تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 16 من 16

الموضوع: هدم عقيدة المشركين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي هدم عقيدة المشركين

    ما هي عقيدة المشركين؟
    نقول: اعتقاد المشركين يتلخص في أمور:
    الأول: الاعتراف لله تعالى بالخلق والتدبير وسائر أفعاله العامة.
    ثانيًا: الاعتراف بأن آلهتهم - معبوداتهم - لا تخلق، ولا ترزق، ولا تنفع، ولا تضر. لا تنفع، ولا تضر، ولا تخلق، ولا ترزق.
    ثالثاً: اتخذوها وسائط عند الله تعالى في قضاء الحوائج فصرفوا لها من العبادات التي لا يستحقها إلا الله جعلوا وسائط فقط، جعلوا وسائط بينهم وبين الله تعالى ترفع لهم الحوائج، وترفع لهم طِلباتهم، وسُؤلاتهم إلى الله عز وجل لقربهم من الله أرادوا منها الشفاعة أن ترفع هذه الطِّلْبات إلى الرب جل وعلا لقربهم منه سبحانه، وهذه الواسطة يتقبلها، حينئذٍ يجيب من سأل، ويعطي من سأل.
    وهذا هو الشرك، هذا هو حقيقة الشرك،
    اتخذوها وسائط عند الله تعالى في قضاء الحوائج فصرفوا لها أنواعًا من العبادات التي لا يستحقها إلا الله تعالى.
    فهم يثبتون الإلهية لله تعالى،
    وذاك نصٌ في حديث حصين قبل إسلامه «كم تعبد»؟
    قال: سبعة: إلهٌ في السماء.
    إذًا هو إله وهذا فردٌ من أفراد المشركين قبل إسلامه،
    إلهٌ في السماء وستةٌ في الأرض.
    إذًا: شركهم هو تعدد الآلهة، تعدد الآلهة، أراد الله عز وجل أن يوحدوه هو سبحانه بالعباد،
    إذًا: يثبتون الإلهية لله تعالى وأثبتوها للآلهة تبعًا لا استقلالاً فتُعبد تبعًا لا استقلالاً.
    (وأبى عن الإقرار به المشركون) هذا هو التوحيد الذي رفضه وأبى المشركون الأولون أن يقروا به لفظًا، هم علموا معناه وعلموا مدلول لا إله إلا الله؛ أنه لا معبود بحقٍ إلا الله،
    لكن لأن لا يجمعوا بين التناقض بين أن يقولوا لا إله إلا الله الآلهة التي يتوجهون إليها بالعبادات باطلة من أصلها، ثم يفعلون الشرك بها ويتقربون،
    أَبَوْا عن التناقض،
    بخلاف المتأخرين يقول: لا إله إلا الله. يعني: لا معبود بحقٍ إلا الله،
    ثم بعد ذلك يُشركون به جل وعلا.
    و توحيد العبادة، (هو معنى قولك: لا إله إلا الله)
    ثم ثلاثة أمور:
    كلمة التوحيد لا إله إلا الله، لا معبود بحقٍ إلا الله، كلمة التوحيد هي لا إله إلا الله،
    وليست هي لا حول ولا قوة إلا الله، وليست هي الله أكبر، أو سبحان الله بحمده، أو وسبحان العظيم، إنما نعين كلمة التوحيد هي لا إله إلا الله،
    وهذا محل وفاقٍ بين المتكلمين مع السلف اتفقوا على هذا، على أن كلمة التوحيد هي: لا إله إلا الله. وأن لا إله إلا الله هي: كلمة التوحيد.
    لكن ما معنى لا إله إلا الله؟ السلف بإجماعهم أن معنى لا إله إلا الله يعني: لا معبود بحق إلا الله.
    وأماالمخافين فى توحيد الانبياء والمرسلين
    قالوا: لا قادر على الاختراع إلا الله. فحرفوا المعنى فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا؛
    شرح كشف الشبهات للشيخ أحمد ابن عمر

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    مجمل عقيدة المشركين.

    قال المصنف رحمه الله تعالى:
    (اعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة)
    هذا أصل عظيم تعرف به معنى التوحيد الذي جاءت به الرسل.
    ثم بين لك قاعدة
    وهي أن هذا التوحيد هو دين الرسل أجمعين الذين أرسلهم الله تعالى إلى عباده،
    فالنزاع بين الرسل وأقوامهم هو في إفراد الله تعالى بالعبادة.
    ثم بين لك سبب الذي وقع فيه الشرك وأن أول شرك إنما وقع في قوم نوح عليه السلام
    وقع الشرك في قوم صالحين، لذلك بين السبب وهو أن الغلو في الصالحين ومجاوزة الحد بهم مدحًا أو قدحًا يُعتبر من أسباب الوقوع في الشرك.
    ثم بين أن هذه الأصنام الخمسة التي أُرْسِل نوح عليه السلام من أجل دعوة الناس إلى نبذها وطرحها وهي: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر.
    أن هذه الأصنام الخمسة
    هدمها و حطمها و كسرها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -،
    وبهذا تعلم أن الله عز وجل ابتلى الخلق بهذه الأمور،
    فنوح عليه السلام أول الرسل يُبعث من أجل نبذ الناس وبعدهم عن عبادة هذه الأصنام الخمسة،
    ثم يُكَسِّرُها ويحطمها حِسًا و معنًى أيضا النبي وهو محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام وهو آخر الرسل،
    أرسله الله عز وجل إلى أناس إلى قريش ومن صفتهم حتى نعرف الحال
    لأننا نعيش واقع قد يشابه،
    بل يشابه واقع أولئك الذين بُعِثَ فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لماذا؟
    لأن الصراع بين التوحيد والشرك قائم،
    منذ أو وجد الشرك في قوم نوح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،
    فحينئذٍ لا بد من معرفة ما هو التوحيد الذي بُعِثَ به الرسل،
    ولا بد من معرفة ما هو الشرك الذي جاء الرسل لإبطاله وبعد الناس وإبعادهم عنه.
    ثم ما حال أولئك الأقوام الذين وقعوا في الشرك وبماذا عاملهم
    أو حَكَمَ عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -
    فصفتهم ومعرفة أحوالهم حينئذٍ نستطيع أن نعرف الشرك الذي يقع في زماننا هذا،
    ولذلك لا فرق بين المشركين في كل زمان،
    يعني: يشتركون في قدر معين الشرك جنس واحد،
    ولذلك الكفر ملة واحدة وإن اختلفت أسبابه وصوره وأحواله، لكنها تجتمع في الكفر.



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    (أرسله) الله إلى أناس من صفتهم أنهم (يتعبدون) لهم عبادات ...
    (ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله تعالى
    )
    ولكن عندهم خلل في تسوية غير الخالق للخالق جل وعلا
    فهم اعترفوا بأن الله تعالى خالق، وأنه رازق، وأنه محيي ومميت،
    وكذلك عبدوا الله، كانوا يعبدون الله، وهذا يدل على أنهم أصحاب دين
    عندهم دين بقايا من ملة إبراهيم عليه السلام،
    فدل ذلك على أنهم يعرفون الله تعالى ويعرفون أن الرب سبحانه معبود وأنه يُعبد،
    ولكن وقع الشرك عندهم في ماذا؟ في كونهم لم يفردوا الله تعالى بالعبادات،
    وإنما عبدوا الله وعبدوا غيره،
    دعوا الله تعالى ودعوا الآلهة الأصنام،
    ذبحوا لله تعالى وذبحوا للأصنام،
    نذروا لله تعالى ونذروا للأصنام،
    فلم يفردوا العبادة أو يفردوا الله تعالى بالعبادة،
    بل سَوَّوْا بين المعبودات وبين الرب جل وعلا،
    ولذلك مع عباداتهم كانوا يجعلون بعض المخلوقين وسائط
    يعني: يتوسلون بهذه الوسائط إلى ما عند الله تعالى،
    وهذا سببه القياس الفاسد،
    وهو قياس الرب جل وعلا على ملوك الأرض، قالوا: ملوك الأرض لا يمكن أن نأخذ ما عندهم من رفع حوائجنا وقضاء ما نريد إلا بواسطة مَنْ؟ مَنْ يُظَنُّ فيهم الصلاح ومن يكون مقربًا ذا جاهٍ عندهم،
    قالوا: الله جل وعلا ملك الملوك وهو عظيم.
    فأرادوا تعظيمه جل وعلا فقاسوه على ملوك الأرض
    فقالوا بجامع ماذا؟ بجامع أن كلاً منهما ملك،
    وقالوا: إن الله تعالى لا يمكن أن نأخذ ما نريد من المغفرة والجنة وقضاء الحوائج ورفع القربات وإغاثة اللهفات إلا بواسطة من هو صالح ومقرب عنده جل وعلا، ولذلك لا يعتقدون فيمن هو على باطل وفيمن هو ذو شر عظيم لا يعتقدون فيه أنه يرفع الحوائج، وإنما يتخذون الملائكة ويتخذون الصالحين ونحوهم ولذلك
    قال: (يجعلون بعض المخلوقين وسائط بينهم وبين الله عز وجل
    )
    ما حجتهم؟
    حجتهم قالوا: نريد التقرب إلى الله تعالى ونريد شفاعتهم عنده.
    فحينئذٍ تفهم من هذا أنهم يعرفون الله تعالى ويعرفون أنه رب، وأنه معبود، وأنه هو الذي يُسأل في رفع وقضاء الحوائج وتفريج القربات،
    ولكنهم اتخذوا هذه الأمور المعبودات وسائط بينهم وبين الله تعالى.
    ومَثَّل المصنف رحمه الله تعالى بالملائكة وعيسى ابن مريم وغيرهم
    وسواء كانوا من المعبودات الأرضية أو المعبودات العلوية،
    وسواء كانت من الأرواح الطاهرة كالملائكة وعيسى والصالحين،
    أو كانت مما لا يعقل كالأحجار والأشجار والأنصاب ونحو ذلك،
    (فبعث الله) تعالى محمد - صلى الله عليه وسلم -
    (يجدد لهم (دينهم) دين أبيهم إبراهيم)
    وهذا يدل على أنهم أصحاب دين،
    لأنهم يعرفون إبراهيم عليه السلام..
    هؤلاء المشركين الذين بُعِثَ فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وجدناهم أصحاب عبادة،
    وهذه العبادة هي مما جاء به إبراهيم عليه السلام،
    ووجدنا أنهم يرتبطون ويرفعون راية ماذا؟ اتصالهم بملة إبراهيم عليه السلام،
    بل حتى اليهود والنصارى كانوا ينتسبون إلى ملة إبراهيم عليه السلام،
    فجدد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - دين أبيهم إبراهيم،
    ويخبرهم أن هذا التقرب إلى الوسائط والاعتقاد محض حق الله خالص حق الله تعالى،
    لا يمكن أن يصرف شيء من العبادة لغير الله جل وعلا، بأي حجة كانت،
    وأيًّا كان ذلك الذي صُرِفَتْ له العبادة سواء كانوا ملائكة أو كانوا أنبياء أو رسل أو صالحين،
    لأن العبادة هذا حق محض الله جل وعلا أو محض حق الله تعالى فلا يجوز صرفها لغير الله سبحانه.
    (لا يصلح منه شيء لغيره لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل فضلاً عن غيرهما).
    ثم أثبت المصنف رحمه الله تعالى - وهذا كل ما سبق -
    قواطع من الشرح ليست من ذهن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى،
    بل أمر متفق عليه منذ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عصرنا هذا، في حقيقة التوحيد توحيد العبادة، وفي بيان دعوة الرسل لماذا أرسلوا؟
    وفي كون المشركين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -
    حجتهم ما هي؟ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]
    وأنهم اتخذوا هذه المعبودات: الأصنام والأشجار والأحجار اتخذوها وسائط،
    وأنهم يعرفون الله تعالى ويعظمون الله تعالى وأنهم يعتقدون أن الرب سبحانه إله،
    ولكن جعلوا الآلهة متعددين، فالخلاف بينهم في إفراد - بين الرسل وأقوامهم -
    في إفراد الألوهية لله سبحانه وتعالى وإلا فهم يقرون بأن الله إله الذي في السماء،
    ويجعلون القبر إله،
    والشجر إله،
    والحجر إله،
    ولذلك جاء في حديث عمران بن حصين عن أبيه حصين قبل إسلامه لما سأله النبي - صلى الله عليه وسلم -
    كم تعبد من آلهة؟ قال: سبعة - يعبد كم؟ سبعة آلة - إله في السماء وستة في الأرض -
    إله في السماء إذًا أثبت الإله الذي في السماء،
    وأثبت أنه يعبده،
    إذًا يوجهون العبادة لله جل وعلا
    وكذلك يعتقدون أنه إله، ولكن جعلوا في الأرض آلهة
    فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من لرغبتك ورهبتك»؟ من الذي تدعوه في الرغبة في الشدة والرخاء؟
    قال: الذي في السماء.


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    وأثبت المصنف أنهم يشهدون ويقرون بتوحيد الربوبية وهو إفراد الله تعالى بأفعاله
    ، أفعاله العامة كالخلق، والرزق، والتدبير، والتصرف في الكون، والإحياء والإماتة، والإعطاء والمن،
    هذه كلها لله عز وجل،
    هل ينازعون في هذه المسألة؟ هل ينازعون في كون الله جل وعلا خالق وأن غيره يخلق معه وأن الله تعالى رازق وغيره يرزق معه؟ لا
    هم يقرون بأنه لا خالق إلا الله، لا يخلق إلا الله فهو متفرد بهذه الصفة، ويعتقدون أن الله هو الرازق وحده، وأن الإحياء والإماتة والنفع والضر والمنع والإعطاء والتصرف في الملكوت كله بيد الله جل وعلا، وهذه أيضًا قطعية بمعنى أنها ليست مستنبطة نصوص الكتاب والسنة،
    والقرآن من أوله إلى آخره ما يُذكر المشركون إلا ويُذكر ما يدل على أنهم يقرون بأن الله تعالى خالق، وشطحات الصوفية والأشاعرة هذه لا يلتفت إليها،
    بأنهم يجعلون الشرك في الربوبية كما أنه شرك في العبادة،
    ولذلك قال المصنف:
    (ويشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له) في الخلق (وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي إلا هو، ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن والأراضين السبع ومن فيها كلهم عبيده). مُعَبَّدُون لله جل وعلا عبادة الاختيار وعبادة التسخير،
    لأن الكافر عبد لله جل وعلا كما أن المؤمن عبد لله تعالى،
    ولكن عبادة المؤمن عبادة اختيار وهي المحمودة والتي جاء مدحها في الكتاب والسنة {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63]،
    وأما الكافر فهو عبد بمعنى أنه مقهور لا يخرج عن قدرة الله تعالى، إذا مرض فلا يشفيه إلا الله عز وجل، وإذا طلب الولد لا يعطيه إلا الله عز وجل .. وهلم جرا.
    حينئذٍ هم عَبِيد لكنهم مسخرون (وتحت تصرفه وقهره).
    ثم بين الدليل من الكتاب بأن الكفار مقرون بتوحيد الربوبية
    وهذا أمر قطعي من الكتاب والسنة،
    بمعنى أنه ليس مما ادعاه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لأن الصوفية لهم في هذا كلام.
    ثم قال رحمه الله:
    (فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا).
    الذي هو توحيد الربوبية وأنهم يعترفون بأن الخالق هو الله وحده،
    وأن المدبر هو الله وحده، تحققت يقال أحققت كذا أي: أثبته.
    إذا تحققت يقال: أحققت كذا. أي: أثبته حقًا. أو حكمت بكونه حقًّا، وإحقاق الحق كما جاء في قوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ} [الأنفال: 8]. الإحقاق يكون على ضربين:
    الأول: بإظهار الأدلة والآيات.
    يكون بماذا؟ بإظهار الأدلة والآيات، وهنا أحق الحق من كونهم يقرون بهذا التوحيد بالنصوص السابقة {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ} [يونس: 31] ... إلى آخر الآية،
    قال تعالى: ... {وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 91].
    أي: حجةً قوية. ويكون إحقاق الحق هذا يكون من جهة الرب جل وعلا يكون بإتمام الشريعة وبثها في الكافر، إذًا {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} إحقاق الحق له ضربان طريقان:
    الأول: إظهار الأدلة والآيات.
    والثاني: إكمال الشريعة وبثها في الكافة.


    (فإذا تحققت أنهم) أي: المشركين. مشركي العرب الذين بُعث فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليجدد لهم ما اندرس من ملة إبراهيم عليه السلام أنهم مقرون، مقرون جمع مقر وهو اسم فاعل من أَقَرَّ يُقِرُّ فَهُوَ مُقِرّ، والإقرار إثبات الشيء، وقد يكون ذلك إثباتًا بالقلب وإما باللسان وإما بهما، الإقرار قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب وقد يكون بهما، والتوحيد لا يكفي فيه إقرار القلب دون اللسان، ولا إقرار اللسان دون القلب، بل لا بد من اجتماع النوعين، إقرارٌ باللسان وإقرارٌ بالقلب، ولذلك أجمع السلف على أن الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان.
    والإقرار بالتوحيد وما يجري مجراه لا يغني باللسان ما لم يضامه الإقرار بالقلب، ما لم يضامه يعني: يجتمع معه الإقرار بالقلب، ويضاد الإقرار الإنكار، ضدّ الإقرار الإنكار يعني: قد يُنكر بقلبه وقد يُنكر بلسانه، ينكر بقلبه وينكر بلسانه، والذي يحرج من الملة واحد منهما لا يُشترط فيه الاثنان، يعني: إذا أنكر بلسانه ما كان معلومًا بالدين بالضرورة ولو لم ينكر بقلبه كفر، أو أنكر بقلبه ولو لم ينكر بلسانه كفر، ولذلك المنافقون بإجماع المسلمين أنهم يقولون بألسنتهم: لا إله إلا الله. وكانوا يصلون خلف أشرف إمام في الدنيا وهو: محمد - صلى الله عليه وسلم -. وكانوا يخرجون معه للجهاد في سبيل الله، بل ويتصدقون هل نفعهم هذا؟
    ما نفعهم، أتوا بالإقرار الظاهر باللسان وفعلوا بالجوارح والأركان ولكنهم لما لم يقروا بقلوبهم وأنكروا دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقلوبهم لم ينفعهم، إذًا وجد الإقرار باللسان ولم يوجد الإقرار بالقلب، ولذلك أكذبهم الله تعالى في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8]
    {وَمِنَ النَّاسِ} بعض الناس {يَقُولُ} بلسانه لأن القول إذا أطلق انصرف إلى القول باللسان ... {يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} قال الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}. لأن الإقرار باللسان لا يكفي حتى يجتمع معه الإقرار، بالقلب لا بد من اجتماعهما، لكن لا يُحْكَمُ بانتفاء الإقرار من القلب بالظَّنِّ والشك، يعني: لا بد من شيء بارز واضح بَيِّن. فإذا أظهر الإسلام حكمنا له بالإسلام الظاهر، إن وجد في ظاهره ما يقتضي كفره حينئذٍ علمنا أن باطنه لم يُقِر،
    وأما مجرد الظنون فلا يكفي،
    إذا تحققت أنهم مقرون بهذا يعني: بتوحيد الربوبية
    وهو: إفراد الله تعالى بأفعاله. وليس المراد من قول العلماء أن الكفار مشركي العرب مقرون بتوحيد الربوبية أنهم أتوا به على وجه الكمال، هذا لم يقل به أحد من أهل العلم،
    لأنه قد يرد نحن نقول: توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلوهية وهذا حق، وتوحيد الألوهية يتضمن توحيد ... الربوبية، إذا أقروا بأفعاله جل وعلا ثم انتفى أن يعبدوا الله تعالى وحده وأن يكفروا بما يعبد من دون الله، فحينئذٍ هل يكون طعنًا في وجود توحيد الربوبية؟
    الجواب: لا، لماذا؟


    لأننا إذا قررنا القاعدة أن المشركين الذين بُعث فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ليس المراد به على وجه الكمال، فهذا لا يقول به أحد من أهل العلم،
    وإنما مرادهم به تقرير ما ثبت في القرآن، كل الذي صرحوا به في القرآن نقول: هم يقرون به، وما عدا ذلك
    فينظر فيه بحسب حالهم،
    وإنما مرادهم تقرير ما ثبت في القرآن عن المشركين من إقرارهم بالخالق والرازق والمدبر،
    فهذه من صفات الربوبية، [وقد آمن به المشركون] وقد آمن بها المشركون،
    ثم هذا ليس بحكم مطرد على جميع المشركين،
    هل كل المشركين أقروا بتوحيد الربوبية؟
    الجواب: لا،
    بل بعضهم قد أشرك أيضًا في توحيد الربوبية،
    ولذلك هي متلازمة من أشرك في واحد منها قد أشرك في الثاني، وإنما هذا يُبَيَّنُ فقط على جهة الإيضاح والتعليم، وإلا فمن أشرك في واحد منها نقول: قد أشرك في الثاني.
    ثم هذا ليس بحكم مطرد على جميع المشركين،
    إذ وُجِدَ منهم من أشرك في الربوبية، ومنهم من فَرَّق بين خصائص الربوبية فآمن ببعضها وكفر ببعض.
    إذا علمنا ذلك أنهم مقرون في الجملة بتوحيد الربوبية حينئذٍ هل أدخلهم في الإسلام؟
    الجواب: لا،
    {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}،
    {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31] آمنوا بهذا كله،
    ومع ذلك حكم الرب جل وعلا بكونهم مشركين، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم،
    دلَّ هذا على أن اعتقادهم أنه لا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله
    لم يدخلهم في التوحيد الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -،
    إذ لو كانوا مسلمين بهذا الإقرار لما حُكِمَ بشركهم أولاً، ولما قاتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذًا (وأنه) أي: أن الحال والشأن. أو أنه توحيد الربوبية يحتمل هذا
    وذاك، (لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)
    لأنه دعاهم إلى ماذا؟ إلى إفراد الله تعالى بالعبادة كما قدم به المصنف هذه الرسالة،
    وهذا هو التوحيد الذي دعاهم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -،
    وهذا شيء مغاير للإقرار بكون الرب جل وعلا خالقًا رازقًا ..
    إلى آخر مفردات الربوبية.
    إذ (لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)
    حينئذٍ نأخذ من هذا أن توحيد الربوبية والإقرار به أنه ليس هو التوحيد الذي جاء به الرسل، فليس الصراع بين الرسل وأقوامهم في إفراد الله تعالى بالخلق، لا، ولا في إفراده بالرزق ونحو ذلك،
    وإنما الصرع في كونهم يجب عليهم أن يفردوا الله تعالى بالعبادة.
    إذًا دعوة الناس إلى توحيد الربوبية وجعله أصلاً وهو الفارق بين المسلم وغيره
    نقول: هذا مخالف لدعوة المرسلين أجمعين، لماذا؟

    لأن هذا الذي ندعو الناس إليه - إن دعونا الناس إليه -
    هذا لم يحصل إنكاره من المشركين الذين بُعِثَ إليهم الأنبياء أجمعين،
    كلهم أقروا بتوحيد الربوبية
    ولكن لم يدخلهم في الإسلام،
    إذًا دعوة الناس إلى هذا التوحيد وجعله أصلاً فارقًا بين المسلم والكافر،
    نقول: هذا ليس من الدين في شيء،
    لأن المشركين أقروا بما ندعو الناس إليه،
    فدل على أن ثَمَّ فارقًا بين النوعين بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية،
    (وأنه لم يدخلهم في) الإسلام،
    إذًا التوحيد ليس هو الإقرار بالربوبية فقط
    وأن الشرك ليس هو الشرك في الربوبية فقط،
    ولذلك كما سيأتي الأشاعرة والماتريدية والصوفية القبوريين يرون أن التوحيد هو توحيد الربوبية فقط لا غير،
    وأن الشرك إنما هو الشرك في الربوبية فقط لا غير،
    وهذا موافق لدين المشركين،
    وليس ثَمَّ فرقًا ممن يدعي ذلك أن هذا هو التوحيد
    وبين أولئك الذين قاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم -،
    لأنهم أقروا بهذا وشركهم لم يكن في الجملة في الربوبية
    وإنما كان في صرف العبادة لغير الله تعالى،
    فتوحيد الربوبية إذًا لا يُدْخِلُ أحدًا في الإسلام وليس هو المطلوب من العباد ومما حصل فيه الابتلاء،
    لكن هذا لا يجعل أن الأمر يحصل عندنا قضية عكسية
    نقول: الرسل بُعِثُوا بالدعوة إلى التوحيد توحيد الألوهية أصالةً،
    وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات هذا جاءوا به بتكميله وإيضاحه وتأكيده عند الناس،
    فحينئذٍ هم دعوا إلى التوحيد بجميع أصنافه
    ولكن هل بُعثوا من أجل توحيد الربوبية؟
    الجواب: لا، ثَمَّ سؤالان:
    السؤال الأول ما هو؟
    ..
    هل دعا الأنبياء إلى توحيد الربوبية؟
    نعم، هل دعا الأنبياء إلى توحيد الربوبية؟
    تقول: نعم دعوا لأنهم جاءوا بالتوحيد بأصنافه الثلاثة.
    السؤال الثاني: هل بُعثوا من أجل توحيد الربوبية؟

    لا، الجواب الأول: نعم، الثاني: لا، إذًا دعوا إلى إفراد الله تعالى بالعبادة،
    ودعوا إلى تأكيد إفراده جل وعلا بأفعاله، ودعوا إلى تأكيد إفراده وإثباته ونفي،
    بإثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه من أسماء وصفات ونفي ما نفاه عن نفسه في الكتاب والسنة،
    فدل هذا على أنهم بُعِثُوا بهذه الأنواع الثلاثة،
    لكن الأصل هو توحيد الألوهية ولذلك لم يُبْعَثُوا من أجل توحيد الربوبية،
    ففرق بين المسألتين،

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    (فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا، وأنه لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعرفت)
    وهذه مقدمة ثانية (وعرفت) أيقنت وعلمت لأن المسائل هذه كلها قطعية ليست مسائل اجتهادية وليست استنباطات من ابن تيمية رحمه الله تعالى أو محمد بن عبد الوهاب،
    وإنما هي مسائل قطعية عند السلف
    لأن أمر التوحيد أمر واضح بين لا نزاع في الأصول العامة في مسائل العقيدة بين السلف وممن تبعهم من الخلف،
    (وعرفت) وأيقنت وعلمت (أن التوحيد الذي جَحَدُوهُ) يعني: جحده المشركون.
    ولما قيل لهم: قولوا: لا إله إلا الله. قالوا: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص: 5].
    كما قال أولئك: ... {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} [الأعراف: 70]
    فهي قضية واحدة،
    المشركون المتأخرون كالمتقدمين لا فرق بينهم في رد الرسائل،
    (وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه) أي: جحده المشركون هو: توحيد العبادة.
    وهو أن لا يُعْبَدَ إلا الله وهو مفهوم كلمة التوحيد لا إله إلا الله،
    إذ مفهومها وما دلت عليه وما تقتضيه هو أن لا يُعْبَدَ إلا الله جل وعلا،
    وهذا المعنى أيضًا مجمع عليه بين السلف لا خلاف بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين،
    بإجماع أن معنى لا إله إلا الله لا معبود حق إلا الله تعالى،
    حينئذٍ إذا فُسِّرَتْ بغير هذا المعنى نقول: هذا مردود على صاحبه.
    إذًا التوحيد الذي جحده المشركون وامتنعوا وأبوا عن الإقرار به هو إفراد الله تعالى بالعبادة،
    إذًا آمنوا بنوع وكفروا وجحدوا بنوع آخر،
    آمنوا بإفراد الله تعالى بأفعاله،
    وكفروا وجحدوا وامتنعوا عن الإقرار بإفراد الله تعالى بالعبادة،
    وهذا أمر واضح بَيِّن من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المشركين الذين أرسل إليهم
    (هو توحيد العبادة) أن لا يعبد إلا الله عز وجل
    (الذي يسميه) يعني: توحيد الألوهية. (المشركون في زماننا)
    في زمان المصنف رحمه الله تعالى انظر
    قال: (المشركون في زماننا). في زماننا تدل على أن هذه للعهد الحضوري، والمشركون جمع مشرك، والمشرك اسم فاعل وهو ما دل على ذات متصفة بوصف،
    المصنف هنا حكم على أهل زمانه بكونهم مشركين مع قولهم لا إله إلا الله،
    أولئك المشركون الذين قاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم
    لما علموا معنى لا إله إلا الله أيقنوا معناها، وأنها تبطل تعدد الآلهة،
    رفضوا وأبوا أن يقولوا لا إله إلا الله، ولذلك طلب منهم كلمة واحدة
    قال: ألهذا جمعتنا تبًا لك ألهذا جمعتنا.

    {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} رفضوا أن ينطقوا بهذه الكلمة مع علمهم بمعناها،
    وأما المتأخرون - كما سيأتي تصريحًا في كلام المصنف - نطقوا بـ لا إله إلا الله
    لأنهم ينتسبون إلى الإسلام وُلِدُوا في بلاد المسلمين وتربوا على الانتساب إلى الإسلام
    ولا أقول: على الإسلام. على الانتساب إلى الإسلام فقالوا: لا إله إلا الله.
    ومع ذلك قد فعلوا الشرك الأكبر بسائر صنوفه وأنواعه من التقرب إلى غير الله جل وعلا،
    واتخاذ تلك المعبودات وسائط عند الله تعالى بصرف نوع أو أنواع من العبادات إليها.
    إذًا فعلوا الشرك أو لا؟ فعلوا الشرك.
    المصنف هنا قال: (الذي يسميه المشركون).
    فحكم المصنف على أهل زمانه الذين وقعوا في الشرك بكونهم مشركين،
    إذًا لا خلاف وهذا أمر مجمع عليه لغةً وشرعًا،
    أن كل من وقع في فعل في حدث وجب أن يُشْتَقَّ له اسم من ذلك الحدث،
    فإذا قام رجل وقف تقول: هذا واقف. واقف هذا اسم فاعل دل على ذات متصفة بصفة هي الوقوف، قائم دل على ذات متصفة بصفة هي القيام، جالس هل من لم يجلس تقول له: جالس؟
    هل المستيقظ يقال له: نائم؟


    لا، هذا ممتنع لغةً بإجماع أهل اللغة،
    فاسم الفاعل وهذه قاعدة عامة كل اسم مشتق
    ومنه اسم الفاعل لا يجوز إطلاقه على شخص إلا إذا اتصف بمدلول الحدث الذي اشتق منه،
    ذلك اللفظ فتقول للنائم: نائم. إذًا هي ذات متصفة بالنوم،
    والمستيقظ مستيقظ لأنه ليس بنائم، ولا تأتي للقائم تقول له: جالس. والمستيقظ تقول له: نائم. والنائم مستيقظ .. وهلم جرا،
    فالمسلم ذات متصفة بصفة الإسلام،
    فالكافر لا يقال إنه مسلم، والكافر اسم فاعل يدل على ذات متصفة بصفة الكفر
    فلا يقال للمسلم الأصل إنه كافر.
    إذًا لا يُشتق إلا إذا وُجد الحدث في الذات واتصفت الذات بذلك الاسم،
    فكل من وقع في الشرك الأكبر بأن ذبح
    لغير الله أو توجه بأي نوع من أنواع العبادة فاسمه مشرك قطعًا، لا بد أن يُسَمَّى بكونه مشركًا

    لماذا؟
    لأنه اتصف بفعل هو الشرك الأكبر، لأنه ذبح لغير الله، أو سجد للصنم، أو تبرك بشجرة أو حجر يعتقد النفع فيها والضر
    حينئذٍ نقول:
    قد فعل الشرك.
    كما نقول لذلك: نائم. لأنه ذات متصفة بالنوم،
    كذلك نقول لهذا: مشرك. لأنه ذات اتصفت بفعل هو الشرك
    ، ولذلك المصنف هنا رحمه الله تعالى
    قال:
    (الذي يسميه المشركون). حكم عليهم بكونهم مشركين مع كونهم يقولون: لا إله إلا الله.
    ولا إله إلا الله بالإجماع لا تنفع قائلها إلا [إذا أتى بمعنى] علم معناها وأتى بمقتضاها،
    لا بد من العلم بمعناها والعمل بمقتضاها،
    وأن يكفر بما عُبِدَ من دون الله وأن يتبرأ منه،
    إذا لم يأت بهذه الأمور لا إله إلا الله بشروطها وأركانها واجتناب محاذيرها الشرك
    لأنه شرط في صحة العبادة
    كما جمع بينهما الرب جل وعلا في قوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36].
    لَمَّا جمع بينهما بالواو علمنا أن
    الثاني شرط في صحة الأول،
    أن الثاني الذي هو: اجتناب الشرك. شرط في صحة العبادة،
    إذًا قولهم: لا إله إلا الله. لم ينفعهم وحكم عليهم المصنف رحمه الله تعالى بكونهم مشركين
    (الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد))
    سمو ماذا بالاعتقاد؟ سمو الشرك الأكبر لأنهم نبذوا توحيد العبادة لم يقروا به،
    وجعلوا توحيد العبادة هو عينه توحيد الربوبية،
    توحيد الربوبية وتوحيد العبادة الألوهية عند الأشاعرة والماتريدية والصوفية بمعنى واحد لا فرق بينهما، ومعنى الرب والإله عند المتكلمين من الأشاعرة والماتريدية والصوفية بمعنى واحد،
    وأنا أَنُصُّ على هؤلاء لماذا؟

    لأن المصنف هنا في إيراد الشبه لم يجادله العوام،
    هل جادله العوام هم الذين يقفون في وجوه العلماء ويجادلونهم بالشبه والمعارضة بما يظهر لهم من كتاب وسنة، لا،
    هذه وظيفة من؟ وظيفة العلماء،
    لكنهم علماء البدعة والضلالة ليس كل من وصف بالعلم،
    والعالم معناه صاحب حق، لا،
    قد يكون عالمًا ومتأصلاً في التفسير والحديث والفقه ومفتي قومه ونحو ذلك لكنه على ضلالة وبدعة وهؤلاء منهم،
    فحينئذٍ نقول:


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    المصنف رحمه الله تعالى يرد على علماء البدعة الذين تلبسوا بالشرك ودافعوا عنه
    (الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد))،
    الاعتقاد افتعال من العقد، افتعال يعني: وزنه افتعال من العقد، وهو: ربط الشيء. يقال: عَقَدَ الحبل إذا شَدَّهُ نقيض حله. عقد الحبل إذا عقد الجبل شَدَّهُ صار جزمًا، من هنا أخذ أهل العلم أن العقيدة في القلب لا بد أن يكون عن جزم، الشك ما ينفع في العقيدة والظن لا ينفع في العقيدة، لا بد من الجزم يعني: لا يحتمل النقيض عنده، اعتقد أن الله تعالى هو المستحق لأن يفرد بالعبادة لا يقبل الشك والظن، لذلك سميت العقيدة عقيدة، تقول العرب: أعتقد الشيء صَلُبَ واشْتَدَّ. اعتقد الشيء نفسه يعني الشيء فاعل صَلُبَ واشتد، وأعتقدتُ كذا عقدت عليه القلب والضمير،
    وهنا الاعتقاد المراد به هو تعلق القلب بمن تقرب إليه ذلك المتقرب،
    سَمَّوْا الشرك بالاعتقاد،
    ونقول:
    قلب الحقائق، تغير الأسماء لا يقتضي قلب الحقائق. الحقيقة هي هِي نفسها
    فإذا عُرِفَ أن التوحيد هو إفراد الله تعالى بالعبادة،
    حينئذٍ لو سمي إسلامًا لو سُمَّيَ إيمانًا سمي إحسانًا بما جاء به الشرع
    نقول: الحقيقة هي نفسها،
    والتغاير يكون في شيء آخر،
    والشرك هو دعوة غير الله تعالى مع الله، أو اتخاذ الند مع الله تعالى أو صرف شيء من العبادة لغير الله، سميته شِرْكًا كما جاء به الشرع، أو سميته اعتقادًا أو سميته توسلاً أو سميته شفاعةً، سَمِّه ما شئت فالحقيقة هي الحقيقة، لا يخرج المشرك عن كونه مشركًا.


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    إذًا الاعتقاد هنا المراد به تعلق القلب لمن تقربه إليه ذلك المتقرب،
    تعلق به من جهة كشف ضُرٍّ أو جلب نفع، أو بالتوجه إليه بأي نوع من أنواع العبادة،
    صار ذلك مشركًا شركا مخرجًا له من الملة،
    ولو كان من أعلم الناس، ولو كان من أعبد الناس،
    فلا يلتفت إلى علمه، ولا يلتفت إلى عبادته
    لماذا؟
    لأن الشرك كما سبق معنا في القواعد
    أنه إذا دخل العبادة أفسدها، كالحدث إذا دخل الوضوء أو الصلاة فإنه يفسدها،
    المصلي يصلي وهو في االعبادة إذا خرج منه حدث بطلت صلاته ووضوؤه
    كذلك العالم أو العابد المتنسك
    ولو كان من المجتهدين في العبادة
    فلا يغرنك كثرة عبادته،
    فَيُنْظَرُ إلى حقيقة الشرك إن تعلق بغير الله في جلب نفع أو دفع ضُرٍّ
    أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله فهو مشرك ولا يلتفت إلى غير ذلك،
    الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد يعتقدون في الولي كذا،
    هكذا يقال يعتقد في الولي، وكانوا مع إقرارهم بتوحيد الربوبية ...
    (يدعون الله سبحانه وتعالى ليلاً ونهارًا)
    إذًا أقروا بتوحيد الربوبية وجحدوا توحيد العبادة وسَمَّوْا الشرك بغير اسمه ومع ذلك كانوا يتعبدون كثيرًا، ... (يدعون الله) يعبدون الله تعالى (ليلاً ونهارًا)
    ولذلك المصنف أراد بهذا أن يرد شبهة ماذا؟
    أن يرد على من أقر بوجود الخالق وأنه هو الذي يتصرف في الملكوت،
    وهذا سيأتي ينص عليه في الشبه القادمة،
    أن كيف يقال بأن من اعتقد أن الله تعالى هو الخالق والرازق وهو يعبد الله ويصوم ويصلي
    وقد يكون من أهل العلم ويقر بتوحيد الربوبية ولا يقع في الشرك باسمه
    فكيف يقال بأنه مشرك؟
    كيف يقال بأنه لا يُغفر له إن مات على شركه؟
    كيف يقال بأنه خالد مخلد في ...
    هذه شبه إن تقع عند الناس
    ولذلك لما جاء شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بدعوة التوحيد الدعوة السلفية
    أشد ما أُنكر عليه وأنه جاء بدين جديد كما قد قيل،
    وهذه دعوة كل زمان
    ، كيف يُحْكَمْ على أولئك العلماء المتعبدين
    بماذا؟

    بالشرك والكفر،
    كيف يجتمع هذا وذاك،
    هم علماء ويقولون: لا إله إلا الله.
    ولكنهم يجوزون لأنفسهم وللناس عموم الناس،
    الطغاة يجوزون لهم فعل الشرك الأكبر، حكم عليه بالكفر والشرك،
    وهذا قد يقع لبس عند بعض الناس إذا وجدوا العبادة من الشخص أو سمعوا ما يمكن أن يكون دافعًا له حينئذٍ قد يقفون ويترددون في الحكم عليه بالشرك،
    نقول: لا،
    نرجع إلى الأصول ولا نرجع إلى العاطفة،
    العاطفة ليست حاكمة على الناس،
    وإنما نرجع إلى الأصل
    ما الأصل؟ ما الأصول التي ينبغي الانطلاقة منها؟
    هي كذا وكذا وكذَا،
    ولذلك الناس لما وقع ما وقع من ذلك البعث
    لما قال: لا إله إلا الله. وذُكِرَ أنه بنى مساجد وفتح تحافيظ ومسابقات ونحو ذلك
    التبس على بعض الناس هذه أعمال صالحة أليس كذلك؟
    نقول:
    هذه أعمال صالحة لكنها ليست بشيء عند وجود الشرك،
    لأن أولئك الذين بُعِثَ فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يعتبدون أليس كذلك؟
    فليس كل من فعل بعض الأعمال الصالحة وهو مشرك وهو كافر يُرْفَعُ عنه وصف الكفر
    فلا يلتبس هذا بذاك،
    ويقررون في الدروس وتقرير المسائل العقدية أن المرتد لا يمكن أن يُحْكَمَ عليه بالإسلام بقول: لا إله إلا الله،
    هذا يكاد يكون محل إجماع إن لم يكن إجماعًا،
    لا يُحْكَمُ عليه بأنه مسلم إذا خرج من الدين بإنكار الملائكة حتى يصرح بماذا؟
    بوجود الملائكة،
    فلو قال: لا إله إلا الله. ألف مرة ما نفعته، لو أنكر بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو مسلم كفر خرج من الدين،
    لو قال: لا إله إلا الله. رجع؟ ما رجع حتى يُقِرُّ بأن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
    حينئذٍ إذا كفرناه لأنه بعثي فقال: لا إله إلا الله.
    ما نحكم عليه بالإسلام حتى يصرح بما خرج به من الدين لا بد أن يعترف ويقر بأن الذي أخرجه من الدين قد اعتقده، حينئذٍ يحكم عليه بالإسلام،
    وأما مجرد أفعال وأعمال صالحة مع الشرك
    نقول: هذا لا يقبل البتة.
    الشاهد من هذا أنه لَمَّا وُجِدَ بعض الأعمال الصالحة لا أقول: ارتبك العامة
    بل حتى أهل العلم، لعله .. ويرجى له .. إلى آخره، لعله ويرجى .. ،
    التوحيد ليس به لعل ويرجى،
    ليست اعتقادات وليست اجتهادات
    ، نعم تحكم عليه بالكفر وتقول: لعله قد رجع في باطنه. يُقْبَلُ،
    أما لَعَلَّهُ في رفع الكفر عنه
    نقول: هذا باطل ليس بصحيح،
    وبعضهم توقف فيه نقول:
    هذا كله من عدم رجوعه إلى الأصول،
    لو رجعوا إلى الأصول التي يقررونها في دروسهم وعقائدهم وكتب أهل العلم
    ما وقع هذا الالتباس،
    لكن لَمَّا رجعوا إلى الظاهر وإلى العاطفة فإذا به حصل نوع ارتباك في الحكم على المرتد.


  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    إذًا (يدعون الله سبحانه ليلاً ونهارًا)
    قال رحمه الله: (ثم منهم). يعني من أولئك المشركين الذين أقروا بتوحيد الربوبية،
    (ثم) هذه للترتيب الذكري فقط،
    (منهم) أي: ممن أقر بتوحيد الربوبية من المشركين (من يدعو الملائكة)
    أراد أن يذكر لنا أنهم مع إقرارهم بتوحيد الربوبية
    قد صرفوا أنواع من العبادات لغير الله
    ، وذكر ثلاثة أنواع من المعبودات،
    ذكر ثلاثة أنواع من المعبودات ولها مقصد عند المصنف رحمه الله تعالى،
    ذكر مثالاً لأرواح طاهرة سماوية،
    وذكر مثالين لصالحين في الدنيا أحدهما نبي رسول، والآخر رجل صال
    ح، لأن حجج المشركين تدور حول هذه الشبه،
    فأثبت المصنف أنهم مع إقرارهم بتوحيد الربوبية ثم صرفوا أنواعًا من العبادات للملائكة
    وهي أرواح طاهرة،
    وللأنبياء كـ عيسى عليه السلام،
    ولبعض الصالحين الذين ليسوا بأنبياء ولا رسل
    ومع ذلك وقع بهم الشرك،
    لأنه من ضمن الشبه التي عندهم
    قالوا: تلك الآيات في القرآن كله من أوله إلى آخره نزلت في عبادة الأصنام
    ونحن لا نتعلق بالأصنام لا بحجر ولا شجر نحن عقلاء.
    وإنما تعلقهم بماذا؟
    بأرواح الصالحين كـ الجيلاني والبدوي والحسين ونحو ذلك،
    فحينئذٍ لا بد من إثبات أن نوعًا من أولئك الأقوام الذين حكم عليهم الشرع بشركهم وأنهم كفار
    وقاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم -
    قد توجهوا ببعض العبادات لأرواح طاهرة سماوية وأرضية،
    فهذا تأصيل مهم ينبغي العناية به
    (ثم منهم) يعني: ممن أقر بتوحيد الربوبية (من يدعو الملائكة) بعض العرب
    يعتقد أن الملائكة بنات الله تعالى الله!
    ويقولون: إن أرواح الملائكة منتشرة في كل مكان فإذا طلب منها لبت الطلب، يدعوها يا جبريل مثلاً أو يا فلان فتلبي الطلب،
    فلما وقع هذا فتنوا بها فحينئذٍ توجهوا إليها بصنوف من العبادات،
    فإذا طلب منها لبت الطلب وأجابته ولم يكن لها أصنام وتماثيل تحل فيها تلك الأرواح الطاهرة، وإنما يكون اتصالهم بهذه الأرواح بتوجيه العبادات إليها وبندائها والاستغاثة بها،
    فحينئذٍ تجيبهم الجن وتغيثهم فيظنون أنها الملائكة دل على ذلك قوله سبحانه:
    {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40]. {أَهَؤُلَاءِ} [مَنْ؟ المشركين] {أَهَؤُلَاءِ} مِنْ المشركون {إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} يسألهم الله عز وجل {قَالُوا سُبْحَانَكَ} تنزيه لله عز وجل على أن يُشْرَكَ به {أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} [سبأ: 41] يقول البغوي رحمه الله تعالى: قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ}. نحشرهم يحشرهم قراءتان قرأ يعقوب وحفص {يَحْشُرُهُمْ} وقرأ الباقون بالنون {جَمِيعًا} يعني: هؤلاء الكفار. {ثُمَّ يَقُولُ} تعالى للملائكة اهؤلاء اياكم كانوايعبدون ....


  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    (كانوا يدعون الله سبحانه) وتعالى (ليلاً ونهارًا)
    قلنا هذه يعبدون الله مع الإقرار يعني: جمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية وأنكروا توحيد العبادة ويدعون الله، يعني: مع دعائهم لله عز وجل
    (ثم منهم) مع الدعاء دعاء لله عز وجل ليلاً ونهارًا
    (منهم من يدعو الملائكة) و (منهم من يدعو) .. إلى آخره
    فهي معادة لأنه قال في الأول:
    (يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله)،
    (ويدعون الله) فهي معادة لماذا؟ لأنه أراد أن يعيد بعض المسائل وهو سيعي
    ، يعيد بعض المسائل من باب التأكيد والإيضاح
    لأن هذه المعاني لن يجيدها طالب العلم ويعرفها حق المعرفة إلا إذا كررها،
    أما مجرد قراءة مرة واحدة وسماع مرة واحدة هذه لا تكفي في أن تُجْعَل هذه المسائل يقينية،
    لأن اليقين زيادة العلم في القلب،
    هذا لا يمكن أن يكون يقينًا كأنك تراه رؤية العين إلا بكثرة التكرار،
    وأما مجرد القراءة المرة الواحدة العابرة هذه لا تكفي،
    ولذلك إذا أردت أن تكون هذه عندك قطعية بمعنى أنها لا تحتمل الجدال ولا النقاش
    لا بد أن تقرأها صباح مساء،
    وتتأمل فيها، وتتأمل في الآيات التي ورد فيها ذكر أن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية،
    لأن هذه مسألة مهمة جدًا في فهم توحيد الرسل
    أن أولئك الأقوام اعترفوا وآمنوا، نقول: آمنو
    ا هكذا كما قال سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ... [يوسف: 106]
    جمع بين الإيمان والشرك واضحة بينة قاطعة لكل مجادل
    ، وما يؤمن بالله
    يعني: أثبت لهم الإيمان {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}
    إذًا هذه المسألة تعتبر معادة. {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}
    يعني: في الدنيا. {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} يعني: في الدنيا.
    قال قتادة: هذا استفهام تقرير كقوله تعالى لعيسى:
    {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116].
    يعني: الله عز وجل عالم يعلم ما العباد فاعلون ويعلم أنه أن المشركين أشركوا بالله عز وجل في دعوى الرسل، تعبدوا الرسل عبدوا الرسل، وكذلك عبدوا الملائكة،
    إذًا لماذا يسألهم؟
    هل الاستفهام هنا من أجل العلم تحصيل العلم لم يكن؟ لا،
    إنما من أجل التقرير فإذا أقروا حينئذٍ لزمت الحجة، فتبرأت منهم الملائكة
    {قَالُوا سُبْحَانَكَ} تنزيهًا لك {أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم} أي: نحن نتولاك ولا نتولاهم، {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} يعني: الشياطين. فإن قيل لهم كانوا يعبدون الجن فكيف وجه
    قوله: {يَعْبُدُونَ الْجِنَّ}؟
    قيل: أراد الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة يعني: كيف يعبدون الجن؟ هل هو بالتزين أو أن دعوى المشركين أنهم يعبدون الملائكة هو منصرف إلى حقيقة الجن؟ فإذا عبد الصنم اعتقدوا أن روح الصالح قد حلت في هذا الصنم، وفي الحقيقة الذي حل فيه هو إبليس الشيطان، هو أو أحد أبنائه، فحينئذٍ توجه العبادة للصنم هل هو لروح الصالح أو في الحقيقة والأمر نفس الأمر والواقع أنه للشيطان؟

    للشيطان، كذلك إذا عبدوا الملائكة ونادوا الملائكة فأجابهم مجيب لا يمكن الملائكة تجيب قطعًا، كما أن الميت لا يمكن أن يجيب،
    فحينئذٍ من الذي أجابهم هم يعتقدون أنها الملائكة فصرفوا نوع من العبادة لهذه الملائكة،
    نقول: لا،
    الصرف هنا ليس للملائكة، بل للذي أجابهم وأغاثهم وأجاب ندائهم وهو الشيطان.
    ويحتمل كما ذكر البغوي وهذا أوضح وأظهر وأجود يحتمل كما ذكر البغوي هنا رحمه الله قيل: أراد الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فهم كانوا يطيعون الشياطين في عبادة الملائكة.
    فقوله: {يَعْبُدُونَ}. أي: يطيعون الجن. {أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} يعني: مصدقون للشياطين. والمعنى الذي ذكرناه أولى، أن العبادة إنما انصرفت إلى الجن وليس للملائكة وليس لعيسى وليس للأصنام أنفسها لماذا؟
    لأن اعتقادهم بحلول الأرواح فيها إنما اعتقاد ذهني ليس له حقيقة في الوجود، وإنما هو فساد تصور عندهم، فحينئذٍ إذا توجهوا بالعبادة لهؤلاء الصالحين إنما توجهوا في الحقيقة وفي نفس الأمر إلى الجن والشياطين.
    قال: (منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله) عز وجل ... (ليشفعوا له)، يعني: بيان وقوعهم في الشرك بسببين ونتيجة، يعني لماذا شَرَّكُوا وأَشْرَكُوا الملائكة مع الله عز وجل؟
    قال: (لأجل صلاحهم)
    وأنها أرواح طاهرة،
    وهذا لا شك في أنهم أرواح طاهرة {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} فهي أرفع من البشر، (لأجل صلاحهم) فهم صالحون في أنفسهم {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} ... [التحريم: 6] (وقربهم من الله) عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف: 206] {عِنْدَ رَبِّكَ}،
    {عِنْدَ} هنا ظرف زمان إذًا هم قريبون من الله عز وجل،
    إذًا (صلاحهم وقربهم) لله عز وجل من عند الله سبحانه صرفوا لهم العبادة.
    ما الغاية المرجوة من عبادة الملائكة
    قال: (ليشفعوا لهم) طلب القربى
    {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]
    هذه حجتهم حينئذٍ ثَمَّ أمران:
    سبب،
    وغاية.
    ما السبب في توجه المشركين إلى عبادة الملائكة؟
    لأجل صلاحهم،
    تقول: لسببين لأجل صلاحهم. و [هذه أو]
    هذا الوصف علة مطردة عند المشركين،
    فكل من فيه صلاح ويعتقدون فيه أنه يرفع الحوائج وُجِدَ الشرك، فهي علة مطردة.
    عُبِدَ عيسى عليه السلام لأجل صلاحه.
    وَعُبِدَ البدوي لأجل صلاحه.
    وَعُبِدَ الحسين لأجل صلاحه .. وهلم جرا.
    فما من معبود من القبور والأوثان إلا وهم يعتقدون أنهم صالحون.
    إذًا (لأجل صلاحهم)
    هذا قدر مشترك وهي علة مطردة كل ما وجد الصلاح أو وصف الصلاح بشيء
    وظنوا أنه يقربهم ويرفع إلى الله عز وجل ويرفع حوائجهم لتقضى من عنده سبحانه،
    قالوا: هذا تصرف له العبادة. (ليشفعوا لهم) هذه غاية سؤال الملائكة،
    فهو اعتقاد في الملك بأنه لأجل صلاحه وقربه يملك أن يشفع عند الله، ولأجل قربه لا يَرُدُّ الله تعالى طلبه كما هو الشأن في المخلوقين.
    (أو يدعوا رجلاً صالحًا مثل اللات)،
    (أو) للتنويع أراد أن يبين نوعًا ثانيًا من أنواع المعبودات
    وأن المشركين قد أشركوا به وحكم عليهم الشرع بالشرك،
    وهذا أعظم دليل على ماذا؟

    على بطلان الشرك عند المتأخرين،
    فإذا قالوا:
    نحن ما عبدنا الأصنام التي هُبَل ولا اللات ولا العزى ولا مناة.
    تقول: عبدتم الصالحين.
    وتلك الآيات كما أنها تشمل الأصنام كذلك تشمل الصالحين
    (أو) للتنويع (يدعوا رجلاً صالحًا مثل اللات)
    اسم فاعل من لَتَّ يَلِتُّ بتشديد [الياء]
    رجلٌ كان يَلُتُّ السَّوِيق قال في الحاشية: رجلٌ كان يَلُتُّ السَّوِيق للحاج في الجاهلية على صخرة بالطائف ولما مات عُبِدَ من دون الله. يَلُتُّ السَّوِيق مات عُبِدَ من دون الله، سخافة صحيح سخافة عقول،
    رجلٌ صالح كان يَلُتُّ السَّوِيق يتصدق على الناس مات تعبدونه؟ هذا غريب،
    ولما مات عُبِدَ من دون الله، نحن نقول: -كما سيأتي إن شاء الله -
    ولما مات عُبِدَ من دون الله، واللات بالتخفيف الصخرة التي كان يَلُتُّ عليها.
    قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: وكانت اللات صخرة بيضاء منقوشة وعليها بيت بالطائف له أستار وسدنة وحوله فناء عظيم عند أهل الطائف هو من ثقيف ومن تبعهم يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش، يفتخرون بماذا؟ وقيل: إن اللات أخذه المشركون من لفظ الله، هذا من الإلحاد في أسماء الرب جل وعلا، قيل: اللات مأخوذ من اسم الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان. وقد هدمها المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. إذًا (أو يدعوا رجلاً صالحًا مثل اللات)
    هذا تمثيل لمعبود عند المشركين
    وهو رجل صالح،
    (أو نبيًّا مثل عيسى) هذا أيضًا رجل صالح لكن له مزية وخصيصة
    وهو: أنه رسول من عند الله جل وعلا.
    إذًا من الرسل من عُبِدَ، سواء كانوا ملائكة أو كانوا من البشر {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} ... [المائدة: 116، 117] لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}
    هذه دعوة الرسل،
    فإذا اتخذ معبودًا من دون الله حينئذٍ هو مبرأ من أن يكون راضيًا بهذه العبادة،
    بل ما أرسل إلا من أجل إبطالها،
    فكونه اتُّخِذَ هذا بغير اختياره، تبرأ منهم عيسى عليه السلام، واتخاذ عيسى إلهًا وكذلك اللات إلهًا من جنس اتخاذ الأصنام آلهة، فلا فرق بينهما،
    اتخاذ الرجل الصالح إلهًا من دون الله وكذلك عيسى
    نقول: من جنس اتخاذ الأصنام آلهة من دون الله، ومن جنس اتخاذ الصالحين آلهة؛
    لأنه تعلقٌ بالأرواح، تعلقوا بها بحجة أنها صالحة،
    واعتقدوا أن هؤلاء لهم مكانةً عظيمة عند الله،
    فتوجهوا إليها بالعبادة مع حصول شيءٍ من الاستجابة عن طريق الجن - كما سبق - بل كانوا يعبدون الجن، ولهذا فتنتهم عن الدين.

    إذًا هذه ثلاث معبودات
    أراد المصنف أن يبين لنا أن وقوع المشركين السابقين الذين كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما وقعوا في الشرك
    باتخاذ الملائكة
    وباتخاذ الرجل الصالح
    وباتخاذ الرسول أو النبي معبودًا من دون الله عز وجل،
    هل أراد الحصر في هذه الثلاثة؟
    الجواب: لا،
    لأنه يخاطب أهل شبهٍ احتجوا عليه بأن تلك الآيات إنما نزلت في عبادة الأصنام فحسب،
    وهم لا يعبدون الأصنام حشا وكلا عقولهم أكبر من هذا وإنما عبدوا الجيلاني وهو رجلٌ صالح وروحه طاهرة،
    نقول: عبادة الصالحين من جنس عبادة الأصنام،
    ثم أسلافكم وأئمتكم كذلك وقعوا في عبادة الصالحين،
    فلا فرق بين المتأخر والمتقدم.


  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    (وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم على هذا الشرك).
    إذًا أقروا بالربوبية ودعوا الله تعالى كثيرًا من العبادات ودعوا الملائكة واللات وعيسى وقاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - مع إقرارهم بتوحيد الربوبية.
    (وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم على هذا الشرك)
    أي: شرك؟
    اتخاذ الملائكة واسطةً بينهم وبين الله.
    اتخاذ اللات واسطة بينهم وبين الله.
    هل ادَّعَوْا أنها آلهةٌ مستقلة تخلق وترزق وأنه مستحقة للعبادة من كل وجه؟
    لا، لم يدَّعُوا ذلك، وإنما ادَّعَوْا أن الله تعالى مألوهٌ معبود ولكن لا تصل إليه الطلبات، ولا ترفع إليه سؤلات إلا عن طريق الصالح المقرب من عند الله جل وعلا.
    فهذا هو حقيقة الشرك الذي قاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه.
    (قاتلهم على هذا الشرك)
    إذًا لما قاتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرب؟
    تقول: لأنهم مشركون.
    وبماذا كانوا مشركين؟ لماذا صاروا مشركين؟
    بعبادة غير الله، لم يأتوا بتوحيد العبادة، صرفوا نوعًا بل أنواعًا من العبادات لغير الله تعالى.

    هل كانوا يعبدون هذه المعبودات على أنها آلهةٌ مستقلة؟
    تقول: لا،
    الجواب: لا،
    وإنما اتخذوها آلهةً مع الله تعالى، فهم يؤمنون بتعدد الآلهة {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ} [ص: 5]
    ومنهم الله عز وجل، {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} فهموا المراد بلا إله إلا الله،
    إذًا المشركون لا ينفون الآلهة أو الإلهية عن الله تعالى، لا ينفون الإلهية عن الله تعالى،
    وإنما يُشَرِّكُون غيره به في هذه الصفة.
    إذًا كانوا وصاروا مشركين بعبادة غير الله تعالى.
    هل كانوا يعبدون على جهة الاستقلال أم للوساطة والتوسط؟
    نقول: الثاني،
    بدليل نص القرآن {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]،
    إذًا تَعَبُّدُهم لله جل وعلا العبادات الواقعة منهم مع الشرك به لم ينفعهم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتقبل ذلك منهم، أشركوا صرفوا أنواعًا من العبادات لغير الله وأقروا بالربوبية وعبدوا الله تعالى ولم يقبله منهم ... النبي - صلى الله عليه وسلم - بل قاتلهم بأمر الله جل وعلا.


  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    (ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده)، (ودعاهم) يعني: دعا من؟ المشركين
    (إلى إخلاص العبادة لله وحده) جل وعلا،
    و (إخلاص العبادة) المراد بها الإخلاص وهو الصافي وهو ما زال عنه الشوائب،
    (لله وحده) لا شريك له (كما قال تعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ... [الجن: 18]
    وقال سبحانه: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ)، (فَلَا تَدْعُوا) ({لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ})، (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}) ({وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}) المساجد ما بني للصلاة هذا الأصل فيها، ما بني للصلاة والعبادة والتلاوة والاعتكاف ونحو ذلك كما جاء في الحديث حديث بول الأعرابي: " إن هذا المسجد لا يصلح لشيءٍ من ذلك، إنما بني لذكر الله تعالى وللصلاة ".
    فالمساجد يُفْعَلُ فيها شيئان:
    دعاء الله تعالى سؤاله طلب نداء.
    ثانيًا: عبادته بأنواع العبادات: السجود، والصلاة، والركوع، ونحو ذلك.
    ({وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ) الدعاء، والعبادة (لِلَّهِ) استحقاقًا،
    اللام هنا للاستحقاق أي: لله المعبود المطاع، لأن الله مشتقٌ من الإله والإله مرادٌ به المعبود المطاع، وقيل: (الْمَسَاجِدَ) جمع مسجدٍ ويقصد به السجود أو أعضاء السجود،
    (فَلَا تَدْعُوا)،
    (فَلَا) إذا علم أن هذه المساجد لله يتفرع عنه ماذا؟ لا، هذه ناهية،
    (تَدْعُوا) هذا منهيٌ عنه، (فَلَا تَدْعُوا) نقول: (تَدْعُوا) هذا فعلٌ مضارع في سياق النهي فحينئذٍ يعم أي دعاءٍ وإن قل
    (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}) مع الله فكيف أن يدعوه دون الله تعالى، فهو من بابٍ أولى وأحرى (أَحَداً}) هذا نكرة في سياق النهي فيعم كل مُشْرَكٍ به لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلاً. إذًا: (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}) لا ملائكة، ولا اللات، ولا رجلاً صالحًا، ولا عيسى، ولا هُبَل، ولا مناة، ولا العزى، ولا للجيلان، ولا الحسين، ولا غيره، كل هؤلاء قد أُبْطِلَتْ عبادتهم بهذا النص العام (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}) هذا يشمل قليل الشرك وكثيرة بقوله:
    (فَلَا تَدْعُوا). ويشمل الْمُشْرَك به ... يعني: عامٌ في النوعين،
    عامٌ في الشرك نفسه، وعامٌ في المتوجه إليه المتقرب إليه،
    (وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ)، ({لَهُ) لا لغيره (دَعْوَةُ الْحَقِّ)، (دَعْوَةُ الْحَقِّ) هذا مبتدأ مؤخر،
    و ({لَهُ) جار مجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص والحصر،
    إثبات الحكم بالمذكور ونفيه عن ما عداه.
    إذًا: ({لَهُ) لا لغيره، (دَعْوَةُ الْحَقِّ).
    قال عليٌ رضي الله تعالى عنه: (دَعْوَةُ الْحَقِّ) التوحيد
    ({لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ) أي: التوحيد.
    . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (دَعْوَةُ الْحَقِّ)
    شهادة أن لا إله إلا الله. وهي التوحيد أيضًا،
    هذا خلاف تنوع،
    وقيل: الدعاء بالإخلاص. والدعاء الخالص لا يكون إلا لله تعالى. (دَعْوَةُ الْحَقِّ)
    يعني: الدعوة الخالصة لله عز وجل وهذا فيه إثبات الإخلاص
    وهذا هو حقيقة التوحيد.



  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    (وتحققت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله) دعاهم إلى أي شيء؟
    قاتلهم على أي شيء؟
    على أن يكون الدعاء العبادة أو النداء بيا أو إحدى أخواتها كله لله، وهم جعلوه كله للأصنام أو بعضه وبعضه؟
    بعضه وبعضه، فرقوا بين الدعاء، دعوا الله عز وجل ودعوا معه غيره، كذلك ذبحوا لله وذبحوا لمعبوداتهم، وكذلك نذروا لله ونذروا لمعبوداتهم، واستغاثوا بالله واستغاثوا بمعبوداتهم، وصرفوا أنواعًا كثيرة لله عز وجل وصرفوها أيضًا لمعبوداتهم، شَرَّكُوا بينهما في العبادة وقاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن تكون هذه العبادة خالصةً لله عز وجل، لا يَشْرَكَهُ فيه أحدٌ البتة، (محض حق الله) تعالى لا دعاء إلا لله، ولا نذر إلا لله، ولا استعانة إلا بالله، وجميع مفردات العبادة كلها لله جل وعلا.
    هذا الذي قاتلهم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -،
    والمشركون في عهده عليه الصلاة والسلام،
    وفي كل زمان
    لم يفردوا الله تعالى بالذبح، أو النذر، أو الطواف، أو الدعاء، أو الاستغاثة،
    بل شَرَّكُوا بينهما،
    فالوصف هو الوصف،
    والحال هو الحال،
    والواقع هو الواقع،

    حينئذٍ يلزم أن يكون الحكم هو الحكم،
    إذا كان لا فرق بين الفعل فعل المتأخرين المشركين، وفعل المتقدمين
    وقاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم -
    حينئذٍ قياس المتأخرين على المتقدمين - إذا قلنا من باب القياس -
    لا من باب دخوله تحت اللفظ،
    نقول:
    هذا من أوضح أنواع القياس، أن يقاس المتأخر على المتقدم بجمع ما ذكر.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    (وتحققت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم ليكون الدعاء كله لله)
    لا بعضه لله والبعض الآخر يكون للأصنام،
    كذلك الذبح كله لله، والنذر كله لله، وهذه كلها عبادات سبق تقريرها في ((الأصول الثلاثة))، (والاستغاثة كلها بالله،
    وجميع أنواع العبادة كلها لله،
    وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يُدْخِلْهم في الإسلام)
    كما سبق، قاتلهم وحكم عليهم بالشرك مع إقرارهم،
    هل نفعهم إقرارهم بالربوبية؟ لا،
    لم ينفعهم،
    إذًا: ليس هذا هو التوحيد الذي يحصل به الابتلاء،
    وليس هذا هو التوحيد الذي طُلِبَ تحقيقه من العباد،
    بل هو شيءٌ آخر وهو: إفراد الله تعالى بالعبادة.


  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    (وأن قصدهم الملائكة أو الأنبياء، أو الأولياء، يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم). (هو الذي أحل دماءهم وأموالهم)
    لأن حقيقة الشرك ما هو؟
    هو قصد الملائكة وجعلها واسطة بينهم وبين الله تعالى،
    هذا هو الشرك
    ، تسوية غير الخالق بالخالق في ماذا؟
    في صرف عبادة له كما تُصْرَف لله تعالى،
    والشرك هو:
    واتخاذ النِّدِّ مع الله تعالى، وهؤلاء قد اتخذوا الأنداد من الملائكة والصالحين والأنبياء مع الله تعالى.

    إذًا: (قصدهم الملائكة)
    بالذبح، أو النداء، أو الاستغاثة، أو الاستعانة،
    نقول:
    هذا الذي صَيَّرَهُم مشركين مع كونهم مقريين بتوحيد الربوبية لم ينفعهم
    (وأن قصدهم الملائكة أو الأنبياء، أو الأولياء، يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله)، (إلى الله) الله هو المقصود أولاً،
    أرادوا الله تعالى أولاً ثم صرفوا العبادة لغيره جل وعلا،
    أرادوا شفاعته، (والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم)
    قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} [البقرة: 193].
    قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
    قال الضحاك عن ابن عباس: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} يعني: لا يكون شِرْك. لا يكون شركٌ والفتنة تطلق ويراد بها الشرك وغيره لكن مراد بالآية هنا بالفتنة الشرك،
    وكذا قال أبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسُّدِّي، ومقاتل بن حيان، وزيد بن أسلم، فسروا الفتنة بالشرك، وقوله: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}.
    قال الضحاك عن ابن عباس في هذا الآية
    قال: يُخْلِصُ التوحيد لله. وقال الحسن، وقتادة، وابن جرير، {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}
    أن يقال لا إله إلا الله. يعني: لا معبود بحقٍ إلا الل
    ه. وقال محمدٌ بن إسحاق: ويكون التوحيد خالصًا لله ليس فيه شرك، ويقلع ما دونه من الأنداد
    . ثم قال ابن كثير
    : ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    في أنه قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله».
    يقولون لفظًا دون معنى، دون عملٍ بمقتضاها؟ ... لا.
    «حتى يقولوا لا إله إلا الله» بألسنتهم ويعتقدون المعنى الذي دلَّتْ عليه ويعملوا بمقتضاها،
    وهو: تحقيق العبودية لله عز وجل، أن لا يعبد إلا الله قولاً وعملاً واعتقادًا،
    فالتوحيد اعتقادٌ وقولٌ وعمل،
    وليس هو اعتقاديٌ فحسب - كما هو الشأن عند الأشاعرة وغيرهم -
    «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسباهم على الله عز وجل».
    إذًا: أحل دماءهم وأموالهم بنص القرآن
    {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] كل مشرك والأصل فيه أنه يُقتل حينئذٍ عرفت ماذا؟


  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    حينئذٍ (عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل)
    إذا عرفت أنهم أقروا بتوحيد الربوبية وقاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم -
    على ترك التوحيد
    ، ما هو التوحيد الذي جحدوه وأَبَوْا عن الإقرار به؟

    ليس هو إلا توحيد العبادة -
    وهذا أمرٌ كما ذكرنا قطعي مجمعٌ عليه بين أهل العلم -
    حينئذٍ (عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون)
    فمدار الحكم بالشرك، مدار الحكم بالشرك على الشخص هو صرف شيءٍ من العبادة لغير الله تعالى، وهذا مأخوذٌ من النصوص نصوص الوحيين،
    ومن حال وواقع المشركين،
    بانضمام الدلالتين
    نأخذ أن مدار الحكم بالشرك على الشخص
    هو إذا صرف شيئًا من أنواع العبودية لغير الله تعالى،
    فهذه مقدمةٌ مهمةٌ بأن التوحيد هو أعظم الواجبات،
    وأن من صرف شيئًا من العبادة لغير الله فهو مشركٌ قد يحبط عمله -
    قد للتحقيق -
    ولو كان من أعلم الناس، ولو كان من أعبد الناس.
    إذًا:
    الخلاصة من ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى
    أن الشرك إنما وقع من العرب بأناسٍ صالحين،
    الشرك السابق إنما وقع من العرب بأناسٍ صالحين،
    وأن الشرك وقع بالآلهة لأجل ماذا؟ لأجل طلب القربى والشفاعة فقط،
    لا لأنها معبودة استقلالاً
    وإنما اتخذت وسائط بينهم وبين الله تعالى،
    لا لأنها مستقلةٌ بشيءٍ من الربوبية، أو الألوهية،
    ولكنهم عبدوها تبعًا لا استقلالاً،
    فشركهم ليس في الربوبية، ليس شركهم في الربوبية،
    وإنما أشركوا في الألوهية، فهي آلهةٌ قطعًا لأن الله تعالى سماها آلهة،
    وهم اعترفوا أنها آلهة،
    فمن جهتين:
    اعترفوا أنها آلهة {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص: 5].أقرهم الله عز وجل، وإذا أقر الله عز وجل جملةً في القرآن فهي حق، والحق هنا ليس في كونها آلهةً حقًا وإنما في تسميتها آلهة، لأن الإله اسم جنسٍ يُطلق على المعبود بحقٍ أو باطل، فكل من اتخذ معبودًا يعبده سواء كان حقًا أو باطلاً فهو إلهٌ.
    ولذلك سبق معنا في دراسة المنطق الرد على المنطقيين في قولهم: أن إله هذا كليٌ.
    فمفهوم اشتراك الكلي ... كأسدا وعكسه جزئي

    قالوا:
    هذا مفهومه مُشْتَرَكٌ في الذهن،
    أما في الخارج فليس له إلا واحد وهو الإله الحق. هذا باطلٌ مردودٌ عليهم، باطل لماذا؟
    لأنه في الخارج ليس هو الإله الحق فحسب،
    بل الله عز وجل سَمَّى تلك الآلهة المعبودات سماها آلهة،
    فحينئذٍ كل من عبد قبرًا فهو إلهٌ عندهم،
    كل من عبد صنمًا فهو إلهٌ عندهم،
    وكذلك إذا عبد الشجر،
    والحجر فهي آلهةٌ عندهم،
    فحينئذٍ نقول: في الخارج كما هو الشأن في الذهن له أفرادٌ مشتركة بين الحق والباطل،
    وكذلك هو في الخارج، وسماها الله تعالى آلهةً وهم اعترفوا بذلك {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً}،
    إذًا: هذه عقيدة المشركين،
    ونحن نهدم بعون الله عقيدة المشركين قديما وحديثا


  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هدم عقيدة المشركين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوسفيان مشاهدة المشاركة
    (أرسله) الله إلى أناس من صفتهم أنهم (يتعبدون) لهم عبادات ...
    (ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله تعالى
    )
    ولكن عندهم خلل في تسوية غير الخالق للخالق جل وعلا
    نعم
    قريش أناس يتعبدون،
    ويحجون،
    ويعتمرون،
    ويتصدقون،
    ويصلون الرحم،
    ويكرمون الضيف،
    ويذكرون الله كثيراً،
    ويعترفون أن الله وحده هو المتفرد بالخلق والتدبير،
    ويخلصون لله العبادة في الشدائد،
    ولكنهم يتخذون وسائط بينهم وبين الله
    يدعونهم،
    ويذبحون لهم،
    وينذرون لهم،
    ويستغيثون بهم، ليشفعوا لهم،
    ويسألوا الله لهم، زعماً منهم أنهم أقرب منهم إلى الله وسيلة.

    فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله،
    وأن فعلهم هذا أفسدَ جميعَ ما هم عليه من العبادات،
    وصاروا بذلك كفاراً مرتدين حلال الدم والمال، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون الدعاء كله لله، والذبح كله لله، والنذر كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادة كلها لله.

    من مقدمة الشيخ: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم للكتاب الذي جمعه من تقريرات الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ على كشف الشبهات



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •