خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية {سُبْحَانَ الَّـــــذِي َأسْـــــرَى بِعَبْـدِهِ}


مجلة الفرقان

جاءت خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 10 من رجب 1443هـ - الموافق 11 من فبراير 2022م، بعنوان (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ)؛ حيث بينت الخطبة أن الله -تعالى- آتَى كُلَّ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا يَقْتَضِي إِيمَانَ مَنْ شَاهَدَهَا بِصِدْقِ دَعْوَاهُ، فَقَدْ أَيَّدَ اللهُ -تعالى- نَبِيَّهُ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - بِآيَةِ الْعَصَا وَانْفِلَاقِ الْبَحْرِ، وَأَيَّدَ -سُبْحَانَهُ وَتعالى- نَبِيَّهُ عِيسَى - صلى الله عليه وسلم - بِمُعْجِزَةِ أَنَّهُ يَخْلُقُ لَهُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَيُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ، وَلَقَدْ أَيَّدَ الله نَبِيَّهُ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم - بِمُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَدَلاَئِلَ عَظِيمَةٍ كَبِيرَةٍ، أَلَا وَإِنَّ أَعْظَمَهَا مُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ الْخَالِدَةُ، وَمُعْجِزَةُ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ؛ قَالَ اللهُ -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء:1).

لَقَدْ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مَعاً - يَقَظَةً لَا مَنَاماً - مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، رَاكِبًا عَلَى الْبُرَاقِ، صُحْبَةَ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،- فَنَزَلَ هُنَاكَ، وَصَلَّى بِالأَنْبِيَاءِ إِمَامًا، وَرَبَطَ الْبُرَاقَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْمَسْجِدِ. «ثُمَّ عُرِجَ بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ لَهُ جِبْرِيلُ فَفُتِحَ لَهُ، فَرَأَى هُنَالِكَ آدَمَ أَبَا الْبَشَرِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَرَحَّبَ بِهِ، وَأَرَاهُ اللَّهُ أَرْوَاحَ السُّعَدَاءِ عَنْ يَمِينِهِ، وَأَرْوَاحَ الأَشْقِيَاءِ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ لَهُ، فَرَأَى فِيهَا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَلَقِيَهُمَا وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا، فَرَدَّا عَلَيْهِ وَرَحَّبَا بِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَرَأَى فِيهَا يُوسُفَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ وَرَحَّبَ بِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَرَأَى فِيهَا إِدْرِيسَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَرَأَى فِيهَا هَارُونَ بْنَ عِمْرَانَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَحَّبَ بِهِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَلَقِيَ فِيهَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَحَّبَ بِهِ، فَلَمَّا جَاوَزَهُ بَكَى مُوسَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ مِنْ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَلَقِيَ فِيهَا إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ، وَأَقَرُّوا جَمِيعًا بِنُبُوَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رُفِعَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.

فرض الصلاة

وَفَرَضَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً. فَرَجَعَ حَتَّى مَرَّ عَلَى مُوسَى فَقَالَ لَهُ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: بِخَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَالْتَفَتَ إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَعَلَا بِهِ جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى بِهِ الْجَبَّارَ -تَبَارَكَ وَتعالى-، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، ثُمَّ نَزَلَ حَتَّى مَرَّ بِمُوسَى فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُوسَى وَبَيْنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا، فَأَمَرَهُ مُوسَى بِالرُّجُوعِ وَسُؤَالِ التَّخْفِيفِ، فَقَالَ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فَلَمَّا بَعُدَ نَادَى مُنَادٍ: قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي.

مَقَاصِدُ وَعِبَرٌ وَبَشَائِرُ وَمُنْذِرَاتٌ

ثم بينت الخطبة أن فِي مُشَاهَدَاتِ رِحْلَةِ الإِسْرَاءِ مَقَاصِد وَعِبَرا، وَبَشَائِر وَمُنْذِرَات، مِنْهَا:

عِظَم شَأْن الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ

الإِشَارَةُ إِلَى عِظَمِ شَأْنِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ، وَالْمُحَافَظَة عَلَيْهَا مِنْ خِلَالِ إِقَامَتِهَا كَمَا أَمَرَنَا رَبُّنَا فِي الْجَمَاعَاتِ؛ فَهِيَ عَمُودُ الدِّينِ، وَأَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْفَلَاحُ مَعْقُودٌ عَلَى حُسْنِ إِقَامَتِهَا فِي أَوْقَاتِهَا؛ قَالَ -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون:1- 2).

الْمَشَاهِدُ الأَلِيمَةُ الَّتِي رَآهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم

وَمِنْهَا: تِلْكَ الْمَشَاهِدُ الأَلِيمَةُ الَّتِي رَآهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ صُوَرِ الْعَذَابِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ، الَّذِينَ مَلَؤُوا صَحَائِفَ حَيَاتِهِمْ مِنْ خَطَايَا اللِّسَانِ: بِتَقْطِيعِ الأَعْرَاضِ غِيبَةً وَنَمِيمَةً وَفُحْشاً وَإِشَاعَةً لِلْكَذِبِ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ أُولِئَكَ الْمُعْتَدِينَ عَلَى الْمَحَارِمِ بِالزِّنَى، وَآكِلِي الرِّبَا، فَهِيَ وَاللهِ إِنْذَارَاتٌ أَكِيدَةٌ، وَمَحَطَّاتٌ شَدِيدَةٌ، فَالتَّوْبَةَ التَّوْبَةَ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ.

وُجُوبِ الْعِنَايَةِ بِمَسْرَى الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم

وَمِنْ مَقَاصِدِ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ: التَّذْكِيرُ الدَّائِمُ بِوُجُوبِ الْعِنَايَةِ بِمَسْرَى الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم -، وَأُولَى الْقِبْلَتَيْنِ ، وَأَلَا تَلْتَفِتَ اهْتِمَامَاتُنَ ا عَنِ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الْجَرِيحِ، وَمُعَانَاةِ أَهْلِهِ مِنْ قِبَلِ الصَّهَايِنَةِ الْغَاصِبِينَ، فَمَهْمَا طَالَ لَيْلُ الظَّالِمِينَ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أُفُـــــولٍ.. كَيْفَ لَا؟ وَالرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ فَلَتَقْتُلُنَّ هُمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا).

أَعْظَمُ مُعْجِزَاتِ النبي - صلى الله عليه وسلم

إِنَّ مُعْجِزَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ هِيَ أَعْظَمُ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّكُمُ الْكَرِيمِ بَعْدَ مُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَالْإِيمَانُ بِهَا وَاجِبٌ، وَجُحُودُهَا إِنْكَارٌ لِمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَرَدٌّ لِمَا تَوَاتَرَ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَخَرْقٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْلَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ لَمْ يُحْفَظْ وَقْتُهَا، وَلَا يُشْرَعُ لَنَا فِيهَا عَبَادَةٌ خَاصَّةٌ أَوِ احْتِفَالٌ، وَلَا يُسْتَحَبُّ صِيَامُ نَهَارِهَا وَلَا قِيَامُ لَيْلِهَا.



دروس وعبر من رحلة الإسراء والمعراج

معجزة الإسراء والمعراج فيها مشاهد عظيمة وآيات باهرة، يتعلم منها المسلم الدروس والعبر فهي لم تكن مجرد رحلة تسرية وتسلية لقلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفقط، بل كانت رحلة تربية وتهذيب لنا فلعلنا ننتفع بهذه الدروس، ونحيي بها ما اندرس في النفوس.

(1) أصل الدين واحد هو التوحيد

‏إن أنبياء الله ورسله بعثهم الله إلى خلقه ليعرفوهم بالله، وكيف يعبدونه؟ و‏ليُعلموهم أن الله وحده هو المستحق للعبادة، قال -تعالى-: {‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25). وهذا يعني أن رسالة الأنبياء واحدة، وأنهم جميعًا إخوة، وقد أكَّد رسول الله هذه الحقيقة في مناسبات عدة، منها: قوله عن نبي الله يونس «أخي كان نبيًّا، وأنا نبي» تفسير القرطبي.

(2) الرسول - صلى الله عليه وسلم - إمام للأنبياء والمرسلين

حيث أم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنبياء في المسجد الأقصى للصلاة، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «.... فَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَأَمَمْتُهُمْ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِى بِالسَّلاَمِ». صحيح مسلم، وفي هذا دلالات، منها: أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، ودليل على عالمية الإسلام، وعموم رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم -، وأنه حامل لواء الهداية للخلق جميعًا، تحمَّلها سيدنا رسول الله بأمانة وقوة، وقام بحقها على خير وجه، ثم ورَّثها لأمته من بعده، وبذلك أصبحت خير أمة أخرجت للناس، ومسؤولة عن إقامة حُجَّة الله على خلقه جميعًا، كما قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143).


(3) مكانة المسجد الأقصى في الإسلام

للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة، فهو يعد قبلة الأنبياء جميعاً قبل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم -، وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي -صلى الله عليه وسلم - قبل أن تُغير القبلة إلى مكة. وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج؛ حيث أسرى بالنبي -صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وفيه صلى النبي إماما بالأنبياء، ومنه عرج بالنبي -صلى الله عليه وسلم - إلى السماء. وهناك في السماء العليا فرضت عليه الصلاة.