تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ما قول العلماء في هذين الإشكالين البسيطين في مسألة الإقامة بين الكفار؟

  1. #1

    افتراضي ما قول العلماء في هذين الإشكالين البسيطين في مسألة الإقامة بين الكفار؟

    بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين المبعوث رحمة للعالمين خير صلاة و أزكى تسليم، أما بعد،

    أعود إلى هذا المكان كما جرت العادة كلما تعترضني بعض الإشكالات أو التساؤلات و هي في الواقع كثيرة و متجددة.

    إعتدت أن أنظر إلى أغلب المسائل على أنها إما بيضاء أو سوداء و هاته الطريقة في النظر إلى الأمور على ما فيها من سلبيات إلا أنه فيها كذلك من الخير الشيء الكثير..

    1ففي مسألة الإقامة بين الكفار مثلا توصلت منذ مدة طويلة نسبيا إلى أن الحل الأمثل بل و في معظم الأحيان الحل الوحيد لأغلب الإشكالات التي تعترض المسلمين في بلاد الكفار (و أنا احدهم) هي بكل بساطة الهجرة إلى بلاد المسلمين..

    إلا أن الأمور ليست دائما إما ابيض أو اسود كما سبق الذكر.. فهذا الحل و لئن كان الأمثل إلا أن ذلك لا ينفي وجود أمرين على الإنسان التفكير فيهما؛

    أوّلهما أن الإشكالات التي تواجه المسلمين قد تظل قائمة حتى لو هاجروا إلى بلاد الإسلام، (و إن كان ليس هناك مجال للمقارنة مع بلاد الكفر و لله الحمد) ففي بعض البلاد أي بلاد المسلمين نفسها قد يواجه المسلم مشاكلا من قبيل عدم السماح له بالصلاة في اوقات العمل و ما شابه ذلك و إن كان كما قلت الأمر يظل أهون بكثير من بلاد الكفار حفظ الله بلاد المسلمين.. كما أن الأمر قد يختلف من قطر إلى آخر سواء كان هذا في بلاد الإسلام أو بلاد الكفر.. أي أحيانا قد يتمكن المرء حسب وضعيته الخاصة مثلا من الإتيان بدينه في أحد أقطار البلاد الكافرة بطريقة أفضل مما يمكنه القيام به في أحد أقطار المسلمين. و لست هنا بصدد محاولة التبرير فقد كنت في غاية الوضوح أنه بصفة عامة لا مجال للمقارنة و تظل البلاد المسلمة أفضل بأضعاف كثيرة.

    أما* الإشكال الثاني فهو ما قد يسميه البعض (الذين عادة ما أشتَمّّ عليهم رائحة البدعة) ما يسمونه "فقه الواقع". ففي هذا الأمر الذي نناقشه هنا أي إقامة المسلم بين الكفار قد يحتج البعض بأننا يجب علينا أن نكون واقعيين و إن نتذكر أن هنالك الملايين من المسلمين المقيمين بين الكفار و أن إنتقالهم الفوري إلى بلاد الإسلام ليس بالأمر الهين أو العملي.

    فما قول السادة العلماء في هذا الأمر جزاكم الله خيرا؟

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما قول العلماء في هذين الإشكالين البسيطين في مسألة الإقامة بين الكفار؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسين إبن عبد الله مشاهدة المشاركة
    الإشكالات التي تواجه المسلمين قد تظل قائمة حتى لو هاجروا إلى بلاد الإسلام..... ففي بعض البلاد أي بلاد المسلمين نفسها قد يواجه المسلم مشاكلا من قبيل عدم السماح له بالصلاة في اوقات العمل و ما شابه ذلك ....... أي أحيانا قد يتمكن المرء حسب وضعيته الخاصة مثلا من الإتيان بدينه في أحد أقطار البلاد الكافرة بطريقة أفضل مما يمكنه القيام به في أحد أقطار المسلمين. و لست هنا بصدد محاولة التبرير ..
    بارك الله فيك
    الأصل في المسلم القيام بدينه وإظهاره وعدم الاختفاء به، وهذا واجب عليه
    . لكنه قد يعيش في مجتمع لا يستطيع فيه ذلك، وإلاّ أوذي وفتن عن دينه، وهنا تجب عليه الهجرة إلى بلد يستطيع فيه إظهار دينه.
    الواجب على المسلم أن يظهر دينه بقدر استطاعته، فإن خاف الفتنة ولم يستطع الهجرة جاز له كتمان دينه وعدم إظهاره لئلا يفتن.
    لكن مع الاستمساك به في الخفاء، وعدم مشايعة الكفار على كفرهم، بل ولا على معاصيهم ابتداءً من غير إكراه يبيح ذلك.
    ومن هذا يعلم أن إنكار من كان حاله كذلك لا يمكن في الظاهر باليد ولا باللسان، فيكفيه حينئذ الإنكار بالقلب الذي هو كره الكفر وأهله، وعدم الرضى عنهم وعن كفرهم، لأنه لا يمكنه إلاّ ذلك. وهذا هو معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))
    وهذا الوجوب هو مناط إيجاب الهجرة على من فتن في دينه ولم يستطع إظهاره. ، فمتى تحقق الأمن للمسلم واستطاع إظهار دينه وموالاة المسلمين والبراءة من الكافرين لم تكن الهجرة واجبة عليه.
    ومن كان يجد في بعض البلاد من الظلم والتضييق ما يمنعه من إقامة دينه فإنه ينتقل إلى الإقامة في البلاد التي يأمن فيها على دينه ونفسه وأهله، ولو كانت من بلاد الكفار حتى يجعل الله له فرجاً ومخرجاً.
    قال الشيخ اسحاق ابن عبد الرحمن ابن حسن
    ذكر ابن حجر عن صاحب المعتمد: أن الهجرة كما تجب من بلاد الكفر تجب من بلاد الإسلام، إذا أظهر المسلم بها واجباً ولم يقبل منه، ولا قدر على إظهاره.
    قال: ويوافقه قول الإمام البغوي في تفسير سورة العنكبوت، في تفسير قوله تعالى:
    {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}
    قال: قال سعيد بن جبير: "إذا عمل في أرض بالمعاصي فاخرجوا منها، فإن أرضي واسعة"،
    وقال عطاء: "إذا أُمرتم بالمعاصي فاهربوا، فإن أرضي واسعة". وكذلك يجب على كل من كان ببلد، يُعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغييرها، الهجرة إلى حيثما تتهيأ له العبادة، لقوله تعالى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
    وقال البيهقي في شعبه، ما نصه:
    اعلم أن الهجرة على ضربين:
    ظاهر، وباطن
    .
    ثم قال: فالظاهر منها- أي:
    من الهجرة-: الفرار بالجسد من الفتن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
    "أنا بريء من أهل ملتين؛ لا تتراءى ناراهما" ، فتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم منهم، لعدم هذه الشعبة فيهم،وهي: الهجرة؛ فهي إذاً من أعظم شعب الإيمان، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم - وقد ذكر الفتن -: "لا يسلم لذي دين دينه، إلامن فر من شاهق إلى شاهق"، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} الآية [سورة النساء آية: 97].
    وفي البخاري: والفرار من الفتن، من الإيمان؛ فما كان من الإيمان فهو من شعبه بلا شك.
    فالفرار ظاهر من بين ظهراني المشركين، واجب على كل مسلم
    ، وكذلك كل موضع يخاف فيه الفتنة في الدين، من ظهور بدعة، أو ما يجر إلى كفر، في أي بلد كان من بلدان المسلمين،
    فالهجرة منه واجبة إلى أرض الله الواسعة. انتهى ما ذكره البيهقي،.
    قال الغزالي- بعد ذكر كلام كثير من السلف -:
    فهذا يدل أن من بلي ببلدة قد
    استولى عليها حكم الكفار، وظهرت فيها أعلامهم وشعائرهم، فلا عذر له في المقام بها،بل يجب عليه أن يهاجر، كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [سورة النساء آية: 97]؛ فالبلاء والشر إذا ظهرا في قطر، ولم يحرز المسلم نفسه، شمل العقاب والذم الطائعين والعاصين. انتهى.
    قال الإمام أبو عبد الله الحليمي في شعب الإيمان: ومن الشح بالدين:
    أن يهاجر المسلم من موضع لا يمكنه أن يوفي الدين فيه حقوقه، إلى موضع يمكنه فيه ذلك.
    فإن أقام بدار الكفر والمعصية، ذليلاً مستضعفاً، مع إمكان انتقاله عنهما، فقد ترك فرضاً في قول كثير من العلماء، لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية. لا يقال: ليس في الآية تصريح بذكر المؤمنين، فيجوز أن يكون المراد بها: الكافر الذي مال إلى الإيمان، وأيضاً، فإنها نزلت قبل فتح مكة، فلما فتحت قال صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية"
    فنقول: ذكر العفو عمن استثنى منهم، حيث قال في آخرها:
    {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [سورة النساء آية: 98-99]
    يرد ذلك، فإن الله تعالى لا يعفو عن الكافر، وإن عزم على الإيمان، ما لم يؤمن.
    وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح" معناه: لا هجرة من مكة بعد أن صارت دار إسلام، فلا يدل على نفي وجوب الهجرة من غيرها، إذا لم يمكن إقامة الدين فيها، فإنها حينئذ كمكة قبل الفتح، ولو صارت مكة - والعياذ بالله - بحيث لا يمكن المقيم بها إقامة دينه، وجبت الهجرة منها أيضاً، لأنها إنما وجبت منها أولاً لهذا المعنى؛ فحيث وجدت هذه العلة ثبت الحكم. وكل بلد ظهر فيه الفساد، وكانت أيدي المفسدين أعلى من أيدي أهل الإصلاح، أو غلب الجهل على أهله، وتشعبت الأهواء بهم، وضعفت العلماء وأهل الحق عن مقاومتهم، واضطروا إلى كتمان الحق خوفاً على أنفسهم من الإعلان به، فهو كمكة قبل الفتح في وجوب الهجرة منها عند القدرة عليها؛ ومن لم يهاجر - والحالة هذه - لم يكن من الأشحاء بدينه، بل من السمحاء المتساهلين فيه. انتهى ما ذكره الحليمي، رحمه الله تعالى. [ الدرر السنية]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما قول العلماء في هذين الإشكالين البسيطين في مسألة الإقامة بين الكفار؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسين إبن عبد الله مشاهدة المشاركة
    ففي هذا الأمر الذي نناقشه هنا أي إقامة المسلم بين الكفار
    قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله
    وكتمان الدين شيء ، وإظهار الدين الباطل شيء آخر
    ويقول -
    بل المسلم يكون أسيرا أو منفردافي بلاد الكفر ، ولا أحد يكرهه على كلمة الكفر ، ولا يقولها ، ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، وقد يحتاج إلى أن يلين لناس من الكفار ليظنوه منهم ، وهو مع هذا لا يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، بل يكتم ما في قلبه .

