تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: خطوات نحو رمضان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي خطوات نحو رمضان

    خطوات نحو رمضان (1)






    كتبه/ سعيد السواح


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد خص الله بعض الأزمنة بالفضل، وكذلك خص بعض الأمكنة بالفضل، وعلى المسلم الصادق أن يتحين هذه الفرص بأن يتربص لهذه الأزمنة حـتى لا يفوته الفضل، ومن هذه الأزمنة التي خصها الله تعالى بالفضل هو شهر رمضان، قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ".

    والناس في استقبالهم واستعداداتهم لهذا الموسم بين مجتهد مقبل، وغافل معرض، والكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، فأنا وأنت أحد رجلين: (كيس أو عاجز).

    والكيِّس: هو العاقل الناظر في عواقب الأمور، فكان من حاله أن قهر نفسه فحملها قصرًا وقهرًا على طاعة ربه، فجاهد نفسه وهواه في الله تعالى، وعمل ليوم الموقف العظيم الذي تشخص فيه الأبصار.

    والعاجز: هو الذي يسير خلف ما يمليه عليه هواه، فهو الذي يقوده إلى ما يشتهي من لذات وشهوات وغفل عن عواقب أفعاله، ولما تسوقه هذه الأعمال ومع تفريطه وغفلته تراه يتمنى على الله الأماني؛ أنَّ ربه غني عن عمله، وعن تعذيبه ممنيًّا نفسه مع انحرافه عن منهج ربه وصراط ربه المستقيم، لكنه يُمنـي نفسه بمغفرة ذنبه وزللـه؛ فربه غفور رحيم مع إصراره، ليستمر في انحرافاته ملبيًّا ما تطلبه نفسه الأمارة بالسوء سائرًا خلف هواه!

    فكيف ترى نفسك أيها المسلم الحبيب؟!

    فمنهج الكيِّس (العاقل): محاسبة نفسه، وهو في الدنيا قبل يوم الحساب؛ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا ليوم العرض الأكبر، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا".

    فالعاقل: تراه ينظر دومًا إلى غدٍ، وإلى زاده الذي يحمله معه غدًا، فيتـربص ويتحين الأوقات والأزمنة التي جعلها الله موسمًا للطاعات والقربات، فيستزيد فيها من الأعمال الصالحة ليوم يجعل الولدان شيبًا.

    أيها العقلاء ... لقد أصبحنا على مقربة من رمضان؛ موسم الصيام والقيام وقراءة القرآن، وهو موسم للقربات والطاعات، حيث نجد هذه المعونة والمدد من ربكم، مما ييسر علينا أداء هذه العبادات التي نُعمر بها أوقات رمضان.

    ففي رمضان الكل قد أقبل على كتاب ربه بين قراءة واستماع، فلا نمل في رمضان من الاستماع للقرآن، كما لا نمل من قراءة القرآن، ومن الصلاة والاستغفار، والذكر والدعاء، فنؤدي هذه الطاعات التي قد لا نؤديها في غير رمضان بهذا الإقبال.

    فهل استعددت أيها العاقل لاستقبال رمضان؟!

    فنحن لا ننتظر حتى يأتينا رمضان، ولكن هيا بنا نخطو خطوات لنستقبل رمضان.

    فها هي ثلاث خطوات نخطو بها نحو رمضان:

    - الخـطوة الأولى: وقفة مع النفس.


    - الخطوة الثانية: تصحيح المسار.

    - الخطوة الثالثة: السير بجدٍّ واجتهاد في الطريق بلا انحراف.

    ونكمل الكلام على هذه الخطوات في المقال القادم بإذن الله.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: خطوات نحو رمضان

    خطوات نحو رمضان (2)






    كتبه/ سعيد السواح



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    الخطوة الأولى: وقفة مع النفس:

    وهي وقفة للمراجعة والمحاسبة، وتصويب الأخطاء وجـبر النُقصان.

    أقف مسترجعًا ما صدر وبدر مني من أقوال وأفعال، وحركات وسكنات.

    أقف مدققًا للنظر في سطور هذا الكتاب الذي سُطر عليَّ من إملائي، وليس من إملاء غيـري؛ فملائكة ربي الذين أوكل الله إليهم حفظي وحفظ أعمالي، ماذا كتبوا عني، وماذا كتبوا عليَّ، وما كتبوا ذلك إلا مِن واقع إملائي عليهم، "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ".

    ولقد أوجب الله عليَّ وعليك وعلى كل إنسان أن يقف هذه الوقفة مع النفس؛ لأنه ولا بد أن يقف قريبًا بين يدي ربه الملك الديان ليحاسبه على أعماله، وعندها يتمنى لو أُعطيت له الفرصة ولو للحظات معدودة لكي يصحح ما يراه خطأ، ويجبـر ما يراه نقصانًا، ولكن هيهات هيهات فقد فات الأوان.

    استمع أيها العاقل:

    استمع إلى نداء ربك الذي نادى به عليك، واقرأ رسالة ربك التي أرسلها إليك، فلتنظر ماذا تحمل هذه الرسالة، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ".

    كيف استقبلت نداء ربك؟

    هل لَبَّيتَ النداء، وقلت: لبيك ربي وسعديك، أنا عبدك بين يديك، وقد أهَّلت نفسك لكي تستمع وتقرأ رسالة ربك إليك؟!

    فما مضمون الرسالة؟

    أن تلتزم تقوى الله تعالى، وتخاف من عذابه، وتخشى من عقابه، وذلك أن تسارع بتدقيق النظر في صفحات دواوينك ماذا كًتب فيها؟ لتنظر ماذا قدَّمت للقاء ربك غدًا، ما هو زادُك الذي ستفد به على ربك؟ وما إذا كان زادُك يشفع لك عند ربك؟ وهل ترى هذا الزاد يُنجيك من عذاب ربك؟

    أيها المسلم الحبيب:

    - هل رأيت الموازين وقد نصبت؟ "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ".

    - إلى أي الدارين ستساق؟ "فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ"، "فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ . فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ".

    أيها العاقل:

    ستحاسب على عملك وليس عمل غيرك: "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا . اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا".

    أتدري ماذا سيقول العاجز؟ "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا".

    أتدري ما أمنية العاجز يوم القيامة عندما يعاين العذاب؟ "وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ" "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا".

    الوزن عند ربك على مثاقيل الذر: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه".


    وربك لا يظلم أحدًا، يقول الله تعالى كما يحكي ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه -كما في الحديث الصحيح-: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها، فمَن وجد خيرًا فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك؛ فلا يلومن إلا نفسه".




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: خطوات نحو رمضان

    خطوات نحو رمضان (3)






    كتبه/ سعيد السواح


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    الخطوة الثانية: تصحيح المسار:

    فإذا خطونا الخطوة الأولى (وقفة مع النفس ومحاسبتها) نقلتنا هذه الخطوة إلى الخطوة التالية، وهي تصحيح المسار، وهي عودة إلى المسار الصحيح إلى طريق ربنا المستقيم، ويبدأ هذا الإصلاح والتصحيح بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

    واستمع أيها الحبيب إلى نداء ربك عليك: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِ مْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

    ذنوبك لا تثقلك عن التوبة ... فلتحذر أن يُيئسك الشيطان من رحمة ربك وغفرانه لذنبك مهما عظُم، واستمع إلى ربك وهو ينادي عليك، فقد حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ربك عز وجل: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة".

    ربكم واسع المغفرة؛ فلقد بشرنا ربنا بأنه يغفر ذنوبنا مهما عظمت: "قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، ولكن ينبغي أيها الحبيب أن نصحح مفهومنا عن التوبة لنتعلم كيف نتوب.

    فالتوبة ليست إقلاع عن ذنب ومعصية ثم الندم على فعلها، وتجميع العزم على عدم العود ثانية إلى هذا الذنب فحسب، ولكن هذه هي الخطوة الأولى التي أخطو بها في طريق التوبة.

    أيها الحبيب ... لنتعلم كيف نتوب إلى الله تعالى: "وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ . وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ".

    فتعلمنا أن التوبة بعدها أقلع العبد عن ذنبه؛ فلا بد من السير في طريق التائبين، وذلك بالإنابة إلى الله، وأن نتبع هذا المنهج الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم.

    توبوا قبل ألا تتوبوا:

    فلنسارع بأقصى ما نملك قبل أن يحال بيننا وبين التوبة، فعندها سنندم ندمًا شديدًا، ولكن حيث لا يفيد الندم فقد فات الأوان: "أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ . بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ".

    وإليك قصة تائب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمَّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومَن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى، فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم -أي: حكمًا-، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له؛ فقاسوا فوجدوه إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة".

    فهذا التائب الذي صدق في توبته قبضته ملائكة الرحمة، وقالوا: أتى تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله تعالى، إنه لم يعمل خيـرًا قط، ومع ذلك انظر ماذا صنعت التوبة بهذا الرجل الذي أخذ طريق الإصلاح كما أشار إليه هذا العالم بمجانبة أهل المعاصي والابتعاد عنهم ومفارقتهم، ومصاحبة أهل التقوى والصلاح.

    فلتبادر بالتوبة قبل أن يغلق الباب دونك ... فربك يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، وما لم تصل الروح للحلقوم، وكذلك ما لم تطلع الشمس من مغربها: "هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ".

    الخطوة الثالثة: الاستقامة على الطريق:

    إن تاب العبد وسار في طريق التائبين؛ فعليه أن يمضي في الطريق المستقيم بلا انحراف أو التفات فيستقيم على أمر ربه ولا يزيغ "فاستقيموا إليه واستغفروه".

    ولقد وجَّه الله تعالى الخطاب إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"، فربكم يأمر عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يستقيم على أمره، ولا يعوج ولا ينحرف، وهو الذي هداه ربه إلى صراطه المستقيم: "قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ".

    وهو صلى الله عليه وسلم الذي لا يُعرف طريق الاستقامة إلا من خلاله: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، "وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، وهو صلى الله عليه وسلم مَن غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، وهو صلى الله عليه وسلم أول شافع ومشفع، وهو صلى الله عليه وسلم أول مَن تفتح له الجنة، وهو صلى الله عليه وسلم خير خلق الله على الإطلاق، ومع ذلك يخاطبه ربه: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".

    النبي صلى الله عليه وسلم وطلبه المستمر للهدى: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يناجي ربه ويقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".

    أيها المسلم الحبيب ... الاستقامة هي طريقك إلى الجنة: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ"، "وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى".


    وختامًا: "رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ".

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •