الصيام في الأدب


الأستاذ شمس الدين درمش





ما العلاقة بين الصيام والأدب؟! سؤال مثير يحتمل أكثر من إجابة، ولعل أول ما يخطر في الذهن هو ما كتبه الأدباء، وما نظمه الشعراء في هذا الشهر العظيم وآثاره الروحانية على النفس المؤمنة. وما أكثر ما قيل في رمضان ولياليه! وما أروع ما أنشد الشعراء في تجليات نفحاته!.

ولكني لم أقصد إلى شيء من هذا من العلاقة بين الصيام والأدب!.

إن أهل الأدب عموماً يطلقون عقال ألسنتهم فلا يبالون في أي واد يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون، وهم يدّعون أن للأديب حرية القول فيما يعبر به عن مشاعره وضميره كائناً ما يكون، وأن أي قيد في طريقه هو وأد للأدب قبل أن يولد، وهم في ذلك كالإنسان الذي يأكل ويشرب كل ما يجد أمامه، وما تصل إليه يده، ولو أخبره طبيبه أن فيما يأكل ويشرب ما يضر ولا ينفع!.

وقد أخبر خالق الطب والأطباء، والمرض والدواء؛ أن من الكلام ما يضر، وأن كل قول يخرج من اللسان يسجل على الإنسان: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (ق:18)، وأن ذلك يوضع في كتاب، ثم يعرض على الحساب: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) (الجاثية:29).

وحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من إطلاق اللسان بالكلام فقال: "... ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". (الترمذي: حسن صحيح). وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالصيام عن الكلام إلا ما كان فيه خير وفائدة، فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". (البخاري ومسلم).


فهل يعي الأدباء هذه الحقيقة، ويعقلون ألسنتهم عما فيه بوارهم، ليتسلموا صحائفهم من أيمانهم، لا من شمائلهم، ولا من وراء ظهورهم!؟

وها نحن أولاء في شهر رمضان مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
(البخاري، كتاب الصوم). ولا يفهمنّ أحد من هذا، ترك الصيام، فيكون قد جمع إلى سفهِ القول سقمَ الفهم، بل هو حث على هجر اللغو والمنكر من القول في الصيام، فيصوم كله مما بين لحييه؛ إلى ما بين فخذيه.