عن الفخر والانتماء






كتبه/ ياسر عبد التواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فلقد كان أكرم الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم أهل التقوى، وهؤلاء هم من ينبغي أن ننتمي إليهم، وأن نفخر بهم، وأن نكون على منهجهم وسبيلهم. فلا فخر إلا بالتزام منهجهم والسير على دربهم، وهذا هو السبيل أيضاً ليحكم من ولاه الله -تعالى- أمر طائفة من الناس صغرت أم كبرت.
ولقد حذر رسول الله من عاقبة الانتماء لغير الله والفخر بما لا يجوز الفخر به من الآباء والقبائل، أخرج البزار عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ يَفْخَرُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الْجَعْلانِ)صححه الألباني في صحيح الجامع.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (انتسب رجلان على عهد موسى فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فمن أنت لا أم لك ؟ قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام فأوحى الله إلى موسى أن قل لهذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم في النار و أما أنت أيها المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة)صححه الألباني في صحيح الجامع.
فهنا بيان للمذموم من الفخر أي التعزز بغير الله -تعالى-، والكبر بالآباء، وإلا فلا حرج من ذكر طاعة الآباء وحسن بذلهم لله -تعالى- تأسياً بهم.
وعدَّ رسولُ الله ذلك الفخرَ المذموم من الجاهلية، أخرج أحمد ومسلم عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنّ َ الْفَخْرُ فِى الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ وَالاِسْتِسْقَا ءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ)
فلا فخر بالحسب إذن فالكل في الإسلام سواء؛ بل إن الرسول يشهد بالفضل لامرأة قد لا يعبأ بها أحد، ويتواضع فيخبر بتساويه معها:
عن عقبة بن عامر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِسِبَابٍ عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا أَنْتُمْ وَلَدُ آدَمَ طَفُّ الصَّاعِ لَمْ تَمْلَؤُهُ لَيْسَ لأَحَدٍ فَضْلٌ إِلاَّ بِالدِّينِ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فَاحِشاً بَذِيًّا بَخِيلاً جَبَاناً) رواه أحمد والبيهقي، وصححه الألباني.
فمن تمام المساواة التي أمر بها الشرع أن يتساوى الجميع في المغنم والمغرم، فلا يفضل أحد على أحد في وظيفة أو هبة أو عطية إلا بسبب مشروع أباحه الله -تعالى-، وليس بحسب أهواء الحكام والمسئولين.
كما يتساوى الجميع أمام القانون، فلا يؤخذ حق الضعيف ليمنح للقوي، أو إذا اعتدى القوي على الضعيف تغاضى المجتمع عنه.
ولقد جاء أسامة يشفع في امرأة غنية حسيبة سرقت، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإقامة الحد عليها، فلم يجد القوم إلا أسامة حب رسول الله ليكون واسطة، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَشْفَعُ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟. ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)متفق عليه.
قال الشيخ عبد الرحمن الجزيري:
كل هذه الأدلة والبراهين التي وردت في الأحاديث تدل دلالة صريحة على مقدار حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تنفيذ حكم الله -تبارك وتعالى-، وتوقيع الحد على من يستحق العقوبة، مهما كانت منزلته بين القوم، ولا توجد قوة تمنعه من إقامة حدود الله -عز وجل- على الشريف والضعيف، والعظيم والحقير، من غير تمييز واستثناء، لأن في إقامة الحدود حماية للمجتمع من الفساد، وحفظاً للأمة من الدمار والهلاك، ودواماً لسعادتها وهنائها، وعزها وبقائها، وسبباً لاستتباب الأمن والنظام بين ربوعها، وتثبيتاً للعدالة بين أفرادها.
فتأمل المعاني العظيمة التي أرشدنا إليها الإسلام في المساواة، وكيف استبدل الإسلام جاهلية النفوس بعدله، فالمسلمون سواسية تتكافأ دماؤهم لا فضل لأحدهم عند الله إلا ما في قلبه من الإيمان والتقوى.
فأين هذا من تلك الصور التي نشاهدها في مجاملات بعض المسئولين لبعض المتزلفين فيعطونهم حقوق غيرهم في المناصب والعطايا، أو بصرف العقوبات عن مستحقيها لنفس السبب. بينما الأصل أن يتعامل المسلم مع إخوانه بأخوة الإسلام، فلا يرى لنفسه عليهم فضلاً، ولا يتميز عليهم بشيء.

ومن ذلك ما أدب به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين بنحو قوله: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)رواه مسلم.
اللهَ -تعالى- أسأل أن يهدينا سواء السبيل