تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 16 من 16

الموضوع: خواطر تدبرية فى سورة السجدة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي خواطر تدبرية فى سورة السجدة

    خواطر تدبرية فى سورة السجدة ( 1-2 )

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    هذه خواطر وتأملات، لآيات مباركات، من كلام رب البريات، نتفكر ونتدبر، ونستخرج الفوائد والدرر، والمواعظ والعبر، من كتاب ربنا الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي كنوزه، لتحيا به القلوب، وتزكو به النفوس.
    ما أحوجنا لتلك الوقفات؛ في زمن الفتن والملذات، وهجران القرآن والتعلق بالماديات، فكلام الله سبحانه( لَا يَسْتَقْصِي مَعَانِيَهُ فَهْمُ الْخَلْقِ، وَلَا يُحِيطُ بِوَصْفِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ذُو اللِّسَانِ الطَّلْقِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ صَرَفَ هِمَّتَهُ إِلَيْهِ، وَوَقَفَ فِكْرَهُ وَعَزْمَهُ عَلَيْهِ، وَالْمُوَفَّقُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِتَدَبُّرِهِ، وَاصْطَفَاهُ لِلتَّذْكِيرِ بِهِ وَتَذَكُّرِهِ، فَهُوَ يَرْتَعُ مِنْهُ فِي رِيَاضٍ، وَيَكْرَعُ مِنْهُ فِي حِيَاضٍ ).[1]
    يقول الحسن بن علي رضي الله عنهما: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار.[2]
    موضوع سورة السجدة ونتيجتها والأثر العملي المترتب عليها وخلاصتها؛ الخضوع لله جل وعلا، لأن السجود أعظم صورة عملية للخضوع والانكسار والافتقار والذل بين يدي الله سبحانه.
    ومن أعظم أسباب ومقدمات الوصول إلى الخضوع؛ اليقين الذي لا شك فيه، وهو قوة الإيمان والثبات، حتى كأن الإنسان يرى بعينه ما أخبر الله به رسوله عليه الصلاة والسلام من شدة يقينه، لذلك يعتبر اليقين مادة هذه السورة التي يؤكد الله عليها بطرق وأساليب متنوعة كما سيأتي معنا.
    قال خالد بن معدان: تعلموا اليقين كما تعلموا القرآن حتى تعرفوه فإني أتعلمه.
    المتأمل في هذه السورة يجد أنها ترسخ وتثبت اليقين بحقائق الدين في قلب المسلم، فينتج عنه الخضوع والسجود لله، فترى فيها اليقين والخضوع مترابطان متلازمان متجانسان منسجمان متعانقان.
    قال تعالى( الم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[3].
    افتتحت الآية بالجملة الاسمية لدلالتها على الرسوخ والثبوت والدوام.
    ( تنزيل الكتاب ) ( من رب العالمين ) مبتدأ وخبر، لكن جاءت بينهما جملة قبل ذكر الخبر معترضة بين المبتدأ والخبر ( لا ريب فيه )، لأن هذه الجملة تحمل موضوع ومقصود وخلاصة السورة، وهو الخضوع الذي لا يتحقق إلا بيقين ثابت وإيمان راسخ، فناسب أن تأتي جملة( لا ريب فيه ) فتأمل!
    دل قوله ( رب العالمين ) على انفراده بالخلق والتدبير، والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه، بكل وجه واعتبار.
    كلمة ( رب ): توحي بالعطف والرحمة، وأنه لن يضرنا بما أنزل إلينا، لأن الناس اعتادوا أن يسموا الإنسان الملاحظ للشيء المعتني به المحافظ عليه ويحب له الخير يسمى رب، كرب الأسرة.. وربة منزل.. ورب المال وهكذا.
    وليس ربك فقط بل هو رب العالمين، بمعنى ربوبيته عظيمة!
    لطيفة: فإن قيل لِمَ جمع" العالمين " جمع قلة مع أن المقام يستدعي الإتيان بجمع الكثرة؟ أجيب بأن فيه تنبيهاً على أنهم وإن كثروا قليلون في جنب عظمته وكبريائه.[4]
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    -----------------------------
    [1]البرهان في علوم القرآن للزركشي، (1/5).
    [2]التبيان في آداب حملة القرآن للنووي.
    [3] ( السجدة:1-2 ).
    [4]تفسير السراج المنير للشربيني.






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة


    خواطر تدبرية فى سورة السجدة ( 3)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ).
    مع أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث نذيرا وبشيرا، لكن لا تتناسب مع الجاهلية والشرك وتفشي الظلم والعادات السيئة إلا الإنذار، ويأتي دور البشارة بعد إسلامهم ونصرتهم للدين.
    لذلك ينبغي على الداعية مراعاة أحوال المخاطبين، والانتفاع من هذا الأسلوب القرآني البديع، فمن فرط وقصر في دينه وضيع أوامر الله، لا تناسبه البشارة، بل لابد من التخويف وما يرقق قلبه.
    وكما يقال: لكل مقام مقال، وهذا ينسحب على جميع تعاملاتنا الحياتية اليومية مع الآخرين، فتأمل.
    فقال ( لتنذر ) ولم يقل ( لتبشر ) لعدم وجود مؤمن على وجه الأرض يبشر، وهذا من الحكمة ومناسبة الخطاب للحال والمقام.
    ( لعلهم يهتدون ) فيها أن مصلحة إنذارهم وإرسال الرسل إليهم، عائدة إليهم.
    لذلك يا أيها العاصي المقصر: لو نصحك ناصح أو أراد صديق تقويم اعوجاج فيك، فلا تتكبر وتصم آذانك عن سماع النصيحة، فإنما ينصحك لمصلحتك وهدايتك.
    إذن وظيفة الرسل هداية الناس ودعوتهم إلى الخير وما فيه صلاحهم، ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )، ( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ).
    ( لعلهم يهتدون ) إشارة إلى أهمية الحرص على هداية الناس وحب الخير والصلاح لهم، وبذل كل الأسباب المباحة والممكنة في سبيل هدايتهم.

    المؤمن ينبغي أن لا يكترث من أقوال أهل الباطل، في مسيرته العلمية ودعوته الإصلاحية، الذين يريدون إضعاف عزيمته وكسر إرادته، وتثبيطه عما معه من حق وصدق، كما قال تعالى ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّك َ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ )، وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر، وكل ضعيف اليقين ضعيف –العقل- خفيفه.
    إذا رأيت من يرد ما معك من حق وصدق وأدلة وبراهين وخير، بمجرد السب والشتم والتكذيب المجرد ومعارضة الحجج بالأهواء، فاعلم أنه مفلس وصاحب باطل!
    فيا أيها المسلم: إذا رأيت نقصا أو قصورا أو بعدا عن الله من شخص، فلا تتركه واحرص على هدايته بحكمة وموعظة حسنة.
    وعُلِم من قوله( لعلهم يهتدون ) أن المقصود من البعثة تعريف طريق الحق، وكل يهتدي بقدر استعداده، إلا أن لا يكون له استعداد أصلا، كالمصرين، فإنهم لن يقبلوا التربية والتعريف، وكذا من كان على جبلتهم إلى يوم القيامة.
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    ( السجدة:3 ).
    ( المؤمنون: 93).
    ( الروم:60 ).
    تفسير السعدي.
    تفسير حدائق الروح والريحان.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة


    خواطر تدبرية فى سورة السجدة ( 4-5)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    يقول سبحانه ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ).
    بعد أن أثبت سبحانه صحة الرسالة، بيّن ما يجب على الرسول من الدعوة إلى توحيد الله، وإقامة الأدلة على ذلك.
    لذلك ينبغي أول وأهم ما يبدأ به الداعية ويركز عليه ويستحضره دائما، الدعوة إلى توحيد الله وتحقيق العبودية في المجتمعات.
    ذكرت السورة أعظم ما يجب على المسلم أن يوقن به وهو توحيد الله وعظمته، من خلال ذكر أعظم المخلوقات وتكرر هذا في سبع سور منها السجدة، هكذا تبعث اليقين لعظمة الله في قلب المسلم.
    الله سبحانه خلق مليارات من الكواكب والنجوم والشموس والأقمار، ولكن ذكرت الأرض لأن الإنسان يعيش عليها، فيرى آيات الله عز وجل فيها، من جماد ونبات وحيوان وإنسان وطير.
    الله عز وجل قادر أن يخلق العوالم جميعا بلحظة، ولكن أراد أن يرينا حكمته وصبره وحلمه، كما أنه خلق آدم بمراحل ليرينا مقتضى أسماءه الحسنى وأنه الحليم الحكيم العليم الصبور سبحانه.
    قال القرطبي: ولو أراد خلقها في لحظة لفعل؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور، ولتظهر قدرته للملائكة شيئا بعد شيء.
    ( ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ) الله الذي خلق هذا كله يرينا كمال قدرته وعظيم قوته القوي العزيز، فكيف تلجأ إلى غيره وتطلب النصر من غيره، فلا يملك لكم أحد من دونه شيئا.
    لم يقل ( تذكرون ) قال ( تتذكرون ) توكيدا لترسيخ اليقين في القلوب!
    من تيقن بعظمة الله وعرف الله بأسماءه وصفاته أقبل على عبادته وذكره.
    قال تعالى( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ).
    لو أرسل لك صديق رسالة من مكان بعيد، لاشك يكون لها وقع وشأن وعظمة في قلبك، كيف إذا استشعرت أن هذه الأوامر من السماء إلى الأرض! هذا مما يبعث اليقين والتعظيم لأمر الله، وإذا تفكرت بمخلوقات الله وأوامره تزداد يقينا بعظمته جل وعلا وأسماءه وصفاته.
    ( من السماء ) أي جهة العلو، والله مستو على عرشه ومن علياءه يدبر الأمر.
    الله سبحانه عليم حكيم خبير، يدبر شؤون الخلق بعلم وحكمة وقدرة واسعة، مع أنه الغني عن إرسال الملائكة بالأمر ثم العروج بأثر تلك الأوامر.
    نستفيد من ذلك أن رئيس الدولة والخليفة والوزير والمسؤول والمدير، وكل من له منصب وتحته رعية، ينبغي أن يدير ويدبر أمور الناس بعلم ودراية، من خلال خلطتهم ومعرفة ما يصلحهم عن قرب.
    كان عليه الصلاة والسلام يتفقد أحوال المسلمين ويخالطهم، ويتحمل معهم هم الحياة والأعباء، كما قال تعالى ( عزيز عليه ما عنتم بالمؤمنين رؤوف رحيم )، فكان يؤمهم بالصلاة، ويدخل بيوتهم ويأكل معهم، وينصحهم بما يحتاج إلى تعديل وتغيير.
    عمر رضي الله عنه: لَوْ أَنَّ سَخْلَةً بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ أَخَذَهَا الذِّئْبُ لَيُسْأَلُ عَنْهَا عُمَرُ.
    أن التدبير الحكيم الناجح لشؤون الرعية، الذي يكون عن علم وخبرة ودراية بأحوالهم، وهذا لا يحصل إلا بالخلطة والقرب منهم ومعرفة أمورهم.
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة


    خواطر تدبرية فى سورة السجدة (6)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى(ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم )[1].
    من يتفكر بعظيم مخلوقات الله، وجميل تدبيره لأوامره؛ يزداد يقينا بقدرته وقوته وأسماءه وصفاته، لذلك قال ( ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ).
    كثير من الناس عند حصولهم على شهادات في الذرة والطب والهندسة وغيرها، يشار لهم بالبنان؛ عالم ذرة وعالم طب، وحتى يعلم كل واحد حجمه ومدى معلوماته قال سبحانه فيهم ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )[2].
    لقد حظيت صفة العلم في نصوص القرآن مكانة خاصة، لأن الأثر المترتب عليها بالنسبة للإنسان بالغ الأهمية، من خلال مراقبة الله التي تجعل قلب المؤمن مستحضر عظمة الله في قلبه، ما يصرفه عن المعاصي والآثام.
    وتقدم الغيب على الشهادة: لأن علم الغيب أمدح، لأن الغيب عنا أكثر من المشاهدة، ولأنه تعالى يعلمه قبل أن يكون.[3]
    البشر يعلمون ظاهر الأشياء ابتداء، ثم إن تيسر علموا بواطنها ضمن إدراك عقولهم، فلو رأيت نوع من الفاكهة نراه شكلا – ظاهرا- جميلا، لكن ما هو طعمه؟! ننتظر بعد أكله.
    فعلومنا تبدأ بالظاهر وربما تصل لشيء من الباطن، لكن من قدرة الله وعظمته أنه يعلم الغيب والشهادة، وأحيانا يذكر الله فقط الغيب ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) لأنه لو علم الغيب من باب أولى الشهادة.
    فكل ما غاب عنا من أشياء يعلمها الله؛ ما يخفيه بعضنا عن بعض، ما غيبه الإنسان في ضميره، ما سيفعله الإنسان ولم ينوه بعد، ما أسره الإنسان لغيره، كل ذلك يعلمه الله.

    هنالك آثار إيمانية وفوائد عملية لتلك الآية العظيمة منها:

    - يقين المؤمن الدائم أن الله مطلع على كل ما يقترفه، يدفعه دائما للطاعات ومجانبة السيئات، حتى يرقى إلى مرتبة الإحسان.
    - الغفلة عن هذا المعنى، تدفع الإنسان إلى بحر مظلم من الذنوب وظلم النفس وضعف الإيمان.
    - يقين المؤمن بأن الله يعلم سره ونجواه، يدفعه لعدم الجرأة على حدود الله، كذلك إتقان الأعمال المكلف بها بما يتعلق بالفرائض أو حتى المهام والوظيفة الدنيوية.
    فمهما تكن عند من امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
    - ينبغي تربية الأبناء على معاني مراقبة الله، وعظيم علمه، كما في وصية لقمان لابنه.
    - أن يقف المؤمن عند حدود ما يدركه عقله، ولا يصدق الكهان والعرافين والمنجمين، أو يذهب عندهم! ومن ذلك معرفة الحظ عن طريق الأبراج وغيرها من الطرق!
    - فضيلة العلم والتعلم، فالله العليم يحب العلماء، وما أوتي الإنسان نعمة بعد الإيمان أعظم من العلم.
    - ينبغي للقوي كلما ازدادت قوته يتواضع أكثر ويتراحم ويتعاطف مع الآخرين، وهذه أخلاق الكبار، ولا يتكبر أو يترفع عندها سيقع في الظلم.
    - الحق سبحانه يُعلِّمنا أن الآمر لا بد أنْ يتابع المأمور.[4]
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    ----------------------------------
    [1] ( السجدة:6).
    [2]( الروم: 6-7 ).
    [3] ابن جماعة.
    [4] الشعراوي.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة


    خواطر تدبرية فى سورة السجدة (7)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى ( الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين )[1].
    في الآية ارْتِقَاءٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ مَشُوبٌ بِامْتِنَانٍ عَلَى النَّاسِ، أَنْ أَحْسَنَ خَلْقَهُمْ فِي جُمْلَةِ إِحْسَانِ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ وَبِتَخْصِيصِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ بِالذِّكْرِ.
    في الآية نعم عظيمة جليلة، منها أن خلقنا الله من العدم، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، وأتقن كل شيء خلقه، بحكم متناهية ودقة عجيبة، وسخر لنا الأرض وما فيها وذللها لنا، لتستقيم حياتنا وتصلح شؤوننا ومعاشنا.
    الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء ونوَّعَه بطريقة وهيئة تليق به، فلا يوجد شيء قبيح مطلقا، فما يضر من جهة ينفع من جهات عديدة، فلولا وجود القبيح ما علم الإنسان الجميل! ولولا وجود المرض ما عرفنا قيمة الصحة، ولولا السواد ما عرفنا قيمة البياض! لذلك يقال: وبضدها تتميز الأشياء.
    وجود الحشرات في الظاهر نراه شرا، لكن لو تأملنا لعرفنا أن العديد من الحشرات تعمل توازن في البيئة، فيستفيد من ذلك الإنسان!
    كل شيء خلقه الله لحكمة وفائدة ومنفعة ومقصد جليل، علمها من علمها وجهلها من جهلها، حتى لو كانت في الظاهر لنا شيئا قبيحا أو عبثيا أو لا فائدة منه! ينبغي أن نستيقن بأن الله قد أحكم وأتقن وأحسن كل شيء، شكلا ومضمونا وهيئة وصورة.

    من هداية الآية ودلالاتها وفوائدها:
    - كما أنعم الله على خلقه بإحسان كل شيء وإتقانه، ينبغي أن نخضع لله بإحسان العبادة له، التي هي أعلى المراتب " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
    - أن لا نتعالى على أحد ولا نتكبر، ولا نزدري أي مخلوق مهما كان، لأن الله وزع المواهب وأحسن كل شيء خلقه.[2]
    - إتقان الإعمال من صفات الكمال، لذلك ينبغي لكل عامل إتقان عمله في الوظيفة دون تقصير متعمد أو هدر للوقت.[3]
    - من معاني الإحسان شكر النعم لا كفرها، كما حصل من كفر قارون الطاغية المتكبر، إذ قال له المؤمنون من أهل العلم ( وأحسن كما أحسن الله إليك ).
    - أمرنا الله بالإحسان في التعامل إلى الخلق؛ إلى الوالدين.. إلى الزوجة .. إلى الأبناء.. إلى الجار.. بل حتى إلى الحيوانات، كما قال عليه الصلاة والسلام( إنَّ اللهَ تعالى كتب الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتُم، فأحْسِنوا القِتْلةَ، و إذا ذبحتُم فأحْسِنوا الذبْحةَ. و لْيُحدَّ أحدُكم شفْرتَه، و لْيُرحْ ذبيحتَه )[4].

    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    ---------------------------------
    [1] ( السجدة:7 ).
    [2] قال عليه الصلاة والسلام( إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تواضَعوا حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ ). صحيح أبي داود برقم 4895.
    [3] قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ ). صحيح الجامع برقم 1880.
    [4]صحيح الجامع برقم 1795.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة


    خواطر تدبرية فى سورة السجدة (8-9)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى (ثــمّ جعـل نسله مـن سـلالة من ماء مهين ).[1]
    كم هي نعمة عظيمة، إذ نقلنا الله من الذلة والخسة والمهانة والقذارة، إلى الرفعة والكرامة!
    أخبرنا الله بحقيقة أصلنا من العدم، ثم بداية خلقنا من نطفة لا قيمة لها، حتى نتيقن أن الله وحده العزيز الجبار ذي الجبروت، ولا يليق الكبرياء إلا به، فعلام تتكبر يا ابن آدم؟!
    يقول ربنا في الحديث القدسي( إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: إنَّ العزَّ إزاري، والكبرياءَ ردائي، فمَن نازعَني فيهِما عذَّبْتُهُ ).[2]
    يا ابن آدم: بعد أن عرفت حقيقتك ومادتك، هل ستُصر متكبرا وتستمر في عُجُبك؟!
    أما يكفيك ظلم وطغيان وتجبر وتعدي على الآخرين وأكل حقوقهم؟!!
    قَالَ الْأَحْنَفُ: عَجِبْت لِمَنْ جَرَى فِي مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ يَتَكَبَّرُ.[3]
    لما كان موضوع السورة الخضوع، ومادتها اليقين، وأبهى صورها السجود لله سبحانه، فهو أقصر طريق لكبح جماح الكبر والترفع والتعالي، فما أروع سياق القرآن وقوة دلالالته.
    لذلك تأمل آيات سورة السجدة، فيها نفع عظيم وثمرة عملية كبيرة، تدفع صاحبها لاستشعار عظمة الله وأهمية الخضوع إليه بكثرة السجود، كما قال عليه الصلاة والسلام للصحابي ( أعني على نفسك بكثرة السجود ).[4]
    بعد أن بين الله سبحانه بداية خلق الإنسان، ينقلنا إلى التفصيل ببعض النعم التي وهبها الله لنا، فقال سبحانه ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ )[5].
    لماذا اختص الله هذه الأعضاء من دون البقية، قالوا: لأنه بهذه الأعضاء والحواس يحصل العلم والفهم، وهذا هو المقصود، فلا يمكن للإنسان أن يتعلم من غير سمع أو من غير بصر أو من غير تأمل وتدبر وتعقل في القلب.
    جاء في سورة الملك قوله تعالى ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ )[6]، وفي سورة المؤمنون ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ )[7]، تكرار هذا الأمر للاهتمام بتلك الحواس، وأنها إذا استثمرت بما أعطانا الله من علل لوجودها ستقودنا إلى مرضاة الله.
    هنا التفات في الخطاب، من الغائب إلى المخاطب، من باب التفنن في البيان وتنشيط الأذهان، وأهمية تلك النعم التي سيذكر بها الإنسان!
    في معظم الآيات يأتي السمع مفردا، قيل لأنها مصدر وهو يشمل الجنس فيؤدي القليل والكثير.
    وهنالك التفاتة لطيفة لإفراد السمع وجمع الأبصار والأفئدة؛ قالوا: النظر إلى الأشياء بين الناس متفاوت، فلو نظرت أنا إلى شيء قد أنتفع بفائدة ما، تختلف عن نظر غيري وهكذا، فلما تعددت الأنظار جاء البصر هنا بالجمع " الأبصار".
    القلب كذلك، عندما ننظر أو نسمع لشيء لابد أن نتفكر نتدبر، وهذا يختلف من شخص لآخر فالأمر متنوع متعدد، فتأمل، والسمع جاء مفرد لأنه للجميع واحد.
    ولماذا قدم السمع على البصر؟!
    الجواب: أنك دائما من تسمعه يكون أقرب إليك ممن تبصره، لذلك السمع أهم ومقدم على البصر، والسمع هو شرط من شروط النبوة، لذلك ما بعث الله عز وجل نبيا أصم، لأن الحجة عندها لا تقام!
    ولا يمكن لك أن تنتفع بالمعلومة إلا أن تسمعها قبل أن تراها.
    ولو تأملنا إلى بديع صنع الله في هذه الحواس لوجدنا أمرا مذهلا؛ من الناحية التشريحية فإن مركز السمع يكون في الصدغ الأمامي من الدماغ، ومركز البصر يكون في قفى الدماغ، لذلك قدم السمع على البصر.
    من الناحية الوظيفية: السمع يتنشط ويبدأ يتفعل عند الإنسان وهو في بطن أمه بعمر خمسة أشهر، بخلاف جميع الحيوانات.
    وحاسة البصر تبدأ عند الجنين العمل بعد الشهر الثالث من الولادة، وعند ستة شهور يبدأ التمييز، وتكتمل عند سن العشر سنين.
    ( قليلا ما تشكرون ) ينبغي علينا شكر هذه النعم، وشكر السمع أن يكون هذا المسموع حقا ولا نسمع باطلا، كالغناء والغيبة والنميمة والباطل، ومن شكر السمع أن نستمع لأهل العلم الربانيين الحكماء الفضلاء ما عندهم من الخير، وكذلك من شكر السمع الإصغاء إلى الموعظة.
    ومن شكر البصر أن لا تنظر إلى ما حرم الله، والنظر إلى مخلوقات الله والتأمل والتفكر في عظيم صنعه.
    ومن شكر القلب كثرة خشية الله والإنابة والخوف ومحبة الله والمؤمنين والصالحين والخضوع له.
    ( قليلا ما تشكرون ) الشاكرون لله قليل والكافرون كثير، وهذا في كل زمان ومكان.
    ولم يأْتِ البصر مفرداً - في هذا السياق - إلا في موضع واحد هو قوله تعالى: {إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} ذلك لأن الآية تتكلم عن المسئولية، والمسئولية واحدة ذاتية لا تتعدى، فلا بُدَّ أنْ يكون واحداً.[8]
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    ---------------------------------------
    [1] ( السجدة:8).
    [2]صحيح الجامع برقم 1908.
    [3]أدب الدنيا والدين.
    [4]صحيح مسلم.
    [5]( السجدة:9 ).
    [6]( الملك:23).
    [7]( المؤمنون:78).
    [8]الشعراوي.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة

    خواطر تدبرية فى سورة السجدة (10-11)

    أيمن الشعبان


    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ )[1].
    لَيْسَ إِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ لِلِاسْتِبْعَاد ِ وَالِاسْتِحَالَ ةِ لِأَنَّ دَلَائِلَ إِمْكَانِهِ وَاضِحَةٌ لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ وَلَكِنَّ الْبَاعِثَ عَلَى إِنْكَارِهِمْ إِيَّاهُ هُوَ كُفْرُهُمْ بِلِقَاءِ اللَّهِ، أَيْ كُفْرُهُمُ الَّذِي تَلَقَّوْهُ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.[2]
    الطبيب الأمريكي أنطوني جوستين اكتشف، أن الخلايا الجذعية في عظم عجب الذنب فيها ذرات تنتج الهيكل العظمي للجسم كاملا، كما أن في كل عظم خلايا جذعية يمكن أن يتولد منها عظم مشابه له! فصدق الله إذ يقول ( كما بدأكم تعودون ).
    من فوائد وهداية الآية:
    - الكفار عندما أنكروا إمكانية عودتهم خلقا جديدا، كأنهم لم ينظروا إلى أول خلقهم من العدم! فينبغي على الإنسان إذا ما ارتقى في المجتمع واكتسب مكانة مرموقة، أن لا ينسى أصله وأهله وناسه! وأن لا يتعالى ولا يترفع أو يتكبر!
    - الإنسان لما ينسى الحساب يفعل ما يشاء في الدنيا، فيرتكب المحرمات ويظلم الناس ويأكل الأموال بالباطل، فالله سبحانه يذكر الخلق بيوم القيامة ليجازيكم على أعمالكم.
    - اليقين بحقيقة اليوم الآخر تدفع المؤمن إلى الخوف من الله سبحانه، وبذل وسعه لفعل كل خير.
    - الكفار قاسوا إنكارهم إمكانية إعادة الخلق مرة أخرى، بعقولهم المحدودة، وعليه ينبغي أن لا نطلق العنان لعقولنا لتتدخل بكل شيء، إنما لها حدود بحسب الإدراك لا يحسن بها تجاوزه.
    الحق أبلج والباطل لجلج، لا يستحق الإصغاء ولا الاستماع له، فلا تسمع لأهل الباطل كل ما يقولون وليكن لديك يقين ببطلان ما يعتقدون.
    قال تعالى( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )[3].
    ينتشر لدى كثير من الناس أن اسم ملك الموت" عزرائيل!" وهذا غير صحيح، فلم يثبت من الأسماء إلا ملك الموت، وهذه من القضايا الغيبية التي لا يمكن أن تؤخذ بالرأي والاجتهاد أو الروايات الضعيفة والموضوعة، فما ورد في القرآن كما في الآية التي معنا هو " ملك الموت" وكذا في الأحاديث الصحيحة.
    في هذه الآية موعظة عظيمة وتذكرة جليلة، فالموت الفاجعة التي لا تماثلها فاجعة، والكارثة التي لا تدانيها كارثة، والمصيبة التي لا تقاربها مصيبة.
    الموت مفرق الجماعات، ومشتت القرابات، ومُيتّم البنين والبنات، ولولا الموت لتنعم أهل النعيم بنعيمهم، ولكن الموت نغص عليهم هذا النعيم فهلا نعيما لا موت فيه؟!
    فالموت لا مفر منه، قال تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، وقال سبحانه( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ).
    قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما أصبح أحد إلا وهو ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة.
    ولنعلم جميعا يقينا، أن كل باكٍ سيُبكى، وكل ناعٍ سينعى، وكل مذكور سيُنسى، وكل مدخور سيفنى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى، وكل من شيع جنازة سيشيع، وكل من غسل ميتا سيُغسل، وكل من مشى في جنازة سيُمشى في جنازته، وكل من حفر قبرا سيُحفر له قبره، فلماذا الغفلة وطول الأمل والتكبر والغرور وربنا سبحانه يقول ( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ).
    لما كان موضوع السورة الخضوع ومادتها اليقين، ذكر الله سبحانه في هذه الآية عدة مخوفات لحصول تلك الثمرة لمن تأمل وتدبر وألقى السمع وهو شهيد، منها:
    - المبلغ لحقيقة المعاد والبعث بعد الموت هو النبي عليه الصلاة والسلام، ( قل ) للكفار ( يتوفاكم ملك الموت )، وهذا فيه تعظيم لتلك الحقيقة حتى يزداد أيضا اليقين بها.
    - ذكر الموت مع أن غاية الآية بالأصل إثبات المعاد والرجوع إلى الله، لكن لأنهم انشغلوا بالملذات وغرتهم الحياة الدنيا غفلوا عن الموت فوقعوا بالتعلق بالدنيا وإنكار لقاء الله، والموت الزائر الذي يأتي بلا استئذان، ولولاه لتنعم أهل الدنيا بدنياهم، وهو حق على كل نفس، وما ذكر في قليل إلا كثّره ولا كثير إلا قلله!
    - ذكر ملك الموت باسمه لزيادة اليقين بهذا الانتقال من الحياة إلى الموت، وهو من الملائكة العظام الذين ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ).
    - ( وكل بكم ): أي: يرقبكم ولا يغفل عنكم، يلازمكم ولا ينصرف عنكم، بحيث لا مهربَ منه ولا فكَاك.[4]
    - في الآية انتقال والتفات من أسلوب الغائب ( وقالوا أإذا ضللنا )، إلى المخاطب ( يتوفاكم ) دليل على أهمية الخضوع والتضرع وشدة التهديد بالموت ثم المعاد.
    - ( ثم إلى ربكم ترجعون ) تفيد أن المعاد والحساب يحصل بعد الأمر الأول وهو الموت، وهنالك فترة زمنية يقضيها الإنسان في القبر!
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    ----------------------------------
    [1] ( السجدة:10 ).
    [2] ابن عاشور.
    [3] ( السجدة:11 ).
    [4]الشعراوي.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة


    وقفات تدبرية فى سورة السجدة (12-13)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ )[1].
    في الأصل هم يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا، لكن حذفت لبيان شدة خجالتهم!
    نلحظ في هذا الأسلوب دقة الأداء في قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى. .} [السجدة: 12] فلم يقل مثلاً: ولو تعلم؛ لأن إخبار الله كأنه رؤيا العين، فحين يخبرك الله بأمر، فاعلم أنه أصدق من عينك حين ترى؛ لأن عينك قد تخدعك، أما إخبار الله لك فهو الحق.[2]
    في معظم الآيات يقدم السمع على البصر إلا في آية قصة الكهف وهذه الآية والسبب، لأن الساعة حين تأتي بأهوالها نرى الهول أولاً، ثم نسمع ما نراه.
    والمعلوم أن الأكثر في القرآن تقديم السمع على البصر لأن السمع أهم من البصر في التكليف والتبليغ لأن فاقد البصر الذي يسمع يمكن تبليغه أما فاقد السمع فيصعب تبليغه ثم إن مدى السمع أقل من مدى البصر فمن نسمعه يكون عادة أقرب ممن نراه، بالإضافة إلى أن السمع ينشأ في الإنسان قبل البصر في التكوين.
    في الآية تقديم للبصر على السمع، لأن اليقين أقرب حصوله في البصر من مجرد سماع الخبر كما في درجات اليقين ( علم اليقين ) تسمع بالخبر عن الجنة لكن لو رأيتها تكون عين اليقين، ثم حق اليقين إذا دخلتها.
    ومن هداية الآية: الجزاء من جنس العمل، فكل من خالف أوامر الله في الدنيا سيعاقب بنقيض قصده يوم القيامة.
    ومن دلالات الآية: تنكيس رؤوس المجرمين يوم القيامة، إشارة إلى أن من تكبر وترفع ولم يستجب لأوامر الله في الدنيا، نُكِّس رأسه في الآخرة، ومن تواضع رفعت رأسه.
    قال تعالى( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )[3].
    لما لم يذكر لهم جواباً، عُلِم أنه لهوانهم، لأنه ما جرأهم على العصيان إلا صفة الإحسان، فلا يصلح لهم إلا الخزي والهوان، ولأن الإيمان لا يصح إلا بالغيب قبل العيان.
    هذا التنوع مؤمن وكافر.. صادق وكاذب.. غني وفقير.. طائع وعاصي.. هو ابتلاء ليفتن بعضنا ببعض كما قال سبحانه ( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون )، وربنا قادر أن يجعلنا جميعا مؤمنين كالملائكة!
    فالكافر فتنة للمؤمن والمؤمن فتنة للكافر، والغني فتنة للفقير والفقير فتنة للغني، والصحيح فتنة للمريض والمريض فتنة للصحيح، والقوي فتنة للضعيف والضعيف فتنة للقوي، والجميل فتنة للقبيح والقبيح فتنة للجميع، والرجل فتنة للمرأة والمرأة فتنة للرجل وهكذا.
    الله سبحانه وتعالى بحكمته وعلمه قسم الخلق إلى شقي وسعيد، وابتلاهم وامتحنهم ليظهر المطيع المنقاد من العاصي المتمرد، وجعل لهم دارين‏‏: دار الجنة للمتقين المؤمنين ودار العذاب - وهي جهنم - للكفار والمنافقين.
    دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هو الحق الذي يناسب كل إنسان إلى العاقبة التي تجانس عمله، إحقاقا للحق وإبطالا للباطل، وهذا من تمام حكمة الله وعدله بأن لا يساوي بين المختلفين، وقد نص الله على هذه الحقيقة بعدة مواضع منها قوله ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون )، وقوله سبحانه ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار )، وغيرها.
    كثير من الناس عندما يقترف المعاصي يقول: بأن الله قدر علي ذلك! لكن الحقيقة كما تشير الآية لو شاء الله أن يجبر الناس على شيء لأعطى كل نفس هدايتها وصلاحها وتقواها لا العكس فتأمل!
    مع أن الكفار طلبوا من الله إرجاعهم إلى الدنيا، لم يلتفت الله سبحانه إليهم بل أجاب وقرر حقيقة عظيمة تتعلق بقدر الله ومشيئته، فاليقين بقدر الله يجعل القلب خاضعا مطمئنا ساجدا لله تعالى كما قال ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ).
    ومن هداية الآية: كل خير واستقامة وصلاح وتقوى هو بتوفيق الله وفضله وكرمه علينا لا بقوتنا أو حنكتنا، وكما قيل: ما نزل شيء إلى الأرض أعظم من التوفيق.
    ينبغي أن نحمد الله على نعمة الإسلام، ونتأمل ونتفكر بمن حولنا، كيف اصطفانا الله سبحانه من بين هذه الملايين من الناس واختصنا بتلك النعمة العظيمة التي ينبغي أن لا نفتر عن شكرها.
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.


    --------------------------------------
    [1] ( السجدة:12 ).
    [2]الشعراوي.
    [3] ( السجدة:13 ).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة

    وقفات تدبرية فى سورة السجدة (14-15)

    أيمن الشعبان


    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )[1].
    لما بين الله سبحانه للكفار، أنه لا رجوع لهم إلى الدنيا، أنَّبهم على ما عملوا من تدسية نفوسهم بفعل المعاصي وترك الطاعة له، فقال ( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ).
    ولأن الجزاء من جنس العمل، فلما نسوا وأهملوا وتكبروا عن أوامر الله وكذبوا بهذا اليوم واستبعدوا وقوعه، تركهم الله في العذاب وسبب استحقاقهم تلك الإذاقة إهمالهم التدبر في حلول هذا اليوم.
    فكأن الله يقول: إنني عاقبتهم على نسيانهم ذلك اليوم، بأن جعلتهم هملا يوم القيامة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم عظيم مهين!
    هذه آية عظيمة مزلزلة تقشعر لها الأبدان وترتجف لها القلوب وتخشع لها الأبصار، وقد حذرنا الله أن نكون كأولئك الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم!
    يا من نسيت صلاتك وما فرض الله عليك من طاعات، تأمل إلى مآلك ونتيجتك يوم القيامة، هل تقوى على هذا العذاب؟!!
    يا من فرطت في جنب الله، ألا تتفكر وتتأمل للحظات بأن هذه الدنيا فانية زائلة، وأنك ستقف بين يدي الله يحاسبك على ما اقترفت من ذنوب ومعاصي؟!!
    وهنا لابد الإشارة إلى أهمية العمل الصالح وأنه سبب دخول الجنة لا مجرد العلم فقط أو الأماني، قال تعالى ( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )[2].
    لذلك لا ينبغي أن نستزيد من العلم لمجرد العلم، بل لابد من العمل بمقتضى هذا العلم، وإلا سيكون حجة علينا ووبالا يوم القيامة، قال تعالى( فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ )[3]، روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: قوم وصفوا الحق والعدل بألسنتهم، وخالفوه إلى غيره.[4]
    عن مالك بن دينار قال: مكتوب في التوراة: كما تدين تدان وكما تزرع تحصد.[5]
    قال تعالى( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ )[6].
    في هذه الآية انتقال من مشهد المكذبين الذين لا يخضعون، إلى مشهد المؤمنين الموقنين، وجاءت هذه الآية في وسط السورة كاللؤلؤة في وسط العقد، فهي مادتها ونتيجتها وخلاصتها، فمن يوقن بهذه الحقائق لا يملك إلا أن يخضع لله ويسجد له.
    هنالك فرق بين ( فقعوا له ساجدين ) ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ) ( خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم ).
    في الأولى: بعد أن نفخ الله بآدم الروح وكان الملائكة مشغولين بالتسبيح والتحميد ولأهمية هذا الحدث من كان مشغولا بشيء ثم انتبه كأنه وقع.
    والثانية: هو السجود الطبيعي الذي نقوم به في الصلاة، وكذلك سجود الملائكة لآدم عليه السلام.
    والثالثة: عندما يقرأ الإمام في الركعة الأولى من فجر الجمعة بسورة السجدة ويصل إلى قوله ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ) فإنهم ينزلون من قيامهم خاضعين ساجدين متذللين لله عز وجل، كخرير الماء وهو هبوط مصحوبا بصوت، كأنه صوت الخشوع والبكاء، وفرق بين شخص قرأ آية فسجد، وآخر قرأ آية مؤثرة فسجد وهبط إلى الأرض وهو يبكي.
    وأوثرت صيغة المضارع في إنما يؤمن لما تشعر به من أنهم يتجددون في الإيمان ويزدادون يقينا وقتا فوقتا.[7]
    فائدة السجود من الناحية العلمية:
    بسبب التطور التقني وكثرة الأجهزة الكهربائية والآلات المتعددة، التي يستخدمها الإنسان وتكون حوله يوميا، يستقبل كميات كبيرة من الأشعة الكهرومغناطيسية ، فيصاب بالصداع والضيق والكسل والخمول.
    باحث غربي غير مسلم اكتشف أن أفضل طريقة لتخلص الجسم من تلك الشحنات الموجبة المؤذية؛ أن يضع جبهته أكثر من مرة على الأرض السالبة، والأفضل أن تضعها على التراب مباشرة! والطريقة الأمثل أن تضع جبهتك وأنت في اتجاه مركز الأرض التي هي الكعبة في مكة المكرمة!
    ومن هداية الآية:
    ( إذا ذكروا بها ) من أي مذكر كان، وهنا فائدة وهي ضرورة الاستجابة والتواضع والانقياد للنصيحة والتذكرة، أيا كان صاحبها، فاتباع الحق لا يتوقف على عين حامله وقائله! فالحق أحق أن يتبع.
    في السجود تضع وجهك وجبهتك، وهي رمز العلو والرِّفْعة تضعها على الأرض خضوعاً لله عَزَّ وَجَلَّ.[8]
    إذا رضي المؤمن أن يضع أعز شيء فيه وهي جبهته، على التراب وهو أذل شيء يطئه الناس، فقد عرف الله حقه.
    الله جل جلاله غني عن سجود جميع الخلق، ولكن ما رزق المؤمن السجود له وأعانهم عليه إلا لأنه يحبهم، وهذا من أعظم التوفيق.
    النفس تمر بحالات من الغفلة والنسيان، فهي بحاجة لتذكير مستمر وتنشيط للأذهان وتجديد للإيمان، فتعاهد قلبك واستثمر الفرص والمواسم كرمضان.
    إياك والتسويف فالمؤمن الحق بمجرد التذكير يتذكر، ويخر ساجدا خاضعا لله.
    سرعة الاستجابة لأوامر الله من أعظم علامات الشكر على النعم.
    جزاء من يستجيب الجنة كما في هذه الآية، وجزاء من يستكبر النار قال تعالى (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ).
    في الآية أهمية تأمل وتدبر آيات القرآن لحصول التذكر والتفكر ثم الخضوع والاستجابة.
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    -------------------------------------
    [1] (السجدة:14).
    [2] ( الزخرف:72).
    [3]( الشعراء:94 ).
    [4]تفسير القرطبي.
    [5]اقتضاء العلم العمل.
    [6] (السجدة:15).
    [7]ابن عاشور.
    [8]الشعراوي.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة

    وقفات تدبرية فى سورة السجدة (16-17)

    أيمن الشعبان


    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )[1].
    في الآية يذكر ربنا سبحانه وتعالى بعض أحوال المؤمنين وأعمالهم، من أعظم صور اليقين والخضوع.
    الجفوة ترك مع كراهية المتروك، لأن مجرد الترك قد يصاحبه شوق وألم للمتروك!
    ولما كان المتواضع ربما نسب إلى الكسل، نفى ذلك عنهم بقوله مبيناً بما تضمنته الآية السالفة من خوفهم: {تتجافى} أي ترتفع ارتفاع مبالغ في الجفاء - بما أشار إليه الإظهار، وبشر بكثرتهم بالتعبير بجمع الكثرة فقال: {جنوبهم} بعد النوم {عن المضاجع} أي الفرش الموطأة الممهدة التي هي محل الراحة والسكون والنوم، فيكونون عليها كالملسوعين، لا يقدرون على الاستقرار عليها، في الليل الذي هو موضع الخلوة ومحط اللذة والسرور بما تهواه النفوس.[2]
    ( يدعون ربهم خوفا وطمعا ) في صلاتهم وجميع أحوالهم هم يكثرون من الدعاء يذكرون الله سبحانه ويدعونه في وقت البلاء والرخاء.
    المؤمن إذا عرف ما عند الله من عظيم الفضل، طمع بما عنده رجاء ثوابه، وبالوقت ذاته يخشى عذاب الله وعقابه ولا يأمن مكر الله، دون أن يدفعه ذلك إلى اليأس والقنوط من رحمته، فهو بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة، وهذه قمة العبادة.
    لما ذكر إيثارهم التقرب إلى الله على حظوظ لذاتهم الجسدية ذكر معه إيثارهم إياه على ما به نوال لذات أخرى وهو المال إذ ينفقون منه ما لو أبقوه لكان مجلبة راحة لهم فقال ومما رزقناهم ينفقون أي: يتصدقون به ولو أيسر أغنياؤهم فقراءهم.[3]
    صلاة الليل عبادة جليلة لذلك اعتنى بها السلف الصالح بشكل كبير، قال ابن المنكدر: ما بقى من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، وصلاة الجماعة.
    ويقول أحد التابعين: منذ أربعين سنة ما حزنت على شيء كحزني على طلوع الفجر!!
    الآية فيها إشارة لكثرة قيامهم الليل بدليل جمع الكثرة " جنوبهم" بمعنى أن الأصل والغالب الأعم القيام، وليس الاستثناء! وأن تجافي جنوبهم في الليلة الواحدة يتكرر!
    قد يهجر المضجع أناس لغير العبادة، سهرا على معصية أو لهو وضياع وقت، لذلك أكد الله في هذه الآية أن تجافي مضاجع هذا الصنف من المؤمنين للعبادة بقوله ( يدعون ربهم خوفا وطمعا ).
    من صفات المؤمنين أنهم مشغولون بذكر الله، لا ينامون إذا نام الناس، ولا يلهون أو يلعبون إذا خاض الناس في سفاسف الأمور!
    الإنفاق في سبيل الله أجره عظيم وفضله جسيم، يكفي أن الله لخص كل الأعمال الصالحة في الدنيا لمن طلب الرجوع في الصدقة! قال تعالى ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ).[4]
    قال تعالى( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[5].
    أي نفس لا تعلم مهما بلغ بها الخيال والطموح والتفكير، فلا تقدر أن تعرف شيئا عن نعيمهم وما الذي ينتظرهم.
    العين تشير إلى مظهر ومعالم وتقاسيم الإنسان، فمن خلالها تظهر السعادة أو الحزن، والتعب أو الراحة، كما أنها تعبر عن كثير من المشاعر والهواجس، حتى القناعة من غيرها تظهر على العين!
    أهل الجنة استقرت عيونهم، فلا مطامع ولا مطامح ولا رغبات مكبوتة أو معلنة، فقد نالوا كل فضل وكرامة وشرف وخير، بل كل ما تشتهيه الأعين فاستقرت أعينهم!
    ففي الجنة تقرّ العيون بحيث لم يَعُدْ لها تطلعات، فقد كَمُلَتْ لها المعاني، فلا ينبغي لها أنْ تطمع في شيء آخر إلا الدوام.[6]
    الأعمال ليست ثمنا للجنة بل هي سببا، لأن ثمن الجنة غالي جدا جدا ( ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ).
    ومن هداية الآية أهمية الإخلاص في الأعمال، فلما أخفى القائمون القانتون لله أعمالهم وتواروا عن أنظار الناس، في صلاة الليل، أعظم الله ثوابهم وأخفى جزاءهم، لأن الجزاء من جنس العمل.
    والإخلاص هو أن يستوي عملك في السر والعلن، وأن لا تبتغي في أعمالك أجرا ولا فضلا ولا ثناء ولا محمدة إلا من الله وحده.
    ونقل عن بعض السلف أقوالهم:
    بالصدق والإخلاص يفتح الله على العبد من الفتوحات العلمية والإيمانية ما الله به عليم.
    لما سُئِلَ عن أهم الأعمال قال: "الإخلاص ولا تستطيعه النفوس إلا بالمجاهدة".
    أعز شيء في الدنيا الإخلاص.
    ينبغي التفرغ لتعليم الناس الإخلاص.
    مَا نزل من السَّمَاء أعز من التَّوْفِيق، وَلَا صعد من الأَرْض أعز من الْإِخْلَاص[7].
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    ----------------------------------------
    [1] (السجدة:16).
    [2]البقاعي.
    [3]ابن عاشور.
    [4] ( المنافقون:10).
    [5] (السجدة:17).
    [6]الشعراوي.
    [7]التحبير شرح التحرير.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة


    وقفات تدبرية فى سورة السجدة (18-19)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    لما كان موضوع السورة الخضوع ومادتها اليقين بحقائق الإيمان؛ قال تعالى( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ )[1].
    ينبه تعالى، العقول على ما تقرر فيها، من عدم تساوي المتفاوتين المتباينين، وأن حكمته تقتضي عدم تساويهما فقال: {أفمن كان مؤمنا} قد عمر قلبه بالإيمان، وانقادت جوارحه لشرائعه، واقتضى إيمانه آثاره وموجباته، من ترك مساخط الله، التي يضر وجودها بالإيمان.
    {كمن كان فاسقا} قد خرب قلبه، وتعطل من الإيمان، فلم يكن فيه وازع ديني، فأسرعت جوارحه بموجبات الجهل والظلم، من كل إثم ومعصية، وخرج بفسقه عن طاعة الله.
    أفيستوي هذان الشخصان؟.
    {لا يستوون} عقلا وشرعا، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلمة، وكذلك لا يستوي ثوابهما في الآخرة.[2]
    من هداية الآية:
    من باب العدل والإنصاف إعطاء كل ذي حق حقه، وعلى مدراء المؤسسات والمشاريع، التفريق بحسب الكفاءة والتفاني والإخلاص في العمل والبذل والعطاء.
    أحد أسباب تخلف وتأخر الأمة، وانتكاس كثير من الشباب، هو تقديم المحسوبيات على الكفاءة والخبرة، حتى صار السافل عاليا والعالي سافلا!
    المجتمع الآن للأسف ينظر لمن معه مال ومنصب وتجارة وجاه وقوة، أكثر من نظره إلى العالم والخبير وصاحب الفكر والعقل في نفع الأمة!
    المؤسسة التي لا تعامل موظفيها على أساس المهنية والكفاءة والتفاني بغض النظر عن جنسه ولونه وعمره؛ مآلها الفشل ولو بعد حين!
    أخبر عليه الصلاة والسلام أن الموازين ستنقلب، ويوسد الأمر لغير أهله، ويتصدر المشهد من لا خلاق لهم، يقول عليه الصلاة والسلام( لا تقومُ الساعةُ حتى يكونَ أسعدَ الناسِ بالدنيا لُكَعُ ابنُ لُكَعٍ ).[3]
    في اليابان يعطى لقب " سعادة" للمعلم، من باب التقدير المعنوي وتثمينا لدوره الهام في نهضة المجتمع.
    وعندما سُئل إمبراطور اليابان عن أسباب تقدم دولته في وقت قصير، أجاب: بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير!
    لا ينبغي أن نساوي في التعامل أو المكانة والتقدير والمكافئة؛ بين المؤمن والفاسق.. العالم والجاهل.. الأمين والخائن.. الصادق والكاذب.. المتقن والمهمل.. الحريص والمغفل.. المجتهد والخامل.. المثابر والكسلان!
    بعد أن نفى استواءهما أتبعه بذكر حال كل منهما على سبيل التفصيل؛ قال تعالى ( أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ )[4].
    قُرن لفظ الإيمان بالعمل الصالح في القرآن خمسين مرة، في إشارة ودلالة لأهمية الأعمال ليس فقط الإيمان المجرد بالقلب واللسان، فلابد من أعمال صالحة تصدق حقيقة الإيمان، كما يقول الحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال.
    والنزُل هو المكان المعَدّ لينزل فيه الضيف الطارئ عليك؛ لذلك يسمون الفندق (نُزُل) ، فإذا كانت الفنادق الفاخرة التي نراها الآن ما أعَدَّه البشر للبشر، فما بالك بما أعدَّهُ ربُّ البشر لعباده الصالحين؟[5]
    من هداية الآية:
    الإيمان أصل سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وجماعها التقوى، كما قال الحطيئة:
    ولست أرى السعادة جمع مال * و لكن التقي هو السعيد
    فتقوى الله خير الزاد ذخراً * وعند الله للأتقى مزيد
    و ما لا بد أن يأتي قريب * و لكن الذي يمضي بعيد
    أهمية الأعمال الصالحة مع الإيمان، ولا يكفي مجرد ادعاء الإيمان والصلاح دون عمل.
    أن الدنيا دار ممر، وأن الآخرة دار الإقامة الأبدية.
    يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.
    قال أحد الزهاد: لو كانت الدنيا ذهبا يفنى، والآخرة خزفا يبقى، لآثر العاقل خزفا يبقى، على ذهب يفنى، فكيف والدنيا أقل من خزف والآخرة أكثر من ذهب!!
    قال عيسى عليه السلام: الدنيا قنطرة اعبروها ولا تعمروها.
    ولله در امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم رضي الله عنها ما أعقلها، عندما طلقت الدنيا وما فيها من القصور والدور ومتاع الغرور، والتجأت لله العزيز الغفور، حتى" إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكان إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة، فقالت:( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجني من فرعون و عمله و نجني من القوم الظالمين ) فكشف لها عن بيتها في الجنة.[6]
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    --------------------------------------------
    [1] (السجدة:18).
    [2]السعدي.
    [3]صحيح الجامع برقم 7431.
    [4] (السجدة:19).
    [5]الشعراوي.
    [6]السلسلة الصحيحة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة

    وقفات تدبرية فى سورة السجدة (20)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ )[1].
    الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَهُ مَعَ الْإِيمَانِ أَثَرٌ أَمَّا الْكُفْرُ إِذَا جَاءَ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى الْأَعْمَالِ، فَلَمْ يَقُلْ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا وَعَمِلُوا السَّيِّئَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ فَسَقُوا كَفَرُوا وَلَوْ جَعَلَ الْعِقَابَ فِي مُقَابَلَةِ الْكُفْرِ وَالْعَمَلِ، لَظُنَّ أَنَّ مُجَرَّدَ الْكُفْرِ لَا عِقَابَ عَلَيْهِ.
    قالوا: المأوى المكان الذي ينزل فيه الإنسان على هواه وعلى (كيفه)، أما هؤلاء فينزلون هنا رغماً عنهم، أو أن الكلام هنا على سَبْق التهكم والسخرية، كما قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.[2]
    لما كان أهل الحق في الدنيا ينصحون أهل الضلال، بأن يخرجوا من باطلهم وكفرهم من الانحطاط الأخلاقي والروحي والديني، والتمسك بشريعة ربهم وخالقهم والترفع والارتقاء بالإيمان، تكبروا فكان جزائهم يوم القيامة، كلما حاولوا الانتقال من أسفل إلى أعلى أعيدوا ونُكِّل بهم، جزاء وفاقا!
    إن أهل النار إذا ألقوا فيها يكادون يبلغون قعرها، يلقاهم لهبها فيردهم إلى أعلاها،
    حتى إذا كادوا يخرجون تلقتهم الملائكة بمقامع من حديد فيضربونهم بها.
    نحن مع مشهد عظيم مخيف مهول من مشاهد عذاب أهل النار- عياذا بالله-، فالنار سوداء مظلمة قعرها بعيد وحرها شديد وشرابها الحميم والصديد ومقامعها من حديد، وإن الصخرة العظيمة لتلقى فيها فتهوي سبعين سنة حتى تصل إلى قعرها، ولا تزال يلقى فيها حتى تمتلئ، (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ )[3].
    هم في النار يذوقون العذاب فلماذا يقال لهم" ذوقوا "؟! لأن العذاب المعنوي أشد وأنكى من العذاب الحسي المادي، فيقال لهم " ذوقوا" على سبيل الإهانة والشماتة والعار والشنار والخزي والذل الذي هم فيه!
    ومن شدة عذاب أهل النار جعل الله عذابهم تنكيلا لمن لا يزال مصرا على الذنوب والمعاصي، في نار عظيمة حامية وعذاب موجع فظيع لا تقوى عليه الجبال الراسيات! قال سبحانه ( إن لدينا أنكالا وجحيما . وطعاما ذا غصة وعذابا أليما )[4].
    هؤلاء الفاسقون المجرمون الذين أكثروا من الذنوب والخطايا والمعاصي مقيدين ومسلسلين ومصفدين بسلاسل من نار في أذل وأشنع صورة، وثيابهم من نار وتحيط بهم من جميع الجهات النار، في مشهد تقشعر له الأبدان قال تعالى(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ . سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ )[5].
    الآية ترشدنا إلى شيء خطير؛ أن من كان في العذاب ممكن يتأقلم عليه مع مرور الوقت، لو وضعت يدك في ماء ساخن بداية تشعر بصعوبة وألم لكن شيئا فشيئا تتعود ويخف الألم، ولكن أهل النار لا ينطبق عليهم ذلك، فالعذاب متنوع مختلف مستمر دائم له عدة أشكال ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )[6]، ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ )[7]، ( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا )[8].
    أيها المقصر في طاعة الله، المسرف على نفسه بالمعاصي والذنوب، أما تخشى الموت يأتيك على حين غفلة، وأنت مصر على تلك الخطايا؟!! أما في تلك الآية معتبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    --------------------------
    [1] ( السجدة:20 ).
    [2]الشعراوي.
    [3]( ق:30).
    [4]( المزمل:12-13).
    [5]( إبراهيم:49-50).
    [6]( الحج:22).
    [7]( النساء:56).
    [8]( الإسراء:97).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة


    وقفات تدبرية فى سورة السجدة (21 -22)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( وَلَنُذِيقَنَّه ُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )[1].
    وَالله لَنُذِيقَنَّهُم ْ ولنصبن عليهم في دار الابتلاء مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى الأنزل الأسهل مثل القحط والطاعون والوباء والقتل والسبي والزلزلة وانواع المحن والبليات التي هي أسهل وأيسر بمراحل دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ عند عذاب الآخرة الذي هو في غاية الشدة ونهاية الألم والفظاعة وانما أخذناهم بما أخذناهم في النشأة الاولى لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ مما هم عليه من الكفر والشقاق ويتفطنون عنها الى كمال قدرتنا واقتدارنا على اضعافها وآلافها ومع ذلك لم يتفطنوا ولم يرجعوا عن غيهم وضلالهم بل قد أصروا واستكبروا عدوانا وظلما.[2]
    ومن هداية الآية:
    فى التأويلات النجمية: يشير الى ارباب الطلب واصحاب السلوك إذا وقعت لاحدهم فى أثناء السلوك وقفة لعجب تداخله او لملالة وسآمة نفس او لحسبان وغرور قبول او وقعت له فترة بالتفاته الى شىء من الدنيا وزينتها وشهواتها فابتلاه الله اما ببلاء فى نفسه او ماله او بيته من أهاليه وأقربائه وأحبائه لعلهم بإذاقة عذاب البلاء والمحن انتبهوا من نوم الغفلة وتداركوا ايام العطلة قبل ان يذيقهم العذاب الأكبر بالخذلان والهجران وقسوة القلب كما قال تعالى (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ).[3]
    في الآية إشارة إلى أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، قال تعالى ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )[4].
    ما يصيب الكافر أو المسلم في الدنيا من بلاء فهو مظهر من مظاهر رحمة الله، حتى يعودوا ويتوبوا ويستيقظوا من غفلتهم.
    قال ابن عباس: مصائب الدنيا وأسقامها وبلائها مما يبتلي به الله العباد حتى يتوبوا.
    وهذا أيضا مما يولد اليقين في القلب ويكسر النفس ويوقظها من غفلتها.
    إذا أصيب الإنسان بمرض بوفاة قريب، يتيقن أن هذا أمر الله فيصبر ويرجع إلى الله.
    مهما تنعم الكافر في هذه الدنيا وملذاتها النعيم الزائل، فلا شك ولا ريب سيتعرض لفتن وعذاب ومصائب، وهذا ما يبينه الفهم العميق الدقيق لقوله عليه الصلاة والسلام( الدُّنيا سِجنُ المؤمنِ وجنةُ الكافرِ )[5].
    من هداية الآية في قوله تعالى ( لعلهم يرجعون ) أن تكون النصيحة لأجل الهداية والإصلاح والحرص على الخير للناس، ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )، لا أن تكون فضيحة وتنقُّص وتعالي ورياء، وتظاهر بالعلم والمعرفة والتقوى والصلاح، وإظهار الآخرين بالجهل والانحراف!
    وهذه الآية من الأدلة على إثبات عذاب القبر، ودلالتها ظاهرة، فإنه قال: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى} أي: بعض وجزء منه، فدل على أن ثم عذابا أدنى قبل العذاب الأكبر، وهو عذاب النار.[6]
    ولما كانت الإذاقة من العذاب الأدنى في الدنيا، قد لا يتصل بها الموت، فأخبر تعالى أنه يذيقهم ذلك لعلهم يرجعون إليه ويتوبون من ذنوبهم كما قال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}.[7]
    في الدنيا لابد وأن يعذب الله الكافر بما يبتليه من مصائب بحرمان .. وعدم الاطمئنان وانعدام الراحة والركون الى الله .. لا يستريح مهما حصل من مال وبنين وفي قلبه عدم الراحة.
    قال تعالى( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ )[8].
    ومن للاستفهام الإنكاري، وكأن الله سبحانه يعرض علينا القضية في صورة السؤال التقريري.
    بعد أن بين ربنا سبحانه صنف الكفار وما يصيبهم من محن ولئواء وعذاب في الدنيا، مع ذلك يصرون على استكبارهم وعنادهم وعدم انتفاعهم من تلك المُخَوِّفات؛ أشار إلى أن هذا الصنف من أقبح الناس وأكثرهم جرما وظلما لعدم استجابتهم لآيات الله الكونية والشرعية.
    ونحن مقبلون على شهر القرآن نكثر من تلاوته وتمر علينا آياته من القصص والعبر والمواعظ والحلال والحرام، فهل اتعظنا وتذكرنا؟!! أم أنها مرت دون أن تلقى حسن استماع وتدبر وتأمل ثم انتفاع وعمل!!
    ( إنا من المجرمين منتقمون ) أي: إنا من مقام قهرنا وقوتنا وجلالنا وعظمتنا وجبروتنا من المجرمين المصرين على كفرهم وظلمهم وجرائمهم وآثامهم؛ منتقمون منهم على أبلغ وجه وأشد الانتقام من عموم المجرمين الظالمين.
    من هداية الآية:
    أن سماع آيات الله وقيام الحجة على الخلق، ثم عنادهم واستكبارهم من أعظم الظلم وجريمة ما بعدها جريمة.
    ينبغي لمن سمع التذكير والحجج والبراهين الاستجابة بسرعة أيا كان مصدر التذكير، بخلاف الكفار الذين قالوا تكبرا وهوى وعنادا ( لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )[9].
    الآية فيها مبالغة في التخويف من قوله ( إنا من المجرمين منتقمون ) فالله سبحانه ينتقم من جميع المجرمين الظالمين، فكيف بمن هم أشد ظلما وجرما منهم؟!
    الله سبحانه وتعالى سمى تارك الصلاة مجرم فقال سبحانه(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ )[10]، فلست أنا ولا الهيئة الفلانية أو المجمع الفقهي أو الإفتاء من أطلق هذا الوصف، بل غلام الغيوب، فهل من مدكر؟!
    فكل من ذكر بآيات ربه ثم أعرض مستكبرا ونسيها ولم يتدبرها أو يعمل بمقتضاها فهو مجرم بنص هذه الآية!
    الظلم من أقبح الأمور لذلك حرمه الله على نفسه وجعله بيننا محرما، فينبغي للعاقل أن يتذكر أحوال الظالمين ومآلهم ومصيرهم حتى يكون له مانع من اقترافه!
    ( ذكر بآيات ربه ) فالقرآن أعظم مُذكِّر فهو نور مبين وهداية للعالمين، قال تعالى ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ).
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    --------------------------------------
    [1] ( السجدة:21 ).
    [2]الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
    [3]روح البيان.
    [4]( الشورى:30).
    [5]صحيح مسلم.
    [6]السعدي.
    [7]السعدي.
    [8] ( السجدة:22 ).
    [9]( الزخرف: 31).
    [10]( المدثر: 38-43 ).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة


    وقفات تدبرية فى سورة السجدة (23)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ )[1].
    لما كان مقصود السورة نفي الريب عن تنزيل هذا الكتاب المبين في أنه من عند رب العالمين، ودل على أن الإعراض عنه إنما هو ظلم وعناد بما ختمه بالتهديد على الإعراض عن الآيات بالانتقام، وكان قد انتقم سبحانه ممن استخف بموسى عليه السلام قبل إنزال الكتاب عليه وبعد إنزاله، وكان أول من أنزل عليه كتاب من بني إسرائيل بعد فترة كبيرة من الأنبياء بينه وبين يوسف عليهما السلام وآمن به جميعهم وألفهم الله به وأنقذهم من أسر القبط على يده، ذكر بحالة تسلية وتأسية لمن أقبل وتهديداً لمن أعرض، وبشارة بإيمان العرب كلهم وتأليفهم به وخلاص أهل اليمن منهم من أسر الفرس بسببه.[2]
    ذكر الله سبحانه في القرآن أنه أعطى موسى التوراة في عشرة مواضع، لكن في الآية التي معنا أسلوب مختلف يتطابق ويتناسق مع مادة وغرض سورة السجدة وهو اليقين، فقال سبحانه ( فلا تكن في مرية من لقاءه ).
    والفرق بين التوراة والإنجيل، أن التوراة فيه شرائع وأحكام، أما الإنجيل فقد نزل متمما للتوراة وفيه مواعظ وحكم، والقرآن كتاب عظيم شامل جمع الله فيه الشريعة والمواعظ والحكم والقصص والأخبار، ونبأ ما بعدنا والنار والجنة والأحكام في الدنيا، فهو كتاب مفصل كما قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ).
    فيها إشارة أنك يا محمد عليه الصلاة والسلام كما أنزلنا الكتاب على موسى وتعرض للأذى فإنك ستتعرض للأذى الذي تعرض له لأننا أنزلنا عليك الكتاب، وفيها تنبيه وتوجيه وتثبيت وتسلية.

    من هداية الآية:
    أن طريق الدعوة إلى الله وهداية الناس محفوف بالمكاره والصعوبات والابتلاءات، فلابد من الصبر وتحمل المشاق وعدم اليأس والقنوط والتراجع.
    سأل رجل الشافعي فقال: يا أبا عبد الله! أيما أفضل للرجل أن يمكَّن أو يُبتلَى؟ فقال الشافعي: لا يمكن حتى يبتلى، فان الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامُه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنَهم، فلا يظن أحدٌ أن يخلص من الألم البتَّهَ.[3]
    أن الداعية إلى الله ومعلم الناس الخير، يعمل بوظيفة الأنبياء وهي من أفضل القربات سيما في وقت الفتن.
    عند تعرض المسلم عموما والداعية خصوصا إلى محنة وابتلاء، ينبغي عليه أن يستذكر ويتأمل بسير من قبله من الأنبياء والصحابة وأتباعهم، إذ فيها تسلية وتثبيت لتجاوز الصعوبات.
    لقاء القدوات من الرموز والعلماء والدعاة وطلاب العلم والقادة، مهم جدا سيما في أوقات الفتن والظروف العصيبة، ومما يبعث اليقين في النفس ويجدد العزيمة والنشاط، فقصة موسى مع بني إسرائيل من أكثر القصص ذكرا في القرآن، ومع ذلك ليست المسألة مجرد سماع أخباره بالقرآن، بل ستراه وتلقاه فيزداد اليقين!
    وفائدة لقاء القدوات، التناصح والتشاور وتثبيت بعضهم البعض وتذكيرهم بأحوال من قبلهم، وتحقيق الصبر والتسلية ورفع معنويات الجماهير، واختيار الأنفع والأفضل للأمة.
    يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن: أولياءُ اللهِ تعالى، الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ اللهُ تعالى.[4]
    قال جعفر: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة نظرت إلى وجه محمد بن واسع نظرة، وكنت إذا رأيت وجه محمد بن واسع حسبت أن وجهه وجه ثكلى. [5]
    النبي أرسل للخلق جميعا بشيرا ونذيرا، بخلاف بقية الانبياء كل واحد منهم لقومه خاصة.

    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    ------------------------------------
    [1] ( السجدة:23 ).
    [2]البقاعي.
    [3]جامع المسائل لابن تيمية.
    [4]صحيح الجامع برقم
    [5]صفة الصفوة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة

    وقفات تدبرية فى سورة السجدة (24)

    أيمن الشعبان

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )[1].
    ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا )هداة مهتدين، كيف كانوا أئمة في الدين؟ قال ( لما صبروا ) هذا فيه تكميل القوة العملية، ثم قال ( وكانوا بآياتنا يوقنون ) تكميل القوة العلمية.
    يقول ابن تيمية: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
    يقول سفيان الثوري: لا ينبغي للرجل أن يكون إماماً يقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا.
    ( لما صبروا ) عن الدنيا وعلى الحق وعلى الأذى والابتلاء.
    لَمَّا صَبَرُوا على مشاق تعليم العلم والعمل به. أو: على طاعة الله وترك معصيته.
    وفيه دليل على أنَّ الصبر ثمرته إمامة الناس والتقدم في الخير. وَكانُوا بِآياتِنا التوراة يُوقِنُونَ .[2]
    وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالْبِشَارَةِ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَئمَّةً لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَهُدَاةً لِلْمُسْلِمِينَ إِذْ صَبَرُوا عَلَى مَا لَحِقَهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ مِنْ أَذَى قَوْمِهِمْ وَصَبَرُوا عَلَى مَشَاقِّ التَّكْلِيفِ وَمُعَادَاةِ أَهْلِهِمْ وَقَوْمِهِمْ وَظُلْمِهِمْ إِيَّاهُمْ.
    وَتَقْدِيمُ بِآياتِنا عَلَى يُوقِنُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِالْآيَاتِ.[3]

    من هداية الآية:
    هنالك تلازم كبير في الآية، بين القدوة والقيادة والرمز، وبين تحقيق الصبر واليقين، فمن صبر وأيقن صار إماما، ومن يطلب مرتبة الأئمة والريادة، لابد من الصبر عن الدنيا ومشاقها، واليقين بآيات الله والعمل بمقتضاها.
    الآية فيها بشرى وتفاؤل، إذ تشير بأنه سيأتي من أتباع موسى من يصبح قدوة لمن بعده، لأنهم اهتدوا بالكتاب الذي نزل على موسى، فمن باب أولى تحقق ذلك لدى أتباع محمد عليه الصلاة والسلام فتأمل!
    هذا توجيه رباني ورسالة مستعجلة، إلى كل قدوة ورمز ورائد في العمل الدعوي والخيري، إذا أردت التميز والتفوق والنجاح فعليك بالصبر واليقين.
    أهمية الدعوة على علم وبصيرة والاستفادة من وسائل وطرق الأنبياء والسلف الصالح( يهدون بأمرنا ).
    كل نجاح دعوي تحققه فهو بتوفيق من الله سبحانه ( بأمرنا ).
    عدم الاستعجال وقطف الثمار بسرعة، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه!
    الداعية والقدوة الحق الذي لا يربط الناس بشخصه ولا بنفسه ولا جماعته ومؤسسته، بل يدعونهم إلى الله والاستقامة على طريقه.
    من يريد الإمامة من أهل العلم وأن يكون قدوة يقتدي به الناس في ترك المعاصي والمنكرات، والزهد والإيمان والورع، فعليه بالصبر واليقين.
    أهمية الصبر في حياة الداعية خصوصا والمسلم عموما.
    يقول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَنْ محارم الله.[4]
    يقول علي رضي الله عنه: ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له.
    وعن ميمون بن مهران قال: ما نال عبد شيئًا من جسم الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر.
    ولأهمية الصبر في الدنيا والآخرة أنهم يوفون أجورهم دون حساب( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ).[5]
    أهمية الرسوخ في الإيمان والثبات في الصدق والاستقامة على أوامر الله.
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

    ----------------------
    [1] (السجدة:24).
    [2] تفسير ابن عجيبة.
    [3] ابن عاشور.
    [4] تفسير ابن كثير.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,469

    افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة

    وقفات تدبرية فى سورة السجدة (25)

    أيمن الشعبان


    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
    قال تعالى( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )[1].
    بعد أن ذكر الله سبحانه حال الفريقين في الدنيا، المؤمنين والمشركين من حيث الإيمان بأمور الغيب من البعث والحساب، فيقضي بينهم القضاء الحق فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار، يقول سبحانه( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )[2]، من الاعتقادات والأعمال.[3]
    وتأمل هنا أن الله تعالى ذكر لفظ الربوبية فقال {إِنَّ رَبَّكَ. .} [السجدة: 25] ولم يقُلْ: إن الله، والربوبية كما قُلْنا عطاء وتربية، وكأنه سبحانه يقول: اطمئنوا فالذي سيتولَّى مسألة الفصل هو ربكم.[4]
    فلا منظمات ومحافل دولية تتدخل، ولا رؤساء ووجهاء وغيرهم، ولا حتى أنبياء وملائكة مقربون( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ )[5].
    والخطاب للنبي والمراد أمته تحذيرا من ذلك وإيماء إلى وجوب تجنب الاختلاف الذي لا يدعو إليه داع في مصلحة الأمة وفهم الدين.[6]
    ومن هداية الآية:
    إن الله سبحانه هو القاضي العدل والحاكم المطلق بحق بين المؤمنين والكفار، فيجازي كلا بما يستحق، ويفصل بين المختلفين من أمة واحدة، كما يفصل بين المختلفين من الأمم.[7]
    تقرير تطميني للنبي والمؤمنين وإنذاري للكفار بأن الله سيفصل بين الناس يوم القيامة في ما اختاروه من الطرق المختلفة حيث يحقّ الحقّ ويؤيد أهله ويزهق الباطل ويخذل أصحابه.[8]
    فيها تخويف ووعيد شديد للناس كافة، بضرورة وأهمية الإيمان بالغيبيات، لأن من لم يؤمن سيقضي الله بينهم وبين المؤمنين يوم القيامة ثم يكبهم في جهنم.
    فيها تخويف من خطورة الظلم، فمن ظلم وظن أنه لم يعاقب في الدنيا، فليعلم أن هنالك يوم آخر، سيفصل الله بين الخلائق جميعا.
    الحذر من البدع والفرق والتسلح بالعلم، لأن الله يظهر المحق من المبطل يوم القيامة.
    من أهم دلالات الآية ضرورة تجنب الاختلاف والفرقة حتى لا نتصف بأخلاق وصفات بني إسرائيل، الذين تميزوا بذلك.
    أهمية تقديم مصلحة الدين العامة الشرعية، على المصالح الفئوية والفردية، من خلال فهم القواعد الكلية ومعرفة المقاصد الشرعية، وتقديم الأهم فالمهم وترتيب الأولويات.
    من الأهمية بمكان على طالب العلم، معرفة الزمان الذي يعيش فيه، بالتالي تقوده تلك المعرفة، لتعامل أمثل وتحقيق مراد الله بحسب الأولويات، بغض النظر عن مجرد العلم النظري البعيد عن مراعاة الحال والزمان والمكان.
    المذموم هنا الخلاف الذي يضاد الدين وأصوله، أما الاختلاف في فرعيات فقهية لها مسوغات واجتهادات فلا يدخل فيه فانتبه.
    اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.


    --------------------------------
    [1] (السجدة:25).
    [2]( السجدة:25).
    [3]ابن كثير.
    [4]الشعراوي.
    [5]( غافر:12).
    [6]ابن عاشور.
    [7]المنير للزحيلي.
    [8]التفسير الحديث.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •