عندما تفتك الشاشة بعقول فتياتنا!!




في شهر رمضان المبارك أطلت علينا الشاشات العربية بعشرات الأعمال الدرامية والبرامج الحوارية التي عكف عليها معدوها طيلة عامهم المنصرم، وبذلوا جهداً جباراً لتخرج بصورتها المتقنة التي نراها، والهدف سرقة عقول المشاهدين وترسيخ مفاهيم جديدة في المجتمع العربي، إنهم يبدعون في تجسيد الفكرة التي يريدون غرسها من خلال قوالب إعلامية متعددة، وينجحون بامتياز في استقطاب المشاهد وجذبه واستدراجه وإسقاطه في كثير من الأحيان في الرؤية والنمط التبعي والذي أرادوه هم له.. واليافعات هن الأكثر انجذاباً وذوباناً..
تفتح إحداهن عينيها على تلك الشاشة التي اعتاد أفراد الأسرة الاجتماع حولها، تجلس بينهم، تحاول شغل عقلها الصغير بفهم المشاهد التي تبث تباعاً أمام ناظريها المليئين بالبراءة، في غفلة من أهلها الذين يظنون أنها ما زالت طفلة لا تفقه شيئاً مما يدور حولها، تكبر.. وتكبر معها المشاهد المترسخة في عمق ذاكرتها التي ستشكل ثوابتها وأحلامها وشخصيتها وفكرتها ونحن ما زلنا نراها في عداد الصغيرات.
لم يعد الإعلام العربي يضع اعتباراً للصبغة المحتشمة التي يتمتع بها الكثير من البيوت العربية، فبدءًا من لباس المذيعات الفاضح والمبتذل، والمواضيع التي تطرحها البرامج وتسلط عليها الأضواء كأخبار الجرائم وحياة الفنانين، وإلى القضايا التي تطرحها الأعمال الدرامية، كلها تفتقر وتحجب المواطن العربي عن الرقي والتفكير بما يعود عليه بالنفع لذاته وأمته، وتتركه متخبطاً في وحل التقليد والشعارات والمزيد من التمادي والانسلاخ من قيمه بحجة أنها باتت (دقة قديمة)، ولأنهن ما زلن في مرحلة لا تمكنهن من رسم شخصية مستقلة تبتعد عن سمات التقليد والاتباع، فإن شاشات التلفزة باتت أكثر ما يجذب فتياتنا في ظل غياب الوعي الأسري، وسرقت من قواميسهن الكثير من الأعراف والمفاهيم التي عاشتها المرأة عصوراً خلت، فمثلاً بات مفهوم قوامة الرجل استبداداً ترفضه بكل ما أوتيت من قوة، ما خلق الكثير من المشكلات في حياتها الزوجية، وقد يؤدي في الكثير من الحالات لطلاقها وهي ما زالت تحيا الأوهام والافتراضات.
بات مصطلح الحب بما يحمل من صورة مشوهة جسدتها المسلسلات مصطلحا يتكرر على ألسن الفتيات بسلاسة واعتياد، هذا إلى جانب التعلق الأعمى الذي يحيينه تجاه لاعبي كرة القدم أو المطربين والوجوه الإعلامية، والهوس بجمع صورهم وتناقل أخبارهم والتسجيل في منتدياتهم ومجموعاتهم البريدية، إلى غير ذلك.
إن الكثير من الفتيات في المجتمع العربي نجحن بامتياز في الذوبان والانسياق في التغيير الذي أراده الإعلام لسلخ المجتمع من الطهارة والانضباط اللذين عاش عليهما ردحا من الزمن، إن تفكير هؤلاء بات منحصراً في (الموضة) والفن والبحث عن الصداقات والعلاقات وتقليد فلانة وأخواتها من نجوم الشاشة في نمط غذائها وساعات نومها.

هذه حال الكثير من فتياتنا، والسؤال الذي يراودني دائما كيف سيولد صلاح أو عمر من رحم فتاة لا تضع نصب عينيها قضايا الأمة، بل تتبرأ منها وتنسلخ؟ وكيف ستربي هؤلاء الفتيات أطفال المستقبل والجيل القادم؟
لا أنكر أن لدينا صوراً مشرقة، لكن الصورة القاتمة هذه طمت وعمت، وآن الأوان أن يحمل كل والدين على عاتقيهما مجابهة الغزو الإعلامي، وحماية أطفالهما من سموم الشاشة وكيدها، آن الأوان أن نضع نصب أعيننا تربية جيل يرفل بالصلاح.
بقلم:مؤمنة معالي