من أسباب السعادة الإيمــــــــــ ان بالقضاء والقدر


مجلة الفرقان

في محاضرته التي ألقاها بجمعية إحياء التراث الإسلامي ضمن أنشطة مركز عبدالله بن مسعود لتحفيظ القرآن الكريم بين الشيخ رضا ثابت أن الله تعالى قدَّر أن تكون هذه الحياة مزيجًا بين العسر واليسر، وبين الرخاء والضيق، فلم يرد -سبحانه وتعالى- أن تكون الحياة كلها لون واحد، بل قدر الله أن يتقلب الخلق بين هذا وذاك؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يحب من عباده أن يعبدوه في كل أحوالهم، في سرَّائهم وضرَّائهم، هذا هو حال المؤمنين حقا، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ» رواه مسلم.

ثم بين ثابت أن هناك صنف من الناس لا يعبد الله -عز وجل- إلا في السعة، فإذا ضيق الله -عز وجل-عليه اعترض وانقلب على عقبه، قال الله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (الحج: 11)، ذكر المفسرون في هؤلاء أنهم كانوا قومًا أعرابًا إذا دخلوا في الإسلام ينتظرون، فإذا أمطرت السماء، وكثر النبات، وزادت الماشية، قالوا: هذا دين خير، وإذا كانت الأخرى، وحدث القحط والجدب، قالوا: هذا دين شؤم، وتركوا الإسلام -والعياذ بالله-، فذكر الله حالهم.

وأضاف، وهناك صنف آخر يعبد الله -سبحانه وتعالى- في حال الضيق فإذا ما وسع الله -عز وجل-عليه تجبر وتمرد وطغى وبارز الله -سبحانه وتعالى- بالمعاصي، وكانت حاله شبيها بحال قارون الذي لما وسع الله -عز وجل- عليه وأمر بطاعة الله فقيل له: {وأحسن كما أحسن الله اليك ولاتبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين قال إنما أوتيته على علم}، أما المؤمنون فيعبدون الله -عز وجل-في كل أحوالهم.

أمر يصيب كل بني البشر

كما أكد ثابت على أن الحزن والهم أمر يصيب كل بني البشر، لايصيب بعضهم دون بعض؛ فالكل يحزن حتى الرسل، بل حتى أفضل البشر - صلى الله عليه وسلم -، قال الله -عز وجل- له: {ولاتحزن عليهم} وقال -عز وجل- له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}، أي تكاد تميت نفسك أيها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - من شدة الحزن عليهم لأنهم لم يؤمنوا بالله -سبحانه وتعالى.

الحزن الممدوح

وأشار ثابت إلى أن هناك فارق بين حزن ممدوح يمدح عليه الإنسان، وبين حزن آخر لايمدح عليه، فهناك حزن على أمر الدين، أن يحزن الإنسان على طاعة فاتته، ويحزن على أوقات مضت دون أن يتقرب فيها إلي الله، فهذا هو الحزن الممدوح، وهذا كان حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فشتان بين أن يحزن المرء على أمر الدين، وبين أن يحزن على لعاعة من الدنيا فانية.

فهؤلاء الفقراء الذين أتوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك (بينها وبين المدينه كيلومترات) وهم لا يجدون مراكب يركبونها؛ فأتو للنبي - صلى الله عليه وسلم - يسألونه شيئا يوفره ليحملهم عليه، فكانت الحقيقة، وكان الواقع انه لايجد مايحملهم عليه، فماذا كان شأنهم؟ قال الله -تعالى-: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} (التوبة: 92) هذا حزن على أمر من أمور الدين.

التألم على فوات الطاعة

وضرب مثالاً على ذلك من سيرة عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - فقال: كان - رضي الله عنه - إذا فاتته صلاة الجماعة مرة أحيا ليله وأعتق رقبة، وكان ذات مرة جالسا في المسجد فجاءه رجل يخبره أن من شهد الجنازة فصلى عليها كان له قيراط، ومن شهدها حتى تدفن له قيراطان، فلما سمع ذلك أصابه حزن شديد، إنه يتساءل هل من المعقول أنه ضيع كل هذه القراريط؟ وأراد أن يتأكد من صحة هذا الحديث فوصل إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي روى الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبره أبو هريره - رضي الله عنه - أنه سمع بأذنيه النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك، فكان في يده شيء من حصباء الأرض، فضربه في الأرض، وهو يقول: والله كم ضيعنا من قراريط! فشتان بين هذا وبين من يحزن لكون فريقه الذي يشجعه قد خسر مباراة، وأسوأ من هذا من يحزن من أجل فوات معصية من المعاصي والعياذ بالله.

علاج الهموم

وعن علاج الهموم في زمن كثرت فيه الهموم، قال ثابت: ما أحوجنا إلي أن نتلمس كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكلام سلفنا الصالح نستنبط ونستخرج منه أسبابا تزيل أحزاننا، وتذهب همومنا، وتنشر فينا السعادة، وتحقق الراحه النفسية التي يبحث عنها كل حي، فلا ريب أن السعادة أمنية كل حي.

صحة العقيدة

وبين أن أول سبب من أسباب علاج الهموم والأحزان يكمن في العقيدة الصحيحة للمسلم، هذه العقيدة هي التي أكرمنا الله بها، وشرفنا بها، هذه العقيده لو أتى بها المسلم على وجه الكمال والتمام لكن له حال آخر، ومن أركان هذه العقيدة ركن عظيم جدًا يعين الإنسان على مواجهة الآلام مهما كانت، إنه الإيمان بالقضاء والقدر.

ما أصابك لم يكن ليخطئك

وأضاف، عندما نقرأ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا»، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أول ما خلق الله من خلقه القلم، فقال له: اكتب، فجرى ماهو كائن إلي يوم القيامة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة»، فعندما يصيبك أمر مكروه، وتتذكر أنه أمر قد قضي قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة يهون عليك الأمر، عندما يفوتك أمر ما ترجوه وتستحضر كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، «واعلم أن ما أخطاك لم يكن ليصيبك» ستكون هذه العبارة كالدواء الذي ينزل على الجرح فيورث برودة بعد الحرارة، وراحة بعد الألم، يقول الله في سورة الحديد: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحديد: 22)، ثم يبين الله الأثر المترتب على ذلك فيقول على الإيمان بالقدر: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (الحديد: 23).

الصبر عند الصدمة الأولى

كما أكد على أن الإنسان لو استرجع عند الصدمة الأولى وقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها» لأخلفه الله خيرًا منها، فهذه أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت متزوجة من أبي سلمة - رضي الله عنه - من المهاجرين الأوائل للحبشة، فلما مات أوصاها النساء الحاضرات بأن تقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها»، فتعجبت وقالت خيرًا منها! وأي المسلمين خير من أبي سلمة؛ فقد كان أول بيت هاجر إلى الله ورسوله، ثم مالبثت أن قالت: «إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها»، فإذا بالباب يطرق، إن الله -عز وجل- لم يخلفها خيرا من أبي سلمة فحسب، بل أخلفها خير الأولين والآخرين، رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

التعلق بالدنيا

وأضاف ثابت أن من أسباب الهموم والأحزان هو التعلق بالدنيا، وأن القلب المتعلق بالآخرة بعيد عن هذه الهموم، قويا عنده القدرة على مواجهة الصعاب، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أصيب بفاجعة مابعدها فاجعة، مات ابنه فلذة كبده إبراهيم؛ فاستحضر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان باليوم الآخر ليكون مخففًا عليه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «تدمعُ العينُ ويحزنُ القلبُ ولا نقولُ ما يسخطُ الرَّبَّ، لَولا أنَّهُ وعدٌ صادقٌ وموعودٌ جامعٌ وأنَّ الآخرَ تابعٌ للأوَّلِ لَوَجَدْنَا عليكَ يا إبراهيمُ أفضلَ ممَّا وجدنا وإنَّا بِك لمحزونونَ».


حقيقة الدنيا

وعن حقيقة الدنيا ذكر الشيخ حديث جابر - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بالسوقِ داخلًا من بعضِ العاليةِ فمرَّ بجَديٍ أَسَكٍّ ميتٍ، فتناوله، فأخذ بأُذُنِه ثم قال: أيكم يحبُّ هذا له بدرهمٍ؟ فقالوا ما نحبُّ أنه لنا بشيءٍ وما نصنعُ به، قال: أتحبّون أنه لكم، قالوا: لا، قال: ذلك لهم ثلاثًا، فقالوا: لا واللهِ، لو كان حيًّا لكان عيبًا فيه أنه أَسَكٌّ - والأسَكُّ الذي ليس له أُذُنانِ- فكيف وهو ميتٌ؟! قال: فواللهِ، لَلدُّنيا أهونُ على اللهِ من هذا عليكم، هذه حقيقة الدنيا.