الرد على الرافضة في دعواهم أن أبا حنيفة ومالكاً تفقها على جعفر الصادق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فيزعم الرافضة أن فقه أهل السنة كله مأخوذ من الإمام جعفر الصادق لأن مالكاً وأبا حنيفة تتلمذا عليه وأخذا الفقه عنه، والجواب على هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن جعفر بن محمد الصادق من أفاضل هذه الأمة جمع بين شرف النسب والعلم والزهد وهو بريء من الرافضة براءة الذئب من دم يوسف
وعامة علم جعفر الصادق أخذه من الأئمة المعروفين عند أهل السنة فهو بالإضافة إلى الرواية عن والده محمد الباقر روى عن عروة بن الزبير والقاسم بن محمد وعطاء بن أبي رباح والزهري وغيرهم.

الوجه الثاني: أننا لو سلمنا بأنهما تفقها عليه فليس الفقه في هذه الطبقة محصوراً في هذين الرجلين ومن حصره فقد غلط فهناك سفيان الثوري وقد فضله ابن المديني على مالك في الفقه وكذا الليث بن سعد والأوزاعي وغيرهم كثير وفي الطبقة الأعلى وهي طبقة التابعين كان هناك الكثير من الفقهاء المعروفين كعطاء بن أبي رباح في مكة والحسن في البصرة والنخعي والشعبي في الكوفة ورجاء بن حيوة في الشام وغيرهم كثير.

الوجه الثالث: أن واقع هذين الرجلين ينقض هذه الدعوى فإن تبايناً كبيراً بين فقه أبي حنيفة الذي فيه توسع في الرأي وفقه مالك الذي اشتهر بالاتباع وذم مالك الشديد لأبي حنيفة يدل على هذا المعنى
فلو كان مصدر الفقهين واحداً لرأيت اتفاقاً وانسجاماً ولكن التباين بين الفقهين يدل على اختلاف المصدر واختلاف الأفهام.

الوجه الرابع: أن عامة ما يحتج به الرافضة في دعوى تتلمذ أبي حنيفة على جعفر الصادق تلك الرواية التي لا خطام لها ولا زمام وهي قول أبي حنيفة (لولا السنتان لهلك النعمان) يريد السنتين اللتين قضاهما عند جعفر الصادق وهذه لا إسناد لها.

وهناك رواية أخرى يستدلون بها ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء؛ قال الذهبي في السير (6/258) :" ابْنُ عُقْدَةَ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنِ بنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّمَّانِيُّ أَبُو نَجِيْحٍ، سَمِعْتُ حَسَنَ بنَ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيْفَةَ، وَسُئِلَ: مَنْ أَفْقَهُ مَنْ رَأَيْتَ؟
قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، لَمَّا أَقدَمَهُ المَنْصُوْرُ الحِيْرَةَ، بَعَثَ إِلَيَّ، فَقَالَ:يَا أَبَا حَنِيْفَةَ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ فُتِنُوا بِجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَهَيِّئْ لَهُ مِنْ مَسَائِلِكَ الصِّعَابِ.
فَهَيَّأْتُ لَهُ أَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَجَعْفَرٌ جَالِسٌ عَنْ يَمِيْنِه، فَلَمَّا بَصُرتُ بِهِمَا، دَخَلَنِي لِجَعْفَرٍ مِنَ الهَيْبَةِ مَا لاَ يَدْخُلُنِي لأَبِي جَعْفَرٍ، فَسَلَّمتُ، وَأَذِنَ لِي، فَجَلَستُ.
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جَعْفَرٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! تَعْرِفُ هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا أَبُو حَنِيْفَةَ.
ثُمَّ أَتْبَعَهَا: قَدْ أَتَانَا.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا حَنِيْفَةَ! هَاتِ مِنْ مَسَائِلِكَ، نَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَابتَدَأْتُ أَسْأَلُه، فَكَانَ يَقُوْلُ فِي المَسْأَلَةِ: أَنْتُم تَقُوْلُوْنَ فِيْهَا كَذَا وَكَذَا، وَأَهْلُ المَدِيْنَةِ يَقُوْلُوْنَ كَذَا وَكَذَا، وَنَحْنُ نَقُوْلُ كَذَا وَكَذَا، فَرُبَّمَا تَابَعَنَا، وَرُبَّمَا تَابَعَ أَهْلَ المَدِيْنَةِ، وَرُبَّمَا خَالَفَنَا جَمِيْعاً، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى أَرْبَعِيْنَ مَسْأَلَةً، مَا أَخْرِمُ مِنْهَا مَسْأَلَةً.
ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ: أَلَيْسَ قَدْ رَوَيْنَا أَنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ أَعْلَمُهم بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ؟".

وهذه الرواية كذب فإن أبا العباس ابن عقدة رافضي متهم بالكذب والحسن بن زياد متروك
وفي هذه القصة يظهر أبو حنيفة على أنه قرين مناظر للصادق وليس تلميذاً، وقد رجعت إلى مسند أبي حنيفة الذي جمعه أبو نعيم الأصبهاني فلم أجده ذكر خبراً واحداً من طريق أبي حنيفة عن جعفر الصادق
وإنما ذكر حكايات يقرع فيهات الصادق أبا حنيفة على توسعه في القياس
والمعروف أن أبا حنيفة حمل الفقه عن حماد بن أبي سليمان وأنه كان يأخذ عن أصحابه الكوفيين ولا خبرة له بأهل المدينة وجعفر الصادق مدني.

الوجه الخامس: أما الإمام مالك فقد روى عن جعفر الصادق في عدد كبير من الشيوخ الذين روى عنهم وقد خرج في الموطأ أربعة عشر خبراً فقط
والموطأ فيه مئات الأخبار ومعلوم أن مالكاً كان أكثر روايته عن نافع والزهري وحمل بعض الفقه عن ربيعة الرأي
فهذا يبطل دعوى الرافضة ويجعلها رماداً، ثم إن ما بين فقه الرافضة وفقه مالك وأبي حنيفة من التباين يدل على أن المصدر ليس واحداً هذا على فرض التسليم أن فقه الرافضة مأخوذ من جعفر الصادق.

على أنه لا شك عندي أن فقه الصادق خيرٌ من فقه أبي حنيفة الذي كان إمام أهل الرأي الذين ضللهم السلف وذموهم ذماً شديداً ولكن المراد بيان كذب الرافضة وأنهم يتعلقون بقشة وإلا فإن الصادق منهم براء

وقال ابن تيمية في منهاج السنة :" وَأما الشَّافِعِي فَإِنَّهُ تفقه أَولا على المكيين أَصْحَاب ابْن جريج وَابْن جريج أَخذ عَن أَصْحَاب ابْن عَبَّاس
ثمَّ قدم الشَّافِعِي الْمَدِينَة وَأخذ عَن مَالك
ثمَّ كتب كتب أهل الْعرَاق وَاخْتَارَ لنَفسِهِ
وَأما أَبُو حنيفَة فشيخه الَّذِي اخْتصَّ بِهِ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان صَاحب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَإِبْرَاهِيم صَاحب عَلْقَمَة وعلقمة صَاحب ابْن مَسْعُود
وَأخذ أَبُو حنيفَة عَن عَطاء بِمَكَّة وَعَن غَيره
وَأما أَحْمد بن حَنْبَل فَكَانَ على مَذْهَب أَئِمَّة الحَدِيث أَخذ عَن هشيم وَابْن عُيَيْنَة ووكيع وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهم وَاخْتَارَ لنَفسِهِ وَكَذَا فعل ابْن رَاهَوَيْه وَأَبُو عبيد
وقولك إِن الْمَالِكِيَّة أخذُوا علمهمْ من عَليّ وَأَوْلَاده فكذب هَذَا الْمُوَطَّأ لَيْسَ فِيهِ عَن عَليّ وَأَوْلَاده إِلَّا الْيَسِير وَكَذَلِكَ الْكتب وَالسّنَن وَالْمَسَانِيد جُمْهُور مَا فِيهَا عَن غير أهل الْبَيْت
وقولك إِن أَبَا حنيفَة قَرَأَ على الصَّادِق كذب فَإِنَّهُ من أقرانه مَاتَ جَعْفَر قبله بِسنتَيْنِ وَلَكِن ولد أَبُو حنيفَة مَعَ جَعْفَر بن مُحَمَّد فِي عَام وَلَا نَعْرِف أَنه أَخذ عَن جَعْفَر وَلَا عَن أَبِيه مَسْأَلَة وَاحِدَة بل أَخذ عَمَّن كَانَ أسن مِنْهُمَا كعطاء بن أبي رَبَاح وَشَيْخه الْأَصْلِيّ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان
وجعفر بن مُحَمَّد كَانَ بِالْمَدِينَةِ"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه / عبدالله الخليفي