تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: هل تكون عبادة الصوم في شهر رمضان مدخلا للإصلاح الاجتماعي؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي هل تكون عبادة الصوم في شهر رمضان مدخلا للإصلاح الاجتماعي؟



    هل تكون عبادة الصوم في شهر رمضان مدخلا للإصلاح الاجتماعي؟

    - 1 -



    بقلم : الشيخ الدكتور ماجد الدرويش.


    قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)(.




    لماذا كان الصوم في شهر رمضان دون سواه من الشهور؟ٍ

    الأصل في العبادات أنها لا تعلَّل، ومعنى لا تُعلَّل: لا يقال فيها: " لِمَ "؟ فلا نقول: لم كانت صلاة الظهر أربعَ ركعات؟ ولم كانت المغرب ثلاث ركعات؟ وهكذا، فإن العبادات الأصل فيها الالتزام بالوارد في الشرع، إلا إذا ذكر الشرع لنا تعليلا للعبادة، أو حكمة لها، كقول الله عز وجل في الصلاة: ) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( .

    وقول الله عز وجل في الزكاة: ) خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ( .

    وقال في الصوم: ) كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (.

    فهذه، وأمثالها كثير، حِكَمٌ ينبغي أن تتحقق فيمن يؤدي العبادات على وجهها، ولذلك كان للعبادة الصحيحة أثر كبير في التربية والسلوك العام....

    أما: لماذا كانت فريضة الصوم في هذا الشهر دون سواه؟ قد يكون الجواب في قوله تعالى: )شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ (.

    فبيَّن سبحانه أن هذا الشهر هو الذي أُنزِل في القرآن الكريم دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، كما قال سبحانه: ) إنا أنزلناه في ليلة القدر (، فعن سعيد بن جبير قال: "نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في شهر رمضان، فجعل في سماء الدنيا".

    فنزول القرآن في ليلة القدر مما وقع الاتفاق عليه، مع خلاف في تعيين ليلة القدر: هل هي ليلة الرابع والعشرين، أم السابع والعشرين؟ أم في غيرها؟ وهو مما لا يؤثر في الاتفاق على أنه نزل جملة واحدة في ليلة القدر من شهر رمضان.




    ثم كان يتنزل بعد ذلك مفرَّقا على الحوادث، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان، إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه، حتى جمعه".

    وقال له رجل يوما: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله:)شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن(، وقوله: )إنا أنزلناه في ليلة مباركة( وقوله )إنا أنزلناه في ليلة القدر(، وقد أنزل الله في شوال، وذي القعدة، وغيره! قال: "إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر، وليلةٍ مباركة، جملة واحدة، ثم أُنزل على مواقِع النجوم رِسْلا في الشهور والأيام". أي: نزل مفرقا على الحوادث.

    فبسبب نزول القرآن فيه اكتسب شهر رمضان هذا الفضل والله أعلم، كما قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله: "إنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن لكونه أشرف الشهور بسبب هذه الفضيلة".




    كل الكتب السماوية أُنزِلَت في شهر رمضان

    وليس القرآن الكريم هو وحده الذي نزل في شهر رمضان، فقد جاء ما يفيد بأن الكتب السابقة كلها نزلت في رمضان.

    فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان).

    إذن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه الكتب على الأنبياء والمرسلين.




    وهل من مناسبة بين نزول القرآن والصوم؟

    لقد بيّن سبحانه أنّ القرآن الذي أنزله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إنما أنزله )هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان( ، وقال فيه سبحانه: ) كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ( .

    قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: وأما قوله:)هدى للناس(، فإنه يعني: رشادا للناس إلى سبيل الحق وقصد المنهج.

    وقال: وأما قوله:)وبينات(، فإنه يعني: وواضحات)من الهدى ( يعني: من البيان الدال على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه.


    وقولهوالفرقان( يعني: والفصل بين الحق والباطل.

    فالقرآن يهدي من ضلَّ إلى سواء السبيل، ويبين للناس الأحكام التي تؤدي إلى سعادتهم في الدارين، وتفرق بينهم وبين الضلالة.

    أما اتباع أوامر القرآن الكريم، والابتعاد عن نواهيه فيحتاج إلى إرادة وعزيمة وصبر.

    والصبر ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله المؤلمة، والصوم فيه تدريب وتعويد على هذه الأصناف الثلاثة من الصبر، وبالتالي هو مدرسة تأهيلية للمرء ليكون في حياته: صابرا نفسه على الطاعة، وحاجزا إياها عن المعصية، وصابرا على أقدار الله تعالى المؤلمة.

    فمن تحققت فيه هذه الخصال، مع تحرٍ دائم لأوامر الشرع تحقق فيه الرُّشدُ الذي جعله الله تعالى نتيجة من نتائج الصوم، وذلك في قوله تعالى: ) وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: هل تكون عبادة الصوم في شهر رمضان مدخلا للإصلاح الاجتماعي؟

    هل تكون عبادة الصوم في شهر رمضان مدخلا للإصلاح الاجتماعي؟

    - 2 -



    بقلم : الشيخ الدكتور ماجد الدرويش.




    الصوم مدخل للإصلاح والانتصار

    والرُّشْد، بالضّم: الاستقامةُ على طَريق الحَقِّ مَعَ تَصَلُّبٍ فِيهِ.

    والرَّشيد أَيضاً: هُوَ الَّذِي حَسُنَ تَقْديرُهُ فِيمَا قَدَّرَ، أَو الَّذِي تَنْسَاقُ تَدبيراتُه إِلى غَاياتِها على سَبيلِ السَّدادِ من غير إِشارةِ مُشيرٍ وَلَا تَسْدِيدِ مُسدِّد.

    والرَّشَاد نَقيضُ الضَّلال، وُنقل عَن بعض أَرباب الِاشْتِقَاق أَن الرُّشْد يُسْتَعْمل فِي كُلّ مَا يُحْمَد، والغَيّ فِي كلّ مَا يُذَمّ.

    وهذا يحتاج إلى مجاهدة عظيمة للنفس حتى تستقيم عليه، وهو عين الاتباع لأوامر الله سبحانه، ولأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأوامر إنما مصدرها الوحي بشقيه: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

    والرُّشدُ والرَّشاد هو أكثر شيء نحتاجه اليوم ونحن نشهد منطقتنا تموج بالفتن، وتمزقها أهواء المشاريع الفئوية الضيقة على حساب مصلحة الأمة، لدرجة أن الكثيرين من الساسة والمُقَدَّمين قد فقدوا الرشد ورجاحة العقل، وجانبهم التوفيق في الكثير من المواقف، لأنهم ينطلقون من أهوائهم التي زينها لهم الشيطان، وجانبوا التقوى التي أمرهم بها الرحمن.

    ولما كانت التقوى تتمثل في فعل ما أمر الله تعالى به ورسولُه، وترك ما نهى سبحانه عنه ورسوله،

    ولما كان الشيطان هو السببَ الأساس للانصراف عن طاعة الله تعالى ورسوله ، وعن فعل الخيرات، والمصدرَ الأساس للفجور والرذيلات،

    ولما كانت الكتب السماوية كلها أنزلت في شهر رمضان،

    ولما كانت الأمم كلها مطالبة بصيامه ( كما كتب على الذين من قبلكم ).

    فإن شهر الصوم فرصة قد لا تعوض لتحقيق التقوى وتحصيل الخير، وترك الرذائل والقبائح والأنانيات، وجمع الكلمة على الخير الذي دعت إليه كل الشرائع، والتحلي بالفضائل التي تأنس بها كل الطبائع.

    كما أنه يحمل في طياته عوامل النجاح في اكتساب المكارم، ففيه يصرف الله تعالى كيد مردة الشياطين عن الناس، كما في الحديث الصحيح: (إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ).

    وفيه يتخلص المرء من ثقل الذنوب، ويُعَوِّدُ نفسه على خصال الخير، وفي الحديث عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، فَرَضَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَجَعَلَ قِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، فَمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِخِصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَهُوَ شَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَهُوَ شَهْرٌ يُزَادُ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ فِيهِ، مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَمَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِ).


    فما أجمل هذه المعاني الإنسانية الراقية التي تحنُّ إليها البشرية في هذه الأيام الصعبة. وكم تحتاج مجتمعاتنا اليوم إلى تحقيق لب العبادات وحقائقها لنخلص من الشرور والأنانيات، ولنحقق التكافل والتكامل والرحمة في المجتمع بين كافة أبنائه.

    وكم نحن بحاجة إلى هذه العبادة لتغير نفوسنا نحو الأحسن والأفضل، فتغيير النفوس مفتاح لتغيير الواقع المرير، ومفتاح لتغيير الهزيمة إلى انتصار، وقد قال سبحانه: ) إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( .

    اللهم أعنَّا على صيام هذا الشهر الكريم، وأكرمنا بتحقيق التقوى فيه وفي سائر أيامنا، وتقبَّل منا فيه أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، واعتق رقابنا ورقاب أهلينا من النار، وفرِّج الكرب عن المكروبين، وارفع الضيم عن المظلومين، واقصُم بقوتك وجبروتك الطغاة المتكبرين. آمين يا رب العالمين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •