● حُكم صيام التطوع في شهر شعبان والجواب عن حديث ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) :
● إعداد : أخوكم / عبد رب الصالحين العتموني السُوهاجي

● إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وبعد :


● شهر شعبان شهر الاجتهاد في القُربات والطاعات لأنه موسم فاضل ينال الإنسان فيه بركة الوقت بأنواع من العبادات المشروعة وتمهيداً لاستقبال شهر رمضان بالأعمال الصالحة .
ومن الأعمال المُستحبة في شهر شعبان الإكثار من صيام التطوع وكان هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن الأحاديث التي تدل على ذلك ما يلي :

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يُفطر ويُفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان ) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية عند البخاري قالت : ( لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله ) .
وفي رواية أخرى عند مسلم أنها قالت : ( كان يصوم شعبان إلا قليلاً ) .

2- عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر من السنة أكثر صياماً منه في شعبان ) رواه مسلم .

3- عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً قط كاملاً إلا رمضان ولا أفطر شهراً كاملاً قط وما كان يصوم شهراً أكثر مما كان يصوم في شعبان ) رواه ابن حبان والبيهقي في شُعب الإيمان وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .

4- عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياماً منه في شعبان كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله ) رواه الترمذي والبيهقي وابن حبان وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .

5- عن عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول : ( كان أحب الشُهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان بل كان يصله برمضان ) رواه النسائي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .

6- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين مُتتابعين إلا شعبان ورمضان ) رواه النسائي والترمذي والبيهقي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .

7- عن أُم سلمة رضي الله عنها : عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان ) رواه أبو داود والنسائي والبيهقي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .

8- عن أُسامة بن زيد قال : قلت : يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشُهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : ( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم ) رواه النسائي وابن أبي شيبة وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .

● وقد ذكر العُلماء أن الحٍكمة من استحباب الإكثار من صيام التطوع في شهر شعبان هي أن كثيراً من الناس يغفلون عن الصيام في شعبان فكان صلى الله عليه وسلم يصوم أكثره ويدل على ذلك ما ورد مُعللاً كما في حديث أُسامة بن زيد السابق .

● مسألة : حكم صيام شعبان كاملاً :
● ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله كما ورد ذلك في الحديث السابق عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرين متتابعين إلا أنه كان يصل شعبان برمضان ) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة والبيهقي وأحمد وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
وفي لفظ عند أبي داود صححه الشيخ الألباني رحمه الله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان ) .
هذا الحديث ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شهر شعبان كله .

● لكن ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان إلا قليلا .
فعن أبي سلمة قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ( كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا ) رواه مسلم .

● فاختلف العلماء في التوفيق بين هذين الحديثين :
فذهب بعضهم إلى أن هذا كان باختلاف الأوقات ففي بعض السنين صام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كاملا وفي بعضها صامه النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليلا وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله .

وذهب آخرون إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكمل صيام شهر إلا رمضان وحملوا حديث أم سلمة على أن المراد أنه صام شعبان إلا قليلا قالوا : وهذا جائز في اللغة إذا صام الرجل أكثر الشهر أن يقال : صام الشهر كله .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( إن حديث عائشة يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة " أنه كان لا يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان " أي : كان يصوم معظمه ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال : جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله ...
وقال الطيبي : يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان .
ثم قال الحافظ : والأول هو الصواب ) أهـ .

يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شعبان كاملا واستدل له بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا صلى ليلة إلى الصبح ولا صام شهرا كاملا غير رمضان ) .
وبما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا قط غير رمضان ) .

وقال السندي في شرحه لحديث أم سلمة : ( يصل شعبان برمضان ) أي : فيصومهما جميعا ظاهره أنه يصوم شعبان كله ... لكن قد جاء ما يدل على خلافه فلذلك حمل على أنه كان يصوم غالبه فكأنه يصوم كله وأنه يصله برمضان ) أهـ .

● مسألة هامة :
هذه المسألة التي أود أن أشير إليها هي : ( حكم صيام التطوع إذا انتصف شهر شعبان ) لأنه ورد حديث في هذه المسألة قد يتعارض في ظاهره مع ما ذكرنا من استحباب الإكثار من صيام التطوع في شهر شعبان .

● وهذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) رواه أبوداود والترمذي والنسائي والبيهقي وابن خُذيمة وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .

وقد اختلف العُلماء في صحة هذا الحديث : فصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر وضعفه عبد الرحمن بن مهدي وأحمد وابن معين والبيهقي وأبو زرعة والأثرم .

● وقد أخذ بهذا الحديث الشافعية وبعض الحنابلة فقالوا : لا يُصام بعد النصف من شعبان إلا لمن كانت له عادة بالصيام كمن يصوم يوماً ويُفطر يوماً ومن اعتاد أن يصوم يوم الاثنين والخميس .
ولكن لم يأخذ بهذا الحديث جمهور العُلماء وردوه لضعفه وقالوا : لا يُكره الصيام بعد نصف شعبان لما ثبت في الأحاديث السابقة .

● والراجح أن هذا الحديث صحيح والنهي فيه محمول على من ابتدأ الصيام بالنصف فما بعده أما إذا كان يصوم قبل النصف ثم استمر إلى آخر الشهر فإن النهي لا يشمله وكذلك من كان له صوم مُعتاد فصادف ما بعد شعبان فليصمه لأن ذلك لا يدخل في النهي وقد ورد ما يدل على جوازه ومن ذلك :

● ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ) .
فهذا يدل على أن الصيام بعد نصف شعبان جائز لمن كانت له عادة بالصيام .

● وقد بوب النووي رحمه الله في كتابه " رياض الصالحين " : ( باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس ) أهـ .

● وقد أجاب ابن القيم رحمه الله على من ضعف الحديث فقال : ( إن هذا الحديث صحيح على شرط مُسلم وإن تفرد العلاء بهذا الحديث لا يُعد قادحاً في الحديث لأن العلاء ثقة وقد أخرج له مسلم في صحيحه عدة أحاديث عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه وكثير من السنن تفرد بها ثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم وقبلتها الأمة وعملت بها ...
ثم قال : وأما ظن معارضته بالأحاديث الدالة على صيام شعبان فلا معارضة بينهما وإن تلك الأحاديث تدل على صوم نصفه مع ما قبله وعلى الصوم المُعتاد في النصف الثاني وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف لا لعادة ولا مضافاً إلى ما قبله ) أهـ .

● وسُئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان فقال : ( هو حديث صحيح كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني والمُراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السُنة ) أهـ .

● وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( وحتى لو صح الحديث فالنهي فيه ليس للتحريم وإنما هو للكراهة فقط كما أخذ بذلك بعض أهل العلم رحمهم الله إلا من له عادة بصوم فإنه يصوم ولو بعد نصف شعبان ) أهـ .

● وخلاصة القول في هذه المسألة :
أن حديث النهي عن الصيام إذا انتصف شعبان حديث صحيح وأن النهي فيه محمول على من قصده ولم تكن له عادة سابقة في الصيام أما من كانت له عادة سابقة بالصيام فإنه يصوم ولو بعد نصف شعبان .

● أكتفي بهذا القدر وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المُراد وأسأله سُبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل .
وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله ورسوله من بريئان والله المُوفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين .

● لا تنسونا من الدعاء
● أخوكم : عبد رب الصالحين العتموني السُوهاجي