ألم يأن للرمضانيين أن يكونوا ربّانيين!


محمد سيد أحمد

تعاني أمّتنا الإسلامية اليوم من تناقضات خطيرة ومفاهيم دينية خاطئة يحاول البعض من خلالها إلحاق الدين الإسلامي وتطبيق تعاليمه بالديانات الأخرى عن طريق الارتباط بتعاليم الإسلام في ظرف زمني والتحلل منها عندما تنتهي هذه المناسبات الدينية، فالإسلام يتميز عن غيره من الديانات الأخرى بكونه الدين الجامع بين حقوق الله سبحانه وتعالى وحقوق عباده، ودين المناسبات الدينية المتعددة، سواء أكانت في اليوم والليلة، أو مناسبات أسبوعية، أو سنوية، فلا يكاد المسلم يخرج من مناسبة دينية يعبد فيها ربه حتى يدخل في أخرى، يظهر ذلك جليا في تداخل الصلوات الخمس مع غيرها من الأعمال الدنيوية، و تداخل صلاة الجمعة مع إجازة الأسبوع، ومناسبة الحج التي تعتبر أجمل مؤتمر عالمي تشهده الكرة الأرضية سنويا، بالإضافة إلى مناسبة صيام شهر رمضان التي هي موضوعنا.فما أطيبها من أخلاق يتحلى بها المسم في شهر رمضان، وما أجملها من معاملات تسود بين المسلمين فيه، بل ما أروعه من منظر يتجلى في اكتظاظ بيوت الله بالمصلين والتالين لكتابه، حتى أن المصلي إذا لم يبكِّر إلى المسجد قبل الإقامة بربع ساعة فلن يجد مكانا داخل المساجد من كثر المصلين.لكن الغرابة كل الغربة، والحسرة كل الحسرة تكمن في تلك الانتكاسة السريعة والنكوص الذي يصيب الكثير من أفراد الأمة بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، وكأن العبادات والمعاملات في الدين الإسلامي مقيدة بهذا الشهر، أو كأن الرب الذي نعبده في شهر رمضان ليس هو الذي نعبد في غيره من شهور السنة !!!.فالعلماء والدعاة إلى الله قديما وحديثا حذّروا من هذه الظاهرة، وأطلقوا على أصحابها اسم ” الرمضانيين” الذين يحرصون على أن يعيشوا الإسلام واقعا ويطبقونه في جميع مناحي حياتهم في شهر رمضان ثم يعودون إلى كل الممارسات السلبية التي كانوا عليها قبل رمضان عند انقضاء أيامه.ومن طرف العلاّمة الشنقيطي الشيخ محمد سالم بن عبد الودود –رحمه الله- أنه عندما سئل عن موعد إطلاق مردة الشياطين من أغلالهم التي صفّدوا بها طوال شهر رمضان، أجاب بأنه يعتقد أنهم يطلقون بعد صلاة عيد الفطر مباشرة، لما يراه من ممارسات مخالفة لشرع الله في هذا اليوم، ولخلو المساجد من كثير من مرتاديها الذين كانت تغص بهم قبل العيد بيوم واحد.فهذا التناقض العجيب ربما يكون أحد الأسباب الرئيسية لواقع أمتنا الذي لا يسر صديقا ولا يغيظ عدوا، وإذا ما ربطنا بين هذا التناقض في هذا الظرف الزمني الوجيز الفاصل بين بداية شهر رمضان ونهايته، وبين واقع الأمة السياسي والاقتصادي والفكري فسنكتشف أنه أحد الأسباب الرئيسية في تخلفنا وهزيمتنا، إذ لا يمكن أن نفكّر في الانتصار على عدوِّنا، وقد عجزنا عن المحافظة على نصر حققناه على أنفسنا أياما معدودة.ولو عدنا إلى تاريخ الأمة وانتصاراتها الكبرى عبر التاريخ فسنجد أن المراحل التي تحققت فيها تلك الانتصارات، كانت حافلة بالعطاء القيمي والالتزام بتعاليم الإسلامي وتجسيدها على أرض الواقع في رمضان وفي غيره، لم يكونوا رمضانيين، وإنما كانوا ربّانيين، وهذا ما نحتاج إلى أن يستوعبه السواد الأعظم من الصائمين الذين يحاولون ربط هذا الدين العظيم بظرف زمني أو مكاني.ولا بأس من التذكير بكلمات رئيسة وزراء العدو الإسرائيلي السابقة غولدا مائير، التي أشارت فيها إلى أن المسلمين لن ينتصروا على إسرائيل ما لم تكن أعداد المصلين في مساجدهم في شهر رمضان هي نفسها في الأشهر الأخرى، وأعدادهم في صلاة الفجر مثل عددهم في غيرها من الأوقات، وهي لم تقل هذه الكلمات من فراغ، بل من دراسة متأنية للتاريخ الإسلامي الذي استفاد منه الأعداء في معرفة متى يمكنهم الانتصار علينا، ومتى يدقّون ناقوس الخطر ويعلمون أن ساعة هزيمتهم قد اقتربت.
فهل نكون ربّانيين؟.