ظاهرة بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام وقيم المجتمع

- النهي عن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال


مجلة الفرقان



من الظواهر الخطيرة التي أصبحت تتسرَّب إلى مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة -بعد أن ذاع صيتُها في الدول الغربية التي اعتادتْ على استمراء العجائب، واستساغة الغرائب، والسبق إلى الخروج عن المألوف والسائد- ظاهرة «تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال»، التي حذر منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أزيد من أربعة عشر قرنًا؛ حيث روى عنه عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-، فقال: «لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمُتَشَبِّهِي نَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّه َاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»؛ البخاري.

فمن المحزن والمؤسف، أن هذه الظاهرة البعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام وقيمه بدأت تتفشّى في بعض المجتمعات الإسلامية، ومما زاد في انتشارها تعدّد وسائل الإعلام التي تروج لها، وتلقي الناشئة والشباب من الذكور والإناث هذه السلوكيات السّيّئة بالقبول.

تحريم الشريعة لهذه الظاهرة

لقد جاءت شريعتنا بتحريم تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، بل وجاء التغليظ في النهي عن ذلك، حتى لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولئك المخالفين للفطرة التي خلقهم الله تعالى عليها، فتشبه الرجال بالنساء، أو تشبّه النساء بالرجال، هو كبيرة من كبائر الذنوب؛ إذ لا يَرِد الوعيد الشديد، واللعن، الذي هو الطرد، والإبعاد عن رحمة الله، إلا على كبيرة من كبائر الذنوب، فلا يجوز للمرأة أن تتشبّه بالرجال، فيما اختصوا به، ولا يجوز للرجال أن يتشبهوا بالنساء فيما اختصصن به، ومن فعل شيئاً من ذلك، فقد عرّض نفسه لِلّعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله التي وسعت كل شيء.

الحكمة في النهي عن التشبه

ومن الحكمة في النهي عن التشبه أمور عدة أهمها ما يلي:

(1) مخالفة للفطرة

فطر الله كلا من الذكر والأنثى على فطرةٍ معينةٍ، وخصص لكل واحدٍ منهما ما يناسبه من الأعمال وهيأه للقيام بها، والخروج عن هذه الفطرة التي فطرها العليم الخبير يسبب الفساد العريض في الأرض، وهذا ما تشكو منه كثير من المجتمعات اليوم، فتشبه كل جنس بالجنس الآخر في اللباس أو الهيئة أو الأعمال مصادم للفطرة مفسد لها؛ ولذلك لعن الرسول من فعل ذلك.

(2) هدم لفضيلة الرجال على النساء

إن الله -تعالى- جعل للرجال على النساء درجة، وجعلهم قَوّامين على النساء، وميزهم بأمور قَدَرية، وأمور شرعية، فقيام هذا التمييز، وثبوت فضيلة الرجال على النساء، مقصود شرعاً وعقلاً، فتشبُّه الرجال بالنساء يهبط بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وتشبه النساء بالرجال يبطل التمييز، فالله -تعالى- خلق الرجال والنساء، وفرق بينهما في التكوين الخلقي والخُلقي، الرجل له طبيعة، والمرأة لها طبيعة.

(3) من أسباب التخنث وسقوط الأخلاق

وأيضاً، فتشبه الرجال بالنساء في الكلام واللباس ونحو ذلك: من أسباب التخنث، وسقوط الأخلاق، ورغبة المتشبه بالنساء في الاختلاط بهن، الذي يخشى منه المحذور، والعكس كذلك، وهذه المعاني الشرعية، وحفظ مراتب الرجال، ومراتب النساء، وتنزيل كل منهم منزلته التي أنزله الله بها، مستحسن عقلاً، كما أنه مستحسن شرعاً.

أفعال مذمومة

قال الإمام النووي -رحمه الله- في (مرقاة المفاتيح): «مِنْ يَتَكَلَّفُ أَخْلَاقَ النِّسَاءِ وَحَرَكَاتِهِنَ ّ وَسَكَنَاتِهِنَ ّ وَكَلَامِهِنَّ وَزِيِّهِنَّ، فَهَذَا هُوَ الْمَذْمُومُ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَعْنُهُ»، وقال الإمام القاري: «(الْمُخَنَّثين مِنَ الرِّجَالِ): فِي الزِّيِّ وَاللِّبَاسِ وَالْخِضَابِ وَالصَّوْتِ وَالصُّورَةِ وَالتَّكَلُّمِ وَسَائِرِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ، إِذَا لَانَ وَتَكَسَّرَ، فَهَذَا الْفِعْلُ مَنْهِيٌّ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ)، وروى أبو داود وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ».

وقال بدر الدين العيني -رحمه الله- في (عمدة القاري): «تشبّه الرِّجَال بِالنسَاء فِي اللبَاس والزينة الَّتِي تخْتَص بِالنسَاء مثل: لبس المقانع، والقلائد، والمخانق، والأسورة، والخلاخل، والقرط، وَنَحْو ذَلِك، مِمَّا لَيْسَ للرِّجَال لبسه، وَكَذَلِكَ لَا يحل للرِّجَال التَّشَبُّه بِهن فِي الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ مَخْصُوصَة بِهن كالانخناث فِي الْأَجْسَام والتأنيث فِي الْكَلَام وَالْمَشْي».

أسباب هذه الظاهرة

ولهذه الظاهرة أسباب عدة نذكر أهمها فيما يلي:

(1) مشكلات نفسية

بعض الشباب يشعر بنقص نفسي، ولكي يسد هذا النقص يفرض شخصيته عن طريق التشبه بالنساء في اللبس والتصرفات، وبعضهم يتشبه بالنساء للفت الأنظار إليه، وشد الانتباه له، وذلك بتسريحة الشعر أو لبس ملابس النساء، أو المشي في السوق والأماكن العامة مشية غريبة.

(2) التربية غير الصحيحة

إذا كانت البيئة التي يعيش فيها الشاب صالحة كان صالحاً، وإن كانت سيئة كان كذلك، فالشاب الذي يعيش في بيت الفوضى تسوده، وتنعدم فيه التربية الصالحة، معرض للانحراف.

(3) ضعف في الإيمان

قلة الوازع الديني في تلك الأيام تساعد على الوقوع في المعاصي سواء الكبير منها أم الصغير نتيجة نقص الإيمان، وعدم الوعي بثوابت الدين وشريعته.

(4) التقليد الأعمى

فهو يلبس ويتصرف دون وعي أو إدراك لما يفعله، ودون تفكير في فوائد أو أضرار ما يعمله فهو يقلد من حوله من أصحاب أو فنانين وإن كان الأمر منافياً لطبيعته.

(5) نقص في التوعية

للإعلام دور مهم في توعية الشباب وجعلهم على الطريق الصحيح في أخلاقهم وسلوكهم، لذا هناك ضعف عدد البرامج بمختلف أنواعها المرئية، المسموعة، أو المقروءة التي تهتم بتربية الشباب، فعندما يرى الشباب شيئا ما على شاشة التلفزيون يحاول القيام بتقليده حتى وإن كان خارج نطاق الآداب العامة.

(6) القدوة السيئة

تُعد القدوة عنصراً مهما في التربية، فقد يوجد من يقتدي به ذلك الشاب من الجنس الثالث سواء من أقربائه أو من يعجب به من الجنس الثالث، فيكون ذلك سبباً رئيساً في محاكاته وتقليده.

أساليب الوقاية

من الأمور المهمّة التي يجب على الشخص وعلى الأسرة وعلى المجتمع اتّباعها لعلاج موضوع تشبّه الرّجال بالنّساء خصوصا، والتشبّه المنهي عنه عموما، ما يأتي:

- إحسان تنشئة الأفراد والمحافظة على الفوارق السلوكيّة بين كلا الجنسين.

- غرس روح الاعتزاز بالرجولة لدى الشّباب.

- ربط الشباب بنماذج تكون لهم قدوة، ومن خير القدوات وأعظمها النبي محمّد - صلى الله عليه وسلم -، ثم صحابته -رضي الله عنهم-، ثم أئمة المسلمين وعلماؤهم.

- نشر الوعي الإسلاميّ في المجتمعات، وتصحيح الأفكار وإثارة التّوبة إلى الله -تعالى- في النّفوس.

- العمل على تعليم الشباب أحكام الدين الإسلاميّ.

- ربط الشباب والبيوت بالأئمة والعلماء الربانيين، من خلال وسائل الإعلام، أو وسائل التواصل المباشر.

- تجديد الأمل في نفوس الشّباب، وشحذ هممهم وتوجيههم إلى طريق الحقّ والصواب.

- الاهتمام بالجانب التربويّ في المدارس، وتشديد الرّقابة على المخالفات الأخلاقيّة.

- ملء فراغ الشباب بالأعمال النافعة والمفيدة.

- بيان المعنى الصحيح لمفهوم الحريّة، وأنّه لا يعني -ولا بأي صورة- الانفلات، أو مخالفة أحكام الدّين الإسلاميّ.

- تعليم الشّباب كيفيّة الاستفادة من الآخرين، وذلك بأخذ أحسن الأخلاق والأعمال عنهم.

- تصحيح الأفكار والعادات الاجتماعيّة الفاسدة.


- توفير العلاج والرعاية النفسيّة والاجتماعيّة لكلّ مَن يحتاج إلى ذلك.


- الرّقابة الواعية على المجتمعات ورصد الظواهر والانحرافات من قِبل المسؤوليين.



حكم تمثيل الرجل لدور امرأة


سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز: هناك رجال يمثلون نساء، ويجري بثه في التلفزيون، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ فأجابت اللجنة: لا يجوز ذلك؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.