يوم كنا ويوم كنتم!

هدى رفاعي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مَـلكْـنا فكان العَفْـو منَّا سَجـيَّـةً فـلمَّـا ملكْـتُـمْ سـالَ بالـدَّمِ أبْــطَــحُ
وحَلَّلْـتُـمُ قتلَ الأسـارى وطالَما غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح
فحسْبُكُمُ هـذا التّـَفـاوتُ بيْـنَـنا وكـلُّ إِنـاءٍ بالـذي فـيـهِ يَنـْـضَــحُ
من الأمور المعلومة لدى المختصين بالتاريخ، والمتتبعين لأحواله: أنه لا بد فيه من نزاعات وحروب بين الدول والأمم والشعوب، فصفحاته مُضَرَّجَةٌ بالدماء، ومساحته تتناثر فيها الأشلاء، ولا زال المشهد يتجدد إلى يومنا هذا، فيطل علينا ذلك الاجتياح الروسي لأوكرانيا؛ ذلك المشهد الذي يعيد القوة الروسية إلى الواجهة من جديد؛ ليؤكِّد تغيير ميزان القوى الدولية، ويعكس بشكل واضح نهاية الهيمنة أحادية القطبية للولايات المتحدة؛ والتي لا تختلف عن مثيلاتها من الدول التي تسعي للسيطرة على العالم، والتي تحكمها مصالحها دون الالتفات لأية قِيَم أو حقوق إنسانية، أو مبادئ ومواثيق دولية؛ هذه المواثيق الدولية والحقوق الإنسانية التي تظل حبيسة السجلات يتشدقون ويلوحون بها في المواقف التي تخدم مصالحهم!
فمشهد الاعتداء على أطفال أوكرانيا ومدنها، واستخدام القنابل الفراغية؛ ما هو إلا صورة مصغَّرة من جملة الاعتداءات على المسلمين في أنحاء العالم، وهو تجسيد لبغي وعدوان هذه الدول حين امتلكت بعض القوة؛ فكيف لو ملكوا قوة كاملة، وحكموا بها العالم وحدهم دون غيرهم؟!
وهذا فارق ما بينهم وبين المسلمين الذين اتهموهم بالإرهاب تارة، وبالعنف تارة أخرى، والذي نشاهده الآن برهان أكيد على أن دعاوى الإرهاب والعنف التي تُلصَق بالمسلمين ليل نهار هم منها برآء، والقوم أحق بها وأهلها! فيوم ملكوا القوة بغوا وطغوا، وجرائمهم ملأت السهل والوادي، وهم مَن أججوا الإرهاب، وصدَّروه للعالم.

أما المسلمون فيوم ملكوا القوة وحكموا العالم وخاضوا حروبًا ومعارك، فلم يصنعوا صنيع هؤلاء، ولم يرتكبوا مثل جرائمهم؛ فعل المسلمون ذلك اتباعًا لدينهم، واقتداءً بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وعملًا بوصايا خلفاء نبيهم وقادتهم، فقد قال الله تعالى: "*فَمَنِ *اعْتَدَى *عَلَيْكُمْ *فَاعْتَدُوا *عَلَيْهِ *بِمِثْلِ *مَا *اعْتَدَى *عَلَيْكُمْ *وَاتَّقُوا *اللَّهَ *وَاعْلَمُوا *أَنَّ *اللَّهَ *مَعَ *الْمُتَّقِينَ"، ومن هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومَن معه مِن المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، *اغْزُوا *وَلَا *تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا"، ومن وصايا خلفاء نبيهم رضي الله عنهم: "لا تقتلن امرأة، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن، شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلًا، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن".
فالتاريخ الإسلامي شهد حقًّا ما يُسَمَّى بالفتح النبيل؛ تلك الفتوحات التي راعت حقوق النساء والأطفال، بل وحتى الحيوان، بل وحافظت على وجه الحياة الجميلة؛ مما دفع الناس للدخول في دين الله أفواجًا.
فالحقيقة: إنه مِن الخطأ البيِّن أن توضع الفتوحات الإسلامية الراقية في مقارنة بينها وبين الحروب البربرية العدوانية ذات الأهداف الاستعلائية!