أطفالنا والصيام والعبادة


الشيخ عبد المجيد البيانوني



العبادة وظيفة للإنسان وغاية :



عندَما أمرنا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنْ نأمرَ أولادنا بالصلاة وهم أبناء سبع ، ونضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنوات وقصّروا في أدائها ، فهذا يعني أنّ التربية على العبادة من أهمّ ما يعتني به الشرع ويوليه رعايته ، كما يعني ذلك أنّ الإسلام جعل التدريب على الصلاة على مرحلتين ، هما قبل سنّ البلوغ والتكليف :
ـ المرحلة الأولى : مرحلة الأمر والتعليم والترغيب ، وذلك عند بلوغ سنّ السابعة .
ـ والمرحلة الثانية : مرحلة التأديب والترهيب ، وذلك إذا وقع التقصير والتهاون أو التفريط عند بلوغ العاشرة ..
فثلاث سنوات من التدريب والترغيب فرصة كافية للناشئ ، لتكون الصلاة نظاماً تتطبّع عليه حياته ، وتنشَط له أعضاؤه ، وتكون جزءاً من شخصيّته وبرنامج حياته ، فإذا تهاون بها بعد ذلك أو فرّط ناسب أن يجد من المربّي الحزم والشدّة ، ليعلم أنّ الأمر جدّ ، وأنّ وراءه مسئوليّة في الدنيا قبلَ مسئوليّة الآخرة وجزائها ..
ولا يختلف الصيام عن الصلاة إلاّ بفارق واحد ، وهو مراعاة القدرة البدنيّة للناشئ ، فقد يبلغ السابعة أو العاشرة ، وجسمه ضعيف لا يحتمل الصيام ، فيمهل حتّى يشتدّ عوده ويَقوى ، فلا يُكلّف الله نفساً إلاّ وسعَها ، فكيف بمن لم يدخُل بعد مرحلة البلوغ والتكليف .؟
وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يصوّمون صبيانهم وهم صغار ، حتّى كانوا يأتون لهم باللعب من العهن ـ أي الصوف ـ يلهّونهم بها ، حتّى يأتي وقت الإفطار .
وليس المطلوب من الناشئ أن يصوم الشهر مرّة واحدة ، فمن الممكن أن يصوم في أوّل سنة يومين أو ثلاثة أيّام مثلاً ، ثمّ يصوم بعدها أسبوعاً ، ثمّ أسبوعين .. حتّى يمكنَه بعد ذلك أن يصوم الشهر كلّه قبل أن يدخل سنّ البلوغ ..
وينبغي أن يلاحظ الوالدان تخفيف التكاليف علَى الناشئ وقت الصيام رحمةً به وترغيباً ، وذلك من الرفق الذي أمرنا به ، كما ينبغي عليهم أن يهتمّوا بالسحور ، وأن يكون مقارباً لطلوع الفجر ليكُون أعون لهم على طاعة الله تعالى .
ومن الخطأ الفادح الذي يرتكبُه بعض الآبَاء والأمّهات أنّهم يهملون أولادهم منذ الصغر ، فلا يدَرّبونهم على أداء الفرائض والطاعات لله تعالى ، فإذا وصلوا سنّ البلوغ كانت العبادة أثقل على أنفسهم من الجبال ، فلم يستجيبوا للأمر أو النهي ، وأنفوا عن طاعة الله تعالى وتمرّدوا ، وما أصدق قول الشاعر :
وينفع الأدب الأولاد في صغرٍ وليس ينفع عند الشيبة الأدبُ
إنّ الغصون إذا قوّمتها اعتدلت ولن تلين إذا قوّمتها الخشبُ
أيّها الآباء والمربون .! لقد قضَت حكمة الله تعالى أن يكون في الأطفال حافز فطريّ قويّ : أن ينظروا للكبار نظرة الاقتداء في كلّ شيء ، فهم يتشبّهون بهم ويقتدون ، ويريدون أن يُروا الكبار من أنفسهم القوّة والقدرة على أنّهم يفعلون ما يفعل الكبار ، ولا ينقصون عنهم في شيء .. وهذا الحافز الفطريّ خير عون للوالدين والمربّين على توجيه الأطفال والناشئين نحو ما فيه خيرهم وصلاح أمرهم .. فهل نقدّر مسئوليّتنا حقّ قدرها ، فينشأ أبناؤنا على حبّ العبادة والتعلّق بها ، ويكونوا قرّة عينٍ لنا في الدنيا والآخرة ، فإنّ الخير عادة والشرّ عادة ، ويشيب المرء على ما شبّ عليه ، والتربية في الصغر كالنقش في الحجر ، ويقول الشاعر :

وينشَأ ناشئ الفتيان منّا على ما كان عوّدهُ أبوهُ
اللهمّ حبّب إلينا الإيمان ، وزيّنه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ، والحمد لله ربّ العالمين