتابه"الردعلى المنطقيين"مانصُّه فنحن قد بينا أن شريعة الإسلام ومعرفتها ليست موقوفة على شيء يتعلم من غير المسلمين أصلاً وإن كان طريقًا صحيحًا بل طريق الجبر والمقابلة فيها تطويل يغني الله عنه بغيره كما ذكرنا في المنطق ؛ وهكذا كل ما بعث به الرسول ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ مثل العلم بجهة القبلة والعلم بمواقيت الصلاة والعلم بطلوع الفجر والعلم بالهلال فكل هذا يمكن العلم به بالطرق المعروفة التي كان الصحابة التابعون لهم بإحسان يسلكونها ولا يحتاج معها إلى شيء آخر وإن كان كثير من الناس قد أحدثوا طرقًا أُخر وكثير منهم يظن أنه لا يمكن المعرفة بالشريعة إلا بها وهذا من جهلهم. »انتهى2

    %الحافظ ابن رجب الحنبلي المتوفى 795ه
    إذ قال ـ رحمه الله ـ :"فتبين أن ديننا لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب كما يفعله أهل الكتاب من ضبط عباداتهم بمسير الشمس وحسباناتها وأن ديننا في ميقات الصيام معلق بما يرى بالبصر وهو رؤية الهلال فإن غمَّ أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب.وإنما علق بالشمس مقدار النهار الذي يجب الصيام فيه وهو متعلق بأمر مشاهد بالبصر أيضًا ؛ فأوله طلوع الفجر الثاني وهو مبدأ ظهور الشمس على وجه الأرض وآخره غروب الشمس.كما علق بمسير الشمس أوقات الصلاة ؛ فصلاة الفجر أول وقتها طلوع هذا الفجر وآخره طلوع الشمس ؛ وأول وقت الظهر زوال الشمس وآخره مصير ظل كل شيء مثله وهو أول وقت العصر وآخره اصفرار الشمس أو غروبها وهو أول وقت المغرب وآخره غروب الشفق وهو أول وقت العشاء وآخره نصف الليل أو ثلثه ويمتد وقت أهل الأعذار إلى طلوع الفجر فهذا كله غير محتاج إلى حساب ولا كتاب."انتهى3

    % سبط المارديني الشافعي المتوفى 912ه

    له فتوى مطولة بعنوان "مواقيت الصلاة على قول أهل الفلك هل توافق قول أهل الشرع أو لا"وقد قمنا بتحقيقها وألحقناها عقب تحقيقنا لكتاب اليواقيت في علم المواقيت هذا لابن المبرذع.

    % محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني المتوفى 1182ه
    قال صديق حسن خان:" للسيد الإمام العلامة المجتهد شيخ شيوخنا محمدبن إسماعيل الأمير اليماني ـــ رحمه الله ـــ رسالة سماها "اليواقيت في المواقيت" ألَّفها في ذكر أوقات الصلوات الخمس على ما وردتبه السنة المطهرة صرح فيها بأن العمل في الصلاة والصوم على علم المواقيت بدعة قبيحة من أحداث الملوك ولا يتوقف عليه معرفة أوقات الصلاة وهذه الرسالة نفيسة جدًّا."انتهى4

    %صديق حسن خان
    قالـــ رحمه الله ـــ :"فمن ظنَّ أن شيئًا من علم الشريعة محتاج إلى علم النجوم المصطلح عليه فهو إما جاهل لا يدري بالشريعة أو مغالط قد مالت نفسه إلى ما نهى عنه الشارع وأراد أن يدفع عن نفسه القائلة فاعتل بأنه لم يتعلق بمعرفة ذلك إلا لكونه قد تعلقت به معرفة أوقات الصلوات وكثيرًا من نسمعه من المشتغلين بذلك يدلي بهذه الحجة الباطلة فيصدقه من لم يثبت قدمه في علم الشريعة المطهرة".انتهى5

    % محمد ناصر الدين الألباني المتوفى 1420ه
    قال ـــ رحمه الله ـــ :"المهم أن يتأكد المسلم من غروب الشمس بطريقة أوبأخرى وأقوى هذه الطرق هي الرؤية العينية وبعدها الخبر الصحيح ممن رأى الشمس ؛ أما الآن فلا شيء من ذلك إطلاقًا إلا التوقيت الفلكي وهذا التوقيت الفلكي كرؤية الهلال الفلكية كلاهما يخالف الشريعة الإسلامية فكما لا يجوز إثبات هلال رمضان بعلم الفلك إلا بالرؤية العينية كذلك لا يجوز إثبات الإفطار أو أي وقت من الأوقات الخمس إلا بالرؤية البصرية هذه ذلك حكم الله (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوها )". انتهى6


    1 يراجع "الحاوي الكبير" له ( 3 / 423 ) ؛ وحكاه أيضًا العمراني المتوفى 558 ه في "البيان"ـ والنووي المتوفى 676 ه في "المجموع شرح المهذب"

    2 « الرد على المنطقيين » ( ص303 ـ ط. الريان )

    3 "فتح الباري" له( 2 / 295 ـ ط. ابن الجوزي )

    4 "أبجد العلوم" ( 1 / 531 ) ؛ قلت: لم أقف على هذا الكلام في كتاب "اليواقيت في المواقيت" للصنعاني المطبوع ؛ ثم وقفت لهذا الكتاب على عدة نسخ خطية ليس فيها هذا النص ؛ وإذ الأستاذ الكبير صديق حسن خان ــ عليه رحمة الله ــــ كان ينسخ المخطوطات بيده ، وقد جاء في ترجمته أنه نسخ أكثر من عشرين مخطوطًا من مخطوطات كتب الصنعاني وذلك عند القاضي حسين بن محسن الأنصاري فلعله وقف على نسخة نفيسة منه وجد فيها هذا الكلام. والله علم.

    5 كتابه "الروضة الندية شرح الدرر البهية" ـــ باب مواقيت الصلاة ــــ

    6 الشريط رقم ( 319 ) من "سلسلة الهدى والنور"





    1ينظر : "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي ؛ و"قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر" ؛ و"معجم المؤلفين"

    2« السلوك في طبقات العلماء والملوك »

    3« العطايا السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية » (ص163)

    4 كتاب "الأعلام" له

    5 قد أرَّخ كارل بروكلمان هذه المخطوطة في كتابه "تاريخ الأدب العربي" قائلًا : « كتب حوالي سنة 411 ه / 1020 م »

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2022
    المشاركات
    22

    افتراضي رد: ذم إثبات مواقيت الصلاة بالحساب

    4. الردعلى تفريق القرافي المتوفى سنة 684ه
    بينالأهلة ومواقيت الصلاة في جواز الاعتمادعلى الحساب


    ومن الناس في وقتنا الحاضر من يستحسن الحساب لمعرفة مواقيت الصلاة ــ ذلك مع إنكارهم الحساب لمعرفة الأهلة ـــــ اعتمادًا منهم على قول القرافي المالكي المفرِّق بين المسألتين في إباحة الحساب وذلك في كتابه "الفروق" تحت قوله :الفرق الثَّاني والمائة بين قاعدة أوقات الصَّلوات يجوز إثباتُها بالحساب والآلات وكل ما دلَّ عليها وبين قاعدة الأهلَّة في الرَّمضانات لا يجوز إثباتُها بالحساب.