    وفرق بين الكذب وبين الكتمان . فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره الله في الإظهار ، كمؤمن آل فرعون .

    ويقول شيخ الاسلام بن تيميه رحمه الله-
    فى الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح-ص-385-
    وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. .
    وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الآية الأخرى في آل عمران نزلت في النجاشي ونحوه ممن آمن بالنبي لكنه لم تمكنه الهجرة إلى النبي ولا العمل بشرائع الإسلام. لكون أهل بلده نصارى لا يوافقونه على إظهار شرائع الإسلام وقد قيل أن النبي إنما صلى عليه لما مات لأجل هذا فإنه لم يكن هناك من يظهر الصلاة عليه في جماعة كثيرة ظاهرة كما يصلي المسلمون على جنائزهم.
    ولهذا جعل من أهل الكتاب مع كونه آمن بالنبي بمنزلة من يؤمن بالنبي في بلاد الحرب ولا يتمكن من الهجرة إلى دار الإسلام ولا يمكنه العمل بشرائع الإسلام الظاهرة بل يعمل ما يمكنه ويسقط عنه ما يعجز عنه كما قال تعالى. {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}. فقد يكون الرجل في الظاهر من الكفار وهو في الباطن مؤمن كما كان مؤمن آل فرعون.
    قال تعالى. {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ
    فقد أخبر سبحانه أنه حاق بآل فرعون سوء العذاب وأخبر أنه كان من آل فرعون رجل مؤمن يكتم إيمانه وأنه خاطبهم بالخطاب الذي ذكره فهو من آل فرعون باعتبار النسب والجنس والظاهر وليس هو من آل فرعون الذين يدخلون أشد العذاب وكذلك امرأة فرعون ليست من آل فرعون هؤلاء قال الله قوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. وامرأة الرجل من آله بدليل قوله: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ}. وهكذا أهل الكتاب فيهم من هو في الظاهر منهم وهو في الباطن يؤمن بالله ورسوله محمد يعمل بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه علما وعملا و{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} وهو عاجز عن الهجرة إلى دارالإسلام كعجز النجاشي وكما أن الذين يظهرون الإسلام فيهم من هم في الظاهر مسلمون وفيهم من هو منافق كافر في الباطن أما يهودي وإما نصراني وإما مشرك وإما معطل.
    كذلك في أهل الكتاب والمشركين من هو في الظاهر منهم ومن هو في الباطن من أهل الإيمان بمحمد يفعل ما يقدر على علمه وعمله ويسقط ما يعجز عنه في ذلك وفي حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال لما مات النجاشي قال النبي: "استغفروا لأخيكم" فقال بعض القوم تأمرنا أن نستغفر لهذا العلج يموت بأرض الحبشة فنزلت: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} ذكره ابن أبي حاتم وغيره بأسانيدهم وذكره حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن البصري أن رسول الله قال استغفروا لأخيكم النجاشي فذكر مثله.
    وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الآية الأخرى في آل عمران نزلت في النجاشي ونحوه ممن آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه لم تمكنه الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا العمل بشرائع الإسلام لكون أهل بلده نصارى لا يوافقونه على إظهار شرائع الإسلام وقد قيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما صلى عليه لما مات لأجل هذا ، فإنه لم يكن هناك من يظهر الصلاة عليه في جماعة كثيرة ظاهرة كما يصلي المسلمون على جنائزهم .

    ولهذا جعل من أهل الكتاب مع كونه آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة من يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في بلاد الحرب ولا يتمكن من الهجرة إلى دار الإسلام ولا يمكنه العمل بشرائع الإسلام الظاهرة بل يعمل ما يمكنه ويسقط عنه ما يعجز عنه كما قال - تعالى - : فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة فقد يكون الرجل في
    الظاهر من الكفار وهو في الباطن مؤمن كما كان مؤمن آل فرعون .
    -
    ويقول ايضا- كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يغزو جيش هذا البيت، فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خُسِفَ بهم " ، فقيل : يا رسول الله، وفيهم المُكْرَه، قال : " يبعثون على نياتهم " . وهذا في ظاهر الأمر، وإن قتل وحكم عليه بما يحكم على الكفار فالله يبعثه على نيته، كما أن المنافقين منا يحكم لهم في الظاهر بحكم الإسلام ويبعثون على نياتهم .والجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر؛ ولهذا روي أن العباس قال : يا رسول الله، كنت مكرهًا . قال : [ أما ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله ]
    .ويقول رحمه الله-
    وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن في الباطن يكتم إيمانه من لا يعلم المسلمون حاله، إذا قاتلوا الكفار، فيقتلونه ولا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن مع المشركين، وهو في الآخرة من المؤمنين أهل الجنة، كما أن المنافقين تجري عليهم في الدنيا أحكام المسلمين وهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، فحكم الدار الآخرة غيراحكام الدار الدنيا.

    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان هذه المسألة:
    (التقاة ليست بأن أكذب وأقول بلساني ما ليس في قلبي، فإن هذا نفاق، ولكن أفعل ما أقدر عليه كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) .
    فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، لكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه. مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله، بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون وامرأة فرعون. وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه، وكتمان الدين شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر، فهذا لم يبحه الله إلا لمن أكره، بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر، والله تعالى قد فرق بين المنافق والمكره. والرافضة حالهم من جنس حال المنافقين، لا من جنس حال المكره الذي أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان)
    ومن هنا نعلم الفرق بين المناط في الإعذار بكتمان الدين، وأنه العجز عن إظهاره ولو لم يكن إكراه. وأما إظهار الكفر والمعصية فلابد
    لإباحة التقية فيه الإكراه.

    وذلك لأن القيام بتحقيق المطلوب مشروط بالاستطاعة، وأما ترك المنهي فالأصل فيه الترك، وليس مما تشترط فيه الاستطاعة، وإنما يكون اشتراط الاستطاعة عند الإكراه على المخالفة بفعل المنهي عنه.
    ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((.. وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) فعمم الأمر بالامتناع عن كل منهي عنه، وقيد فعل المأمور بالاستطاعة.
    وعلى هذا الأصل أعني اشتراط الإكراه في التظاهر بالكفر – أدلة كثيرة، منها وهو أوضحها وأظهرها قول الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
    فلم يعذر الله أحداً في الكفر الظاهر بغير الإكراه. فمن تظاهر بالكفر ولم يكن مكرها فإنه لا يكون إلا كافراً، لانشراح صدره بالكفر، لتلازم الظاهر والباطن.
    فلا عذر لأحد في ذلك بغير الإكراه مطلقا، سواء كان كفره محبة لوطنه أو لأهله وعشيرته أو توقعه أذى الكفار ونحو ذلك.
    يقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بيان دلالة
    هذه الآية على هذا الأصل: (لم يعذر الله… إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفاً أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله، أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره. فالآية تدل على هذا من وجهين:
    الأول: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد.
    والثانى: قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ [النحل:107], فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو جهل أو البغض للدين أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره عل .
    ولهذا فإنه لما كان بمكة قوم قد نطقوا بالشهادتين، لكنهم ظاهروا المشركين من غير إكراه، لم يعذرهم الله تعالى، بل حكم بنفاقهم وكفرهم، وبين ذلك للمسلمين فقال تعالى: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا [النساء: 88-89].

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما قول العلماء في هذين الإشكالين البسيطين في مسألة الإقامة بين الكفار؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، لكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه. مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله، بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون وامرأة فرعون. وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه، وكتمان الدين شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر، فهذا لم يبحه الله إلا لمن أكره،
    نعم - هذا هو الذى يرفع الاشكال عن المسلم فى أى زمان و فى أى بلد كان

  5. #5

    افتراضي رد: ما قول العلماء في هذين الإشكالين البسيطين في مسألة الإقامة بين الكفار؟

    شكرا أخي و جزاك الله خيرا على الردود الشافية و الكافية

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •