تنبيهات على منشور, من هو المشاحن الذي لا يغفر الله له في ليلة النصف من شعبان .
ما أسهل كتابة المنشورات المزينة بالرموز التعبيرية، وما أسهل أن تشيع، وما أسهل أن تنال الثقة حين تنقل ممن نثق به، ويظن الكاتب لها أنه يصحح اعتقادات وأفكارا خاطئة سادت في الأمة، فنعجب بها وننقلها, بحماسة لنصرة الحق، أو لما نظنه أول وهلة أنه حق، نفرح بها على حين غفلة لما يزين المنشور من أسماء لامعة وآثار سلفية، ويركب من لا زاد له مركبا وعرا، ويغالب طريقا حزنا للبحث عن دقة هذه المنشورات، وكم يكون البحث مضنيا، وقد لا يكتب للتصويب الانتشار كما انتشرت هذه المنشورات، وعندئذ يزداد إعجاب المرء بالسلف وعجبه من قوة صبرهم حين حبسوا أنفسهم على تنقية الحديث وسبر صحيحه من سقيمه، وتتبع أحوال الرجال، فجزاهم الله خير الجزاء.
نقل أحد الإخوة الأفاضل منشورا حول فضل المغفرة ليلة النصف من شعبان أراد منه صاحبه تصحيح مفهوم خاطئ عن المشاحن الذي لا يغفر الله له تلك الليلة، وقد بناه صاحبه على أمرين, الإيماء إلى ضعف تصحيح الحديث، وغلط مفهوم المشاحن عند الناس.
قال صاحب المنشور:
"خطأ يقع في تفسير (المشاحن)"
أحببت تنبيه إخواني المسلمين على تفسير ومعنى قول النبي (أو مشاحن) في فضيلة النصف من شعبان على من أخذ بتصحيح العلامة الألباني رحمه الله تعالى
وعلى من أخذ بتصحيح الألباني للحديث
إلا أن تفسير كلمة مشاحن أرى كثير من إخواننا يفسرونهم خطأ بخلاف المراد

▪فهم يفسرون المشاحن بالمخاصم والحاقد والمشاكل وهذا خلاف المراد بل المعنى المبتدع والمخالف للسنة كما سترون في تفسير أهل العلم".
ثم استرسل في بيان مقصوده.
ومع هذا المنشور وقفتان:
الأولى: أقل ما يحتمله هذا الكلام الإشارة إلى الخلاف في التصحيح للحديث، أو أن فضيلة هذه الليلة متوقف على قبول تصحيح الشيخ الألباني رحمه الله لهذه الأحاديث، ودقة هذا التصحيح، فإن لم يكن تصحيح الشيخ الألباني رحمه الله للحديث دقيقا سقطت هذه الفضيلة، والحق أن مسائل الحديث في التصحيح والتضعيف فيها مباحث دقيقة، تحتاج إلى دربة ومران، ويحتاج من يريد إثبات عدم دقة التصحيح بإعلال المتقدمين لطرق الحديث إلى أن ينقض كلام الشيخ رحمه الله بعلم، والشيخ رحمه الله لم يغفل علل كل طريق، بل كان تعويله في التصحيح أو التحسين على مجموع الطرق،ففي السلسلة الصحيحة, (3/135) قال الشيخ رحمه الله:
"1144 - " يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه
إلا لمشرك أو مشاحن ".

حديث صحيح، روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا وهم معاذ
ابن جبل وأبو ثعلبة الخشني وعبد الله بن عمرو وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة
وأبي بكر الصديق وعوف ابن مالك وعائشة".
ثم ذكر هذه الشواهد الثمانية ومنها (3/136):
"3 - وأما حديث عبد الله بن عمرو فيرويه ابن لهيعة حدثنا حيي بن عبد الله عن
أبي عبد الرحمن الحبلي عنه. أخرجه أحمد (رقم 6642) .
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد، قال الهيثمي: " وابن
لهيعة لين الحديث وبقية رجاله وثقوا ". وقال الحافظ المنذري: (3 / 283)
" وإسناده لين ".
قلت: لكن تابعه رشدين بن سعد بن حيي به. أخرجه ابن حيويه في " حديثه ". (3
/ 10 / 1) فالحديث حسن".
إلى أن قال رحمه الله (3/138-139):
"وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب والصحة تثبت بأقل منها
عددا ما دامت سالمة من الضعف الشديد كما هو الشأن في هذا الحديث، فما نقله
الشيخ القاسمي رحمه الله تعالى في " إصلاح المساجد " (ص 107) عن أهل التعديل
والتجريح أنه ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح، فليس مما ينبغي
الاعتماد عليه، ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول فإنما أوتي من قبل
التسرع وعدم وسع الجهد لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديك. والله
تعالى هو الموفق".
فلا تلازم بين انفراد أي من المحدثين بتصحيح الحديث أو تحسينه، وبين مخالفة غيره من أهل العلم له، فالعبرة بتطبيق القواعد.
على أنه من جهة أخرى لم ينفرد الشيخ الألباني رحمه الله بالتصحيح، ففي لطائف المعارف لابن رجب, ص136
"وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة وقد اختلف فيها فضعفها الأكثرون وصحح ابن حبان بعضها وخرجه في صحيحه ومن أمثلها حديث عائشة".
وفي الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي (1/88):
"وَالْبَزَّار وَحَسَّنَهُ وَالدَّارَقُطْن ِيُّ وَالْبَيْهَقِيّ ُ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إلَّا رَجُلًا مُشْرِكًا أَوْ رَجُلًا فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءُ»".
ولعل ما قصده من تحسين البزار هو ما جاء في مسنده, (1/206):
"حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ لِأَخِيهِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَعْلَى مَنْ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ شَيْءٌ فَجَلَالَةُ أَبِي بَكْرٍ تُحَسِّنُهُ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَنَقَلُوهُ وَاحْتَمَلُوهُ فَذَكَرْنَاهُ لِذَلِكَ".
فمما قوي به الحديث عند البزار روايته عن غير أبي بكر من وجوه أخرى، وإن كان قد ينازع فيما ذكره من وجوه أخرى لتقوية الحديث، وقد قال (1/157):
"80 - وَقَدْ رَوَى مُصْعَبُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَمِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ لِأَخِيهِ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذُكِرَتْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي بَعْضِ أَسَانِيدِهَا ضَعْفٌ وَهِيَ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّا لَمْ يَسْمَعْهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَبِيهِ لِصِغَرِهِ وَلَكِنْ حَدَّثَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَذَكَرْنَا وَبَيَّنَا الْعِلَّةَ فِيهَا، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْخَلْقِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْدَمِهِمْ لَهُ صُحْبَةً وَلَكِنْ إِنَّمَا بَقِيَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَسِيرَ وَكَانَ مَشْغُولًا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ قَلَّ حَدِيثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
ففي كلامه هذا رد على بعض كلامه الأول في بعض وجوه التحسين التي ذكرها رحمه الله.
وقد قال أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (المتوفى: 1353هـ)، في تحفة الأحوذي, (3/365) عند تعليقه على حديث عائشة رضي الله عنها عند الترمذي:
"اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي فَضِيلَةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا".
إلى أن قال (3/367):
"فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَجْمُوعِهَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي فَضِيلَةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ شَيْءٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ".
وممن صحح الحديث الشيخ شعيب الأرنؤوط في المسند ط الرسالة، بتحقيقه هو وعادل مرشد، وآخرون، فمثلا جاء في طبعة المسند هذه (11/217)، في التعليق على حديث رقم, 6642:
"حديث صحيح بشواهده".
وكذلك ذكر في سنن ابن ماجه بتحقيقه (2/400).
والمهم أنه لم ينفرد الشيخ الألباني في كل هذه العصور المتعاقبة بتصحيح الحديث أو تحسينه، فأول من نقل عنه التصحيح ابن حبان كما مر نقله عند ابن رجب، إلى آخر من مر عنهم نقل التصحيح أو التحسين.
ومن جهة أخرى فالمعول في أحاديث الترغيب والترهيب إذا لم يكن ضعفها ضعفا شديدا هو الرجاء، فكيف بحديث فيه كل هذه الطرق المختلفة الشواهد والمتابعات؟ هذا مختصر ما نص عليه العلماء عند كلامهم عن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.
ولذا لما نقل ابن رجب الخلاف المتقدم قال بعد ذلك ص138-139:
"ويتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة وقبول الدعاء في تلك الليلة وقد روي: أنها: الشرك وقتل النفس والزنا وهذه الثلاثة أعظم الذنوب عند الله كما في حديث ابن مسعود المتفق على صحته أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قال: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خسية أن يطعم معك" قال: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك" فأنزل الله تعالى ذلك: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] الآية".
فليت شعري، ماذا يفهم من كلام ابن رجب حين قال: "فيتعين ..." إلا الإشارة إلى أن الحديث في دائرة القبول، ويعول فيه على الرجاء؟!
الوقفة الثانية:
في تخطئة صاحب المنشور للمفهوم السائد عن الشحناء, حيث قال: "▪فهم يفسرون المشاحن بالمخاصم والحاقد والمشاكل وهذا خلاف المراد بل المعنى المبتدع والمخالف للسنة كما سترون في تفسير أهل العلم".
جاء في شرح السنة للبغوي رحمه الله (4/128):
"وَأَرَادَ بِالشَّحْنَاءِ: الْعَدَاوَةَ، وَقِيلَ: أَرَادَ صَاحِبَ الْبِدْعَةِ الْمُفَارِقَ لِلْجَمَاعَةِ".
فها هو رحمه الله يفسر معناها على الأصل ويصدر المعنى الثاني بقوله: "وقيل".
وفي لطائف المعارف 139:
"ومن الذنوب المانعة من المغفرة أيضا الشحناء وهي حقد المسلم على أخيه بغضا له لهوى نفسه وذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا" وقد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا وعن الأوزاعي أنه قال المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة وكذا قال ابن ثوبان: المشاحن هو التارك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الطاعن على أمته السافك دماءهم وهذا الشحناء أعني شحناء البدعة توجب الطعن على جماعة المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم كبدع الخوارج والروافض ونحوهم.
فأفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة وبغضهم والحقد عليهم واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين وإرادة الخير لهم ونصيحتهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] .
وفي المسند عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "ثلاثة أيام يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فيطلع رجل واحد فاستضافه عبد الله بن عمرو فنام عنده ثلاثا لينظر عمله فلم ير له في بيته كبير عمل فأخبره بالحال فقال له هو ما ترى إلا أني أبيت وليس في قلبي شيء على أحد من المسلمين فقال عبد الله: "بهذا بلغ ما بلغ" وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس".
ففي هذا النص من التجلية، وتفسير الحديث بنظيره من السنة, {أنظروا هذين حتى يصطلحا}، وبيان مراتب الشحناء ودرجاتها، وهو كلام لا يدع مجالا لوجود اختلاف بين مفهوم الناس للشحناء وما ورد من آثار سلفية ظاهرها التعارض.
وفي تحفة الأحوذي (3/365-66):
"وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إِبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ فَرَجَعَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حميراء أظننت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَاسَ بِك قُلْتُ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ الله ولكني ظننت أنك قبضت طول سجودك فقال أَتَدْرِي أَيَّ لَيْلَةٍ هَذِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِر ِينَ وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِ ينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَقَالَ هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَاءُ أَخَذَهُ مِنْ مَكْحُولٍ"
وفي السلسلة الصحيحة
"(المشاحن) قال ابن الأثير: " هو المعادي، والشحناء، العداوة، والتشاحن
تفاعل منه، وقال الأوزاعي: أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة
الأمة "".
فظن صاحب المنشور أن الآثار المروية تخالف فهم الناس لهذا الحديث، وبنى تخطئته على ذلك، وليس كذلك، بل كل مقصود داخل في معنى الشحناء والمشاحنة، وقد ذهل هو نفسه عما نقله عن النهاية لابن الأثير، وإنما تفسير السلف في الآثار المروية من باب تفسير النوع بأحد أفراده، وقد بسط الكلام في هذا النوع من التفسير شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته في أصول التفسير، ونبه رحمه الله على أن بعض الناس يفهم من تعدد تفسيرات السلف للكلمة أو الآية الواحدة من القرآن التعارض، وإنما هو من التنبيه على النوع بأحد أنواعه، فليراجعه من شاء هنالك، ولا يبعد أن يكون تفسير السلف للشحناء هنا من هذا الباب، فنبه بعض السلف على معنى للشحناء يغفل عنه الناس.
وليس هذا من باب الرجم بالغيب، أو تقويل السلف ما لم يقولوه، فقد مضى نقل الرواية المرسلة التي فيها, { وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ}، وكذلك مر النقل عن ابن رجب رحمه الله في بيان عموم مفهوم الشحناء وما يدخل تحته.
فلنتنبه لمثل هذه المنشورات وجزاكم الله خيرا.