    إذ يقول القرافي ـــ رحمه الله ـــ تحت قاعدته هذه مبررًا جواز الحساب لمواقيت الصلاة :"وذلك أن اللَّه تعالى نصب زوال الشمس سببًا لوجوب الظهر وبقية الأوقات سببًا لوجوب بقية الصلوات كما يشهد لذلك أدلة الكتاب والسنة...إلى أن قال :"فالآية أمرٌ بإيقاع هذه الصلوات في هذه الأوقات فمَن علم السبب بأي طريق كان لزمه حكمه فلذلك اُعتبر الحساب المفيدُ للقطع في أوقات الصَّلوات."انتهى

    قالمقيده ــ وفَّقه الله تعالى ـــ :يلاحظ قوله "اعتبر الحساب المفيد للقطع"، فيقال :إن غاية ما يفيد حساب مواقيت الصلاة هو التقريب لا القطعية كما قرَّره علماء المواقيت الذين مارسوا الطريقة الحسابيةكما نقله عنهم سبط المارديني ـــ مؤقت جامع الأزهر الشريف ــــ حيث قال :"فإن من مارس قراءة علم الميقات على مشايخة العلماء لم يَخْفَ عليه أن الأرباع والأسطرلابات لا يُدرك بها الزوال الحقيقي في وقته ولا الزوال في نفس الأمر بل هي تقريب ؛وقد صرَّح مشايخُ هذا العلم بأن هذه الأرباع والأسطرلابات لا يصح بها عملٌ من قَبْل الزوال بنحو ثلث ساعة إلى بعد الزوال بنحو ثلث ساعة بل هي تقريب".انتهى كلامه1

    وبذلك فقد بطل تأصيله في محاولة تفريقه هذا ،إذْ شرطه الحساب المفيد للقطع ولا قطع فيه ، ولا يقال لعل القرافي عرف حسابًا يفيد القطع في زمانه إذ سبط المارديني متأخر عنه بعدة قرون ، وبطبيعة الحال أمر الحساب يتطور قرنًا بعد قرن فلو جزم سبط المارديني في زمانه بأن مشايخ هذا العلم على أن الحساب لمواقيت الصلاة هو تقريب فمن باب أولى الحساب في زمان القرافي كان أقل ضبطًا منه بكثير ، فاشتراطه الحساب المفيد للقطع نظري محض لا واقع له ، وعلى تقدير توفر حساب يفيد القطع فهو متعقب على ضوء قول ابن تيمية "أن شريعة الإسلام ومعرفتها ليست موقوفة على شيء يتعلم من غير المسلمين أصلاً وإن كان طريقًا صحيحًا" أي وإن كان طريقًا يفيد القطع ، ونحن قد بينا آنفًا أن أصل حساب مواقيت الصلاة من الغير مسلمين ذلك لما أمر الخليفة المنصور بترجمة السندهند الهندي إلى العربية وأن يتخذه العرب مرجعًا لهم.

    وليعلم أن حتى في زماننا هذا الحساب لمواقيت الصلاة لا يفيد القطع2 وأكبر دليل على ذلك هو هذا الاختلاف الذي استولى على أرباب الحساب حيث لايكادون يتفقون على شيء منه ولو كان الحساب يفيد القطع لما وسعهم هذا الاختلاف الذي لا يزال يتَّسع.

    ثم يقول القرافي ـــ رحمة الله عليه ـــ محاولًا إثبات قطعية الحساب ما نصُّه :"وقال تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5] أيهما ذو حساب فلا يَنْخرم ذلك أبدًا كما لا يَنْخرم حساب الفصول الأربعة التي هي الصيف والشتاء والربيع والخريف ، والعوائد إذا اسْتمرَّتْ أفادت القطع".انتهى

    قلت :ما ذكره هنا ذو حساب لا ينخرم أبدًا إلا أنما ذكره لا يعلق بها مواقيت الصلاة بل مواقيت الصلاة متعلقة بالعوارض التي تحدث في حين وقت كل صلاة كما حكاه سبط المارديني عن علماء المواقيت حيث قال في معرض الكلام على وقتي العشاء والفجر ما نصُّه :"وقال علماء هذا الشأن:والحق فيهما الزيادة والنقص بحسب العوارض الحادثة مثل صفاء الجو وكدورته وقوة الهوى ورقته ووجود القمر وغيبوبته وضعف نظر الراصد وحِدَّته"انتهى3؛ وكل هذه العوارض تنخرم انخرامًا لاحصر له ولا يمكن ضبطها بحساب.
    وقدتنبه لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية قائلاً وسبب ذلك أنهم ضبطوا بالحساب ما لا يعلم بالحساب فأخطأوا طريق الصواب وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وبينت أن ما جاء به الشرع الصحيح هو الذي يوافقه العقل الصريح كما تكلمتُ على حدِّ اليوم أيضًا وبينتُ أنه لا ينضبط بالحساب لأن اليوم يظهر بسبب الأبخرة المتصاعدة فمن أراد أن يأخذ حصة العشاء من حصة الفجر إنما يصح كلامه لوكان الموجب لظهور النور وخفائه مجرد محاذاة الأفق التي تعلم بالحساب ، أما إذا كان للأبخرة في ذلك تأثير والبخار يكون في الشتاء والأرض الرطبة أكثر مما في الصيف والأرض اليابسة كان ذلك لاينضبط بالحساب فسدت طريقة القياس الحسابي ولهذا توجد حصة الفجر في زمان الشتاء أطول منها في زمان الصيف والآخذ بمجرد القياس الحسابي يشكل عليه ذلك لأن حصة الفجر عنده تتبع النهار وهذا أيضًا مبسوط في موضعه »انتهى4
    وبسبب ما ذُكر كون الشمس والقمر ذَوَي حساب لا ينخرم أبدًا ليس له تأثير في مسألة مواقيت الصلاة وبالتالي لا يمكن أن نبني على ذلك أن الحسابَ يفيد القطعَ كما يقول القرافي؛ ولعل هذا سبب اختلاف أرباب الحساب فيترجيحهم الدرجة: هل هي خمس عشرة أو أربع عشرة أو أكثر أو أقل؟ هذا الاختلاف الذي لا يكاد ينتهي مع أن كل فريق يدَّعي تأكيد ترجيحه بالمراقبة غفلةً منهم أن العوارض التي سبق ذكرها لها تأثيرها في هذا الباب ، فهُمْ كما قال ابن تيمية :"لما رأوا الشريعة قد جاءت باعتبار الرؤية أحبوا أن يعرفوا ذلك بالحساب فضلوا وأضلوا"5.

    ثمرخَّص القرافي ــــ رحمة الله عليه ــــ وجه تفريقه هذا قائلًا:"وبالجملة فصاحب الشرع نصب تحقيق أوقات الصَّلوات سببًا لوجوبها بحيث لا يكون الحسُّ دالاً على عدم دخول الوقت.."؛ وقال :"فاشترط في سببيَّة أوقات الصَّلوات التحقيق دون الرؤية وفي سببية الهلال الرؤية دون مجرَّد التحقيق".انتهى كلامه

    قال مقيده ـــ وفقه الله ـــ :إن مما يبطل هذا التوجيه ما ثبت في "الصحيحين"من حديث ابن أبي أوفى عن النبي r أنه كان في سفر فقال لرجل «انزلْ فَاجْدَحْ لي» قال:يا رسول اللَّه الشمس؟ قالانزلْ فَاجْدَحْ لي» قال:يا رسول اللَّه الشمس؟ قال «انزلْ فَاجْدَح لِي» فنزل فجدح له فشرب6، قال راوي الحديث :"ولوتراءاها أحدٌ على بَعيره لَرآها يعني الشمس"7.

    فيقال :إذا لم يكن الحسُّ دالًّا على دخول وقت الصلاة أو عدمه وإذا كان الشرط المطلوب لثبوت وقت الصلاة هو التحقيق لما أمر رسول الله r بالإفطار في هذه الحادثة ولأَمَر بالاعتماد على قول الذي يرى الشمس لو ركب البعير إذ ـــ وقتئذ ـــ ذلك هو عين التحقيق المزعوم ؛ لكن لما غابت الشمس عن حسّ الرسول rكان ذلك دالًّا على دخول الوقت ولم يعتمد ـــ عليه السلام ـــ على التحقيق المزعوم لأن الراكب هنا يرى ما لا يرى الغير راكب فيرى الشمس لم تغب من وراء العارض الذي من أجله قد غابت عن الغير راكب ، إذ لا يتصور أن تغيب الشمس عن أعين الرسول r إلا إذا كان في موضع رؤيته r أدنى عارض قد غابت الشمس بسببه.
    اللهم إلا إذا كان هناك بنيان وما إلى ذلك مما ليس من طبيعة الأرض وعلى هذا ينزَّل حديث سهل بن سعدكان r إذا كان صائمًا أمر رجلًا فأوفى على نَشَزٍ من الأرض فإذا قال قد غابت الشمس أفطر. »8
    وبذلك يجمع بين الحديثين أن حديث سهل بن سعد هذا كان في الحضر ــ حيث ورد بصيغة "كان"الدالة على المداومة ـــ ومن طبيعة الحضر أن يغلب فيه ما ليس من طبيعة الأرض من بنيان ، وأن حديث ابن أبي أوفى كان في سفر ـــ وهذا القيد منصوص عليه في الحديث ــــ ومن طبيعة السفر ألا يكون في موضع الرؤية إلا ما هو من طبيعة الأرض.




    1 يراجع فتواه المسمى "مواقيت الصلاة على قول أهل الفلك هل توافق قول أهل الشرع أو لا" في الملحق

    2 ومما يؤيد أن الحساب لمواقيت الصلاة لا يفيد القطع حتى في زماننا هذا شهادة بعض علماء عصرنا على ذلك ، منه ما ورد في فتاوى اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية ـــ المجموعة الأولى ـــ فتوى رقم ( 4991 ) بعد ذكرهم النصوص الشرعية في مواقيت الصلاة جاء : « ولم ينط ذلك بسير النجوم ولا بقول علماء الفلك فضلًا من الله تعالى وإحسانًا ودفعًا للحرج عن المكلفين من عباده ؛ وعلى هذا فالطريق الفطري السهل هو التعويل في معرفة أوقات الصلوات على ما نبه عليه الشرع من الأمارات الكونية التي تقدم بيانها لكونه عامًّا يعرفه الحضري والبدوي من متعلم وغير متعلم ؛ أما معرفة الأوقات عن طريق حساب سير النجوم فمع كونه تقريبيًّا لا يتيسر لكل أحد. » ؛ وقد جاء أيضًا في فتواهم رقم ( 4100 ) :"التقويم من الأمور الاجتهادية فالذين يضعونه بشر يخطئون ويصيبون ولا ينبغي أن تناط به أوقات الصلاة والصيام من جهة الابتداء أو الانتهاء لأن ابتداء هذه الأوقات وانتهاءها جاء في القرآن والسنة فينبغي الاعتماد على ما دلت عليه الأدلة الشرعية ولكن هذه التقاويم الفلكية قد يستفيد منها المؤذنون في أوقات الصلوات على سبيل التقريب...".

    3 يراجع فتواه "مواقيت الصلاة على قول أهل الفلك هل توافق قول أهل الشرع أو لا"

    4 "مجموع الفتاوى" ( 25 / 208 )

    5 "الرد على المنطقيين" له ( ص 310 )

    6 حديث متفق عليه ؛ أخرجه البخاري ( 1941 ) ومسلم ( 1101 )

    7 "مصنف عبد الرزاق" ( 7594 )

    8 يراجع "السلسلة الصحيحة" ( 2081 ) للألباني

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2022
    المشاركات
    22

    افتراضي رد: ذم إثبات مواقيت الصلاة بالحساب

    5. من مشكلات طريق الحساب في مواقيت الصلاة

    هذه من مشكلات الحساب لمواقيت الصلاة لأن من البدهيات معرفة أن الكرة الأرضية ليست صلعة كما تُصورها خارطة أو رسم بياني في الغالب ، وإنما الكرة الأرضية مختلفة ومتنوعة بحيث فيها جبال وغير ذلك مما يجعل بعض الأماكن أعلى من بعض والأمر الذي نسيته طريقة الحساب أن الوقت الذي تثبته لمسلمي مكانٍ مَّا قد يكون أمامهم جبل فقد تغيب عنهم الشمس ـ مثلاً ـ ولم تغب حسب نتائج الحساب أو العكس ؛ والشارع الحكيم يراعي تنوُّع سطح الأرض كما أوضحه الحديثُ المذكور.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية مُبيِّنًا أن اختلاف ارتفاع الأراضي له تأثير في الأحكام المتعلقة بالعلامات : « لأن الرؤية أمرٌ حسي لها أسباب متعددة من صفاء الهوى وكدره وارتفاع المنظر وانخفاضه وحدة البصر وكلاله ؛ فمن الناس من لا يراه ويراه من هو أحدُّ بصرًا منه ويُرى من مكان عال ولا يرى من منخفض ويكون الجو صافيًا فيرى ويكون كدرًا فلا يرى. »انتهى1

    وقال أيضًا ما نصه فلما كانت أسباب الرؤية لا تنضبط بالحساب لم تمكن معرفة وقت الرؤية بالحساب ؛ ولهذا كان قدماء علماء الهيئة كبطليموس صاحب"المجسطي"وغيره لم يتكلموا في ذلك بحرف وإنما تكلم فيه بعض المتأخرين مثل كوشيار الديلمي. »انتهى2

    ثم إن من مشكلات حساب مواقيت الصلاة أنه يثبت مواقيت تصلح لمدينة بأكملها بل وضواحيها ؛ وإن الشريعة الإسلامية قد علقت الأحكام بعلامات قد لا تتوفر على جميع سكان مدينة واحدة في آن واحد ؛ وإنما كل قوم له وقته ؛ والقرافي يقرُّ ذلك بل وقد حرره حيث قال في كتابه "الذخيرة":"والأوقات تختلف بحسب الأقطار فما من زوال لقوم إلا وهو فجر لقوم وعصر لقوم ومغرب لقوم ونصف الليل لقوم بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك الدَّرجة بعينها هي فجر وطلوع شمس وزوال وغروب ونصف ليلٍ ونصف نهار وسائر أسماء الزمان ينسب إليها بحسب أقطار مختلفة وخاطب اللَّه تعالى كل قوم بما يتحقق في قطرهم لا في قطر غيرهم فلا يخاطب أحد بزوال غير بلده ولا بفجره وهذا مجمع عليه".انتهى كلامه رحمه الله3.

    فكيف يعوَّل على تفريق القرافي مع نقله الإجماع على أن كل قوم يخاطب بفجره وعصره إلخ وذلك مع أن الحساب يخاطب أقوامًا عديدة بفجر واحد وعصر واحد ومغرب واحد إلخ ؟ فمدينةكبيرة كالقاهرة أو الرياض أو اسطنبول لاتغيب الشمس عن جميع سكانها في نفس الوقت فضلاً عن سكان ضواحيها وكفى الواقع دليلاً، ولا دليل على أن الأحكام المتعلقة بالأوقات الخمسة تكون لسكان مدينة أومنطقة أو بلد بأكملها كما هو شأن طريقة الحساب إلى يومنا هذا.

    وقد نبَّه على ذلك العلامة الألباني ـ رحمهالله ـ قائلاً : « وإن مما لا شك فيه أن هذه المواقيت تختلف باختلاف الأقاليم والبلاد ومواقعها في الأرض من حيث خطوط الطول والعرض من جهة ومن حيث انخفاضها وارتفاعها من جهة أخرى ؛ الأمر الذي يوجب على المؤذنين مراعاتها والانتباه لها فمدينة كبيرة كالقاهرة مثلاً يطلع الفجر في شرقها قبل مغربها وهكذا يقال في سائر الأوقات بل قد تكون البلدة ليست في اتساعها كالقاهرة كدمشق مثلاً فمن كان في جبل قاسيون مثلاً تختل فمواقيته عمن كان في وسطها أو في مسجدها مسجد بني أمية أو في الغوطة منها مثلاً مع ذلك فأهلها جميعًا من كان في الأعلى أو الأدنى من مناطقها يصلون ويصومون ويفطرون على أذان مسجدها ! »انتهى4
    فالقول في معرفة مواقيت الصلاة بالحساب كالقول في معرفة الأهلة به ومن حاول التفريق بينهما فأباح الحساب في واحد منهما دون الآخر فقد تناقض تناقضًا بينًا.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــــ رحمه الله ـــ ما نصُّه : « واليوم يعرف بطلوع الفجر وهو النور الذي يظهر من جهة المشرق وهو أول نور الشمس المتصل الذي لا ينقطع بخلاف الفجر الأول فإنه تأتي بعده ظلمة والاعتبار في الشرع في الصلاة والصيام وغير ذلك بالثاني وهو يعرف بالحس والمشاهدة كما يعرف الهلال ؛ويعرف بالقياس على ما قرب منه تقريبًا إذا عرف عند طلوعه مواضع الكواكب من السماء فيستدل في اليوم الثاني بذلك على وقت طلوعه. »انتهى5، وسبق قول الحافظ ابن رجب فإنغمَّ ـــ يعني الهلال ــــ أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب وإنما علق بالشمس مقدار النهار الذي يجب الصيام فيه وهو متعلق بأمر مشاهد بالبصر أيضًا. » انتهى

    ولعل القرافي ــــ رحمة الله عليه ـــ بذل جهده في الدفاع عن الاعتماد على الحساب لمعرفة مواقيت الصلاة لاعتقاده أن كافة علماء الأمة يبيحونه حيث قال في كتابه "الذخيرة":"لَا أَعْلمُ خلافًا في إثبات أوقات الصلاةبالحساب"6، فلعله أراد الدفاع عن علماء الأمة كيف ينكرون على حساب الهلال ولا ينكرون على الحساب لمواقيت الصلاة ؟ لكن الخلاف قدثبت قبله ـــ رحمه الله تعالى ــ بدليل قول أبي عبد الله محمد بن رحيق بن عبدالكريم السابق ذكره وبدليل هذا الكتاب الذي نقدمه للنشر إذ كل منهما مقدم على القرافي.
    لكننا نستفيد من عدم علم القرافي بأي خلاف في هذه المسألة أن إنكار طريقة الحساب لمعرفة مواقيت الصلاة لم يكن أمرًا معروفًا قبل عصره.

    ثم أثبتنا أن غير واحد من علماء الأمة قد تولّوا الإنكار على الحساب لمواقيت الصلاة من بعد عصر القرافي منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب الحنبلي وسبط المارديني7 والأمير الصنعاني وصديق حسن خان والألباني وكما جاء إنكاره في فتاوى اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية التي سبق ذكرها ، لكن هذا أيضًا ليس أمرًا معروفًا منتشرًا في وقتنا الحاضر ، والله ولي التوفيق.


    1 "الرد على المنطقيين" (ص 309) قلتُ : إنما كان هذا الكلام في معرض إبطال طريقة الحساب لإثبات الهلال لكنه ينطبق تمام المطابقة على الحساب لمعرفة الأوقات الخمسة من باب أولى ، والله أعلم

    2 "الرد على المنطقيين"

    3 "الذخيرة" ( 2 / 490 ـــ491 )

    4 "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ( 7 / 1303 )

    5 "الرد على المنطقيين" ( ص311 )

    6 "الذخيرة" ( 2 / 493 )

    7 ذلك وإن كان سبط المارديني يبيحه في بعض الحالات كما لو كان عارض يمنع الرؤية العينية من جبال ونحو ذلك ؛ ينظر آخر فتواه المسمى "مواقيت الصلاة على قول أهل الفلك هل توافق قول أهل الشرع أو لا" والتعليق عليها.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •