خطر الانحراف عن منهج الصحابة


أسامة شحادة


إن منهج السلف يقوم على التسليم المطلق لله -عز وجل- ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تعلم الصحابة -رضوان الله عليهم- من هزيمة غزوة أحد بسبب مخالفة بعض الرماة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - درسا قاسياً، رسخ في يقينهم خطورة هذه المخالفة على دينهم ودنياهم.

أوائل البدع التي ظهرت في الإسلام

إن فرقة الخوارج من أوائل البدع التي ظهرت في تاريخ الإسلام؛ إذ ظهر جدهم الأول في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين اتهمه بعدم العدل في العطاء في غنائم حنين! ومن هنا تشكلت السمات الأساسية للخوارج وهي الجهل والتهور وقلة الأدب والوقاحة، فمن بدهيات الإسلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم من الخطأ والزلل فكيف بالظلم وهو من الكبائر العظيمة؟!

شهادة الكفار بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم

لقد كان الكفار يشهدون للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمانة والصدق، فكيف يظن مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يظلم أو يحابي؟! ولذلك وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وأتباعه بقوله: «إن له أصحابا، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» (رواه مسلم)، وفي هذا الحديث يؤصل النبي - صلى الله عليه وسلم - الفرق بين منهجه الذي علمه لأصحابه الذي يقوم على التسليم للقرآن والسنة بفهم وعلم، بخلاف منهج الخوارج أصحاب العبادات الكثيرة -أكثر من عبادة الصحابة أنفسهم- مع غياب الفهم للقرآن فهو لا يصل إلى قلوبهم وعقولهم بل لا يتجاوز حناجرهم.

منهج الصحابة

منهج الصحابة الذي تعلموه من القرآن والسنة في حال عدم فهم الأمور هو قول الله -تعالى-: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه ُ مِنْهُمْ} (النساء 83)، بالرجوع إلى أهل العلم والخبرة القادرين على الاستنباط والتحليل، وفي هذا تأكيد على عناية الوحي بالتفكير والاجتهاد واحترام التخصص، بخلاف منهج الخوارج القائم على التصدي للقضايا الكبرى والمهمة بجهل وتهور.

دراسة تاريخ الخوارج

إن دراسة تاريخ الخوارج تؤكد هذه السمات، فحين ألب عبد الله بن سبأ -وهو من يهود صنعاء- أهل مصر والعراق على الخليفة الراشد عثمان بن عفان، بإثارة مجموعة من الشبهات الباطلة التي حين عجزوا عن إثباتها أمام عثمان وبقية الصحابة الذين ناقشوهم وجادلوهم وأرسلوا أولادهم للدفاع عن عثمان، لجؤوا إلى قتله غدراً وهو يقرأ في المصحف! وبعد ذلك حين توافق علي ومعاوية -رضي الله عنهما- على التحكيم، رفض الخوارج بتأليب من ابن سبأ مرة أخرى، وزعموا كفر علي لقبوله بتحكيم الرجال، وحين ناقشهم ابن عباس في ذلك رجع معه ألوف منهم، وأصر بقيتهم على موقفهم؛ فتركهم علي - رضي الله عنه - حتى بدؤوا بقتل المسلمين فحاربهم وقضى عليهم، ولذلك قام الشقي عبد الرحمن بن ملجم الخارجي باغتيال الخليفة الرابع علي - رضي الله عنه .

نتائج منهج الخوارج على الأمة

لقد كان من نتائج منهج الخوارج على الأمة قديماً وحديثاً:

(1) زعزعة دولة الخلافة

زعزعة دولة الخلافة وقتل الخليفة الثالث والرابع وإدخال الأمة الإسلامية في دوامة من الحروب الداخلية؛ مما فرق وحدتها وأطمع العداء بها، بسبب جهلهم الذي مكن الكثيرين من توجيههم، وهو ما يحصل اليوم فالدارسون لحركات التطرف والغلو المعاصرة اليوم يؤكدون حدوث الكثير من حالات الاختراق لصفوف هذه الجماعات.


ترسيخ منهج الجهل والتهور

ترسيخ منهج الجهل والتهور وإشاعة روح التكفير والعنف بدلاً من لغة العلم والحوار، فلاحظ الفرق بين منهج عثمان - رضي الله عنه - الخليفة الذي يسمع الثوار يهددونه بالقتل فلا يوعز لأنصاره بالدفاع عنه وإبادة الثوار، بل يرفض عروض كبار الصحابة بالتصدي لهم، ولاحظ موقف علي - رضي الله عنه - الذي أمر بالكف عنهم طالما لم يرتكبوا جرماً مادياً، وقابل الخوارج هذه المواقف بتكفير خصومهم وهم أفضل منهم، فكفروا عثمان وعلي والحسن -رضي الله عنهم. وبهذا يتضح لنا خطورة الانحراف عن منهج الصحابة في فهم الدين، وأن هذا الانحراف له أثار سيئة على الواقع المعيشي للمسلمين، وله أثار سلبية أيضاً على الدين.