كيف نحمي أطفالنا من الآثار الضارة للألعاب الإلكترونية
تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في ترسيخ ثقافة مجتمعية جديدة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة والتقدم الهائل الذي أحرزته في مجال الاتصال بين الناس، بحيث باتت لاعباً مهماً، ليس في حياة الأفراد فقط، بل الأمم أيضاً.
ومما لا شك فيه أن طرق الاتصال وأنماطها هي جزء مهم من ثقافة أي مجتمع، وقد نجحت وسائل الاتصال الحديثة، في زمن قياسي، في ترسيخ طرق جديدة للتواصل بين الناس، بحيث باتت طرق التواصل التقليدية تعاني التهميش خاصة بين الأجيال الجديدة.
وتعد وسائل الاتصال الاجتماعي الجديدة مثل تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب، وسكايب، وغيرها من وسائل الاتصال سهلة ومتوافرة في يد كل شخص يدرك أهمية هذا النمط الجديد من التواصل في خدمة أغراضه الحياتية والاتصال مع الآخرين في زمن باتت فيه وسائل التواصل التقليدية بطيئة أو مكلفة في كثير من الأحيان.
لكن في المقابل فقد تسببت وسائل التواصل الجديدة في إحداث تغير في أنماط حياة الأفراد وثقافتهم على مختلف أعمارهم، ولاسيما بالنسبة إلى الأجيال الجديدة. فكثير من أمراض العصر المنتشرة بين الشباب كالانطوائية والعزلة الاجتماعية وإدمان الإنترنت والفشل الدراسي واكتساب عادات وقيم سلبية كالعنف والإجرام هي نتائج مباشرة لذلك التغير الكبير الذي أصاب ثقافتنا الاجتماعية التي تأثرت كثيراً بمجريات العصر والنقلة الكبيرة التي شهدتها التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة.
والطفل كائن اجتماعي يتأثر بما حوله، وهوية الطفل تتشكل من معتقداته التي تنبع من انتمائه، ولا بد للناس أن يدركوا أن من أوجب واجباتهم تنشئة أطفالهم على المثل الاجتماعية، والقيم الثقافية، وقد كان هذا سهلا فيما مضى، ولكننا اليوم مع وافد جديد اقتحم حياة أبنائنا، وأصبح أقرب إليهم منا؛ وهو الإنترنت الذي أعطاهم قيما ومثلا مضادة أو لنقل مختلفة تماما مع ما عندنا من قيم، فأصبح الخطر ماحقا لأنه يؤدي ببساطة إلى أن تفقد كثير من الأجيال الجديدة هويتها الثقافية، وقيمها الاجتماعية.
وثقافة الطفل إنما تتكون من عدة مصادر أهمها: المسجد والأسرة والمدرسة والأجهزة التابعة لوزارات الثقافة والإعلام والشؤون الاجتماعية والشباب، ومن هنا فالمسؤولية جماعية تجاه الاهتمام بثقافة الطفل وبالقدر الذي تتسق فيه جهود هذه الأجهزة وتنسجم في قيمها وأساليبها يصبح التكوين الثقافي للطفل منطلقا لخلق الطاقات الإبداعية وإثراء حياته وحياة مجتمعة.
آثار الألعاب الإلكترونية على عقيدة وأخلاق الأطفال والمراهقين:
جدير بالذكر أن الشريعة الإسلامية لا تحرم اللعب ولا المرح، والأصل في الألعاب الإلكترونية أنها من وسائل الترفيه المباحة، ومع التطور التقني انتشرت الألعاب الإلكترونية، وزادت معها المشكلات المتعددة على الأبناء وأسرهم، واتسعت المخاطر وتنوعت حيث يكمن الخطر الأكبر فيما اشتملت عليه بعض الألعاب الإلكترونية على ما يخالف العقيدة الإسلامية، وإفساد الأخلاق وتدمير الصحة، والترويج للعنف مما يدفع بعض الناشئة والشباب نحو إيذاء النفس أو الانتحار، أو إيذاء الآخرين.
انتشرت الألعاب الإلكترونية كنموذج للترفيه مختلف عن كل ما سبق من الألعاب الترفيهية، وتميزت تلك الألعاب بعدة مميزات، منها التنوع ما بين ألعاب الإثارة والتنشيط للذكاء والتعليمي، وغيره، ومنها أنها تستهدف جميع الأعمار والفئات، والأهم من ذلك أنها تجعل اللاعب جزء من اللعبة، وهذه الميزة لها جاذبية قوية بالنسبة للأطفال والمراهقين والشباب لأنها تطلب من اللاعب التركيز والاهتمام المستمر والإصغاء والتفاعل التام مع الأحداث بالعقل والمشاعر والنفس بحيث يشعر اللاعب أنه جزء لا يتجزأ من الأحداث وأنه العنصر الأهم في اللعبة.
ثم تطورت تلك الألعاب الإلكترونية بطريقة متلاحقة وسريعة، وأصبحت جزء من يوميات وأوقات الأطفال والمراهقين، وأصبحوا معها متفاعلين نشطاء، لهم مشاركة فعالة ودور حقيقي في إدارتها.
والطفل يقضي ساعات طويلة أمام شاشات هذه الألعاب مما جعلها منصة ذات أهمية في بناء عقلية الطفل من خلال دس السم في العسل من خلال هذه التطبيقات التي تحمل في طياتها الكثير من العادات والتقاليد والإيحاءات الجنسية والفكرية التي ربما أدت إلى اعتناق الطفل الكثير من العادات أو الأفكار التي قد تؤثر على المعتقد أو الثقافة أو الفكر، وقد شاهدنا الكثير من هذه الحوادث من قتل وانتحار وتبني أفكار غريبة إضافة إلى الخطر الداهم من المنظمات الإرهابية وعصابات ترويج المخدرات والتجارة الجنسية وغيرها من الممنوعات المروج لها عبر هذه الألعاب، ومن الآثار الصحية على النظر والعزلة الشخصية والانطواء والعدوانية وانخفاض مستوى التحصيل الدراسي كلها أصبحت مشاهد ماثلة للعيان.
أخطر السلبيات على عقيدة وأخلاق الأطفال والمراهقين:
• من أكثر الاثار السلبية للألعاب على العقيدة الإسلامية هو انتشار الألفاظ الشركية بين اللاعبين والمدمنين عليها، وأنها قد تعودهم على بعض الطقوس والعبادات لغير المسلمين من الصلبان والطقوس البوذية وغير ذلك مما يوجد في بعض هذه الألعاب، والتي تمس صحّة العقيدة الإسلامية.
• ومن مخاطرها أنها تنمي فيهم حب العدوان على الأنفس والسيارات وسلبها من أصحابها بالقوة كما تنمي فيهم حب العدوان على المحلات التجارية وتدمير الممتلكات والأموال الخاصة والعامة، ومقاومة رجال الأمن والتمرد على نظام الدولة باعتبار هذه الأعمال أعمال بطولية، فقد ثبت أنّ نِسبة جرائم القتل والسرقة قد ارتفعت بشكلٍ ملحوظ، وكذلك الجرائم الأخلاقيّة كالاعتداء، والزنا، والسبب في ذلك ألعاب العنف التي يُمارسها الأفراد.
• ومن مخاطرها تضييع الصلوات ولا يمكن لأحد إنكار ذلك، فهذه الألعاب كالمغناطيس في جذب الأطفال والمراهقين، بل والكبار أيضا. وسبب تقصيرهم في الصلاة وغيرها من العبادات.
• ومن مخاطرها وجود ألعاب بأفعال جنسية نابية وبدون رقابة أو تصنيف عمري. بعض الألعاب تحتوي على ألفاظ خارجة بمختلف اللغات قد يكررها الطفل بدون فهم معناها، وقد يتأثر بها الأطفال الأكبر سناً وتصبح جزءاً من طريقة كلامهم، كذلك تعودهم هذه الألعاب على النظر إلى صور النساء العاريات الفاتنات فيألفها ولا يستنكرها أو يستقبحها مستقبلاً.
• كما ظهر بعض أنواع الألعاب الخطيرة جداً، التي تقوم على تهديد الطفل وإرغامه على القيام بتصرفات غريبة وعدوانية، وقد ينتهي الأمر في النهاية بإصابته بالاكتئاب الحاد وانتحاره، وقد حدثت بالفعل حالات انتحار بين الأطفال والمراهقين بسبب هذه الألعاب.
• وهناك من الألعاب التي تحرض على العنصرية أو التطرف أو الشذوذ، وغيرها من التوجهات غير السوية التي قد لا يستوعبها الطفل، ولكنه يمكن أن يضطر لمحاكاة نفس السلوك.
توصيات للحد من تأثير الإنترنت على هوية الأطفال الثقافية والدينية والاجتماعية:
يواجه أكثر الآباء في هذا العصر مشكلة في عدم القدرة على تنشئة الأطفال بطريقة سليمة، وعدم نجاح محاولاتهم في توجيههم إلى الطريق الصحيح؛ وذلك تبعًا للانفتاح الالكتروني والتطور الكبير الذي نحياه، وفيما يلي بعض النصائح لحماية الأطفال وتقليل الأضرار الناجمة ومنها:
• - الحوار: على الأهل محاورة أطفالهم منذ الصغر، ومعرفة اهتماماتهم والأشياء المفضلة وغير المفضلة لديهم، لتنميتها بشكل سليم وصحّي نفسيًا وجسديًا، وتدريب الطفل على الإفصاح والحوار والمحادثة حتى لا تكون الألعاب العنيفة متنفسا له.
• - تحديد الوقت: يجب على الأسر ضرورة ترشيد استخدام الأطفال لها، فالآباء والأمهات هم القدوة وهم صانعو التغيير في حياة أبنائهم، لذا عليهم وضع قواعد للأبناء للاستخدام السليم للألعاب الإلكترونية على ألا تتجاوز مدة استخدامها من ساعة إلى ساعتين في اليوم ويكون بعد الانتهاء من الواجبات المدرسية والمنزلية المفروضة، وتحت رقابة الأسرة، مع التدقيق في نوعية الألعاب التي يقتنيها أبناؤهم، بحيث تكون ذات محتوى تفاعلي تعليمي تثقيفي، وتبث روح التحدي والمنافسة في نفوس الأبناء، وتنمي فيهم مهارات التفكير الناقد، وأسلوب حل المشكلات.
• - المراقبة: وذلك باستخدام برامج المراقبة لأجهزة الطفل لمعرفة نشاطات الطفل والألعاب التي يلعبها إذا كانت مفيدة أم لا، ومراقبة اهتمامات الطفل وتوجهاته، وأن يطلع الأب والأم على نوع الألعاب التي يلعبها والأشخاص الذين يلعب معهم وأن يتدخل بالمنع والحزم حين يتجاوز الطفل أو الابن التعليمات والأوامر التي أمره بها والداه حفاظاً على صحته أو دينه أو خلقه أو حياته.
• - المشاركة: على الأهل دائمًا مشاركة أطفالهم باهتماماتهم، فمثلًا أن تقرأ الأم للطفل قصة قبل النوم، أو أن تلعب معه لعبته المفضلّة، أو أن تشاركه في الرسم؛ لأنَّ ذلك ينمي عند الطفل حب المشاركة والابتعاد عن الفردية، وإشغال أكبر قدر ممكن من أوقاتهم بالنافع المفيد بالجلوس معهم ومبادلتهم الحديث ومشاركتهم في بعض الألعاب الحركية المفيدة التي تدخل عليهم السرور والمرح وتوثق العلاقة بين الوالدين وأولادهم، وإشغالهم أيضاً بالألعاب الإلكترونية المفيدة.
• - تحصين الطفل:وذلك عن طريق تعليم الطفل وتدريبه على تحصين ذاته، من خلال الإشارة إلى الأشياء الضارة والأشياء النافعة، وجعل الطفل مسؤولًا عن حماية ذاته من الضرر منذ الصغر، كما يجب إشراك أبنائنا في الألعاب الحركية، والنشاطات الاجتماعية والرياضية، التي تنمّي مهارات التواصل الاجتماعي، وتضمن لهم النمو الجسدي والعقلي السليم.
• وإشغالهم بحفظ القرآن والسنة والسيرة النبوية والأمثال والأشعار التي تنمي فيهم حبهم لدينهم ولوطنهم وتعويده الابتعاد عن كل ما هو مخالف للدين الإسلامي أو العادات المجتمعية السليمة.
• - الحرص الشديد على إيجاد علاقة جيدة بين الزوجين حتى لا يلجأ أي من أعضاء الأسرة للإنترنت، ليهرب إليه من جحيم البيت لإشباع الجوع العاطفي والدفء الأسري.
• وعلى الأبوين أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائكم، فلا تدفعوا الأطفال للالتزام بقواعد أنتم تفقدونها، ففاقد الشيء يخجل عندما يتحدث عنه ولا يعطيه.
• وليحذر الوالدان أن يكون همهم هو التخلصَ من إزعاج الأولاد بإشغالهم بهذه الألعاب فقط لأن هذا ينم عن سوء تقدير للعواقب، وعدم استشعار للمسؤولية الكبيرة الملقاة على عواتقهم.
• - يجب على الجهات المعنية التكاتف، بالوقوف على الألعاب الإلكترونية الحديثة التي تطرح في الأسواق كل حين، لمراقبتها، والتأكد من جودتها وفائدتها، دون أن يكون بها ما يخدش الأخلاقيات، أو يمس الدين، أو قيمة الدولة ومكانتها، وغير ذلك، للحفاظ على الشباب والأطفال وهم ثروة الوطن، الذين يجب الحرص التام على الحفاظ عليهم، علاوة على دور المساجد في التوعية برسائل تحذيرية وتوعوية عبر الجهات المعنية بالشباب، مع نشر أي من المواقف السيئة التي قد يمر بها أي منهم، دون ذكر الأسماء، والجنسية، للتوعية، وإعطاء عظة وموعظة للآخرين.
منقول