الفضيحة ليست شطارة


سالم الناشي




- لابد أن نفرق بين النصيحة والفضيحة، وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه وبين التشهير والتحقير.

- يعتقد بعض الناس أن فضح الشخصية الفلانية، أو الجهة العلانية شطارة، فهو يتلذذ بفضح هذا، وهتك ستر ذاك، والتكلم في هذا، والخوض في عرض ذاك.

- ومع الأسف يفرح بعضهم بمعرفة فضيحة ما، فيسارع إلى نشرها، والتكلم عن صاحبها؛ ظنا منه أنه بذلك مصلح، بل ينتقل إلى مرحلة أخرى أخطر، وهي السعي للبحث عن فضائح أخرى لترويجها في المجالس، وتراه فرحا فخورا بأنه يعلم فضيحة لا يعلمها الآخرون!

- ولكن يجب أن تعلم أنك لست مكلفا لا شرعا ولا عقلا؛ للقيام بدور الجهة الرقابية، التي من أهم أدوارها: بيان الخلل بالأدلة ومحاولة إصلاحه، إنما أنت فرد كبقية الأفراد، لست صاحب قرار أو فعل حتى يلتفت إليك، وغاية ما في الأمر أنك ترضي غرورك، وتداري ضعفك بفضح الآخرين.

- كما أنك غير مطالب بالتحدث باسم الجهات المعنية، ولا باسم أي أحد عن أي أحد، والأصل أن تستر على نفسك وعلى غيرك، والستر مراتب:

1- ستر المسلم نفسه: فينبغي أن يستر المسلم نفسه، فلا يفضح نفسه أمام الناس بأي وسيلة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، وإنَّ من المجَاهرة أن يعمل الرَّجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يَسْتُره ربُّه، ويصبح يكشف سِتْر الله عنه»، وأيضا قال -صلى الله عليه وسلم -: «أيُّها النَّاس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئًا، فليَسْتَتر بسِتْر الله».

2- ستْر المسلم لإخوانه المسلمين: إذا رأى المسلم من إخوانه عيبًا أو خطأً فعليه أن يسترهم ولا يفضحهم، قال -صلى الله عليه وسلم -: «من نفَّس عن مؤمن كُرْبةً من كُرَب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كُرْبةً من كُرَب الآخرة، ومن سَتَر على مسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه».

وهناك وسائل تعين على اكتساب صفة السَّتْر منها:

1- أن تعلم فضل السَّتْر، وأنَّ من سَتَر أخاه المسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة.

2- أن تستشعر معنى أخوة الإيمان، فقد قال الله -عزَّ وجلَّ-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في تَوَادِّهِم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عُضْو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى»، وقال أيضا -صلى الله عليه وسلم -: «مَن علِمَ مِن أخيهِ سَيئةً فسترَها، سترَ اللهُ عليهِ يومَ القيامةِ».

3- أن تضع نفسك مكان أخيك الذي أخطأ وزلَّ، فهل تحبُّ أن تُفْضَح أم تُسْتَر؟ فقد قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم، حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه».

4- أن ينشغل العبد بإصلاح نفسه، قال الحسن البصري: «يا ابن آدم، لن تنال حقيقة الإيمان حتَّى لا تعيب النَّاس بعيب هو فيك، وتبدأ بذلك العيب من نفسك، فتصلحه، فما تصلح عيبًا إلَّا ترى عيبًا آخر، فيكون شغلك في خاصَّة نفسك». وقيل لربيع بن خُثَيْم: ما نراك تعيب أحدًا، ولا تذمُّه! فقال: ما أنا على نفسي براضٍ، فأتفرَّغ من عيبها إلى غيرها».