هي دار ابتلاء


عزيزتي...
هل تتعجبين مثلما أتعجب أنا؟!
هل تتعجبين من أناسٍ يتأفَّفون ويتنمرون من أقدارهم المكتوبة، ونسوا قول ربهم: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]؟!

ألم ينتبهوا أن ما بهم ما هو إلا لحكمة ربانية لم يدركوها بعد؟!

ألم ينتبهوا أن وراء كل محنة يمرون بها منحةٌ من ربهم لكي يرتقوا بأنفسهم؟!

ألم ينتبهوا أن الله ما يبتلي عبدًا إلا وهو يعلم مقدار تحمله لهذا البلاء، وأنه وحده يدبر أمره؟!

نعم، لا أنكر أن جميعنا قد يمر بلحظات نشعر فيها بالسخط أو عدم الرضا عن أشياءَ بذاتها موجودة في حياتنا؛ فالحياة لم تُخلق بأهوائنا، نعيش بها كما يحلو لنا؛ فالله عز وجل قال في كتابه العزيز: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4].

ولكن هيهات هيهات يا عزيزتي بين شخصٍ انغمس في وحل من السخط والتأفف وعدم الرضا الكامل عن حياته وما تحويها، وبين شخص تأثر للحظات أو لبرهة من تلك المشاعر السلبية تجاه حياته، واستطاع أن يطهر نفسه سريعًا منها؛ فهو يؤمن بالله وأنه سبحانه وتعالى موزعُ أرزاق العباد؛ فمنهم شقي وسعيد، ومنهم غني وفقير.

الرضا بما قسمه الله كنز لا يدركه إلا من امتلأ قلبه بحب الله، فهو يشكره آناء الليل والنهار، يشعر بأنه امتلك الدنيا بأجمل ممتلكات؛ وصدق رسولنا عليه الصلاة والسلام: «ارضَ بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس».

أغنى الناس حقيقةً هو من يؤمن بأن الدنيا هي دار ابتلاء، يُبتلَى فيها المرء على حسب إيمانه وثقته بموزع الأرزاق، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يؤمن بتدابيره عز وجل وحِكَمِه الظاهرة والباطنة، فهو يعي ويدرك تمام الإدراك أن ربه الذي خلقه بيديه لن يتركه يشقى إلا لحكمة يجب عليه أن يلتفت إليها ويتعلمها.

فالحياة - يا جميلتي - أرض جرداء، يضع الله فيها البذور، وما على العبد إلا حصاد ثماره بيديه؛ إما ثمار طعمُها لاذع وألوانها منفرة، أو أخرى يجذبه لونها ويتلذذ بطعمها، كل على حسب ما يروي صاحب الأرض.

إنها الحياة التي جُعلت بمنأى عن الراحة، يعيش فيها العباد يتألمون تارة، ويفرحون تارة أخرى، يَهْنَؤون بممتلكاتهم تارة، ويتحسرون تارة أخرى.

إنها الحياة يا عزيزتي، والتي تتلخص حكمتها في الثقة في حسن تدابير المولى عز وجل، وأنه سبحانه ما يأتي إلا بخير مهما كان ظاهره.


وما الحياة إلا أمل دائم؛ كما قال أفلاطون: "الحياة أمل، فمن فقد الأمل فقد الحياة".





منقول