تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان

    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (1)
    (موعظة الأسبوع)
    استشعار فضل إدراك رمضان


    كتبه/ سعيد محمود




    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    - الغرض مِن الأحاديث: شحذ الهمم للاستعداد لشهر رمضان.

    مقدمة:

    أهمية الاستعداد لمواسم الطاعات:

    - اقترب شهر رمضان، وهو مِن أعظم الأزمنة الفاضلة، ومواسم الجود الإلهي، حيث تُعتَق الرقاب، وتوزع الجوائز على الأحباب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم- في رواية: (إِذَا كَانَ *رَمَضَانُ فُتِّحَتْ *أَبْوَابُ *الرَّحْمَةِ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ *قَامَ *رَمَضَانَ *إِيمَانًا *وَاحْتِسَابًا *غُفِرَ *لَهُ *مَا *تَقَدَّمَ *مِنْ *ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    - الأزمنة الفاضلة مِن أنسب أوقات الجد والاجتهاد في فعل الطاعات، حيث تكثر فيها الرحمات النازلة من رب الأرض والسماوات: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ فَإِنَّ للَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) (رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني).

    - فجدير بالمؤمنين أن يتواصوا على تحصيل أعلى درجات الفوز بهذا الجود الإلهي بحسن الاستعداد؛ فهم أولى بذلك مِن دعاة الباطل، واللهو الفجور، الذين تتعاظم هممهم في الاستعداد لهذا الشهر: قال الله -تعالى-: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (الليل: 4).

    - الكل يستشعر قرب إقبال رمضان، ولكن هل أعددنا أنفسنا لاستقباله، وأين نحن من عظيم استعداد السلف لقدوم رمضان: قال معلى بن الفضل -رحمه الله-: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم!"، وقال يحيى بن أبى كثير -رحمه الله-: "كان مِن دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلًا".

    - حسن الاستعداد مقدمة للنتائج الحسنة والنجاح: (الطالب المتفوق - العَدَّاء الماهر - الجيش المنتصر - ... )؛ فكيف بطلاب الآخرة؟! (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن: 60)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ يُنَزِّلُ الْمَعُونَةَ عَلَى قَدْرِ الْمَئُونَةِ) (أخرجه البزار في مسنده، وصححه الألباني).

    الخطوة الأولى: استشعار فضل إدراك رمضان:

    - نسائم رمضان يستشعرها المحبون من الآن، فالمخلصون يستشعرون الخير بقلوبهم قبل إدراكه بأبدانهم: قال أنس بن النضر -رضي الله عنه ـ يوم أُحُد: (إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ) (رواه البخاري)، وكان يعقوب -عليه السلام- يستشعر حياة يوسف -عليه السلام- بقلبه قبل حضور القافلة بقميصه: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (يوسف: 94).

    - فكيف إذا انضاف إلى استشعار القلوب نسائم الرحمات والخيرات، استحضار فضل مَن أدرك الشهر؟ لقد سبق مَن عاش رمضان وتعبَّد لله فيه مَن جاهد واستشهد؛ فأي موسم، وأي خير أعظم من هذا؟! فعن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِىٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ إِسْلاَمُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّىَ. قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّىَ الآخِرَ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَ إليَّ فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: (مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟!)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

    احذر التسويف بالاستعداد:

    - المقصود بذلك: تأخير الاستعداد لرمضان بغير مسوغٍ أو مقتضى(1).

    - وهذا هو التسويف الذي وَقَع فيه الثلاثة الذين خُلِّفوا -رضي الله عنهم-: قال كعب بن مالك -رضي الله عنه-: "وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ" (متفق عليه).

    لقد حَثَّ الشرع على المبادرة بالأعمال الصالحة وعدم التسويف بها: قال الله -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء: 90)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد".

    خاتمة: مَن زرع حصد(2):

    ازرع من الآن لتحصد في رمضان: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) (التوبة: 46).

    وللحديث بقية عن خطوات أخرى على طريق الاستعداد لرمضان -إن شاء الله-.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــ

    (1) كحال بعضهم في قوله: "لا داعي للتعجيل بالاستعداد، فسأكون جاهزًا مع أول يوم!"، وهذا شأنه شأن الطالب البليد الذي يفتح الكتب ليلة الامتحان! أو العَدَّاء الفاشل الذي يقوم مِن النوم على السباق! وهكذا كل مَن لم يحسن الاستعداد قبل الأمور العظيمة، فالنتيجة غالبًا محسومة، وهي المجيء في الترتيب متأخرًا، أو عدم إكمال الأمر والعجز؛ بسبب سوء الاستعداد.

    (2) إشارة إلى بعض الأعمال التي هي خطوات ومعالم على طريق الاستعداد، حتى يأتي الحديث عليها تفصيلًا إن شاء الله، مثل: (تحقيق التوبة الصادقة ـ مطالعة أحكام الصيام وأسراره وحِكَمه ـ كثرة صيام النوافل قبل رمضان ـ مصاحبة الصالحين ومطالعة سير السلف في رمضان ـ الإقبال على القرآن ـ الإقبال على المساجد ـ تعويد الجوارح على الاستقامة ـ تعويد البدن على القيام ـ ... ).









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان




    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (2)

    اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في شعبان



    كتبه/ سعيد محمود

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    المقدمة:
    - شهر شعبان له خصوصية عند النبي -صلى الله عليه وسلم-: فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
    - الإشارة إلى الأسباب الثلاثة التي مِن أجلها خصَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- شهر شعبان بزيادة عمل، والتي منها الاستعداد لشهر رمضان، ومكانة الصيام.
    (1) التعبد في زمن غفلة الناس: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ):
    كان الناس يغفلون عن فضل العبادة في شهر شعبان، فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينبِّه لذلك، ويرسخ القاعدة العظيمة: (عظيم أجر العبادة في أوقات الفتن وغفلة الناس): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العِبادةُ في الهرَجِ كالهِجرةِ إليَّ) (رواه مسلم).
    قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: "الْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَةُ وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ، وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ: أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْهَا، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا، وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهَا إِلَّا أَفْرَادٌ ".
    - مثال في فضل الهجرة لتعرف قدر العبادة في زمن الفتنة وغفلة الناس:عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم-إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيًّا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (*اللَّهُمَّ *وَلِيَدَيْهِ *فَاغْفِرْ) (رواه مسلم).
    (2) الاستعداد لشهر رمضان: (بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ):
    - التنبيه إلى فضل رمضان الذي هو أعظم مواسم العبادة في العام:قال -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ)، وقال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة:185)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ ... ) (رواه النسائي، وصححه الألباني)، وفيه: (تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ).
    - هنيئًا لمَن أدرك شهر رمضان واستعد له من الآن: عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِىٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ إِسْلاَمُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّىَ. قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّىَ الآخِرَ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ. فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: (مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).
    (3) ختم أعمال العام الماضي بالصيام:
    - هذه الأيام المقبلة ترفع فيها أعمالك طوال العام الماضي (رمضان السابق - صلاتك وقيامك - صدقاتك وسائر طاعاتك)، فرفع الأعمال يتنوع (يومي - أسبوعي مرتين - سنوي) حيث يكون ختامها في شعبان:قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ).
    - الصيام مِن أجلِّ الأعمال التي يختم بها العمل: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الله -تبارك وتعالى-: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي) (رواه مسلم)، وقال: (مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه أحمد، وقال الألباني: "صحيح لغيره").
    وعن أبي أُمامة -رضي الله عنه- قال: أَنْشَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَزْوًا، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ. قَالَ: (اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ)، فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، ثُمَّ أَنْشَأَ غَزْوًا آخَرَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ. قَالَ: (اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ)، فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، ثُمَّ أَنْشَأَ غَزْوًا آخَرَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْتُكَ تَتْرَى ثَلاَثًا، أَسْأَلُكَ أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، فَقُلْتَ: (اللَّهُمَّ سَلِّمْهُمْ وَغَنِّمْهُمْ)، فَغَزَوْنَا فَسَلِمْنَا وَغَنِمْنَا، فَمُرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ. قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ)، قَالَ: وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ لاَ يَكَادُ يُرَى فِي بَيْتِهِ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا رُئِيَ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ عَرَفُوا أَنَّ ضَيْفاً اعْتَرَاهُمْ مِمَّا كَانَ يَصُومُ هُوَ وَأَهْلُهُ! (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

    نسأل الله أن يعيننا على طاعته في شعبان، وأن يبلِّغنا رمضان.
    والحمد لله رب العالمين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان

    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (3)

    (الأعمال قبل رفع الأعمال)

    كتبه/ سعيد محمود

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    مقدمة:
    - شعبان هو شهر رفع الأعمال وختام العام:ففي حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كثرة صيامه في شعبان؟ قَالَ: ( ... وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
    - الإشارة إلى أنه ينبغي الاجتهاد في العمل الصالح كخاتمة قبل رفع الأعمال في شعبان، والحرص على الخواتيم في كل الأحيان، تمهيدا للحديث عن العناصر الآتية:
    (1) مراتب رفع الأعمال:
    من عظيم رحمه الله بعباده، أن جعل رفع الأعمال متكررًا ومتنوعًا، تنبيهًا للغافلين والمقصرين، وتحريضًا للطائعين والمجتهدين:قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون: 9).
    فهناك رفع يومي مرتين في أعظم صلاتين، تحريضًا على المحافظة عليهما، وتحذيرًا من تركهما أو تأخيرهما:قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يَنامُ، ولا يَنْبَغِي له أنْ يَنامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ ويَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ) (رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ) (متفق عليه).
    وهناك رفع أسبوعي في يومين كريمين:قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن يوم الاثنين: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم- عن اليومين: (تُعْرَضُ الأعمالُ يومَ الاثنينِ والخميسِ، فأُحِبُّ أنْ يُعرضَ عملي وأنا صائمٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    وهناك رفع سنوي في شهر شعبان -شهر الاستعداد لرمضان- شهر الختام السنوي:قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شعبان: (وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ).
    (2) الاجتهاد في خواتيم الأعمال:
    خطورة الخواتيم وأثرها في العاقبة:قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، *وَإِنَّ *الرَّجُلَ *لَيَعْمَلُ *الزَّمَنَ *الطَّوِيلَ *بِعَمَلِ *أَهْلِ *النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) (رواه مسلم).
    قد يكون ختام العام هو ختام أعمارنا؛ فليحذر العاقل من سوء الخاتمة، وختم عامه بالمعاصي والسيئات التي حذَّر الله من الموت عليها:قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران:102)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ *مَاتَ *عَلَى *شَيْءٍ *بَعَثَهُ *اللهُ *عَلَيْهِ) (رواه مسلم، وأحمد واللفظ له، وصححه الألباني).
    والموفَّق مَن وفَّقه الله على طاعته:قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أرادَ اللَّهُ بعبدٍ خيرًا استعملَهُ)، فقيلَ: كيفَ يستعملُهُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: (يوفِّقُهُ لعملٍ صالحٍ قبلَ الموتِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    قال المباركفوري -رحمه الله-:"أي: يميته وهو متلبس به" (تحفة الأحوذي).
    - احرص على الطاعة دائمًا، توفَّق للموت عليها، ولقد أجرى الكريم عادته بكرمه، أن مَن عاش على شيء مات عليه، وهذه ثلاثة أمثلة لمَن وفَّقهم الله للموت على عملٍ صالحٍ لما عاشوا على طاعته.
    - الصورة الأولى لرجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- (يموت محرمًا، وفي يوم عرفة، ويبعث ملبِّيًا!):عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بيْنَما رَجُلٌ وَاقِفٌ مع رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بعَرَفَةَ، إذْ وَقَعَ مِن رَاحِلَتِهِ، قالَ أَيُّوبُ: فأوْقَصَتْهُ، أَوْ قالَ فأقْعَصَتْهُ، وقالَ عَمْرٌو: فَوَقَصَتْهُ، فَذُكِرَ ذلكَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: (اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ)، قالَ أَيُّوبُ، فإنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَومَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا، وَقالَ عَمْرٌو، فإنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَومَ القِيَامَةِ يُلَبِّي" (متفق عليه).
    - الصورة الثانية لعالِم من علماء القرآن المعاصرين (موت الشيخ عامر السيد عثمان -شيخ المقارئ المصرية-):قال الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في مقاله: "تباريح" بالمجلة العربية: "حدثني أخي الشيخ محفوظ الشنقيطي -مدير عام العلاقات بمجمع الملك فهد للمصحف الشريف- عن شيخ القراء بالمجمع، الشيخ عامر السيد عثمان -رحمه الله تعالى- أنه فقد حباله الصوتية في السنوات السبع الأخيرة مِن حياته، وكان يدرس تلاميذَه "القراء" فلا يفصح لهم إلا بشهيقٍ وإيماء، ثم مَرِضَ مَرَضَ الوفاة، وكان طريح السرير الأبيض بالمستشفى، ففوجئ أهل المستشفى بالرجل المريض فاقد الحبال الصوتية يقعد ويدندن بكلام الله بصوتٍ جَهْوري جذَّاب، مدة ثلاثة أيام ختم فيهن القراءةَ مِن سورة الفاتحة إلى سورة الناس، ثم أسلم الرُّوحَ إلى بارئه!" (نقلًا عن سكب العبرات، د. سيد عفاني 1/ 452).
    - الصورة الثالثة لرجل من عامة المسلمين (مؤذن):قال الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في نفس المقال: "وكان خال أبي وابن عم جدي عمر بن محمد العقيل -رحمه الله- مؤذنًا بمسجدنا خمسة وثلاثين عامًا، أدركتُ منها ربع قرن، لم يتخلف عن فرضٍ واحد لحرٍّ أو قر، ومات في الرياض وعمره تسعون عامًا، وكان مقعدًا، فلما حضرته الوفاة بعد صحوة الموت وجده ابنه محمد واقفًا بعد أن كان مقعدًا يصدح بجمل الأذان: الله أكبر، الله أكبر" ثم مات!". فاللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها، وتوفنا على عملٍ صالحٍ.
    (3) أنواع من الأعمال الصالحة لختام الأعمال في شعبان(1):
    - الصيام خير ختام للأعمال: "فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"، "وسبق التنبيه على ذلك في الخطبة السابقة".
    - قراءة القرآن:قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُول: الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    - التسبيح والذكر:قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُون َ بفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قالَ: "أَوَليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً ... ) (رواه مسلم).
    - المشي إلى المساجد: قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ)، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إلى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ) (رواه مسلم).
    - إزالة الأذى عن الطريق: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم).
    - الكلمة الطيبة والبسمة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) (متفق عليه)، وقال: (لا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) (رواه مسلم).
    - الامتناع عن الحرام: عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟، قَالَ: (كُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ) (متفق عليه).
    خاتمة: التذكير بفضل ليلة النصف من شعبان:
    - قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَطْلُعُ اللَّهُ إلى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) (رواه ابن ماجه، والطبراني، وابن حبان، وصححه الألباني).

    فاللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها، وتقبَّل صالح أعمالنا، وتجاوز عن سيئاتنا.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    (1) فقد يقول البعض: قد حرمتُ من الصيام لمرض أو لضعفي، فنقول: قد بقيتْ لك الأعمال الصالحة بأنواعها؛ فليكن شعارك في هذه الأيام: " فأحب أن يرفع عملي وأنا على عمل صالح".



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان

    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان(4)

    الاستفادة من الدروس الإيمانية في حادثة تحويل القبلة



    كتبه/ سعيد محمود

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    مقدمة:
    - خص الله شهر شعبان بحادثة مهمة في تاريخ المسلمين، وهي: "حادثة تحويل القبلة".
    ملخص الحادثة:عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى صَلاَةَ العَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ المَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ، قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ البَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا، لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة: 143)" (متفق عليه).
    اشتملت الحادثة على الدروس الكثيرة، ومنها الدروس الإيمانية التي ينبغي على مَن يستعد لشهر رمضان، الوقوف عليها والاستفادة منها، والتي من أبرزها درسان:
    الدرس الأول: عظيم انقياد واستجابة الصحابة -رضي الله عنهم-:
    - لم يترددوا لحظة عن التحوّل طاعةً لله ورسوله، فامتدحهم الله، وبيَّن لهم أن هذه الحادثة إنما كانت اختبارًا للناس وامتحانًا لهم، كما قال تعالى: (*وَمَا *جَعَلْنَا *الْقِبْلَةَ *الَّتِي *كُنْتَ *عَلَيْهَا *إِلَّا *لِنَعْلَمَ *مَنْ *يَتَّبِعُ *الرَّسُولَ *مِمَّنْ *يَنْقَلِبُ *عَلَى *عَقِبَيْهِ *وَإِنْ *كَانَتْ *لَكَبِيرَةً *إِلَّا *عَلَى *الَّذِينَ *هَدَى *اللَّهُ) (البقرة: 143).
    - وإلا فهناك مَن ارتاب وتشكك وازداد بعدًا: قال تعالى: (*سَيَقُولُ *السُّفَهَاءُ *مِنَ *النَّاسِ *مَا *وَلَّاهُمْ *عَنْ *قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران:142)(1).
    - أما الطائعون المنقادون فضربوا المثل الأعلى في الاستسلام والانقياد، فلم ينتظروا أن يفرغوا من الصلاة ثم يتبينون الأمر، بل كانت الاستجابة الفورية:".. فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ ... ".
    - وهكذا كانوا مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه صور من ذلك(2):
    1- استجابتهم في أمر الهجرة وترك الأوطان والأهل والأموال:
    - نزلت الآيات تشير فقط إلى الهجرة مِن زاوية أن النفوس ستموت لا محالة، لكن المهم أن تموت وهي تعمل بدين الله، فقاموا واستعدوا وانتظروا التصريح بالهجرة:(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ. كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (العنكبوت: 56- 57).
    2- استجابتهم في ترك المحرمات:
    - كانت الخمر عماد حياتهم الاقتصادية، وعادة مجالسهم الاجتماعية، ولكنها الاستجابة لأمر الله ورسوله: عن أنس -رضي الله عنه- قال: "... فَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ، وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمُ الخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ، قَالُوا: أَهْرِقْ هَذِهِ القِلاَلَ يَا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا، وَلاَ رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ" (رواه البخاري).
    3- استجابة نسائهم في ترك تبرج الجاهلية:
    - القرآن ينزل بالحكم، فلا يصبحون إلا وقد انصاعوا:روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "إِنَّ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ لَفَضْلا، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ أَشَدَّ تَصْدِيقًا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلا إِيمَانًا بِالتَّنْزِيلِ لَقَدْ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 31)، انْقَلَبَ رِجَالُهُنَّ إِلَيْهِنَّ يَتْلُونَ عَلَيْهِنَّ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِنَّ فِيهَا، وَيَتْلُو الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ، وَعَلَى كُلِّ ذِي قَرَابَتِهِ، مَا مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلا قَامَتْ إلى مِرْطِهَا الْمُرَحَّلِ فَاعْتَجَرَتْ بِهِ تَصْدِيقًا وَإِيمَانًا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابِهِ، فَأَصْبَحْنَ يُصَلِّينَ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الصُّبْحَ مُعْتِجِرَاتٍ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ" (أخرجه ابن أبي حاتم).
    4- استجابتهم في ترك شهواتهم وملذاتهم في أشد الظروف:
    - مع شدة الفقر والجوع، والتعب والمشقة في الحرب، يمتنعون عن الطعام لما ذكروا بالتحريم:عن عبد الله بن أبي أوفى قال: "أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، فَانْتَحَرْنَاه َا، فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ، نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَنِ اكْفَئُوا الْقُدُورَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا" (متفق عليه).
    5- من عجائب الاستجابة منهم -رضي الله عنهم-:
    الاستجابة المطلقة فيما لا يشملهم به التكليف:عن جابر -رضي الله عنه-: لمَّا استوى رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يومَ الجمعةِ، قالَ: (اجلِسوا)، فسمعَ ذلِكَ ابنُ مسعودٍ فجلسَ على بابِ المسجدِ! فرآهُ رسولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- فقالَ: (تعالَ يا عبدَ اللَّهِ بنَ مسعودٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). (أبو عقيل الأنصاري في رمقه الأخير، يسمع المنادي يهتف أثناء المعركة، فيقول: "لبيك لبيك!"(.
    الدرس الثاني: عظيم أخوة الصحابة -رضي الله عنهم:
    - اهتمام الأحياء بمعرفة حال إخوانهم الأموات قبل التحويل:قال البراء -رضي الله عنه-: "وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ البَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا، لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)".
    - وهكذا ضربوا المثل الأعلى في الأخوة الصادقة، يفرحون بفرح إخوانهم ويحزنون لحزنهم:دخول عمر -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وهما يبكيان، فقال: "يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا" (رواه مسلم).
    - وهكذا الصادقون في أخوتهم في كل زمان:ففي الحديث أن أهل الجنة اذا دخلوا الجنة ولم يجدوا بعض إخوانهم الذين دخلوا النار شفعوا لهم وألحوا على ربهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ... ) (متفق عليه).
    وكان الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- إذا ذكر هذا الحديث في مجلس يقول للحضور:"إن لم تجدوني في الجنة؛ فاسألوا عني، فقولوا: يا ربنا عبدك فلان ... كان يذكرنا بك"، ثم يبكي رحمه الله.
    خاتمة:
    - تغيرت القبلة في شعبان قبل رمضان؛ فهل نتغير نحن قبل أن يقبل علينا رمضان، وقد ازددنا تعظيمًا لحرمات الله تعالى؟!
    فاللهم بلغنا رمضان، ووفقنا فيه لحسن العمل.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
    (1) فالمشركون قالوا: رجع إلى قبلتنا فقد كان على ضلال! واليهود قالوا: ترك قبلة الأنبياء! والمنافقون قالوا: ما يدري أين يتوجه؛ فان كانت الأولى حقًّا فقد تركها، وان كانت الثانية حقًّا فقد كان على باطل!
    (2) تعالوا فانظروا ... إلى أين وصل هؤلاء الكرام في الانقياد والاستجابة، وأين كثير من الناس الذين لا يزالون أسارى لذنوبهم، ولا يستجيبون لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أمور هي أيسر في التوبة منها، مما امتحن به هؤلاء الكرام (مدخن - نائم عن الفجر - آكل للحرام - متبرجة - مستمع للأغاني والأفلام والمسلسلات - إلخ).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان



    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (5)

    إثارة بواعث الشوق إلى رمضان









    كتبه/ سعيد محمود


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    مقدمة:

    - من علامات حسن الاستعداد لرمضان قبل قدومه استثارة النفس للشوق لرمضان، بتذكر فضائله الكريمة التي هي مِن أعظم الأسباب الباعثة على العمل والنشاط لنيل ما عند الله من حسن العاقبة.

    - فالشوق إلى ما عند الله وانتظار حسن العاقبة، هو وقود التلذذ بالعبادة؛ وإلا كانت باردة سرعان ما تنقطع: قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(1) (آل عمران:133).


    مِن بواعث الشوق إلى رمضان:

    (1) أنه تفتح فيه أبواب الجنة:

    - الجنة لا تفتح إلا يوم القيامة، عندما يقدم أهلها إلى أبوابها: قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إلى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) (الزمر: 73).

    - ولكن ... لعظيم فضل شهر رمضان، يفتح الله أبوابها ترغيبًا للمريدين، من أنها قريبة منهم في هذا الشهر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ) (متفق عليه).

    - الجنة عباد الله، دار الراحة والسعادة بعد الشقاء والبلاء في الدنيا: (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير . وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ . الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر: 33- 35).

    - الجنة التي لأجلها اشتاق الصالحون، وسعى السالكون، وعمل العاملون، وضحى المجاهدون: هذا عمرو بن الجموح -سيد بنى سلمة رضي الله عنه يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في أصحابه قبل معركة أُحُد، فيقول: "قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ" (رواه مسلم)، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد، ووالله إني لأرجو أن أخطر بعرجتي هذه في الجنة، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من شوقه إلى سلعة الله، فقام رضي الله عنه فرحًا مسرورًا وهو يقول: اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردني إلى أهلي" (سيرة ابن هشام).

    وها هو أنس بن النضر رضي الله عنه بلغ من شوقه إلى الجنة، أن شم ريحها يوم أحد، فلم يصبر عنها، فطلب الشهادة وألح في طلبها، حتى قال مواسيًا سعد بن معاذ: "يا سَعْدُ بنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ، إنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِن دُونِ أُحُدٍ" (متفق عليه).

    - وها هو سعد بن خثيمة، يتوقف بره وطاعته لأبيه عندما يتعلق طلب الوالد منه أن يؤثره بالشهادة، وذلك بعد ما اقترعا على أن يخرج أحدهما للجهاد، ويبقى الآخر على الأهل والعيال، فيقول: " يا أبت، لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا" (رواه الحاكم).

    هذه الجنة ستفتح للراغبين في رمضان، فأين المشتاقون؟!

    هذه الجنة سلعة الله ستعرض للمشترين في رمضان؛ فأين المشترون؟!

    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن خافَ أدلَجَ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    يَا سِلْعَة الرَّحْمَن لَسْتِ رَخِيـصة بَلْ أَنْـتِ غَـالِيـة عَـلَى الكَسـْلَانِ

    يَا سِلْعَة الرَّحـمنِ ليـسَ يَـنَـالهـا في الأَلـفِ إِلَّا وَاحــد لا اثّــنَـانِ

    يَا سِلْعَة الرَّحْمَنِ مَـاذَا كُـفْـؤهـا إِلَّا أُولُـوا التَّقْوَى مَعَ الإِيـمـَانِ

    يَا سِـلْعَـة الرَّحْمَن سُوقُكِ كَـاسِد بَـيـنَ الأَرَاذِل سـفـلة الـحيـوانِ

    يا سِلْعَة الرَّحْمَن أينَ المُشتري فَـلَقـدْ عُرِضْتِ بِأَيـسرِ الأَثْـمَانِ

    يَا سِلْعَة الرَّحْمِن هَلْ مِن خَاطِبٍ فَـالَمْهَر قَبـل المَـوت ذُو إمْكانِ

    يَا سِلْعـَـة الرَّحْمِن كيـفَ تَـصَبّرَ الخُطَّاب عَنْكِ وَهُم ذَووا إِيْمَانِ

    (2) أنه تغلق فيه أبواب النار:

    - النار مفتوحة تسجر كل يوم انتظارا للعصاة، وتظل مفتوحة ليجد أهلها أثرها وهم مقبلون عليها: قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) (الزمر: 71).

    - ومن نعم الله في شهر رمضان: أنه يغلق النار ترغيبًا للتائبين والمنيبين؛ إشارة أنها بعيدة عنهم في هذا الشهر، فليجتهدوا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ) (متفق عليه).

    - النار -والعياذ بالله- دار الشقاء والعذاب، ومحل الأشقياء والتعساء الذين اغتروا بالدنيا: قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) (هود: 106- 107)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابْنَ آدَمَ هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا، واللَّهِ يا رَبِّ) (رواه مسلم).

    - النار -والعياذ بالله- منها يفر بالعمل الصالح الصالحون، ويجتهد للنجاة منها المجتهدون: قال تعالى: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (آل عمران: 185)، وقال تعالى عن عباده الصالحين: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ *سُجَّدًا *وَقِيَامًا . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) (الفرقان: 64-65).

    فَـيَا عَـجـَـبًا نـَدْرِي بِـنَـارٍ وَجَـــنّـَةٍ وَلَيْسَ لِذِي نَشْتَاقُ أَوْ تِلْكَ نَحْذَرُ

    إِذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ وَشَوْقٌ وَلا حَيَا فَمَاذَا بَقِي فِينَا مِنَ الْخَـيْرِ يُـذْكـَرُ

    (3) أنه تحبس فيه مردة الشياطين:

    - الشياطين بقيادة إبليس قد نصبت العداء معنا من أول لحظة لوجودنا: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَ?ذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى? يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء: 62)، (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ) (ص: 82).

    - هذا الكيد والمكر يضعف جدًّا في رمضان، بفعل حبس المردة الكبار، لتسهل علينا الطاعة، وتقل منا المعصية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (*وَتُغَلُّ *فِيهِ *مَرَدَةُ *الشَّيَاطِينِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

    - هذه فرصة عظيمة فعلى العاقل الناصح أن يغتنمها، ويجتهد ويشتد في زمان حبس قادة الشيطان، أن يهزم شياطين بني الإنسان(2): قال تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (النساء: 27)، وقال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف: 28).

    خاتمة:

    - هذه البواعث المتقدمة كلها تأخذ كل عاقل ناصح إلى التأهب والتأهل لشهر رمضان، فهي فرصة قد لا يدركها الإنسان مرة أخرى: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: "حسن صحيح").

    فاللهم بلغنا رمضان، واكتبنا فيه من عتقائك من النار.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ

    (1) وهناك فضائل كثيرة لهذا الشهر الفضيل، تبعث على إثارة الشوق في قلوب الصالحين لإدراك شهر رمضان، نقف على ثلاثة منها هي أبرز البواعث وأعظمها، وهي الغاية من سائر البواعث الأخرى (كونه شهر ليلة القدر، وشهر المغفرة، ومضاعفة الأجور، وغير ذلك).


    (2) ومن أشر شياطين الإنس في رمضان: القائمون على الإعلام الفاسد، وأرباب الملاهي والسهرات، وأصحاب السوء، وأماكن اللهو والغفلة، كملاعب الكرة، والمقاهي، والنوادي، ونحو ذلك.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان



    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (6)

    المنازل الإيمانية على طريق الفوز برمضان









    كتبه/ سعيد محمود


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛


    الغرض مِن الموعظة:

    إثارة الهمم للمنافسة بالأعمال الصالحة للفوز بالأجر العظيم في رمضان.

    المقدمة: رمضان أعظم موسم للمنافسة:

    - رمضان موسم طاعة يبعث على المنافسة، والفائزون فيه يسيرون على طريق الفوز بالجائزة الكبرى: قال تعالى: (*إِنَّ *الَّذِينَ *آمَنُوا *وَعَمِلُوا *الصَّالِحَاتِ *لَهُمْ *جَنَّاتٌ *تَجْرِي *مِنْ *تَحْتِهَا *الْأَنْهَارُ *ذَلِكَ *الْفَوْزُ *الْكَبِيرُ) (البروج: 11)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أعَدَّهَا اللهُ تَعَالَى لِمَنْ أطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأفْشَى السَّلاَمَ، وَصَلَّى بِالليْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) (رواه أحمد وابن حبان، وحسنه الألباني)، وهذه أعظم أوصاف الصائم.

    الإشارة إلى تسلسل الكلام عن الأعمال التي تضمن الفوز برمضان، والتي هي كالمنازل والمعالم المنيرة على الطريق، والتي من أعظمها: (التوبة - حفظ الجوارح - الإقبال على القرآن - الإقبال على التراويح والقيام - الإقبال على الصدقة).

    المنزلة الأولى: التوبة:

    - التوبة مدخل العمل الصالح، ومنزل الصالحين، ومنتهى أمرهم قبل لقاء رب العالمين: قال ابن القيم في المدارج: "والتوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها ... فالعبد لا يفارقها ولا ينفك عنها" (*وَمَنْ *لَمْ *يَتُبْ *فَأُولَئِكَ *هُمُ *الظَّالِمُونَ) (الحجرات: 11).

    - فإذا كانت لازمة في كلِّ الأوقات؛ فكيف بأعظم الأوقات، وأفضل المواسم؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ *رَمَضَانُ ثُمَّ *انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    وكلنا أصحاب ذنوب وإن تفاوتت(1): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

    والعاقل هو مَن خاف عاقبة ذنبه فسارع بالتوبة وملازمتها: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا على مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135)، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ" (رواه الترمذي).

    ولقد رغَّب الغفور الغفار، العفو الرحيم عباده في التوبة، والمسارعة إليها والتزامها مهما عظمت وكثرت الذنوب، وفتح لهم أبوابها في كلِّ الأوقات والساعات: قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53)، وقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (طه: 82)، وقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى: 25)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ -عز وجل- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

    بل لا يبعد في كرم الله -تعالى- إذا صحت توبة العبد وصدقت، أن يضع مكان كل سيئة حسنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا" فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) (رواه مسلم).

    وفي حديث أَبِي طَوِيلٍ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إِلَّا أَتَاهَا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: (فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟) قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: (نَعَمْ، تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ)، قَالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى. (رواه البزار، والطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني).

    فأقبِل على التوبة، واغتنم فرصة رمضان، وقد تهيأت كل أسباب الطاعة المعينة على التوبة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ *رَمَضَانُ ثُمَّ *انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ).

    المنزلة الثانية: حفظ الجوارح؛ لا سيما اللسان:

    ليس الصيام في رمضان عن الأكل والشرب، ثم إطلاق الجوارح ترتع هنا وهناك، وإنما هو للتربية والتهذيب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَم يَدَعْ قَوْلَ الزُوْرِ والعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للّه حَاجَةٌ فِي أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ) (رواه البخاري)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

    لا بد مِن صيانة الجوارح، وتعويدها على الاستقامة قبْل الشروع في الصيام: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء: 36).

    اللسان أخطر الجوارح، وإن كان أصغرها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). (تُكَفِّرُ اللِّسَانَ): تذل له وتخضع.

    أقوال اللسان تحدد مصير الإنسان: قال الله -تعالى-: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

    كلمة واحدة مِن اللسان قد تضيع الإنسان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) (رواه البخاري)، وفي رواية: (يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    خوف السلف مِن خطر اللسان:

    قال ابن بريدة -رحمه الله-: "رأيتُ ابن عباس آخذ بلسانه وهو يقول: ويحك! قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم"، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يحلف ويقول: "والله الذي لا إله إلا هو، ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن مِن لسان".

    وأخذ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بطرف لسانه، وقال: "هذا الذي أوردني الموارد!"، وقال طاووس -رحمه الله-: "لساني سبُعٌ إن أرسلته أكلني!"، والعامة يقولون: "لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن هنته هانك ".

    خاتمة: رمضان فرصة لعلاج اللسان:

    الذكر والصيام خير علاج: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -عز وجل-) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ) (متفق عليه).


    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ

    (1) احذر حسن الظن بنفسك لمجرد عدم ارتكابك الذنوب الظاهرة، مثل: (الزنا، والسرقة، وعقوق الوالدين، وسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، والتدخين، والتبرج، ونحوه)؛ فهناك ذنوب باطنة أصيبت بها قلوبنا لا تقل سوءًا وخطرًا عن الذنوب الظاهرة، مثل: (الحسد، الحقد، الكبر، الغرور، حب الرياسة، الحرص، حب الشهرة والصدارة، وغيرها) نحتاج إلى التوبة منها مع دخول رمضان.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان



    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (7)

    المنازل الإيمانية على طريق الفوز برمضان










    كتبه/ سعيد محمود


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    - الغرض مِن الموعظة:

    إثارة الهمم للمنافسة بالأعمال الصالحة للفوز بالأجر العظيم في رمضان.

    المقدمة: رمضان أعظم موسم للمنافسة:

    - رمضان موسم طاعة يبعث على المنافسة، والفائزون فيه يسيرون على طريق الفوز بالجائزة الكبرى: قال تعالى: (*إِنَّ *الَّذِينَ *آمَنُوا *وَعَمِلُوا *الصَّالِحَاتِ *لَهُمْ *جَنَّاتٌ *تَجْرِي *مِنْ *تَحْتِهَا *الْأَنْهَارُ *ذَلِكَ *الْفَوْزُ *الْكَبِيرُ) (البروج: 11)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أعَدَّهَا اللهُ تَعَالَى لِمَنْ أطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأفْشَى السَّلاَمَ، وَصَلَّى بِالليْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) (رواه أحمد وابن حبان، وحسنه الألباني). وهذه أعظم أوصاف الصائم.

    الإشارة إلى تسلسل الكلام عن الأعمال التي تضمن الفوز برمضان، والتي هي كالمعالم المنيرة على الطريق.

    المنزلة الثالثة: الإقبال على القرآن:

    - القرآن مِن أعظم المنازل الإيمانية على طريق الفوز برمضان بعد الصيام: قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصِّيَامُ *وَالْقُرْآنُ *يَشْفَعَانِ *لِلْعَبْدِ *يَوْمَ *الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    سيد السائرين على الطريق يحتفي برمضان بتعميره بالقرآن: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ *أَجْوَدُ *مَا *يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" (متفق عليه).

    وكان يؤكِّد هذه المنارة على الطريق، ويمعن في أهميتها، حتى يختم بها حياته: عن فاطمة -رضي الله عنها- قالت: "إِنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ حَدَّثَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي" (متفق عليه).

    وكان السلف من أتباعه يلتزمون هذه المنارة، حتى إنهم يتفرغون للقرآن تلاوة وحفظًا وعرضًا: "كان الزهري -رحمه الله- إذا أقبل رمضان يتوقف عن التحديث، ويقول: إنما هو لتلاوة القرآن وإطعام الطعام"، "وكان عثمان -رضي الله عنه- يختمه مرة كل ليلة"، "وكان الشافعي -رحمه الله- يختمه مرتين كل ليلة".

    ولمَ لا؟ وقد علموا فضل الإقبال على القرآن، وكيف أنه سبب في مضاعفة الحسنات في سائر الأوقات؛ فكيف بشهر تضعيف الأجور والحسنات؟!: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    - فائدة: إن قراءة سورة الإخلاص تعدل خمسمائة حسنة؛ فكيف بسورة ق؟ وكيف بالبقرة؟ وكيف بالقرآن كله؟! وكيف لو كررت ذلك مرات؟! (عدد حروف القرآن الكريم 320015 x 10 = 3. 200. 150).

    - لا عذر لك في هجر القرآن، فالعاجز عن التلاوة، لا يعجز عن السماع: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم- لابن مسعود -رضي الله عنه-: (اقْرَأْ عَلَيَّ) قَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: (إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي) (متفق عليه).

    قم ... وجهِّز مصحفك، واجعله رفيقك في رمضان، لتقوى به الصلة بعد رمضان، فيكون صاحبك وشفيعك في العرصات: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

    المنزلة الرابعة: الإقبال على القيام والتراويح:

    - القيام مِن أعظم المنازل الإيمانية على طريق الفوز برمضان بعد الصيام والقرآن: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

    كان سيد القائمين يقوم العام كله، ويشتد أكثر ما يكون في رمضان؛ لا سيما العشر الأواخر: عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ" (متفق عليه).

    وكذلك كان السلف الكرام يحرصون على أن يقوم بهم الليل كله حبًّا في القيام، فبشَّرهم بالأجر الكثير على العمل القليل: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

    فكان القيام سلواهم في دنيا الفتن، ولا يحول بينهم وبينه سفر ولا مشقة: "عن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: "لما فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، جاءتني هند فقالت: إني أريد أن أبايع محمدًا! وقد رأت أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أقاموا ليلة الفتح في المسجد الحرام يتهجدون، فقلتُ: قد رأيتك تكفرين! قالت: أي والله، والله ما رأيتُ الله عُبد حق عبادته في هذا المسجد قبْل الليلة، والله إن باتوا إلا مصلين قيامًا وركوعًا وسجودًا" (حياه الصحابة - البداية والنهاية - نقلًا عن رهبان الليل للشيخ العفاني).

    ولمَ لا؟ وقد علموا أن القيام مِن أشرف الأعمال في سائر العام؛ فكيف في رمضان؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأبُ الصَّالِحِين قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني لغيره).

    - فهيا إلى التراويح والتهجد، واعلم أن التعب سيزول بعد قليل، وسيبقى الأجر الكثير!

    المنزلة الخامسة: الإقبال على الصدقة:

    الصدقة مِن أعظم المنازل الإيمانية على طريق الفوز برمضان بعد الصيام والقرآن والقيام؛ ولذا كان سيد الصائمين يشتد بالصدقة في رمضان أكثر من غيره، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (متفق عليه).

    وكذلك كان السلف الكرام يحرصون على الصدقة في رمضان، اقتداء بالنبي العدنان: فكان كثير منهم يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم: "عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وداود الطائي، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل)، "وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين"، وقال بعضهم: "لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعامًا يشتهونه أحب إليَّ من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل".

    ولمَ لا؟ وقد علموا فضل الصدقة، ومضاعفة أجرها: قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ *يُنْفِقُونَ *أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 261)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    ولذا ... قم وأنفق في رمضان، يزيد رزقك في الدنيا، ويزيد أجرك في الآخرة، واعلم أن للصدقة في رمضان صور كثيرة، من أعظمها:

    أ- إطعام الفقراء والمحتاجين الذين ينتظرون رمضان من العام إلى العام: قال الله تعالى: (*وَيُطْعِمُونَ *الطَّعَامَ *عَلَى *حُبِّهِ *مِسْكِينًا *وَيَتِيمًا *وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (الإنسان: 8-12)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (*أَحَبُّ *النَّاسِ *إِلَى *اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ *أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وحسنه الألباني).

    ب- تفطير الصائمين يجعل لك الصيام مضاعفًا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ *فَطَّرَ *صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    خاتمة:

    أقبل شهر المنافسة والفوز بالأجور، فهل مِن مشمِّر؟!


    قم وتجهز ولا تنتظر، وانطلق مع السائرين للفوز برمضان ... جهِّز مصحفك، ووفِّر أسباب رزقك، واهجر الكسالى، واصدق الله، يرزقك مِن حيث لا تدري: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق: 2- 3).

    وللحديث بقية في المرة القادمة -إن شاء الله-.

    نسأل الله أن يرزقنا حسن العمل، وأن يجعلنا من الفائزين في رمضان.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان

    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (8)

    مشاهد إيمانية من غزوة بدر






    كتبه/ سعيد محمود


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    المقدمة:

    - الإشارة إلى مناسبة ذكر الموضوع، وهو ذكرى غزوة بدر (صبيحة سبع عشرة من رمضان) مع أول فرض الصيام.

    - الإشارة إلى سبب الغزوة، وندب النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه للخروج: ذكر ابن إسحاق في السيرة بسندٍ صحيحٍ: "لما سَمِع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي سفيان مقبلًا من الشام، ندب المسلمين إليهم، وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها، فانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أن لم يظنوا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقى حربًا".

    - الإشارة إلى أنها أعظم معارك الإسلام على مرِّ التاريخ؛ لأنها غيَّرت وجه الأرض؛ حيث أحدثت آثارًا عظيمة في جزيرة العرب لصالح المسلمين(1).

    (1) مشهد في عظيم تحمل المسئولية من الصحابة -رضي الله عنهم-:

    قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "وأتاه -يعني رسولَ الله صلى الله عليه وسلم- الخبرُ عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عمر فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امضِ لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة: 24)، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون؛ فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرًا ودعا له بخير، ثم قال: "أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ"، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس.

    فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممَّن دهمه بالمدينة مِن عدوه، فلما قال ذلك؛ قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئتَ به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فصل حبل مَن شئت، وخذ مِن أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا أحب إلينا مما تركت، وما أمرتَ به من أمر، فأمرنا تبع لأمرك، فامضِ يا رسول الله لما أردتَ فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسُرَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: "سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ، وَاللهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ الْآنَ مَصَارِعَ الْقَوْمِ" (سيرة ابن هشام)(2).

    (2) مشهد إكرام الله -تعالى- لأوليائه (التأمين بالنعاس - إنزال المطر):

    قال الله -تعالى-: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (الأنفال: 11).

    - أما النعاس: قال علي -رضي الله عنه-: "مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ مِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلا نَائِمٌ، إِلا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَائِمًا إلى شَجَرَةٍ، يُصَلِّي وَيَدْعُو حَتَّى الصُّبْحَ" (أخرجه ابن أبي يعلى)، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "النعاس في القتال أمنةٌ من الله -عز وجل-، وفي الصلاة من الشيطان" (تفسير الطبري).

    - وأما إنزال المطر ففيه أربع كرامات:

    - (لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ): أن يجدوا ماءً يتطهرون به لصلاتهم، ورفع الجنابة ممَّن أصبح منهم جنبًا.

    - (وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ): إزالة وساوس الشيطان عنهم لإثارته القلق في نفوسهم بالإقدام على الصلاة بلا طهارة.

    - (وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ): تسكين قلوبهم وطمأنتها بأن الله معهم بجوده وإنعامه، وهي إشارة إلى نصره لهم عند اللقاء.

    - (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ): تثبيت الرمال التي كانت بينهم وبين بدر؛ للوصول إلى المكان المناسب.

    - هذه سنة الله -عز وجل- مع أوليائه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40)، (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ . وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات: 171- 173)، (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).

    (3) مشهد في إرجاع الفضل إلى الله وحده:

    قال ابن إسحاق -رحمه الله-: "ثم ارتحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومَن معه مِن المسلمين، فقال لهم سلمة بن سلامة الأنصاري: ما الذي تهنئوننا به؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز صلعًا كالبدن المعقلة، فنحرناها، فتبسَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: أي ابن أخي، أولئك الملأ"(3).

    - التهوين مِن شأن الأعداء بعد الانتصار عليهم تعبير عن الغفلة عن تذكر نعمة الله -تعالى- ويبعث على الغرور والعجب: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُون َ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال: 26)، (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) (الأنفال: 17)، (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران: 123)، (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: 126)، (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل: 53).

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ

    (1) وأثَر ذلك ظَهَر داخليًّا وخارجيًّا؛ فأما الداخل: فكانت سببًا في دخول المنافقين في الإسلام ظاهرًا، وانكماش اليهود وتهيبهم المسلمين، وفي الخارج جعلت قريش والقبائل تعمل حسابًا للمسلمين.


    (2) إنها كلمات معدودة، لكنها في المقاييس المعنوية للحروب دفعات قوية من الإيمان، نبَّهت الغافل، ودفعت المتردد إلى الإقدام، وأيقظت المشاعر نحو طلب الآخرة بنصرة الدِّين وبذل الثمن، وهو النفوس: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة: 111).

    (3) يعني: أنهم الذين سادوا أقوامهم زمنًا طويلًا بالضلال والإضلال، فنعمة مِن الله أن أزال ملك هؤلاء، وخلَّص الناس مِن شرِّهم.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان

    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (9)

    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان



    كتبه/ سعيد محمود

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    الغرض من الموعظة:
    إثارة الهمم إلى الاجتهاد في العبادة في الليالي الباقية من رمضان.
    المقدمة:
    بالأمس القريب كنا نستقبل رمضان، وها هو يركض وقد ذهب أكثره، وهذه سمة الأوقات والأزمان الفاضلة السعيدة: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا *كُتِبَ *عَلَيْكُمُ *الصِّيَامُ *كَمَا *كُتِبَ *عَلَى *الَّذِينَ *مِنْ *قَبْلِكُمْ *لَعَلَّكُمْ *تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة: 183-184).
    - بركة وأفضلية الخواتيم في السنن الشرعية والكونية: (آخر السماوات - آخر الكتب السماوية - أواخر الليل - آخر الأنبياء - آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم - العشر الأواخر من رمضان)
    - ليالٍ مباركة أوشكت على الرحيل، بقي منها آخرها وأفضلها: قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره" (رواه مسلم).
    فكيف كان هديه صلى الله عليه وسلم لنقتدي به في هذا الموسم الشريف؟!
    1- الاجتهاد في طاعة الله عز وجل:
    كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان اجتهادًا عظيمًا حتى لا يكاد يقدر عليه: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره" (رواه مسلم)، وعنها رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر" (متفق عليه)(1).
    2- إيقاظ الأهل وحثهم على الطاعة:
    كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يوقظ أهله للصلاة والعبادة في هذه الليالي العشر: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر" (متفق عليه)(2)، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان" (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وفي رواية الطبراني في المعجم الأوسط: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكل صغير وكبير يطيق الصلاة"، وروى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدًا يطيق القيام إلا أقامه".
    إذا كان هذا الفضل في غير العشر، فكيف به فيها؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن استيقظ مِن الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعًا؛ كُتِبا مِن الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقال تعالى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 35).
    3- تحري ليلة القدر:
    إن ليلة القدر المباركة هي إحدى ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان التي يُسن فيها الاجتهاد في العبادة؛ لتحصيل عظيم أجرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها -أي: ليلة القدر- في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر) (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) (متفق عليه).
    ومن خصائص ليلة القدر:
    - أن الله -جل جلاله- أنزل فيها القرآن الكريم: قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر: 1)، وقال أيضًا: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (الدخان: 3).
    وفي هذه الليلة تقدَّر مقادير الخلائق على مدار العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والسعداء والأشقياء، والآجال والأرزاق، وكل ما أراده الله -جل جلاله- في السنة المقبلة(3): قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان: 4).
    ومن خصائص ليلة القدر أن جبريل عليه السلام والملائكة يتنزلون فيها بالخير والبركة: قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر:4)، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة؛ لكثرة بركتها" (تفسير ابن كثير).
    وقد بيَّن الله -عز وجل- فضيلة ليلة القدر: فقال سبحانه: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر: 3)(4).
    وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المحروم من حُرم أجر ليلة القدر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ... لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه) (رواه البخاري ومسلم).
    وإن السُّنة لمَن أدرك ليلة القدر الإكثار من دعاء: "اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني"، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
    توصيات لاغتنام العشر الأواخر من رمضان في البيوت في زمان إغلاق المساجد:
    1- أن يحث رب الأسرة أهل بيته على إحياء ليالي العشر الأواخر من رمضان، ويوقظهم للعبادة، ويبيِّن لهم فضيلة هذه الليالي، ويعدوا خطة تتضمن الترتيب لاغتنام هذه الليالي بين صلاة وتلاوة قرآن، وذكر وتسبيح، واستغفار ودعاء، وغيرها من أوجه الطاعات؛ بالإضافة إلى شيء من الاستراحة، وتناول بعض الطعام أو الشراب الذي يعينهم على إكمال القيام.
    2- الاجتهاد في ختم القرآن في الصلاة أو خارج الصلاة في العشر الأواخر من رمضان لمَن استطاع إلى ذلك سبيلًا: بأن يختم القرآن قراءة في صلاته؛ بحيث يصلي كل ليلة بثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، أو يقرأ ثلاثة أجزاء خارج الصلاة، فيختم القرآن في الليلة الأخيرة من ليالي العشر الأواخر من رمضان، وقد جاء عن بعض السلف الصالح اجتهادهم في ختم القرآن في العشر الأواخر من رمضان؛ فكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا دخل رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا دخل العشر ختم في كل ليلة مرة (المروزي، مختصر قيام الليل).
    3- الاجتهاد في تدبر القرآن أثناء التلاوة؛ تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم: فعن حذيفة قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيحٌ سبح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذٍ تعوَّذ" (رواه مسلم، ورواه الترمذي والنسائي بلفظ: "إذا مر بآية عذاب وقف وتعوذ").
    4- الإكثار من ذكر الله تعالى: (التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والحوقلة، والاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - إلخ): فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والورق، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟) قالوا: بلى، قال: (ذكر الله تعالى) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غُرست له نخلةٌ في الجنة) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    5- الإكثار من الدعاء في العشر الأواخر من رمضان، فيدعو المسلم بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة: قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)، والملاحظ أن هذه الآية وردت وسط الآيات المتعلقة بأحكام الصيام؛ الأمر الذي نلمس منه أهمية الدعاء في هذا الشهر خاصة، وقبول الدعاء واستجابته عند الله جل جلاله (تفسير ابن عاشور).
    6- الخلوة مع الله جل جلاله: إن المقصد الأساسي لعبادة الاعتكاف الخلوة بالله عز وجل، وترك الانشغال بالدنيا؛ فينبغي على المسلم أن يحرص على أن يختليَ بربه في ليالي العشر الأواخر من رمضان في بيته، حتى ولو لجزءٍ من الليل؛ ليناجيَ ربه، ويذكره، ويدعوه، ويتضرع إليه، وينكسر بين يديه، وينشغل به جل جلاله عن الدنيا وما فيها.
    والخلاصة:
    إن المطلوب من المسلمين في العشر الأواخر من رمضان الاجتهاد في بيوتهم، وإحياء الليل بالصلاة وتلاوة القرآن، والذكر والدعاء والاستغفار، وغيرها من أوجه الطاعات؛ اتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وطمعًا في الأجر والثواب، وتحريًا وطلبًا لأجر ليلة القدر التي أخفاها الله جل جلاله عنا؛ ليحصل الاجتهاد في التماسها، فليجتهد كل مسلم في إحياء ليالي العشر الأواخر من رمضان، فمن استطاع أن يقوم الليل كله، فهذا أعلى الدرجات، وكلٌّ يجتهد قدر استطاعته، فلا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها، والأجر على قدر الجهد والمشقة، ومن كان أكثر فعلًا واجتهادًا؛ كان أكثر فضلًا وأجرًا، والمعول على القبول، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
    والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ


    (1) قال الإمام النووي رحمه الله: "اختلف العلماء في معنى: (شد المئزر)، فقيل: هو الاجتهاد في العبادات زيادةً على عادته صلى الله عليه وسلم في غيره، ومعناه: التشمير في العبادات. يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي: تشمرت له وتفرغت. وقيل: هو كنايةٌ عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات، وقولها: (أحيا الليل) أي: استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. ففي هذا الحديث: أنه يستحب أن يُزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب إحياء لياليه بالعبادات" (شرح النووي على مسلم).
    (2) قال الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث: "وقولها: (وأيقظ أهله): أي: أيقظهم للصلاة في الليل، وجدَّ في العبادة زيادةً على العادة" (شرح النووي على مسلم).
    (3) تفسير ابن كثير.
    (4) وقد ذكر المفسِّرون في تفسير هذه الآية: أن العبادة في ليلة القدر أفضل عند الله جل جلاله من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر؛ ففي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر، وألف شهر تعدل ثلاثًا وثمانين سنة وأربعة أشهر (تفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,487

    افتراضي رد: العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان

    العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (10)

    وقفات قبل رحيل رمضان






    كتبه/ سعيد محمود


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    مقدمة:

    بالأمس القريب كنا نستقبل رمضان، وها هو يودعنا وقد أوشك على الرحيل، وهذه سمة الأوقات والأزمان الفاضلة السعيدة: قال تعالى: (*كُتِبَ *عَلَيْكُمُ *الصِّيَامُ *كَمَا *كُتِبَ *عَلَى *الَّذِينَ *مِنْ *قَبْلِكُمْ *لَعَلَّكُمْ *تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة: 183-184).

    الإشارة إلى أهمية الاعتبار من رحيل رمضان من خلال بعض الوقفات.

    الوقفة الأولى: كل شيء لا بد راحل:

    قصر زمان رمضان، فلم نلبث ننعم بأيامه حتى أعلن الرحيل، يذكرنا بقصر عمر الدنيا الذي ينغص علينا التنعم بها: قال تعالى: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه: 131)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصًّا لَنَا فَقَالَ: (مَا هَذَا؟)، فَقُلْتُ: خُصٌّ لَنَا وَهَى نَحْنُ نُصْلِحُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أُرَى الأَمْرَ إِلاَّ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

    الدنيا محطة تزود لسفر الآخرة وعودتنا إلى أوطاننا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) (رواه البخاري)، وقال: (مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة: 281)، "يحسن أن يستغل هذا المثال في التزهيد في الدنيا بضرب مثال واقعي لحال من يتخذ الدنيا وطنًا فيريد أن يبقى تحت الشجرة كل الوقت، بل ويبني تحت الشجرة ناسيًا أنه سيرحل بعد قليل".

    الوقفة الثانية: وقفة محاسبة قبل الرحيل:

    على الإنسان أن يحاسِب نفسه قبل رحيل رمضان، ومن باب أولى يحاسب نفسه قبل رحيله عن الدنيا: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وكان عمر بن الخطاب يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا".

    خطر المحاسبة في الآخرة: قال تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) (آل عمران:30)، وقال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء:47)، وقال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف:49)، وقال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) (الزلزلة:6).

    مَن حاسب نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، ومن أهمل المحاسبة دامت حسرته(1): عن أنس بن مالك قال: "رأيت عمر بن الخطاب مِن وراء حائط وهو يقول: "عمر أمير المؤمنين! بخ بخ، والله لتتقين الله يا عمر أو ليعذبنك الله!" (عمر وبعير الصدقة - عمر والخوف مِن تعثُّر سخلة في العراق - عمر بن عبد العزيز والمصباح والعطور).

    الوقفة الثالثة: الأعمال بالخواتيم:

    لا يزال في الشهر بقية، ومنها الليالي الوترية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ، مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) (متفق عليه).

    يا مَن فرَّط فيما مضى من الشهر، أحسن فيما بقي منه فالأعمال بالخواتيم: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا بَرَزْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، إِذَا رَاكِبٌ يُوضِعُ نَحْوَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (كَأَنَّ هَذَا الرَّاكِبَ إِيَّاكُمْ يُرِيدُ)، فَانْتَهَى إِلَيْنَا الرَّجُلُ، فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ "قَالَ: مِنْ أَهْلِي وَوَلَدِي وَعَشِيرَتِي. قَالَ: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَقَدْ أَصَبْتَهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ. قَالَ: قَدْ أَقْرَرْتُ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ بَعِيرَهُ دَخَلَتْ يَدُهُ فِي شَبَكَةِ جُرْذَانٍ، فَهَوَى بِعِيرُهُ وَهَوَى الرَّجُلُ، فَوَقَعَ عَلَى هَامَتِهِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : عَلَيَّ بِالرَّجُلِ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رضي اللهُ عَنْهُمَا فَأَقْعَدَاهُ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُبِضَ الرَّجُلُ! قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا رَأَيْتُمَا إِعْرَاضِي عَنِ الرَّجُلِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ مَلَكَيْنِ يَدُسَّانِ فِي فِيهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَاتَ جَائِعًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عز وجل: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ"، ثُمَّ قَالَ: دُونَكُمْ أَخَاكُمْ، قَالَ: فَاحْتَمَلْنَاه ُ إلى الْمَاءِ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ. وَفِيِ رِوايةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا مِمَّنْ عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا" (أخرجه الإمام أحمد في المسند، والطبراني في المعجم الكبير).

    قصة الشاب الذي مات في المسجد، وكان من أهل الإدمان، وكانت هذه أول صلاة له، وهي آخر صلاة كذلك!

    تذكير بزكاة الفطر:

    التنبيه على إخراج زكاة الفطر، فهي التي تكون مع رحيل رمضان ليكمل الفضل: فعن ابن عمر رضي الله عنهما: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلاَةِ" (متفق عليه). وقال سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز رحمهما الله في قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى: 14-15): "هو زكاة الفطر".

    نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.


    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ

    (1) قال علماؤنا: المحاسبة هي أن ينظر المسلم الي أعماله كنظر التاجر الناصح إلى تجارته؛ فينظر المسلم في فرائضه الواجبة عليه، كنظر التاجر إلى رأس ماله، وينظر إلى النوافل نظر التاجر إلى الأرباح الزائدة على رأس المال، وينظر إلى المعاصي والذنوب، كنظر التاجر إلى الخسارة في التجارة، وأنصحُ التجار: مَن راجع تجارته أولًا بأول، وكذلك ينبغي أن يحاسب المسلم نفسه على عمل كل يوم.

    فإذا رأى نقصًا في الفرائض والواجبات، لامها ووبخها، وقام إلى جبره في الحال، فإن كان مما يُقضَى قضاه، وإن كان مما لا يقضى جبره بالإكثار من النوافل، وإن رأى نقصًا في النوافل، عوَّض الناقص وجبره، وإن رأى خسارة بارتكاب المنهي، استغفر وندم وأناب وعمل مِن الخير ما يراه مصلحًا لما أفسد؛ هذا هو المراد من المحاسبة للنفس، وهي إحدى طرق إصلاحها، وتأديبها، وتزكيتها وتطهيرها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •