قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
لما كان الشرك أظلم الظلم وأقبح القبائح كان أبغض الأشياء إلى الله،
وأشدها مقتاً لديه وأخبر أنه لا يغفره،
وأن أهله نجس
، ومنعهم من قربان حرمه، وحرَّم ذبائحهم ومناكحهم،
وقطع المولاة بينهم وبين المؤمنين؛
وجعلهم أعداء له سبحانه ولملائكته ورسله وللمؤمنين،
وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم ،
وأن يتخذوهم عبيداً،
وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية، وتنقص لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين .
فلم يَجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جَمع على أهل الشرك ،
فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به،
ولو أحسنوا به الظن لوحّدوه حق توحيده؛
ولهذا أخبر سبحانه أنهم ما قدروه حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه ،
وكيف يقدره حق قدره من جعل له عدلاً ونداً يحبه ويخافه ويرجوه، ويذل له ويخضع.
يجعلون له عِدْلاً في العبادة والمحبة والتعظيم،
وهذه هي التسوية التي أثبتها المشركون بين الله وبين آلهتهم، وعرفوا وهم في النار أنها كانت ضلالاً وباطلاً يقولون لآلهتهم وهي في النار:
{ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِين }
ومعلوم أنهم ما ساووهم به في الذات والصفات والأفعال،
ولا قالوا: إن آلهتهم خلقت السموات والأرض،
وإنما ساووهم به بمحبتهم لها وتعظيمهم وعبادتهم إياها كما ترى عليه أكثر أهل الشرك ممن ينتسب إلى الإسلام،
ومن العجب أنهم ينسبون أهل التوحيد إلى التنقص بالمشايخ والأنبياء والصالحين،
وما ذنبهم إلا أن قالوا إنهم عبيد لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضراً ولا نفعاً،
ولا موتاً ولا حياتاً ولا نشوراً؛ وأنهم لا يشفعون لعابديهم أبداً،
بل حرَّم الله شفاعتهم لهم، ولا يشفعون لأهل التوحيد إلا بعد إذن الله لهم في الشفاعة
فليس لهم من الأمر شيء؛
بل الأمر كله لله، والشفاعة كلها له سبحانه،
والولاية له، فليس لخلقه من دونه ولي ولا شفيع .
فالشرك ملزومٌ لتنقص الرب سبحانه ,
والتنقصُ لازمٌ له ضرورةً، شاء المشرك أم أبى ,
ولهذا اقتضى حمده سبحانه وكمال ربوبيته أن لا يغفره ،
وأن يُخلِّد صاحبه في العذاب الأليم،
ويجعله أشقى البرية،
فلا تجد مشركاً قط إلا وهو متنقِّص لله سبحانه، وإن زعم أنه معظم له بذلك.
انتهى( إغاثة اللهفان )
وقال الامام ابن القيم في "الجواب الكافي":
(فلما كان الشرك بالله منافياً بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق،
وحرم الله الجنة على كل مشرك وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد،
وأن يتخذوهم عبيداً لهم لما تركوا القيام بعبوديته
وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملاً أو يقبل فيه شفاعة أو يستجيب له فى الآخرة دعوة، أو يقبل له عشرة
فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله حيث جعل له من خلقه نداً وذلك غاية الجهل به
كما أنه غاية الظلم منه وإن كان المشرك لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه) أ.هـ
أن الشرك تنقص نزه الرب سبحانه نفسه عنه
فمن أشرك بالله فقد أثبت لله ما نزه نفسه عنه، وهذا غاية المحادة لله تعالى، وغاية المعاندة والمشاقة لله.
أن الشرك يفسد العقول، فالمشركون من أفسد الناس عقولاً،
وقد قال الله فيهم: (وقالوا: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير).
و من الدلائل على فساد عقل المشرك قصةً لطالب مسلم يدرس في "كلية" من جامعات "الهند" على بروفيسور من عباقرة الأساتذة،
دخل عليهم الأستاذ ليلقي المحاضرة،
وبعد الانتهاء من المحاضرة يقترب الطالب من المدرس ليلقي عليه بعض الإشكالات التي واجهته،
فيفاجأ بريحة عفنة تصدر من الأستاذ !! فقال له الطالب: "
ما هذا يا أستاذ؟!"
فقال له: هذه ريحة بول الآلهة - أي البقرة - !!
فالدكتور لا يخرج إلى الكلية إلا وقد تلطخ ببول البقرة تبركاً، ووقايةً من الأعين !!
ولا يجد في ذلك أدنى خجل، ولا وجد أدنى غضاضة من أن يصرح لهذا الطالب بالحقيقة،
وهذا الشيء لا يتردد في استنكاره عندنا الشخص الأمي الذي يعيش في أرياف المسلمين.
فهذه البقرة خلقها الله لابن آدم، وخلق له ما فيها من اللحم واللبن والجلود وغير ذلك، ثم يسخر نفسه عبداً لهذه النعمة !! وكم تموت من الأبقار في الهند يومياً دون أن يستفاد منها مع أن الهند من بلاد المجاعات.
بل فساد المعتقد جرّ الإنسان إلى أن يعبد الفأر، ويجعله نداً لله في العبادة !!
وهناك ثلاثة آلاف وثن يعبد في "الهند"من دون الله، ما بين بقرة وفأر وغيرهما،
حتى الفروج تُعبد من دون الله !! في عصر قفزت فيه التكنولوجيا إلى أرقى المستويات،
فالشرك له أثر كبير على القلوب فهو يفسدها ويوهنها،
فالفارس الشجاع الذي لا يبارى في المعارك، تجده يخاف من أحقر الأشياء، بل يخاف من أشياء وهمية لا حقيقة لها،
ولذلك فإننا نجد أن الأمراض النفسية والعقلية كثيرة في المجتمعات الغربية، وغالبها يؤدي إلى الانتحار.
والشرك كما يفسد العقول كذلك يفسد الأخلاق،
ولذلك أفسد الأخلاق هي أخلاق المشركين، وفيهم من الفواحش بقدر تعلق قلوبهم بغير الله تعالى.
والذي يتأمل في أحوال الغرب يجد غرائب وعجائب كثيرة، منها ما يتحدث به الغرب مؤخراً من الحرية الجنسية من الشذوذ الجنسي بشتى صوره ومختلف أنواعه،
لأنهم يرون أن إرخاء العنان لهذه الشهوات من علامات التحضر والترقي، وكل هذا يدل على فساد عقليات المشركين وأخلاقهم.
قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (10/135-136):
(ولهذا لما كان يوسف محباً لله مخلصاً له الدين لم يبتل بذلك، بل قال تعالى عن يوسف:
(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) و
أما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها فلذلك ابتليت بالعشق، وما يبتلى بالعشق أحد إلا لنقص توحيده وإيمانه،
وإلا فالقلب المنيب إلى الله الخائف منه فيه صارفان يصرفانه عن العشق
أحدهما: إنابته إلى الله ومحبته له فإن ذلك ألذ وأطيب من كل شيء فلا تبقى مع محبة الله محبة مخلوق تزاحمه.
والثاني خوفه من الله فإن الخوف المضاد للعشق يصرفه) أ.هـ
فظهر لنا من هذه الأوجه أن الشرك أعظم الظلم وأنه أكبر الكبائر، وأنه يبيح الدم والمال وأنه يفسد العقول والأخلاق، وأن له تأثيراً عظيماً ومباشراً على مصير الإنسان في الآخرة.
ولما كان الشرك بهذه الفظاعة والشناعة
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في مصباح الظلام بعد أن ذكر قوله تعالى
(ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس)
((و زعيمهم الذي يناضل عنهم و يجادل دونهم هو أخبثهم على الإطلاق ))
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في الدرر السنية ج8 ص 396
(( والمرء قد يكره الشرك، ويحب التوحيد، ولكن يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك، وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم،
فيكن متبعًا لهواه، داخلاً من الشرك في شعب تهدم دينه وما بناه، تاركًا من التوحيد أصولاً وشعبًا
لا يستقيم معها إيمانه الذي ارتضاه فلا يحب ولا يبغض لله، ولا يعادي ولا يوالي لجلال من أنشأه وسواه،
وكل هذا يؤخذ من شهادة: لا إله إلا الله ))
و قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في الدرر السنية ج 2 ص 268 ((وأما من لم يعرف حقيقة الشرك، لإعراضه عن فهم الأدلة الواضحة، والبراهين القاطعة، فكيف يعرف التوحيد؟ ومن كان كذلك، لم يكن من الإسلام في شيء، وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم وأما من شرح الله صدره للإسلام، وأصغى قلبه إلى ذكر الله من الآيات المحكمات في بيان التوحيد المتضمن لخلع الأنداد التي تعبد من دون الله، والبراءة منها ومن عابديها، عرف دين المرسلين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [سورة النحل آية: 36] ، والطاغوت: ما تجاوز به العبد حده، من معبود، أو متبوع، أو مطاع ))
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (( وعبادة أصحاب القبور تنافي الإسلام، فإن أساسه التوحيد والإخلاص ولا يكون الإخلاص إلا بنفي الشرك والبراءة منه، كما قال تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى )، وهذه الأعمال مع الشرك تكون (كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف )، وتكون هباء منثوراً؛ (كسراب بقيعة يحسبه الظمئآن ماءاً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً )...)) الدرر السنية ج 11 ص 545
يقول الشيخ إسحاق عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (( و مسألتنا هذه وهي عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة هي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسول وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن )) رسالة تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة
قال عبد الرحمن بن حسن في الدرر السنية ج 11 ص 269 ((والمقصود: أن نفي الأوثان الذي دلت عليه كلمة الإخلاص، يحصل بتركها، والرغبة عنها، والبراءة منها، والكفر بها وبمن يعبدها، واعتزالها واعتزال عابديها، وبغضها وعداوتها ))
قال الشيخ سليمان بن سحمان في الدرر السنية ج 10 ص 493
((أن زعم المخالف أن من انتسب إلى الإسلام، يكون مسلما بمجرد انتسابه إليه، فعلى زعمه: أن عباد القبور اليوم، ممن يدعون الأنبياء، والأولياء والصالحين، وسائر من كفر بالله، وأشرك به ممن يتلفظ بالشهادتين، أنهم مسلمون بمجرد انتسابهم إلى الإسلام، تحل نساؤهم، وتؤكل ذبائحهم وقد تبين لك ما أمر الله به فيهم ورسوله، من تكفيرهم وعدم إسلامهم )
وقال الشيخ العلامة سليمان ابن سحمان في الأسنة الحداد في رد شبهات علوى الحداد ص163
(( فمن لا يكفر من اشرك بالله في عبادته ولم يتبرأ منه فليس بمسلم على الحقيقة ،ولا ينفعه قول لااله الا الله الا ّ باخلاص العبادة بجميع أنواعها لله وحده لا شريك له ،وتكفير من تركها والبراءة من الشرك واهله وتكفير من فعله ،وهذا هو اصل دين الاسلام وقاعدته التي ينبني عليها))
و قال الشيخ سليمان ابن سحمان في قصيدته
تبصر نور الحق من كان يُبصِر
تكفرنا والدين فينا مقرر -- وقولك في الأولى بأي شريعة
أليس لديكم كل أقلف مشرك -- يجاهر فيكم بالفوق ويظهر
ويحكم بالقانون بين ظهوركم -- وحكم النبي المصطفى ليس يذكر
وكل جميع المنكرات فسايغ - لديهم وما منكم لذلك منكسر
فإن كان محض الحق والفسق والخنا -- لديكم هو الدين القويم المقرر
فقد صح ما قد قيل فيكم وإنكم -- لأحرى بما قد قيل فيكم وأخطر
فمن لم يكفرهم به فهو كافر ومن شك في تكفيرهم فهو أكفر
وفى المقابل أقول ما جمع من اصحاب العذر بالجهل من البحر الذى لا ساحل له من الاعذار ما جمع فى العذر والجدال عن أهل الشركفلم يَجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جَمع على أهل الشرك ،
فانا لله وانا اليه راجعون