تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 41 إلى 60 من 60

الموضوع: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان


    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 646الى صــ 655
    (41)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (11)





    وكذلك إذنه في فطر يوم وصوم يوم مطلقاً, وصوم يومين وفطر يوم, وصوم يوم وفطر يومين, وصوم أيام البيض؛ مع العلم بأن هذا لابد فيه من صوم يوم السبت كغيره من الأيام. . . .
    ولأنه يوم عيد لأهل الكتاب؛ فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيماً له, فكره ذلك؛ كما كُره إفراد عاش
    وراء بالتعظيم لما عظمه أهل الكتاب, وإفراد رجب أيضاً لما عظمه المشركون, مع أن يوم عاشوراء. . . .
    فإن قيل: إنما يعظمونه بالفطر, ثم هذا منتقض بيوم الأحد. . . .

    وعلله ابن عقيل بأنه يوم يمسك فيه اليهود, ويخصونه بالإِمساك, وهو ترك العمل فيه, والصائم في مظنة ترك العمل, فصار تشبهاً بهم.
    725 - وعن كريب: أنه سمع أم سلمة؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم من الأيام, ويقول: «إنهما يوما عيد للمشركين؛ فأنا أحب أن أخالفهم». رواه أحمد والنسائي.

    وروى النسائي عن عائشة وأم سلمة ر
    ضي الله عنهما. . . .
    * فصل:
    قال أصحابنا: ويكره إفراد يوم النيروز ويوم المهرجان.
    726 - وقد أومأ أحمد إلى ذلك فقال في رواية عبد الله: [حدثنا] وكيع, عن سفيان, عن رجل, عن أنس والحسن: كرها ص
    وم يوم النيروز والمهرجان.
    قال أبي: أبان بن أبي عياش؛ يعني: الرجل.
    قال بعضهم: وعلى قياس هذا كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم.

    مسألة:
    وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان.
    الأصل في هذه الليلة قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1 - 5] السورة إلى آخرها, وقوله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: رقم 185] , وقوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان
    : آية 3].
    727 - قال ابن أبي نجيح, عن مجاهد: «بلغني أنه كان في بني إسرائيل رجل لبس السلاح ف
    ي سبيل الله ألف شهر فلم يضعه عنه. فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه, فعجبوا من قوله, فأنزل الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: آية 3]؛ يقول الله تعالى: ليلة القدر خير لكم من تلك الألف شهر التي لبس فيها السلاح, وذلك الرجل في سبيل الله». رواه آدم ابن أبي إياس عن الزنجي عنه.
    828 - وذكر مالك في «الموطأ»: أنه سمع من يثق به يقول: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أ
    عمار الناس قبله أو ما شاء الله ذلك, فكأنه تقاصر أعمار أمته, لا يبلغون من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر, فأعطاهم الله ليلة القدر خير من ألف شهر».
    729 - وعن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه». رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
    وهي باقية في رمضان إلى يوم القيامة في العشر الأواخر منه.

    قال أبو عبد الله في رواية حنبل: ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان, وحديث ابن عمر هو أصحها, والرواية في ليلة القدر صحيحة: أنها في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر, واختلف في ذلك؛ قالوا: عن النبي صلى الله عليه وسلم: في سبع [يبقين] , وقالوا: في ثلاث [يبقين] , فهي في العشر, في وتر من الليالي, لا يخطئ ذلك إن شاء الله تعالى, كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اطلبوها في العشر الأواخر لثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين»؛ فهي في العشر الأواخر.

    وقال في رواية أبي داود: الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر؛ يعني: ليلة القدر.
    وقال القاضي في «المجرد»: وفيها: (يعني: العشر الأواخر من رمضان) يجوز أن تطلب من كل وتر منه, ولكن لثلاث بقين وسبع بقين وتسع بقين أشد استحباباَ.
    والظاهر أنها إحدى هذه الثلاث الليالي, وذلك:
    730 - لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان: ليلة القدر في تاسعة تبقى, في سابعة تبقى, في خامسة تبقى». رواه احمد والبخاري وأبو داود.

    وفي رواية للبخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي في العشر: هي في [تسع] يمضين, أو في سبع يبقين»؛ يعني: ليلة القدر.
    قال البخاري: قال عبد الوهاب عن أيوب, وعن خالد عن عكرمة عن ابن عباس: «التمسوا في أربع وعشرين».
    731 - وعن ابن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر؛ فمن كان متحريها؛ فليتحرها في السبع الأواخر». متفق عليه.

    وفي رواية في الصحيح عن ابن عمر؛ قال: كانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا أنها في الليلة السابعة من العشر الأواخر (يعني: ليلة القدر) , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر؛ فمن كان متحريها؛ فليتحرها في العشر الأواخر.

    وفي رواية لأحمد ومسلم؛ قال: أرى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين, فقال رسول الله
    صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم في العشر الأواخر؛ فاطلبوها في الوتر منها.
    وفي رواية شعبة, عن حكيم بن سحيم, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «من كان ملتمساً؛ فليلتمسها في العشر الأواخر».
    وفي رواية معمر, عن الزهري, عن سالم, عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوا ليل
    ة القدر في العشر الغوابر, في التسع الغوابر».
    وفي رواية شعبة, عن عقبة بن حريث؛ قال: سمعت ابن عمر يقول:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان ملتمساً؛ فليلتمسها في العشر الأواخر, فإن عجز أو ضعف؛ فلا يغلب على السبع البواقي».
    وفي رواية شعبة, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان متحريها؛ فليتحرها ليلة سبع وعشرين». وقال عروة: «ليلة سبع وعشرين».

    رواهن أحمد.
    وروى حنبل, عن عارم, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر؛ قال: كانوا لا يزالون يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا أنها ليلة السابعة من العشر الأواخر؛ فمن كان متحريها؛ فليتحرها ليلة السابعة في العشر الأوا
    خر».
    ورواه معمر, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر؛ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم,
    فقال: إني رأيت في المنام ليلة القدر, كأنها ليلة سابعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أرى رؤياكم قد تواطأت (يعني: ليلة سابعة)؛ فمن كان منكم متحريها؛ فليتحرها ليلة سابعة». قال معمر: فكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيباً.
    وفي رواية من هذا الوجه: إني رأيت رؤياكم قد تواطأت على ثلاث وعشرين؛ فمن كان منكم يريد أن يقوم الشهر؛ فليقم ليلة ثلاث وعشرين.
    732 - وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضا
    ن, ويقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان». متفق عليه.
    وفي رواية للبخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان».
    733 - وعن أبي سلمة, عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأواخر من رمضان, ثم اعتكف العشر الأوسط, في قبة تركية على سدتها حصير, فأخذ الحصير بيده, فنحاها في ناحية القبلة, ثم أطلع رأسه, فكلم الناس, فدنوا منه, فقال:


    «إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة, ثم إني اعتكفت العشر الأوسط, ثم أتيت فقيل: إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف؛ فليعتكف». فاعتكف الناس معه. قال: «وإني أريتها ليلة وتر, وأني أسجد في صبيحتها في طين وماء». فأصبح من ليلة إحدى وعشرين, وقد قام إلى الصبح, فمطرت السماء, فوكف المسجد, فأبصرت الطين والماء, فخرج حين فرغ من صلاة
    الصبح وجبينه وروثة أنفه فيها الطين والماء, وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر». رواه الجماعة إلا الترمذي, وهذا لفظ مسلم وغيره.
    وفي رواية متفق عليها: «فابتغوها في العشر الأواخر, وابتغوها في كل وتر».
    وعن أبي نضرة, عن أبي سعيد؛ قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تُبان له, فلما انقضين؛ أمر بالبناء فقوض, ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر, فأمر بالبناء فأعيد, ثم خرج على الناس, فقال: «يا أيها الناس! إنها كانت أبينت لي ليلة القدر, وإني خرجت لأخبركم بها, فجاء رجلان يحتقَّان, معهما الشيطان, فنسيتها,
    فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان, التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة». قال: قلت: يا أبا سعيد! إنكم بالعدد أعلم منا. قال: أجل؛ نحن أحق بذلك منكم. قال: قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون؛ فالتي تليها اثنتان وعشرون؛ فهي التاسعة, وإذا مضى ثلاث وعشرون؛ فالتي تليها السابعة, وإذا مضى خمس وعشرون؛ فالتي تليها الخامسة. رواه مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 656الى صــ 665
    (42)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (12)




    734 - وعن انس, عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ ق
    ال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ليخبرنا بليلة القدر, [فتلاحى رجلان من المسلمين, فقال: «إني خرجت لأخبركم بليلة القدر] , فتلاحى فلان وفلان, فرفعت, وعسى أن يكون خيراً لكم؛ فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة». رواه أحمد والبخاري والنسائي.
    وفي رواية أحمد عن عبادة؛ قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القد
    ر, فقال: هي في شهر رمضان؛ فالتمسوها في العشر الأواخر؛ فإنها وتر؛ ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين أو آخر ليلة من رمضان, من قامها احتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه».

    735 - وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أريت ليلة القدر, ثم أيقظني بعض أهلي, فنسيتها, فالتمسوها في العشر الغوابر». رواه النسائي من حديث يونس وشعيب عن الزهري عن أبي سلمة عنه.
    736 - وعن الصنابجي في ليلة القدر؛ قال: «أخبرني مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنها في السبع في العشر الأواخر». رواه البخاري.
    737 - وفي رواية عن الصنابجي, عن بلال؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليلة القدر ليلة السابع وعشرين». رواه علي بن حرب.
    837 - وعن جابر بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوا ليلة القدر ف
    ي العشر الأواخر». رواه أحمد.
    739 - وعن ابن عباس؛ قال: قال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه
    وسلم: «من كان منكم ملتمساً ليلة القدر؛ فليلتمسها في العشر الأواخر وتراً». رواه أحمد.
    740 - وعن أبي بكرة؛ قال: ما أن بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر؛ فإني سمعته يقول: «التمسوها في تسع بقين, أو سبع بقين, أو خمس بقين, أو ثلاث بقين, أو آخر ليلة». قال: فكان أبو بكرة يصلي من العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة, فإذا دخل العشر؛ اجتهد. رواه أحمد والنسائي والترمذي, وقال: حديث
    حسن صحيح.
    وأيضاً؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر ويجتهد في العبادة فيه ما لا يجتهد في سائر الشهر, ويشد المئزر, ويعتزل أهله, ويوقظهم فيه, وهذا كله يقتضي اختصاصه بما لا يشركه فيه سائر ليالي الشهر, وأنه أفضل الأعشار؛ فلا يجوز أن تكون ليلة القدر في غيره؛ لأن عشرها أفضل الأعشار.

    فهذه النصوص من النبي صلى الله عليه وسلم تبين أنها العشر الأواخر, وأن السبع الأواخر أرجى هذا العشر, وأن أرجاها ليالي الوتر.
    ثم الوتر باعتبار ما بقي لا باعتبار ما مضى. وكذلك ذكره أحمد.
    وفي بعضها: أنه باعتبار ما مضى.
    فإذا كان باعتبار ما مضى؛ فليالي الوتر إحدى وعشرين, وليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين.
    وإن كان باعتبار ما بقي, وكان الشهر ثلاثين؛ فتاسعة تبقى ليلة اثنين وعشرين, وسابعة تبقى ليلة
    أربع وعشرين, وخامسة تبقى ليلة ت وعشرين, وثالثة تبقى ليلة ثمان وعشرين, وواحدة تبقى آخر ليلة. وهكذا في حديث أبي بكرة المرفوع, وتفسير أبي سعيد.
    وإن كان الشهر تسعاً وعشرين؛ فتاسعة تبقى ليلة إحدى وعشرين.
    ويستوي على هذا التقدير الوتر باعتبار ما مضى وما بق
    ي.
    وقد يكون قوله: «لثلاث بقين أو خمس بقين أو سبع بقين»؛ يعني: من الليالي التزام الكوامل.
    فإذا كان الشهر تامّاً أيضاً؛ كان الأوتار مما مضى هي الأوتار مما بقي؛ فليلة إحدى وعشرين قد بقي تسع كوامل.
    741 - فإن قيل: قد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اطلبوها ليلة سبع [عشرة] من رمضان, وليلة إحدى وعشرين, وليلة ثلاث وعشرين» , ثم سكت. رواه أبو داوود.
    742 - وروى عبد الرزاق عن علي ونحوه.
    743 - وروى سعيد عن [أبي] نحوه.

    744 - وعن موسى بن عقبة, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن جبير, عن عبد الله بن عمر؛ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: «هي في كل رمضان». رواه أبو داود وقال: رواه سفيان وشعبة عن أبي إسحاق موقوفاً على ابن عمر لم يرفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
    745 - وعن أبي العالية: أن أعرابيّاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي, فقال له: متى ليلة ال
    قدر؟ فقال: «اطلبوها في أول ليلة, وآخر ليلة, والوتر من الليالي».
    رواه أبو داوود في «مراسيله».
    قيل: أما حديث عبد الله وأبي العالية إن صح؛ فإنه - والله أعلم- كان قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر؛ كما فسره أبو سعيد؛ فإنه أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحراها في العشر الأوس
    ط, ثم أعلم أنها في الأواخر, وأمر أصحابه بتحريها في العشر البواقي.
    وكذلك [حديث] ابن عمر وغيره يدل على أن العلم بتعيينها في العشر الأواخر كان متجدداً, فإذا وقع التردد بين الأوسط والآخر؛ علم أن الشك قبل العلم.
    وأما حديث ابن عمر؛ فمعناه - والله أعلم - أنها في جميع الرمضانات لا تختص ببعض الرمضانات الموجودة على عهد الأنبياء عليهم السلام؛ فإن ابن عمر قد صح عنه أنه أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسها في العشر الأواخر.

    وذلك أن بعض الناس توهم أنها رفعت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فتلاحى فلان وفلان فرفعت» , وإنما رُفع علمها ومعرفتها في ذلك العام؛ لأنه خرج ليخبركم بها, فأنسيها.
    ومن هذا الباب رفع القرآن ونحوه.
    ويدل على ذلك قوله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: رقم 216] , [وقوله: «وعسى أن يكون خيراً»].
    وارتفاع بركة ليلة القدر لا خير فيه للأمة؛ بخلاف نسيانها؛ فإنه قد يكون فيه خير
    للاجتهاد في العشر كله.
    وقوله بعد ذلك: «فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة» , ولولا أ
    نها موجودة بعد هذا الرفع؛ لم تلتمس.
    746 - فقد روى عبد الرزاق, عن يزيد بن عبد الله بن الهاد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر, فقيل له: قد كانت [مع النبيين] ثم رفعت حين قبضوا أو في كل سنة؟ قال: «بل في كل سنة».
    747 - وعن ابن عباس؛ قال: «ليلة القدر في كل رمضان تأتي».
    وإجماع الصحابة على طلبها والتماسها بعد موت النبي صلى الله ع
    ليه وسلم دليل قاطع على ذلك.
    قال كثير من أصحابنا: تلتمس في جميع العشر, وآكده ليالي الوتر, وآكده ليلة سبع وعشري
    ن؛ لأن أحمد رضي الله عنه قال: أصحها حديث ابن عمر, وفي حديث ابن عمر أنها ليلة سبع وعشرين. وهو قول القاضي في «الخلاف» , وعامة أصحابه.
    وقال القاضي في «المجرد»: أوكد ليالي الوتر لثلاث بقين وسبع بقين وتسع بقين, والظاهر أنها إحدى هذه الليالي الثلاث.
    748 - وعن قتادة: أنه سمع مطرفاً, عن معاوية بن أبي سفيان, عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر؛ قال: «ليلة سبع وعشرين». رواه أبو داود.

    749 - وعن ابن عباس: أن رجلاً أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله! إني شيخ كبير عليل, يشق عليَّ القيام, فأمرني بليلة, لعل الله يوفقني بها لليلة القدر. قال: «عليك بالسابعة». رواه أحمد.
    750 - وعن أبي عقرب الأسدي؛ قال: أتيت عبد الله بن مسعود, فوجدته على إيجار له (يعني: سطحاً) , فسمعته يقول: صدق الله ورسوله, صدق الله ورسوله. فصعدت إليه, فقلت: يا أبا عبد الرحمن! ما لك قلت: صدق الله ورسوله صد
    ق الله ورسوله؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأنا أن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر؛ أن الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع. قال: فصعدت, فنظرت إليها, فقلت: صدق الله ورسوله, صدق الله ورسوله». رواه أحمد وسعيد.
    751 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال:
    متى ليلة القدر؟ قال: «من يذكر منكم ليلة الصهباوات؟». قال عبد الله: أنا بأبي أنت وأمي. وإن في يدي لتمرات أتسحر بهن مستتراً بمؤخرة رحلي من الفجر, وذلك حين طلع القمر. رواه أحمد.


    752 - وعن زر بن حُبيش؛ قال: «سمعت أبي بن كعب يقول: وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة؛ أصاب ليلة القدر. فقال أبي بن كعب: والله الذي لا إله إلا هو؛ إنها لفي رمضان (يحلف ما يستثني) , ووالله؛ إني لأعلم أي ليلة هي, هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ليلة سبع وعشرين, وأمارتها تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها».




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 666الى صــ 675
    (43)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (13)




    وفي رواية: «سألت ابن كعب, فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول؛ يصب
    ليلة القدر. فقال: رحمه الله؛ أراد ألا يتّكل الناس, أما إنه قد علم أنها في رمضان, وأنها في العشر الأواخر. ثم حلف لا يستثني: إنها ليلة سبع وعشرين. فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة (أو: بالآية) التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها». رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه, قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
    وفي رواية: قلت: وما تلك الآية؟ قال: أن تصبح الشمس يومئذ بيضاء لا شعاع لها حتى ترتفع كأنها الطست.
    753 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه؛ قال: «قمنا مع رسول الله
    صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول, ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل, ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح, وكنا ندعو السحر: الفلاح, فأما نحن؛ فنقول: ليلة السابعة, ليلة سبع وعشرين, وأنتم تقولون: ليلة ثلاث وعشرين السابعة؛ فمن أصوب؟! نحن أو أنتم». رواه أحمد والنسائي.
    ويلي هذه الليلة سابعة تبقى؛ كما ذكره الإِمام أحمد.

    قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «في سبع بقين» , وقالوا: «في ثلاث بقين» , وهي على هذا التقدير إما ليلة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين, وهي أول السبع البواقي التي خصت في حديث ابن عمر ومؤذن النبي صلى الله عليه وسلم, وقد جاء ذلك منصوصاً في حديث بلال وغيره.
    754 - وعن الحسن: أنه كان يقول: «ليلة سابعة تبقى ليلة أربع وعشرين».
    755 - وهو كذلك في الحديث المرفوع عن أبي بكرة.
    وقد تقدم تفسير أبي سعيد أن ليلة سابعة تبقى ليلة أربع وعشرين, ثم قد اختصها دون سائر الليالي.
    756 - فروي عن أبي نضرة, عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
    : «ليلة القدر ليلة أربع وعشرين». رواه الطيالسي في «مسنده» بإسناد جيد.
    757 - ورواه هدبة بن خالد, عن أبي سعيد موقوفاً؛ قال: ليلة القدر هي ليلة أربع وعشرين, نحن أعلم بالحساب منكم, هي ليلة أربع وعشرين السابعة, وليلة ثلاث وعشرين ثامنة تبقى.
    ويؤيد ذلك أنه قد روي أن القرآن نزل فيها.
    ومنهم من يفسرها بليلة ثلاث وعشرين؛ كما تقدم عن أيوب وغيره.
    758 - عن أبي المليح, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: «أنزل الله صحف إبراهيم علي
    ه السلام في أول ليلة من شهر رمضان, وأنزل الإِنجيل على عيسى عليه السلام في ثمان عشرة ليلة من شهر رمضان, وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان». رواه هشام بن عمار وأبو حفص بن شاهين عن علي بن عاصم عن عبد الله بن سعيد بن يحيى عن عبيد الله بن أبي حميد عنه.

    759 - ورواه أبو حفص بن شاهين عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً.
    760 - وعن إسماعيل بن عياش, عن عبد الله بن دينار؛ قوله.
    وقد تفسر بليلة ثلاث وعشرين؛ كما تقدم عن أيوب.
    761 - وذلك لما روى بشر بن سعيد, عن عبد الله بن أنيس الجهني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أريت ليلة القدر ثم أنسيتها, وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين». قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين, فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه, وكان عبد الله بن أنيس يقول: ثلاث وعشرين. رواه أحمد ومسلم.
    762 - وعن محمد بن إبراهيم, عن [ابن] عبد الله بن أنيس, عن أبيه؛ قال: قلت: يا رسول الل
    ه! إن لي بادية أكون فيها, وأنا أصلي فيها بحمد الله؛ فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد. فقال: «انزل في ليلة ثلاث وعشرين». فقيل لابنه: كيف كان أبوك يصنع؟ قال: كان يدخل المسجد إذا صلى العصر, فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح, فإذا صلى الصبح؛ وجد دابته على باب المسجد, فجلس عليها فلحق بباديته. رواه أبو داوود.

    763 - [و] [عن الزهري] , عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس, عن أبيه؛ [قال: كنت في مجلس بني سلمة, وأنا أصغرهم] , فقالوا: من يسأل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؟ وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان, فخرجت, فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب, ثم قمت بباب بيته, فمرَّ بي, فقال: «ادخل». فدخلت, فأتي بعشائه, فرأيتني أكف عنه من قلته, فلما فرغ؛ قال: «[ناولني] نعلي». فقام وقمت معه, فقال: «كأنَّ لك حاجة». قلت: أجل؛ أرسلني إليك رهط [من] بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر؟ فقال: «كم الليلة؟». [فقلت:] اثنان وعشرون. قال: «هي الليلة». ثم رجع فقال: «أو القابلة»؛ يريد: ليلة ثلاث وعشرين. رواه أبو داوود والنسائي.
    764 - وعن معاذ بن عبد الله بن حبيب؛ قال: قالوا لعبد الله بن أنيس الجهني: يا أبا يحيى! حدثنا كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر في ليلة القدر المباركة؟ فقال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مسجد جهينة, فقلنا: يا رسول الله! متى نلتمس هذه الليلة المباركة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «التمسوها [هذه] الليلة». فقال رجل: يا رسول الله! لثامنة تبقى؟ فقال: «ولكن لسابعة تبقى, إن الشهر لا يتم». رواه هدبة بن خالد وحسن والليث.
    765 - وعن ابن عباس؛ قال: «أتيت وأنا نائم في رمضان, فقيل لي: إن الليلة ليلة القدر. فقمت وأنا ناعس, فتعلقت ببعض أطناب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي». فقال ابن عباس: «فنظرت في الليلة؛ فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين». فقال ابن عباس: «إن الشيطان يطلع مع الشمس كل يوم؛ إلا ليلة القدر؛ فإنها تطلع يومئذ لا شعاع لها». رواه سعيد.
    والذي يبين أن السابعة أرجى الليالي, وأنها سابعة تمضي أو تبقى:

    766 - ما رواه أحمد, ثنا عبد الرزاق, ثنا معمر, عن قتادة وعاصم, أنهما سمعا عكرمة يقول: قال ابن عباس: «دعا عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسألهم عن ليلة القدر؟ فأجمعوا أنها في العشر الأواخر. فقلت لعمر رضي الله عنه: إني لأعلم (أو: إني لأظن) أي ليلة هي. قال: وأي ليلة هي؟ قال: قلت: سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر. قال: ومن أين تعلم؟ قال: خلق الله سبع سماوات وسبع أرضين وسبعة أيام, وإن الدهر يدور في سبع, وخلق الإِنسان ويأكل ويسجد على سبع, والطواف سبع, والجمار سبع. فقال عمر: لقد فطنت لأمر ما فطنّا له».

    767 - وعن عاصم بن كليب, عن أبيه, عن خاله؛ قال: سأل عمر ابن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يسألني معهم, مع الأكابر منهم, ويقول لي: لا تتكلم حتى يتكلموا. فقال: علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: «اطلبوها في العشر الأواخر وتراً»؛ ففي أي الوتر ترون؟ قال: فأكثر القوم في الوتر. فقال: ما لك لا تتكلم يا ابن عباس؟ قال: قلت: إن شئت تكلم
    ت برأيي. قال: عن رأيك أسألك. قال: قلت: رأيت الله تعالى أكثر ذكر السبع في القرآن, فذكر السماوات سبعاً, والأرضين سبعاً, والطواف سبعاً, والجمار سبعاً, وما شاء الله في ذلك, وخلق الإِنسان في سبعة, وجعل رزقه في سبعة. فقال: كل ما ذكرت عرفت؛ فما قولك: خلق الإِنسان من سبعة وجعل رزقه في سبعة؟ قال: خلق الإِنسان من سلالة من طين, ثم جعله نطفة في قرار مكين. . . إلى قوله: {خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: آية 14] , ثم قرأ: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا. . .} إلى قوله: {وَأَبًّا} [عبس: آية 25 - 31] , والأب ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس؛ فما أراها إلا ليلة ثلاث وعشرين لسبع بقين. قال عمر: غلبتموني, لا تأتوا بإجابة [كإجابة] هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه». رواه المحاملي.
    ورواه أحمد في «مسنده» المرفوع عنه, عن الدورقي, عن ابن إدريس, عنه.

    وقد تقدم حديث أبي سعيد في ليلة الحادي والعشرين, ونبه عليه أحمد بقوله: «تسع تبقى».
    وهذه الأحاديث كلها تقتضي أنها تكون في هذه الليالي كلها, وقد كانت في عام من الأعوام في إحدى هذه الليالي, فتكون متنقلة في الليالي العشر.

    وحكى هذا عن أحمد نفسه, وهو مقتضى ما ذكره القاضي وغير من أصحابنا.
    ومن أصحابنا من قال: إنها ليلة واحدة في كل سنة لا تتغير, وزعم أنه مقتضى كلام أحمد, وليس بصحيح.
    وبكل حال؛ فلا نجزم لليلة بعينها أنها ليلة القدر على الإِطلاق, بل هي مبهمة في العشر؛ كما دلت عليه النصوص.
    وينبني على ذلك: أنه لو نذر قيام ليلة القدر؛ لزمه, ولم يجزه في غيرها, فيلزمه قيام ليالي العشر كلها؛ كمن نذر ونسى صلاة من يوم لا يعلم عينها, ولو علق عتاقاً أو طلاقاً بليلة القدر قبل دخول العشر؛ حكم به إذا انقضى العشر, إن كان في أثناء العشر؛ حكم به في مثل تلك الليلة من العام المقبل؛ إن قيل: لا تنتقل, وإن قيل: تنتقل؛ لم يحكم به حتى ينصرم العشر من العام القابل, وهو الصواب. والله أعلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان




    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 676الى صــ 685
    (44)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (14)



    * فصل:
    وعلامتها ما تقدم أن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها, كأنها الطست حتى ترتفع, ذكر مع
    نى ذلك مرفوعاً في حديث أبي وابن مسعود, وجاء عن ابن عباس أيضاً.
    768 - وعن عبادة بن الصامت؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمارة ليلة القدر أنها صافية [بلجة] , كأن فيها قمراً ساطعاً, ساكنة ساجية, لا برد فيها ولا حر, ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح, وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر, لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ». رواه أحمد.
    769 - وعن حماد بن سلمة, عن حميد, عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
    : «اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر؛ التاسعة, والسابعة, والخامسة, وآخر ليلة, هي ليلة بلجة, لا حارة ولا باردة, ولا يرمى فيها بنجم, ولا ينبح فيها كلب». رواه هدبة بن خالد عنه.
    770 - وعن عبيد بن عمير؛ قال: «كنت ليلة السابع والعشرين في البحر. فأخذت من مائه, فوجدته عذباً سلساً. . .».


    * فصل:
    ويستحب الاجتهاد في العشر مطلقاً.
    771 - لما روي عن عائشة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر؛ أحيا الليل, وأيقظ أهله, وشد المئزر». متفق عليه.
    وفي رواية لمسلم: «وجدَّ وشدَّ المئزر».
    وفي رواية له: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.
    772 - وعن علي؛ قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر م
    ن رمضان». رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
    ورواه عبد الله بن أحمد, ولفظه: «إذا دخل العشر الأواخر؛ شد المئزر».

    وفي لفظ: «رفع المئزر, وأيقظ نساءه».
    قيل لأبي بكر بن عياش: ما رفع المئزر؟ قال: اعتزل
    النساء.
    773 - وعن عائشة: أنها قالت: يا رسول الله! أرأيت إن وافقت ليلة [القدر] ما أقول؟ قال: «[تقولين:] اللهم! إنك عفو تحب العفو فاعف عني». رواه الخمسة إلى أبا داود, وصححه الترمذي, ولفظه: قلت: يا رسول الله! إن علمت أي ليلة القدر؛ ما أقول؟ قال: قولي: (فذكره).
    774 - ويحصل النصيب منها؛ لحديث أبي [ذر]؛ [فإنه] يقتضي أن قيامها يحصل بالقيام مع الإِمام.

    775 - وعن مالك: أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: «من شهد العشاء
    ليلة القدر؛ فقد أخذ بحظه».
    776 - وعن الضحاك: «أنه قيل له: أرأيت النفساء والحائض والنائم والمسافر؛ هل لهم في ليلة القدر نصيب؟ قال: نعم؛ كل من تقبَّل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر لا يخيبه أبداً».
    ******
    باب الاعتكاف

    مسألة:
    وهو لزوم مسجد لطاعة الله فيه.
    جماع معنى الاعتكاف والاحتباس والوقوف والمقام.
    يقال: عَكَفَ على الشيء يعكُف ويعكِف عُكوفاً, وربما قيل: عَكْفاً: إذا أقبل عليه مواظباً. ومنه قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: آية 138]. وقوله سبحانه حكاية عن إبراهيم عليه السلام {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وقوله أيضاً: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71].
    فعداه باللام؛ لأن المعنى: أنتم لها عابدون ولها قانتو
    ن.
    777 - ومرَّ علي رضي الله عنه بقوم يلعبون بالشطرنج, فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟!
    ويقال: فلان عاكف على فرج حرام
    وعكف حول الشيء: استداروا.
    وقال الطرماح:

    فَبَاتَ بَنَاتُ الَّيْلِ حَوْليَ عًكّفا عُكُوفَ البَواكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ ثم صار هذا في لسان الشرع عند الإِطلاق مختصّاً بالعكوف لله وعليه في بيته:
    كما قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].
    وقال تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية 125].
    وقال في موضع آخر: {لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ } [الحج: آية 26].
    ولم يذكر العكوف لمن, وعلى مَن؛ لأن عكوف المؤمن لا ي
    كون إلا لله.
    ويستعمل متعدياً أيضاً, فيقال: عكفه يعكفُه ويعكِفه عكُفاً: إذا حبسه ووقفه؛ كما قال تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: آية 25] , ويقال: ما عكفك عن كذا؟ أي: ما حبسك عنه, وعكف الجوهر في النظم.
    والتاء في الاعتكاف تفيد ضرباً من المعالجة والمزاولة؛ لأن فيه كلفة؛ كما يقال: لست وألست, وعمل واعتمل, وقطع واقتطع.
    وربما حسب بعضهم أنه مطاوع عكفه فاعتكف, كما يقال: انعكف عليه, وهو ضعيف.

    ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبه ويعظمه؛ كما كان المشركون يعكفون على أصناهم وتماثيلهم, ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم؛ شرع الله سبحانه لأهل الإِيمان أن يعكفوا على ربهم سبحانه وتعالى.
    وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك؛ فلذلك كان الاعتكاف ل
    زوم المسجد لطاعة الله فيه.
    ولو قيل: لعبادة الله فيه؛ كان أحسن؛ فإن الطاعة موافقة الأمر, وهذا يكون بما هو في الأصل عبادة؛ كالصلاة, وبما هو في الأصل غير عبادة, وإنما يصير عبادة بالنية؛ كالمباحات كلها؛ بخلاف العبادة؛ فإنها التذلل للإِله سبحانه وتعالى.
    وأيضاً؛ فإن ما لم يؤمر به من العبادات, بل رغب فيه: هو عبادة, وإن لم يكن طاعة؛ لعدم الأمر.
    ويسمى أيضاً الجوار والمجاورة.
    778 - قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصغي إليَّ رأسه وهو مجاور في المسجد, فأرج
    له وأنا حائض». رواه البخاري.
    لأنه قد جاور الله سبحانه بلزوم بيته ومكاناً واحداً لعبادته:
    779 - كما في الحديث: يقول الله تعالى: أنا جليس مَن ذكرني».
    ويسمى المقام بمكة مجاورة؛ لأنه مجاور بيت الله؛ كما يجاور الرجل بيت الرجل.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 686الى صــ 695
    (45)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (15)



    مسألة:
    وهو سنة لا يجب إلا بالنذ
    ر.
    في هذا فصلان:
    أحدهما: أن الاعتكاف سنة وقربة بالكتاب والسنة والاِجماع: أما الكتاب:
    فقوله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية 125].
    وقوله في الآية الأخرى: وَالْقَائِمِينَ } [الحج: آية 26].

    وقوله سبحانه: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِ
    دِ} [البقرة: آية 178].
    وأما السنة:780 - فروى ابن عمر؛ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان».
    781 - وعن عائشة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى, ثم اعتكف أزواجه من بعده». متفق عليهما.

    782 - وقد تقدم حديث أبي سعيد: «أنه اعتكف هو وأصحابه العشر الأوسط والآخر».
    وفي رواية: «اعتكف العشر الأول أيضاً».
    783 - وكان يعتكف أزواجه معه.

    وفاته الاعتكاف عاماً فاعتكف في العام القاب
    ل عشرين.
    وتركه مرة في رمضان فاعكتف العشر الأول من شوال.
    وهذا كله يدل على محافظته صلى الله ع
    ليه وسلم.
    وأجمع المسلمون على أنه قربة وعمل صا
    لح.
    وأيضاً؛ ففيه من القرب والمكث في بيت الله, وحبس النفس على عبادة الله, وإخلاء القلب من الشواغل عن ذكر الله, والتخلي لأنواع العبادات المحضة من [التفكر] وذكر الله وقراءة القرآن والصلاة والدعاء والتوبة والاستغفار إلى غير ذلك من أنواع القرب.
    784 - وقد روي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المعتكف: «هو يعكف الذنوب, ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها». رواه ابن ماجه.

    وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن المعتكف قد حبس الذنوب ووقفها, وامتنع منها؛ فلا تخلص إليه.
    785 - كما قال: «الصوم جنة».
    وقد تهيأ لجميع العبادات.

    فإن قيل: هذا الحديث فيه فرقد السبخي, وقد تكلم فيه, ولهذا قال أبو داوود: قلت لأحمد: تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً؟ قال: لا؛ إلا شيئاً ضعيفاً. وكذلك تقل أبو طالب.
    قيل: فرقد السبخي رجل صالح, قد كتب الناس أحاديثه, وأحاديث الترغيب والترهيب يت
    سامح في أسانيدها؛ كما قال أحمد: إذا جاء الترغيب والترهيب؛ سهلنا, إذا جاء الحلال والحرام؛ شددنا.
    وقول أحمد: «إلا شيئاً ضعيفاً»: إشارة إلى أن إسناده ليس قويّاً, وهذا القدر قدر لا يمنع الاحتجاج به في الأحكام؛ فكيف في الفضائل.
    786 - وقد روى إسحاق بن راهوية, عن أبي الدرداء؛ قال: «من اعتكف ليلة؛ كان له كأجر عمرة, و
    من اعتكف ليلتين؛ كان له كأجر عمرتين. . .» ثم ذكر على قدر ذلك.
    الفصل الثاني: أنه ليس بواجب في الشرع, بل يجب بالنذر, وهذا إجماع.
    قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً؛ إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً, فيجب عليه.
    وهذا لأن الله لم يوجبه ولا رسوله, وكان أكثر الناس لا يعتكفون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, فلم يأمرهم به.

    787 - بل قال لهم لما اعتكف العشر الأوسط: «إني أتيت, فقيل لي: إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف؛ فليعتكف».
    وترك الاعتكاف مرة, وهو مقيم, ثم قضاه في شوال.

    وأما وجوبه بالنذر:
    788 - فلما روت عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله؛ فليطعمه, ومن نذر أن يعصي الله؛ فلا يعصيه».
    789 - وعن عمر: أنه قال: يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال: - «أوف بنذرك». متفق عليهما.
    قال أبو بكر: ويستحب أن لا يدع أحد [الاعتكاف في العشر الأواخر] من شهر رمضان؛ لأن النبي
    صلى الله عليه وسلم داوم عليه وقضاه لما فاته, وكل ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من السنن المؤكدة؛ كقيام الليل ونحوه.
    وإذا شرع في الاعتكاف؛ ينوي مدة من الزمان؛ لم يلزم بالشروع عند أصحابنا.
    ولو قطعه [مُدّة]؛ لم يلزمه قضاؤه؛ لأن من أصلنا المشهور: أنه لا يلزم بالشروع إلا الإِحرام, لكن يستحب له إتمامه, وأن يقضيه إذا قطعه.

    وكذلك أيضاً لو كان له ورد من الاعتكاف, ففاته؛ استحب قضاؤه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان لما ضرب أزواجه الأخبية, ثم قضاه من شوال, ولم يأمر أزواجه بالقضاء؛ لأنه لم يكن من عادتهن, وإنما عزَمْنَ عليه ذلك العام, ولأن قضاءه غير واجب؛ ولأنهن لم يكن شرعْنَ فيه, وهو صلى الله عليه وسلم كان قد شرع فيه؛ لأن المسجد كله موضع للاعتكاف, وهو قد دخل المسجد حين صلى بالناس, فالظاهر أنه نوى الاعتكاف من حينئذ؛ لأنه لم يكن في نيته الخروج منه بعد ذلك.
    790 - وعن أبي بن كعب رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان, فلم يعتكف عاماً, فلما كان العام المقبل؛ اعتكف عشرين ليلة». رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه.
    وفي لفظ: «سافر عاماً, فلما كان العام المقبل؛ اعتكف
    عشرين».
    791 - وعن أنس؛ قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان, فلم يعتكف عاماً, فلما كان في العام المقبل؛ اعتكف عشرين».
    رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.

    ورواه أحمد, ولفظه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مقيماً؛ اعتكف العشر الأواخر من رمضان, فإذا سافر؛ اعتكف من العام المقبل عشرين».
    ويتخرج أن يلزم بالشروع قياساً على الرواية التي في الصوم والصلاة, لكن قد يفرق. . . .
    فإن قيل: إذا كان له الخروج منه, ثم له أن يدخل فيه متى شاء؛ فما معنى قولهم: يحر
    م على المعتكف كذا, ويجب عليه كذا؟!
    قيل: له فوائد:
    إحداها: أن المحرمات في الاعتكاف من المباشرة والخروج من المسجد لغير حاجة, و
    إنما له أن يفعلها إذا نوى ترك الاعتكاف, فيكون قد فعله على وجه الترك للاعتكاف, فلا يكون حين فعله معتكفاً.
    أما أن يستديم نية الاعتكاف ويفعل ذلك؛ فلا يحل له ذلك, بل يكون قد اتخذ آيات الله هزواً, ويكون بمنزلة الحائض إذا أمسكت تعتقد الصوم [صحيحاً] , وبمنزلة ما لو تكلم أو أحدث في الصلاة أو أكل في الصوم مع بقاء اعتقاد الصل
    اة, وهذا لأن العبادة التي ليست واجبة, إذا أراد أن يفعلها؛ فإنه يجب أن يفعلها على الوجه المشروع, وليس له أن يُخل بأركانها وشروطها, وإنْ كان له تركها بالكلية, ولو لم يستدم النية ذكراً ولا نوى الخروج منه.
    الثانية: انه إذا فعل ما ينافيه من خروج ومباشرة؛ انقطع الاعتكاف, فلو أراد أن يعود إليه؛ كان اعتكافاً ثانياً, يحتاج إلى تجديد نية, ولا يكفيه استصحاب حكم النية الأولى, حتى إنا إذا لم نجوز الاعتكاف أقل [من يوم] فاعتكف بعض يوم, ثم قطعه, ثم أراد أن يتمه باقي اليوم؛ لم يصح ذلك؛ كما لو أصبح صائماً فأكل, ثم أراد أن يتم الصوم.

    الثالثة: أنه إذا نذر الاعتكاف معيناً أو مطلقاً؛ صارت هذه الأمور واجبة عليه, وحرم عليه ما ينافي الاعتكاف بكل حال؛ كما لو نذر صوماً معيناً أو مطلقاً أو صلاة مؤقتة أو مطلقة.
    وإن لم ينو مدّة, لكن قال: أقعد ما بدا لي, أو إلى أن يكون كذا. . . .
    وإذا أبطل الاعتكاف؛ لم يبطل ما مضى منه. قاله بعض أصحابنا.
    وكذلك قال القاضي في التطوع, وهذا ينبني على أقل الاعتكاف. . . .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 696الى صــ 705
    (46)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (16)





    * فصل:
    ولا يصح الاعتكاف إلا من مسلم عاقل؛ لأن الكافر والمجنون ليسا من أهل العبادة.
    فأما الصبي. . . .
    * فصل:

    قال أصحابنا: ليس للرقيق قِنّاً كان أو مدبراً أو أم ولد الاعتكاف بغير إذن السيد, ولا للزو
    جة الاعتكاف بدون إذن الزوج؛ لأن منافع العبد والزوجة مستحقة للسيد والزوج, وفي الاعتكاف تعطيل منافعهم عليه, فإن أذن له في الاعتكاف؛ اعتكف ما شاء, ولم يخرج إلى الجمعة؛ لأنها غير واجبة على أحد منهم.

    فإن أراد السيد أو الزوج منع من أذن له بعد الدخول فيه؛ فله ذلك؛ لأنه تطوع, والخروج منه جائز. هكذا قال أصحابنا.
    ويتخرج على قولنا: إن التطوع يلزم بالشروع: أنه ليس أن يخرجهما منه. . . .
    فإذا كان نذراً, وقد دخل فيه بإذنه؛ لم يكن له أن يخرجه منه؛ كما لو أذن له في الإِحرام والصيام والواجب, سواء كان معيناً أو مطلقاً. . . .
    وإن دخل في النذر بغير إذنه, و [هو قد] كان نذره بإذنه, [وهو معين؛ لم يملك منعه,
    وإن كان نذره بإذنه] , وهو غير معين؛ ففيه وجهان.
    وإن لم يأذن في النذر؛ فقيل: له منعه منه وقطعه عليه؛ لأنه لا يملك تفويت حقه. وقيل:. . .
    وأما المكاتب؛ فله أن يعتكف بدون إذن سيده؛ لأنه لا يستحق منافعه؛ كما له أن يحج في ال
    منصوص عنه إذا لم يحل نجم في غيبته؛ لأنه بمنزلة المدين.
    والمعتق بعضه ليس له أن يعتكف إلا أن يكون بينه وبين السيد [مهاياة] , فيعتكف في أيامه خاصة.
    مسألة:
    ويصح من المرأة في كل مسجد, ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة, واعت
    كافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل.
    في هذا الكلام فصول:
    الأول: أن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد, ويصح في كل مسجد في الجملة, سواء ف
    ي ذلك مساجد الأنبياء, وهي المساجد الثلاثة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: آية 187].
    فلم ينه عن المباشرة إلا من عكف في المسجد, وتخصيصه بالذكر يقتضي أن ما عداه بخلافه, وتبقى مباشرة العاكف في غير المسجد على الإِباحة.

    وإذا لم يكن العاكف في غير المسجد منهيّاً عن المباشرة؛ علم أنه ليس باعتكاف شرعي؛ لأنا لا نعني بالاعتكاف الشرعي إلا ما تحرم معه المباشرة؛ كما أنا لا نعني بالصوم الشرعي إلا ما حرم فيه الكل والشرب, ولأن كل معتك
    ف تحرم عليه المباشرة؛ فلو كان المقيم في غير المسجد معتكفاً؛ لحرمت عليه المباشرة كغيره.
    فإن قيل: فقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}: دليل على أنه قد يكون عاكفاً في غير المسجد؛ لأن التقييد بالصفة [بما لولا هو] لدخل في المطلق.
    قلنا: لا ريب أن كل مقيم في مكان ملازم له فهو عاكف كما تقدم, لكن الكلام في النوع الذي شرعه الله ت
    عالى؛ كما أن كل ممسك يسمى صائماً, وكل قاصد يسمى متيمماً, ثم لما أمر الله تعالى بتيمم الصعيد وأمر بالإِمساك عن المفطرات؛ صار ذلك هو النوع المشروع.
    على أن الصفة قد تكون للتبيين والإِيضاح؛ كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [المؤمنون: آية 117] , وقوله: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: آية 61] , ونحو ذلك.

    فإن قيل: فلو لزم الإِنسان بقعة, يعبد الله تعالى فيها خالياً من الناس أو غير خال, مثل كهف أو غار أو بيت أو شعب؛ فهل يشرع ذلك ويستحب؟. . . .
    قيل: أما إذا قصد مكاناً خالياً. . . .
    وإنما جاز في كل مسجد؛ لأن الله سبحانه عمَّ المساجد بالذكر, ولم يخص مسجداً دون مسجد, وهو اسم جمع, معرف باللام, والمباشرة نكرة في سياق النفي, فيكون معنى الكلام: لا تفعلوا شيئاً من المباشرة وأنتم عاكفون في
    مسجد من المساجد.
    وله أن يلزم بقعة بعينه لاعتكافه, وإن كره ذلك لغيره؛ لأن الاعتكاف عبادة واحدة؛ فلزوم المكان لأجلها كلزومه لصلاة واحدة وإقراء قرآن في وقت ونحو ذلك, وقيامه منه لحاجة لا تسقط حقه منه؛ لأن مَن قام
    من مجلس [ثم] عاد إليه؛ فهو أحق به.
    وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في موضع بعينه من المسجد.
    792 - قال نافع: «قد [أراني] ابن العمر الموضع الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد». رواه مسلم.
    الفصل الثاني: أن المسجد هو المكان المبني للصلوات الخمس, وبيت قناديله وسطحه منه, وحوائطه, والمنارة المبنية في حيطانه أو داخله.
    فلو اعتكف فيها أو صعد عليها؛ جاز عند أصحابن
    ا.
    قال أصحابنا: ويستحب الأذان لكل أحد, ونحن للمعتكف أشد استحباباً, وإن كانت متصلة بحائط المسجد, وهي خارجة عن سمت حائط المسجد؛ فهي منه كالمحرا
    ب.
    قال القاضي: كلها منه منفصلة أو متصلة. . . .
    وإن كانت المنارة خارج المسجد وخارج رحبته, فخرج المعتكف للتأذين فيها؛ ففيه وجهان:
    أحدهما: لا يبطل؛ لأنها مبنية للمسجد, فأشبهت المتصلة به.
    والثاني: يبطل.

    قال ابن عقيل: وهو الشبه؛ لأنها ليست من المسجد.
    وأما الرحبة: ففيها روايتان:
    إحداهما: هي من المسجد.
    قال في رواية المروذي: يخرج المعتكف إلى الرحبة, هي من المسجد.
    والثانية: ليست منه.

    قال في رواية ابن الحكم: إذا سمع أذان العصر في رحبة المسجد الجامع؛ انصرف ولم يصل, ليس هو بمنزلة المسجد, حدّ المسجد هو الذي جعل عليه حائط وباب.
    793 - وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المعتكف
    ات إذا حضن أن يقمن في رحاب المسجد.
    قال القاضي: إن كانت محوطة عن الطريق, وعليها أبواب؛ فهي تابعة للمسجد.
    وإن كانت [مشروعة] عن الطريق وغير محازة؛ مثل: رحاب جامع المنصور, ورحاب جامع دمشق؛ فحكمها حكم الطريق, لا يجوز الخروج إليها لغير حاجة.

    فإن قلنا: الرحبة من المسجد؛ فكذلك المنارة التي فيها.
    وإن قلنا: ليست هي منه؛ ففي الخروج إلى المنارة التي فيها وجهان.
    الفصل الثالث: أمنه لا يصح اعتكاف الرجل إلا في مسجد تقام فيه الصلوات الخمس جماعة, سواء كانت الجماعة تتم بدون المعتكف أو لا تتم إلا به, حتى لو اعتكف رجلان في مسجد, فأقاما به الجماعة؛ جاز.
    فإن رجا أن يجمع فيه, وغلب على ظنه ذلك, مثل إن نوى أن يؤذن فيه, فيجيء من يصلي معه؛ صار مسجد جماعة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان




    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 706الى صــ 715
    (47)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (17)



    فإن غلب على ظنه أن لا يصلي معه أحد؛ لم يصح الاعتكاف؛ لأن الاعتكاف لا يكون إلا بالعزم على المقام في المسجد, والعزم يتبع الاعتقاد, فإذا اعتقد حصول الصلاة فيه؛ عزم على العكوف فيه, وإلا؛ فلا.
    فإن اختلت الجماعة فيه بعض الأوقات. . . .

    794 - وذلك لما روي عن أبي وائل شقيق بن سلمة؛ قال: قال حذيفة لعبد الله بن مسعود: إن قوماً عكوفاً بين دارك ودار الشعري؛ فلا تغير! وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة (أو قال: في مسجد جماعة»). فقال عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأت, وحفظوا ونسيت. رواه سعيد بإسناد جيد.
    795 - وعن جويبر, عن الضحاك, عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله ص
    لى الله عليه وسلم: «كل مسجد له مؤذن وإمام؛ فالاعتكاف فيه يصلح». رواه سعيد والنجاد والدارقطني وقال: الضحاك لم يسمع من حذيفة.

    796 - وقد رواه حرب, عن الضحاك, عن النزال بن سبرة؛ قال: أقبل ابن مسعود وحذيفة من النجف, وأشرفوا على مسجد الكوفة؛ فإذا خيام مبنية, فقالوا: ما هذا؟ قالوا: أناس عكفوا. فقال ابن مسعود: لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام. فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مسجد له إمام مؤذن؛ فإنه يعتكف فيه».
    فإن قيل: جويبر ضعيف متروك, ويدل على ضعف الحديث أن مذهب حذيفة أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة؛ بدليل:

    797 - ما روي عن إبراهيم؛ قال: «دخل حذيفة مسجد الكوفة, فإذا هو بأبنية مضروبة, فسأل عنها, فقيل: قوم يعتكفون, فانطلق إلى ابن مسعود, فقال: ألا تعجب من قوم يزعمون أنهم معتكفون بين دارك ودار الأشعري. فقال عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأت, وحفظوا ونسيت. فقال حذيفة: لقد علمت [أنه لا اعتكاف] إلا في ثلاثة مساجد:
    المسجد الحرام, ومسجد الأقصى, ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
    قلنا: قد روى هذا الحديث عن جويبر رجال من كبار أهل العلم, مثل هشيم وإسحاق والأزرق, وقد تابعه على نحو من معناه أبو وائل عن حذيفة, وهو معضود بآثار الصحابة, والرواية الأخرى عن حذيفة مرسلة.
    وأيضاً؛ فإنه إجماع الصحابة.

    798 - روى النجاد عن علي رضي الله عنه؛ قال: «لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة».
    799 - وعن ابن عباس؛ قال: «لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة».
    800 - وعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: «لا اعتكاف إلا في م
    سجد جماعة».
    801 - وروى حرب, عن جابر بن زيد, عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: «كل مسجد تقام فيه الصلاة فيه اعتكاف».
    802 - وقد روى أبو داوود وغيره حديث عائشة؛ قالت: «من السنة لا اعتكاف إلا في مسجد جامع».

    803 - وعن الزهري؛ قال: «مضت السنة أن لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة, مسجد يجمع فيه الجمعة». رواه النجاد.
    804 - وفي لفظ للدارقطني: «من السنة لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة».

    وقال غير عبد الرحمن بن إسحاق: لا يقول فيه: «قالت: السنة» , جعله قول عائشة.
    وهذا قول عامة التابعين, ولم ينقل عن صحابي خلافه؛ إلا قول من خص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة وبمسجد نبي.
    فقد أجمعوا كلهم على أنه لا يكون في مسجد لا جماعة فيه.
    وأيضاً؛ المسجد موضع السجود ومحله, وهذا الاسم إنما يتم له ويكمل إذا كان معموراً بالسجود وبالصلا
    ة فيه, أما إذا كان خراباً معطلاً عن إقام الصلاة فيه؛ فلم يتم حقيقة المسجد له, وإنما يسمى مسجداً بمعنى أنه مهيأ للسجود معدٌّ له؛ كما قد تسمى الدار الخالية مسكناً ومنزلاً, ويُصان مما تُصان منه المساجد؛ لأنه مسجد, وإن لم يتم المقصود فيه.
    وبهذا يعلم أن قوله: {عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}: إنما يفهم منه المواضع التي فيها الصلاة والسجود.

    وأيضاً؛ فإن الصلوات الخمس في الجماعة واجبة كما تقدم بيانه؛ فلو جاز الاعتكاف في مسجد مهجور معطل؛ للزم: إما ترك الجماعة, وذلك غير جائز, وإما تكرار الخروج في اليوم والليلة لما عنه مندوحه, وذلك غير جائز؛ لأن الاعت
    كاف هو لزوم المسجد, وأن لا يخرج منه إلا لما لا بد منه. . . .
    وأيضاً؛ فلو لم تكن الجماعة واجبة؛ فإنها من أعظم العبادات, وهي أوكد من مجرد الاعتكاف الخالي عنها بلا ريب, والمداومة على تركها مكروهة كراهة شديدة؛ فلو كان العكوف الخالي عنها مشروعاً؛ لكان قد شرع التقرب إلى الله تعالى
    بما ينهى فيه عن الجماعة, بل يحرم فعلها معه؛ إذ الخروج من المعتكف لا يجوز, وهذا غير جائز. . . .
    فأما اعتكاف لا يتضمن وجوب جماعة, مثل أن يكون زمنه يسيراً, لا يحضر فيه صلاة مكتوبة:

    فقال ابن عقيل وغيره: يصح في كل مسجد؛ إذ لا محذور فيه؛ فإنما اشترطنا مسجداً تقام فيه الجماعة لأجل وجوبها, وهذا إذا صححنا اعتكاف بعض يوم على المشهور من المذهب, وكذلك من لا يمكنه شهود الجماعة؛ لكونه في موضع لا تقام
    فيه الجماعة.
    وأما من يمكنه حضور الجماعة ولا يجب عليه كالمريض وغيره من المعذورين والعبد؛ ففيه وجهان:
    أحدهما يصح اعتكافه في كل مسجد؛ لأن الجماعة لا تجب عليه.
    والثاني: لا يصح إلا في مسجد الجماعة؛ لأنه من أهل الوجوب, فإذا تكلف الاعتكاف في مسجد؛ وجب أن يكون مسجد الجماعة.

    وإذا تكلف حضور محلها؛ وجبت عليه كما تجب عليه الجمعة إذا حضر المسجد؛ لأن المسقط للحضور قد التزمه كما
    يجب عليه إذا حضرها.
    ولأن من التزم التطوعات لا يصح أن يفعلها إلا بشروطها؛ كالصوم والصلاة.
    فعلى هذا: إن أقيمت فيه بعض الصلوات, فاعتكف في وقت تلك الصلاة. . . .

    الفصل الرابع: أن المرأة لا يصح اعتكافها إلا في المسجد المتخذ للصلوات الذي يحرم مقام الجنب فيه وتناله أحكام المساجد.

    فأما مسجد بيتها - وهو مكان من البيت يتخذه الرجل أو المرأة للصلاة فيه مع بقاء حكم الملك عليه-؛ فلا يصح الاعتكاف فيه عند أصحابنا.

    قال أحمد في رواية أبي داود وقد سئل عن المرأة تعتكف في بيتها: فذكر النساء يعتكفن في المساجد, ويضرب لهن فيه الخيم, وقد ذهب هذا من الناس.
    لأن هذا ليس مسجداً, ولا يسمى في الشرع مسجداً؛ بدليل جواز مكث الحائض فيه, والاعتكاف يكون في المساجد.
    805 - ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد بعده كما تق
    دم.
    806 - وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف؛ صلى الفجر, ثم دخل معتكفه, وأنه أمر بخبائه فضرب, ثم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان, فأمرت زينب بخبائها, وأمرت غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخباء فضرب, فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر؛ نظر؛ فإذا الأخبية, فقال: «ألبر تردن؟». فأمر بخبائه فقُوِّض, وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العش
    ر [الأول] من شوال. رواه الجماعة.
    وفي رواية للبخاري وغيره عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان, فاستأذنته عائشة فأذن لها, وسألت حفصة عائشة ـن تستأذن لها ففعلت, فلما رأت ذلك زينب؛ أمرت ببناء فبني لها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى؛ انصرف إلى بنائه, فبصر الأبنية, فقال: «ما
    هذا؟». قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف». فرجع, فلما أفطر؛ اعتكف عشراً من شوال.
    فهذا نص مفسر في أنه أذن لعائشة وحفصة أن يعتكفا في المسجد, وذلك دليل على أنه مشروع حسن, ولو كان اعتكافهن في غير المسجد العام ممكناً؛ لاستغنين بذلك عن ضرب الأخبية في المسجد كما استغنين
    بالصلاة في بيوتهن عن الجماعة في المساجد, ولأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
    807 - كما قال في الصلاة: «وبيوتهن خير لهن».

    لا سيما وقد خاف أن يكون قد دخلهن في ذلك شيء من المنافسة والغيرة حين تشبه بعضهن ببعض, واعتكفن معه, حتى ترك الاعتكاف من أجل ذلك, وقد كان يمكنه أن يقول: الاعتكاف في البيت يغنيكن عن الاعتكاف في المسجد.
    808 - كما قال لعائشة: «صلي في الحجر فإنه من البيت».
    وكان مما يحصل به مقصوده ومقصود من أرادت الاعتكاف منهن, وتقوم به الحجة على من لم يرده.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 716الى صــ 725
    (48)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (18)






    809 - وأيضاً؛ فما روت عائشة قالت: «اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه, وكانت ترى الدم والسفرة والطست تحتها وهي تصلي». رواه البخاري وغيره.

    810 - [و] عن كثير مولى [ابن] سمرة أن امرأة أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أريد أن أعتكف العشر الأواخر وأنا أستحاض؛ فما ترى؟ قال: «ادخلي المسجد, واقعدي في طست, فإذا امتلأ؛ فليهراق عنك». رواه النجاد.
    فقد مكَّن النبي صلى الله عليه وسلم امرأته أن تعتكف في المسجد وهي مستحاضة, وهي لا تفعل ذلك إلا بأمره, وأمر ال
    تي سألته أن تدخل المسجد, والأمر يقتضي الوجوب, ولو كان الاعتكاف في البيت جائزاً؛ لما أمرها بالمسجد, ولأمرها بالبيت؛ فإنه أسهل وأيسر وأبعد عن تلويث المسجد بالنجاسة وعن مشقة جمل الطست ونقله.


    811 - وهو صلى الله عليه وسلم لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً.
    فعلم أن الجلوس في غير المسجد ليس باعتكاف.

    812 - وأيضا؛ ما روى قتادة, عن أبي حسان وجابر بن زيد: «أن ابن عباس سئل عن امرأة جعلت عليها أن تعتكف في مسجد نفسها في بيتها؟ فقال: بدعة, وأبغض الأعمال إلى الله تعالى البدع, لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة». رواه حرب.
    مع ما تقدم من غيره من الصحابة؛ فإنهم لم يفرقوا بين الرجال والنساء, وعائشة منهم, ومعلوم أنها لا تهمل ش
    أن اعتكافها, ولم يعرف عن صحابي خلافه, لا سيما والصحابي إذا قال: بدعة؛ علم أنه غير مشروع؛ كما أنه إذا قال: سنة؛ علم أنه مشروع.
    فعلى هذا يجوز اعتكافها في كل مسجد, سواء أقيمت فيه الجماعة أو لم تقم.
    هكذا ذكر كثير من أصحابنا, منهم القاضي في «المجرد» وأبو الخطاب وابن عقيل وعامة المتأخرين؛ لأن الجماعة
    ليست واجبة عليها, فسيَّان في حقها مسجد جماعة وغيره.
    813 - وقد روى ابن أبي مليكة؛ قال: اعتكفت عائشة بين حراء وثيبر, فكنا نأتيها هناك وعبداً لها يؤمها». رواه حرب.
    وليس هناك مسجد تقام فيه الجماعة.

    وقال القاضي في «خلافه»: كل موضع لا يصح اعتكاف الرجل فيه لا يصح اعتكاف المرأة فيه.
    وكذلك الخرقي وابن أبي موسى وغيرهما اشترطوا للاعتكاف مسجداً يجمع فيه, ولم يفرقوا بين الرجل
    والمرأة.
    وقال أحمد في رواية ابن منصور: الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الصلاة, ولم يفرق. . . .
    وهذا ظاهر ما تقدم ذكره عن الصحابة؛ فإنهم لم يفرقوا, لا سيما حديث ابن عباس؛ فإنه سئل عن اعتكاف المرأة؟ فقال: «لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة» , وحديث عائشة أيضاً؛ فإن اعتكاف النساء لا بد أن يدخل في عموم كلامهما
    .
    وأما اعتكافها في مسجد حراء؛ فقد كان يؤمها فيه عبدها, وهذا يؤيد أنه لا بد في الاعتكاف من مسجد جماعة.
    وأيضاً؛ فإن المقصود من المسجد إقامة الصلاة فيه؛ فاعتكافها في مسجد لا جماعة فيه كاعتكافها في بيتها, والجماعة إن لم تك
    ن واجبة عليها في الأصل, لكن إذا أرادت الاعتكاف, فجاز أن يجب عليها ما لم يكن واجباً قبل ذلك؛ كما لو أرادت الجمعة والجماعة؛ وجب عليها ما يجب على المأموم, وإن لم يجب بدون ذلك.
    وإذا كان الاعتكاف يوجب الاحتباس في المسجد, مع أنه غير مقصود لنفسه, بل لغيره؛ فلأن يوجب الجماعة التي [هي] أفضل العبادات الأولى, ولأن ذلك لو لم يكن واجباً. . . .

    ولا يكره الاعتكاف للعجوز التي لا يكره لها شهود الجمعة والجماعة.
    وهل يكره للشابة؟
    المنصوص عنه الرخصة مطلقاً.

    قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل النساء: يعتكفن؟ قال: نعم؛ قد اعتكف النساء.
    فعمَّ, ولم يخص الشابة من غيرها, وقد تقدم نحو ذلك في رواية أبي داو
    ود.
    وقال القاضي: قياس قوله أنه يكره للشابة؛ لأنه قد نص على ذلك في خروجها لصلاة العيدين, وأنه مكروه.
    وهذا اختيار القاضي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنقض قباب أزواجه لما أردن الاعتكاف معه.
    814 - وقالت عائشة رضي الله عنها: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء؛ لمنعهن كما
    منعت نساء بني إسرائيل.
    ولأنه خروج من البيت لغير حاجة, فكره للشابة؛ كالخروج للجمعة والجماعة.
    قال القاضي: وكذلك يكره لها الطواف نهاراً.

    والصحيح المنصوص. . . .
    لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة وحفصة أن يعتكفا معه, وكانتا شابتين.
    815 - وقد اعتكف معه امرأة من أزواجه كانت ترى الدم, وقد جاء مفسراً أنها أم سلمة رضي الله ع
    نها, ولم تكن عجوزاً.
    وإنما أمرهن بتقويض الأبنية لما خافه عليهن من المنافسة والغيرة, ولهذا
    قال: «آلبر يردن؟».
    ولأن مريم عليها السلام قد اخبر الله سبحانه أنها جعلت محررة له, وكانت مقيمة في المسجد الأقصى في المحراب, وأنها انتبذت من أهلها مكاناً شرقيّاً, فاتخذت من دونهم حجاباً, وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه, وشرع ما قبلنا شرع لنا, ما لم يرد شرعنا بنسخه, ولأن هذه العبادة لا تفعل إلا في المسجد, فلو كرهت لها؛ للزم تفويتها بالكلية, ونحن لا ننهى عن العبادة بالكلية؛ لجواز أن يفتتن بها إنسان, مع أن الظاهر خلافه.

    ولهذا لا يكره لها الخروج لمصلحة متعينة من عيادة أهلها ونحو ذلك؛ بخلاف خروجها في الجنائز؛ فإنه لا فائدة فيه, وفيه مفاسد ظاهرة.
    ولهذا لا يكره لها حج النافلة, بل هو جهادها, مع أن خوف الفتنة به أشد ما لم يكن فعله إلا كذلك.

    وأما خروجها للجمعة والجماعة إن سلم؛ فلها مندوحة عن ذلك بأن تصلي في بيتها, وكذلك الطواف إن سلم؛ فإن لها في الطواف بالليل مندوحة عن النهار.
    فعلى هذا لا يستحب الاعتكاف للنساء, ولا يكون الأولى بتركه, بل الأولى فعله, إذا لم يك
    ن فيه مفسدة.
    كما قال في رواية أبي داوود, وذكر النساء يعتكفن في المسجد ويضرب لهن فيه الخيم: وقد ذهب هذا من الناس, ويستحب لها أن تستتر من الرجال بخباء ونحوه.

    نص عليه اقتداء بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء السلف كما ذكره أحمد, ولأن المسجد يحضره الرجال, والأفضل للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهم الرجال.

    ويضرب الخباء في موضع لا يصلي فيه الرجال؛ لئلا تقطع صفوفهم وتضيق عليهم.
    ولا بأس أن يستتر الرجل أيضاً, بل هو أفضل.
    816 - فإن عائشة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف؛ صلى الصبح, ثم دخل معتكفه, وإنه أمر بخباء فضرب».
    وفي لفظ للبخاري: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان, فكنت أضرب له خباء, فيصلي الصبح, ثم يدخله».




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 726الى صــ 735
    (49)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (19)




    817 - وعن أبي سعيد: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان, ثم اعتكف العشر الأوسط, في قبة تركية, على سدتها حصير». قال: «فأخذ الحصير بيده, فنحاها في ناحية القبة, ثم أطلع رأسه, فكلم الناس, فدنوا منه». رواه مسلم بهذا اللفظ, وهو في «الصحيحين» , قد تقدم.

    وقد تقدم في الصلاة: أنه اتخذ حجرة من حصير في رمضان, فصلى فيها ليالي, فصلى بصلاته ناس.
    وينبغي أن يكون استتار المعتكف مستحبّاً؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم, وليجمع له فضل الصلاة في المسجد, وفضل إخفاء العمل, وليجمع عليه قلبه بذلك, فلا يشتغل برؤية الناس وسماع كلامهم, ولينقطع الناس عنه فلا يجالسونه ويخاطبونه.

    الفصل الخامس: أن الاعتكاف في المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة والجماعة أفضل؛ لأنه إذا اعتكف في غيره؛ لم يجز له ترك الجمعة, فيجب عليه الخروج من معتكفه, وقد كان يمكنه الاحتراز عن هذا الخروج بالاعتكاف في المسجد الأعظم, و
    هذا إنما يكون في اعتكاف تتخلله جمعة.
    فأما إن لم تتخلله جمعة؛ فإن اعتكف في غير مسجد الجمعة, وخرج للجمعة؛ جاز؛ لما تقدم من
    الحديث المرفوع وأقاويل الصحابة: أن الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة, لا سيما والاعتكاف الغالب إنما يكون في العشر الأواخر من رمضان, ولا بد أن يكون فيها جمعة.
    818 - وقد روي ذلك صريحاً عن علي رضي الله عنه؛ قال: «إذا اعتكف الرجل؛ فليشهد الجمعة, وليحضر الجنازة, وليعد المريض, وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم». رواه سعيد.

    ولم يستثنوا ذلك.
    فأما قول الزهري المتقدم؛ فليس هو متصلاً, وهو من صغار التابعين, ويشبه أن يكون م
    حمولاً على الاستحباب.
    وأيضاً؛ فإن الخروج للجمعة خروج لحاجة لا تتكرر, فلم يقطع الاعتكاف؛ كالخروج
    للحيض.
    وأيضاً؛ فإن من أصلنا أن قطع التتابع في الصيام والاعتكاف لعذر لا يمنع البناء, وإن أمكن الاحتراز منه؛ كما سنذكر إن شاء الله تعالى.
    وأيضاً؛ فإن اعتكاف العشر الأواخر سنة, وتكليف الناس يعتكفوا في المسجد الأعظم فيه مشقة عظيمة, وربما لم يتهيأ ذلك لكثير من الناس, فعفي عن الخروج للجمعة كما عفي عن الخروج لحاجة الإِنسان.

    وأيضاً؛ فإن من أصلنا أنه يجوز له اشتراط الخروج لما له منه بد؛ فالخروج الذي يقع مستثنى بالشرع أولى وأحرى, سواء كان الاعتكاف واجباً أو مستحبّاً تطوعاً, وسواء كان نذراً متتابعاً أو نذراً مطلقاً, وسواء كان الاعتكاف قليلاً يمكن فعله في غير يوم الج
    معة أو لا بد من تخلل يوم الجمعة له.
    وركن الاعتكاف شيئان:
    أحدهما: لزوم المسجد, فلو خرج منه لغير حاجة؛ بطل اعتكافه؛ كما نبين إن شاء الله تعالى.
    الثاني: النية؛ فلا يصح الاعتكاف حتى يقصد لزوم المسجد لعبادة الله, فلو لزم المسجد من غير قصد؛ لم يكن معتكفاً؛ ولو قصد القعود فيه
    لعبادة يعملها؛ كصلاة مكتوبة, أو تعلم علم أو تعليمه.
    [و] إذا قطع النية بأن نوى ترك الاعتكاف؛ بطل في قياس قول أصحابنا؛ كما قلنا في الصوم والصلاة والطواف ونحوها.
    ويتخرج على قول ابن حامد.
    فأما الصوم؛ فإن السنة للمعتكف أن يكون صائماً؛ لأن الله سبحانه ذكر آية الاعتكاف في ضمن آية
    الصوم, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاعتكاف بفعله, وإنما كان يعتكف في شهر رمضان وهو صائم.
    وقد أجمع الناس على استحباب الصوم للمعتكف, ولأن الصوم أعون له على كف النفس على الفضول؛ فإنه مفتاح العبادة, فيجتمع له حبس النفس عن الخروج, وحبسها عن الشهوات, فيتم مقصود الاعتكاف.
    فإن اعتكف بدون الصوم؛ فهل يصح؟ على روايتين:

    إحداهما: لا يصح.
    819 - لما روى عبد الرحمن بن إسحاق, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً, ولا يشهد جنازة, ولا يمس امرأة, ولا يباشرها, ولا يخرج لحاجة؛ إلا لما لا بد منه, ولا اعتكاف إلا بصوم, ولا اعتكاف
    إلا في مسجد جامع». رواه أبو داوود, وقال: غير ابن إسحاق, لا يقول فيه: قالت: السنة. جعله قول عائشة.
    820 - ورواه الدارقطني من حديث ابن جريج, عن ابن شهاب, عن سعيد وعروة, عن عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان, وأن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإِنسان, ولا يتبع جنازة, ولا يعود مريضاً, ولا يمس امرأة, ولا يباشرها, ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة, ويأمر من اعتكف أن يصوم».

    وقال الدارقطني: يقال: إن قوله: «إن السنة للمعتكف. . .» إلى آخره: ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنه من كلام الزهري, ومَنْ أدرجه في الحديث فقد وهم.
    821 - 823 - وعن ابن عمر وابن عباس وعائشة: أنهم قالوا: «لا اعتكاف إلا بصوم». رواه سعيد.

    ولأن الاعتكاف لبث في مكان مخصوص, فلم يكن قربة, حتى ينضم إليه قربة أخرى؛ كالوقوف بعرفة ومزدلفة, لا يكون قربة حتى ينضم إليه الإِحرام, ولأن المعتكف ممنوع مما يمنع منه الصائم من القبلة ونحوها؛ فلأن يمنع مما منعه الصائم ك
    الأكل والشرب أولى.
    فعلى هذه الرواية: لا يصح إفراده بالزمان الذي لا يصح صومه؛ كليلة مفردة, ويوم العيد, وأيام التشريق.
    ولو نذر اعتكافاً؛ لزمه الصوم.
    فأما إن اعتكف يوم العيد ويوماً آخر معه؛ فإنه يصح على ظاهر ما قالو
    ه.
    وهل يصح اعتكاف بعض يوم أو ليلة وبعض يوم إذا صام اليوم كله؟ فيه وجهان:
    أحدهما": لا يجزيه. قاله القاضي في «المجرد» وأبو الخطاب في «الهداية».
    والثاني: يجزيه.

    ولو نذر على هذا أن يعتكف, ولم يسم شيئاً؛ لزمه أن يصوم مع اعتكافه.
    وهل يجزيه صوم يوم أو بعض يوم؟. . . .
    وإن اعتكف تطوعاً:

    فقال في رواية حنبل, وقد سئل عن الاعتكاف في غير شهر رمضان؟ فقال: لا يكون إلا في شهر رمضان؛ إلا النذر, فإن كان نذراً؛ فلا بأس, وإنما الاعتكاف في شهر رمضان؛ لأنه لا اعتكاف إلا بصوم.

    وظاهره أنه لا اعتكاف إلا بصوم واجب, وربما يكون وجهه أن الاعتكاف يلزم بالشروع, وصوم التطوع لا يلزم بالشروع, فإذا اعتكف في غير رمضان صائماً متطوعاً؛ كان مخيراً في ترك الصوم دون الاعتكاف.
    ويحتمل أن يكون كلامه يُخَرَّج على عادة الناس. . . .
    وقال القاضي: إذا قلنا: من شرطه الصوم؛ فلا بد أن يكون صائماً في الجملة تطوعاً أو رمضا
    ن أو قضاء رمضان أو نذراً. . . .
    والرواية الثانية: يصح بغير صوم, والاستحباب له أن يصوم. وهذا اختيار أصحابنا؛ لأن الله سبحانه قال: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ } [البقرة: آية 125] , وقال تعالى في موضع: وَالْقَائِمِينَ } [الحج: آية 26].
    فعلم أن المقام في بيت الله هو العكوف فيه من غير شرط, وأنه عبادة بنفسه؛ كما كان الطواف والركوع والسجود عبادة بنفسه.
    ولأن العكوف في اللغة: الإِقبال على الشيء على وجه المواظبة, وهذا يحصل من الصائم والمفطر, وهو لفظ معروف, ولا إجمال فيه.
    ولأن العاكفين على الأصنام ولَهاً سمُّوا بذلك بمجرد احتباسهم عليها, وإن لم يصوموا؛ فالمحتبس لله في بيته عاكف له, وإن لم يكن صائماً.
    ولأن الله سبحانه أطلق قوله: {عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] , ولم يخصص به صائماً من غيره.

    نعم؛ لما أباح المباشرة للصائم بالليل, وقد يكون معتكفاً؛ نهاه أن يباشر في حال عكوفه؛ ليتبين أن كل واحد من الصوم والعكوف [مانع] من المباشرة.
    824 - وأيضاً؛ ما روى ابن عمر: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال: «فأوف بنذرك». رواه الجماعة إلا أبا داود.

    825 - وفي لفظ للبخاري: «أوف بنذرك, اعتكف ليلة». فاعتكف ليلة.
    ولو كان الصوم شرطاً في صحته؛ لما جاز اعتكاف ليلة؛ لأن الليل لا صوم فيه. . . .
    فإن قيل: معنى الحديث: نذرت أن أعتكف ليلة بيومها؛ فإن العرب تذكر الليالي وتدخل الأيام فيها تبعاً:

    بدليل ما روي عن ابن عمر عن عمر: أنه جعل على نفسه يوماً يعتكفه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك».
    وفي رواية في الصحيح لهما أو لأحدهما: أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة, بعد أن رجع من الطائف, فقال: يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام؛ فكيف ترى؟ قال: «اذهب؛فاعتكف يوماً». رواه مسلم.
    قال: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه جارية من الخمس, فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس. فقال عمر: يا عبد الله! اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها».



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 736الى صــ 745
    (50)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (20)


    826 - وأيضاً؛ عن عبد الله بن بديل, عن عمرو بن دينار, عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يومها عند الكعبة, فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «اعتكف وصم». قال: فبينما هو معتك
    ف؛ إذ كبر الناس, فقال: ما هذا يا عبد الله؟ قال: سبي هوزان, أعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال. وتلك الجارية فأرسلها معهم. رواه أبو داوود.
    فهذا نص في أنه أمره بالصيام, ودليل على أن الاعتكاف كان نهاراً؛ لأن تكبير الناس وانتشار
    هم في أمورهم وظهور عتق السبي إنما كان بالنهار.
    قال عبد الله بن عمر: بعثت بجاريتي إلى أخوالي في بني جمح ليصلحوا لي منها, حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم إذا فرغت, فخرجت من


    المسجد, فإذا الناس يشتدون, فقلت: ما شأنكم؟ فقالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا. فقلت: دونكم صاحبتكم؛ فهي في بني جمح. فانطلقوا فأخذوها.

    827 - وأيضاً؛ فقد روى إسحاق بن راهوية عن ابن عمر: أنه قال: «لا اعتكاف أقل من يوم وليلة».
    827 - وقد روى عن سعيد: أنه قال: «لا اعتكاف إلا بصوم».

    فلو كان يروى عن عمر أنه اعتكف ليلة مفردة؛ لما قال هذا ولا هذا.
    فقد أجاب أصحابنا عن الأول:
    بجواز أن يكونا واقعتين.
    وبجواز أن يكون عنى باليوم والليلة؛ لأن رواية البخاري صريحة بأنه اعتكف ليلة, وأما الرواية الأخرى؛ فق
    ال الدارقطني: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: هذا حديث منكر؛ لأن الثقات من أصحاب عمرو ن دينار لم يذكروه, منهم: ابن جريج, وابن عيينة, وحماد بن سلمة, وحماد بن زيد, وابن بديل ضعيف.
    829 - وأيضاً؛ تقدم في حديث عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان, فتركه, واعتكف في العشر الأول من شوال».

    وفي لفظ: «فلما أفطر؛ اعتكف عشراً من شوال».
    وفي لفظ: «فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال».
    رواهن البخاري.

    فقد بينت عائشة أنه اعتكف العشر الأول من شوال, وهذا إنما يكون إذا اعتكف يوم العيد, لا سيما ومقصوده عشر مكان عشر, وكان يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر اليوم الأول من العشر؛ فلذلك ينبغي أن يكون قد دخل معتكفه بعد صلاة العيد.
    وقولها: «حتى اعتكف في العشر»؛ يعني - والله أعلم - في آخر عشر رمضان؛ يعني: في منسلخه ومنقضاه, وهذا يقتضي أن اعتكافه في أول يوم من شوال؛ كما دلت عليه بقية الروايات, لكن يحتمل أنه لم يحتسب بيوم الفطر, بل بالليلة التي تليه؛ إلا أن يكون دخل ليلة العيد, ويحتمل أن يصح اعتكاف يوم العيد مع أيام أخر.
    وأيضاً؛ فإنه عبادة من العبادات, فلم يكن الصوم شرطاً في صحتها كسائر العبادات.

    ولأنه ليس فيه اشتراط الصوم كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح, والحكم إنما يثبت بواحدة
    من هذه الجهات؛ بخلاف نفي الاشتراط؛ فإنه ثابت بالنفي الأصلي وعدم الدليل الدال على الإِيجاب.
    وأما حديث عائشة؛ فقد ذكر أبو داوود وغيره أن المشهور أنه من قولها.

    وكذلك قول الزهري: «السنة»: عنى به السنة في اعتقاده؛ كما يقول الفقيه: حكم الله في هذه المسألة كذا وكذا, والسنة أن يفعل كذا, وحكم الشريعة كذا؛ يعني به: فيما [علمته] وأدركته.
    والذي يبين أن الزهري لم يكن عنده بذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم:

    830 - ما رواه سعيد, عن الدراوردي, عن أبي سهيل؛ قال: «كان على امرأة من أهلي اعتكاف, فسألت عمر بن عبد العزيز؟ فقال: ليس عليها صيام؛ إلا أن تجعله على نفسها. وقال الزهري: لا اعتكاف إلا بصوم. فقال له عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قال: فعن أبي بكر؟ قال: لا. قال: فعن عمر؟ قال: لا. وأظنه قال: عن عثمان؟ قال: لا. قال أبو سهيل: فخرجت من عنده, فلقيت طاووساً وعطاء, فسألتهما, فقال طاووس: كان فلان لا يرى عليها صياماً إلا أن تجعله على نفسها».
    831 - وروي بهذا الإِسناد عن طاووس, عن ابن عباس؛ قال: «ليس على المعتكف صيام؛ إلا أن يجعله على
    نفسه».
    832 - ورواه الدارقطني مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وقال: رفعه السوسي, وغيره لا يرفعه.
    833 - وعن مقسم: أن عليّاً وابن مسعود قالا: «إن شاء الله المعتكف ص
    ام, وإن شاء لم يصم».
    834 - وقال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما: «لا اعتكاف إلا بصوم». رواهما سعيد.
    وأما اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم صائماً؛ فلأنه كان يتحرى أفضل الأحوال في اعتكافه, ولهذا كان يعتكف العشر الأواخر, مع أن اعتكاف غيرها جائز, وكان يعتكف عشراً, ولو اعتكف أقل جاز.

    وأما قياسه على الوقوف؛ فينقلب عليهم بأن يقال: فلم يكن الصوم شرطاً في صحته كالأصل, وهذا أجود؛ لأنه قد صرح فيه بالحكم, ثم القرينة المتضمنة إلى الوقوف هي الإِحرام, وهي تنعقد بالنية, ومثله في الاعتكاف لا بد من النية.
    وأما اشتراط زيادة على النية؛ فإنه وإن وجب في الأصل, لكنه ي
    صح بدونه.
    ثم الفرق بين المسجد والمعرِّف ظاهر؛ فإن المسجد لدخوله مزية على غيره في كل وقت, وعلى كل حال, ولهذا يجب صونه عن أشياء كثيرة, والمعرّف لا يمتاز المكث فيه إلا في يوم مخصوص على وجه مخصوص؛ فكيف يقاس بهذا؟!
    فعلى هذا يصح اعتكافه ليلة مفردة ويومي العيدين وأيام التشريق مفردات.
    ولو نذر اعتكافاً؛ لم يلزمه الصوم؛ إلا أن ينذره.

    فعلى هذا لا بد من اللبث فيه, فلو اجتاز في المسجد, ولم يلبث فيه؛ لم يكن عاكفاً عند أصحابنا؛ بخلاف الوقوف بعرفة؛ فإن الواجب فيه الكون في ذلك المكان؛ لأن العكوف هو الاحتباس والمقام كما تقدم, وذلك لا يحصل إلا بنوع لبث.
    فعلى هذا: إذا نذر اعتكافاً مطلقاً, وقلنا: الصوم واجب فيه:

    فقال القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب: أقله يوم واحد.
    وإن قلنا: ليس الصوم شرطاً فيه على ظاهر المذهب؛ لم يكن لأقله حد, فيجزيه ما يقع عليه الاسم؛ كما قلنا في الصلاة والصوم والصدقة.
    قال القاضي وابن عقيل: ولسنا نريد بقولنا: أقل ما يقع عليه الاسم أن يجلس أقل ما يقع عليه اسم ا
    لجلوس, بل ما يُسمى به معتكفاً لابثاً, وإنما يحصل هذا باستقرار ما وقع عليه اسم لبثه.
    فأما أن يوقع عقيب ما وقع عليه اسم لبث؛ فلا.
    قالوا: والمستحب له أن لا ينقص من يوم وليلة.

    وقال بعض أصحابنا: يلزمه ما يُسمى به معتكفاً, [ولو ساعة من نهار؛ فاللحظة وما لا يسمى به معتكفاً]؛ لا يجزيه.
    فأما إذا مر في المسجد, ولم يقف؛ فليس بمعتكف قولاً واحداً.

    وإذا نذر أن يعتكف صائماً أو وهو صائم؛ لزمه ذلك, ولم يجز له أن يفرد الصوم عن الاعتكاف في المشهور من المذهب؛ لأن الصوم في الاعتكاف صفة مقصودة كالتتابع, فوجب الوفاء به, فلو ترك ذلك؛ لزمه أن يستأنف الصوم والاعتكاف معاً, وليس له أن يقضي كل منهما مفرداً.
    وقيل:. . . .
    ولو نذر أن يعتكف صائماً؛ فكذلك على أحد الوجهين.
    ولو قال: لله عليَّ أن أعتكف وأصوم.

    فقال القاضي: هو بالخيار بين الإِفراد والمقارنة.
    ولو نذر أن يعتكف مصلياً؛ فقيل: هو على أحد الوجهين.
    وقيل: لا يجب الجمع هنا, وإن وجب في الأولى.

    ولو قال: لله عليَّ أن أصلي وأصوم؛ فله أن يفرد ويقرن؛ لأن أحدهما ليس شعاراً للآخر. . . .
    وإذا أفطر في اعتكافه, وقلنا: الصوم شرط فيه, أو كان قد نذره في اعتكافه؛ بطل اعتكافه؛ كما يبطل بالوطء والخروج.
    فإذا كان متتابعاً؛ كان عليه الاستئناف.

    وإن كان معيناً؛ ففيه الوجهان.
    وقال ابن أبي موسى: من صام في اعتكافه, إذا أفطر فيه عامداً, وقلنا: الصوم من شرطه؛ استأنفه, وإذا قلنا: ليس الصوم شرطاً فيه؛ فلا شيء عليه؛ إلا أن يكون أوجب الاعتكاف بالصوم, فيلزمه قضاء ما أفطر فيه من الاعتكاف بالصوم في أحد الوجهين, وفي الآخر يلزمه استئنافه.

    ولعل وجه هذا أن الصوم إذا كان شرطاً فيه؛ كان الفطر مبطلاً له؛ كالجماع, فيبطل كله؛ لأنه عبادة واحدة, يطرأ الفساد عليها, فأبطلها كلها كسائر العبادات.
    وأما إذا أوجب الصوم على نفسه, ولم يكن شرطاً لصحته؛ لم يكن الفطر مبطلاً للاعتكاف, وإنما يكون فيه ترك الوفاء بالنذر, وذلك ينجبر بالقضاء والكفارة؛ كما لو نذر صوم أيام متتابعة فأفطر بعضها.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 746الى صــ 755
    (51)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (21)


    مسألة:
    ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد؛ فله فعل ذلك في غيره؛ إلا المساجد الثلاثة, فإذا نذر ذلك في المسجد الحرام؛ لزمه, وإذا نذره في مسجد المدينة؛ فله فعله في المسجد الحرام وحده, وإن نذره في المسجد الأق
    صى؛ فله فعله فيهما.
    في هذا الكلام مسائل:المسألة الأولى: إذا نذر الصلاة والاعتكاف في مسجد بعينه غير المساجد الثلاثة؛ فله فعل ذلك فيه وفي غيره من المساجد.
    وكذلك لو نذر فعل ذلك بزاوية من المسجد؛ فله فعله في ز
    اوية أخرى.
    فإن اعتكف في مسجد؛ لم يجز له الخروج منه إلى غيره؛ لأنه خروج
    لما له منه بد.
    فإن خرج لحاجة, فأتم اعتكافه في مسجد مرَّ به؛ جاز, وإن كان أبعد من حاجته؛ لم يجز فيما ذكره أصحابنا؛ لأنه لا يجب بالنذر إلا ما كان قربة قبل النذر.
    835 - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه».

    وليس قصد مسجد بعينه دون غيره طاعة؛ إلا المساجد الثلاثة.
    وإن كان الصفة التي يمتاز بها مسجد عن مسجد أمراً مباحاً؛ لم يجب الوفاء.
    لكن إذا صلى واعتكف في غير المسجد الذي عينه؛ فهل يلزمه كفارة يمين؟ على وجهين.
    ولو اعتكف في غير مسجد, مثل السوق ونحوه؛ لم يجزه؛ لأن المساجد لها مزية
    على سائر البقاع.
    ولو صلى في بيته؛ ففيه وجهان:أحدهما: يجزيه؛ لأنه قد عادل فضل الصلاة في المسجد فضل النافلة في البيت.
    836 - وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل صلاة المرء في بيته؛ إلا المكتوبة».
    والثاني: لا يجزيه؛ لأن المسجد أفضل من غيره, وإنما فضلت الصلاة في البيت لأجل الإِخفاء. قال القاضي: وإذا أخفى النافلة في المسجد وفي بيته؛ كانت التي أخفاها في المسجد أفضل من التي أخفاها في بيته.
    فإن كان المسجد المنذور فيه عتيقاً؛ ففيه وجهان. . . .
    وسواء كان أبعد عن داره أو لم يكن؛ كما لو نذر الصلاة في المسجد الأقصى وهو بالمدينة؛ أجزأته الصلاة في مسجد المدينة.
    وإن نذره في المسجد الجامع؛ فقال القاضي: يجوز أن يعتكف في غيره.
    وإن نذر أن يصلي المكتوبة في جماعة؛ لزمه ذلك.
    فإن صلى منفرداً؛ صحت صلاته, وبقي عليه إثم النذر. ذكره القاضي, فيجب عليه.

    وقال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن رجل نذر أن يصلي في بيت المقدس, ثم خرج إلى مكة أو المدينة؛ أجزأته الصلاة؟ قال: نعم. قلت: ولا يخرج إلى بيت المقدس؟ قال: نعم؛ حديث ابن عمر: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفاء النذور» , وقال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإِنسان: آية 7]. قلت: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صل ههنا» للذي نذر أن يصلي في بيت المقدس
    . قال: نعم.
    738 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام».
    فإنما أمره النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أفضل من بيت المقدس, وما كان سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة؛ لم يجزه إلا الوفاء به.
    وظاهر. . . .
    المسألة الثانية: أنه إذا نذر الصلاة والاعتكاف في المسجد الحرام؛ لم يجزه إلا فيه, وإن نذره في مسجد ا
    لنبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يجزه إلا فيه أو في المسجد الحرام, وإن نذره في المسجد الأقصى؛ لم يجزه إلا في أحد الثلاثة. نص أحمد على ذلك كله.
    838 - لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً قال يوم الفتح: يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال: «صل ههنا». فسأله, فقال: «صل ههنا». فسأله فقال: «فشأنك إذاً». رواه أحمد وأبو داوود. واحتج به أحمد.

    839 - عن رجل من الأنصار: أن رجلاً جاء يوم الفتح, فقال: يا نبي الله! إني نذرت لأن فتح الله للنبي والمؤمنين مكة لأصلين في بيت المقدس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ههنا فصل». فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرات, كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ههنا فصل». ثم قال في الرابعة مقالته هذه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فصلِّ فيه, فوالذي بعث محمداً بالحق؛ لو صليت ههنا؛ لقضى ذلك كل صلاة في بيت المقدس». رواه أحمد.
    وإنما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في المسجد الحرام لفضله, وأن الصلاة فيه تقضي عنه الصلاة في بيت المقدس؛ كما بين ذلك, وكما فهمه عنه أصحابه.
    840 - فروى ابن عباس أن امرأة شكت شكوى, فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس, فبرأت, ثم تجهزت تريد الخروج, فجاءت ميمونة تسلم عليها, وأخبرتها بذلك, فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة».
    رواه أحمد ومسلم.
    وأيضاً فإن أفضل المساجد المسجد الحرام, ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم, ثم المسجد الأق
    صى.
    841 - لما روى أبو هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام». رواه الجماعة إلا أبا داوود.
    842 - وعن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام». رواه مسلم وغيره.
    وقد تقدم عن ميمونة مثله.

    843 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام, وصلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه». رواه أحمد وابن ماجه من حديث عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر.
    844 - وعن عبد الله بن الزبير, عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام, وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في هذا». رواه أحمد. وقال ابن عبد البر: هو أحسن حديث روي في ذلك.
    845 - وعن أبي الدرداء؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل الصلاة في المسجد الحرام على غ
    يره مائة ألف صلاة, وفي مسجدي ألف صلاة, وفي بيت المقدس خمس مئة صلاة». رواه البزار وقال: هذا حديث حسن.
    وإذا كان كذلك؛ فمن نذر الصلاة في المسجد الحرام مثلاً؛ فقد نذر مائة ألف صلاة, فلا يجزئ عنها صلاة أو خمس مئة صلاة أو ألف صلاة.
    ومن نذر في المسجد الأقصى وصلى في المسجد الحرام؛ فقد أتى بأفضل من المنذور من جنسه.
    وأيضاً؛ فإن كل ما كان مرغباً في فعله؛ وجب بالنذر؛ كالحج والعمرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه».
    846 - وهذا مرغب فيه؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إل
    ا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام, ومسجدي هذا, والمسجد الأقصى». متفق عليه.
    وفي رواية لمسلم: «إنما يسافر إلى ثلاث مساجد».
    847 - وعن أبي سعيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم: نحو الأول. رواه البخاري.
    والمسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد زيد فيهما في عهد الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وبني العباس.
    فإذا صلى في المزيد. . . .

    * فصل:
    وإذا نذر المشي إلى بيت المقدس أو إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؛ انعقد نذره, ولزمه ذلك, وكان موجبه الصلاة فيه.
    قال أحمد: إذا نذر المشي إلى بيت المقدس: هو مثل المشي إلى بيت الله الحرام.
    * فصل:

    فأما إن نذر الصوم بمكان بعينه؛ أجزأه الصوم بكل مكان. قاله أصحابنا.
    وهل يلزمه كفارة لفوات التعيين؟
    وإن نذر الذبح أو الصدقة بمكان بعينه. . . .
    * فصل:
    فأما الأزمنة:
    إذا نذر صوماً في وقت بعينه؛ تعين كما تقدم.
    وإن نذر الصلاة في وقت بعينه. . . .

    وإن نذر الاعتكاف في وقت بعينه. . . .


    * فصل:
    وإذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر أو شهر رمضان ونحو ذلك؛ فإنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس من أول ليلة؛ لأنه لا يكون معتكفاً جميع العشر أو جميع الشهر إلا باعتكاف أول ليلة منه, لا سيما هي إحدى الليالي التي يلتمس فيها ليلة القدر.
    قال أبو عبد الله في رواية الأثرم: وقيل له: متى يدخل معتكفه؟ فقد كنت أحب له أن يدخل معتكفه بالليل حتى يبيت في معتكفه, ولكن حديث عمرة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل إذا صلى الغداة.
    [وذكر حنبل] مثل حديث عمرة عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل الاعتكاف إذا صلى الغداة».
    فيدخل المعتكف قبل غروب الشمس, فيكون يبتدئ ليلة ويخرج منه إلى المصلى.
    وقال في رواية أبي طالب: إذا أراد أن يعتكف؛ دخل من صلاة المغرب, فيعتكف اليوم والليلة. قلت: ما تقول أنت؟ قال: إن قال: أيام؛ اعتكف من صلاة الفجر, إنما ذكر الأيام, وإن كان يريد الشهر؛ فمن صلاة المغرب من أول الشهر, إنما هو زيادة خير. قال أبو بكر: وبهذا أقول.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 756الى صــ 765
    (52)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (22)



    848 - ويدل على ذلك ما روى أبو سعيد؛ قال: اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان, فخرجنا صبيحة عشرين. قال: فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين, فقال: «إني رأيت ليلة القدر, وإني أنسيتها, فالتمسوها في العشر الأواخر في وتر؛ فإني رأيت إني أسجد في ماء وطين, ومن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فليرجع».
    فرجع الناس إلى المسجد, وما نرى في السماء قزعة. قال: فجاءت سحابة, فمطرت, وأقيمت الصلاة, فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطين والماء, حتى رأيت الطين في أرنبته وجبهته. رواه البخاري.
    وفي لفظ له: «من كان اعتكف معي؛ فليعتكف العشر الأواخر؛ فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها».
    وقد بين صلى الله عليه وسلم أن من اعتكف العشر الأواخر؛ فإنه يعتكف ليلة إحدى وعشرين.
    وعنه: فيمن يعتكف العشر: أنه يدخل بعد صلاة الصبح أو قبل طلوع الفجر على الروايتين في اليوم.

    وقد ذكر ابن أبي موسى رواية فيمن أراد اعتكاف شهر: أنه يدخل قبل طلوع الفجر من أوله. وسيأتي إن شاء الله.
    849 - فإن قيل: فقد روي عن عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف؛ صلى الفجر, ثم دخل معتكفه, وأنه أمر بخبائه, فضرب, ثم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان». متفق عليه.

    قلنا: قد أجيب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد أن يعتكف الأيام لا الليالي, ويشبه والله أعلم أن يكون دخوله معتكفه صبيحة العشرين قبل الليلة الحادية والعشرين؛ فإنه ليس في حديث عائشة أنه كان يدخل معتكفه صبيحة إحدى
    وعشرين, وإنما ذكرت أنه كان يدخل المعتكف بعد صلاة الفجر, مع قولها: «إنه أمر بخبائه فضرب, ثم أراد الاعتكاف في العشر الأواخر». والعشر صفة لليالي لا للأيام؛ فمحال أن يريد الاعتكاف في الليالي العشر وقد مضت ليلة منها, وإنما كون ذلك إذا استقبلها بالاعتكاف, وقد ذكرت أنه اعتكف عشراً قضاء للعشر التي تركها, وإنما يقضي عشراً من كان يريد أن يعتكف عشراً.
    وفي حديث أبي سعيد: «أنه لما كان صبيحة عشرين؛ أمر الناس بالرجوع إلى المسجد»؛ فقد علم من عادته أنه يدخل المعتكف نهاراً, يستقبل العشر الذي يعتكفه, ويؤيد ذلك أنه لم يكن يدخل معتكفه إلا بعد صلاة الفجر, وقد مضى من النهار جزء,
    مع أنه لم يكن يخرج من منزله إلى المسجد حتى يصلي ركعتي الفجر في بيته, وهذا لا يكون مستوعباً للنهار أيضاً.
    وذكر القاضي فقال: يحتمل أنه كان يفعل ذلك في اليوم العشرين استظهاراً ببياض يوم زيادة قبل دخول العشر الأواخر, وقد نقل عن هذا عنه.
    850 - فروت عمرة عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجاور صبيحة عشرين من رمضان».
    فثبت أن المر على ما تأولنا.


    * فصل:
    ومن نذر اعتكاف ليلة؛ لم يلزمه يومها.
    وإن نذر اعتكاف يوم؛ لم تلزمه ليلته.
    قال في رواية علي بن سعيد: وقيل له: مالك يقول: إذا نذر أن يعتكف ليلة؛ فعليه أن يعتكف يوماً وليلته. فقال أحمد: هذا خلاف ما أوجبه على نفسه.

    وعليه أن يعتكف يوماً متصلاً أو ليلة متصلة, وليس له أن يفرق الاعتكاف في ساعات من أيام؛ لأن اليوم المطلق عبارة عن بياض نهار متصل, وكذلك الليلة المطلقة عبارة عن سواد ليلة متصلة.
    فإن قال: عليَّ أن أعتكف يوماً من وقتي هذا, وكان في بعض نهار؛ لزمه الاعتكاف من ذلك الوقت إلى مثله, ويدخل فيه الليل؛ لأنه من نذره, وإنما لزمه بعض يومين لتعيينه.

    فإن كان المنذور ليلة؛ دخل معتكفه قبل الغروب, أو خرج منه بعد طلوع الفجر الثاني.
    وإن كان يوماً؛ لزمه - إذا قلنا: ليس من شرط الاعتكاف الصوم- أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر, ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لأن اليوم والليلة يتعاقبان, وآخر الليلة طلوع الفجر, فهو أول اليوم. هذا هو المشهور من المذهب
    .
    وروي عنه: يدخل معتكفه وقت صلاة الفجر, ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لحديث عائشة المتقدم, ولأن اليوم محقق إنما هو من طلوع الشمس, وقبل ذلك مشترك بين اليوم والليلة؛ فقد يتبع هذا تارة ويتبع هذا تارة.
    وإن نذر اعتكاف شهر بعينه؛ دخل معتكفه قبل غروب الشمس من أول ليلة في الشهر, فإذا طلع هلال الشهر الثاني؛ خرج من معتكفه, فإن طلع الهلال نهاراً؛ لم يخرج من الاعتكاف في المشهور عنه, بناء على الاحتياط في الهلال المرئي نهاراً, وعلى أنه للمستقبلة بكل حال, وإن قلنا: هو للماضية؛ خرج. هذا هو المنصوص عنه المشهور عند أصحابه.

    قال ابن أبي موسى: وقيل عنه فيمن أراد اعتكاف شهر: أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر من أوله, ويخرج منه بعد غروب الشمس من آخره.
    ووجه هذا من حديث عائشة: [أنه بنى] على أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم, وإنما يصح في الليل تبعاً للنهار, أو أول ليلة من الشهر, ليس بصيام,فلا يبتدئ الاعتكاف في وقت لا يصلح للصوم.
    وإن قيل: إن الصوم فيه مستحب؛ فقد يقال: يحمل القصد والنذر على الوجه الأحسن الأكمل, وهو ما فيه صوم, وإن كان شهراً مطلقاً. . . .
    وإن نذر اعتكاف عشرة أيام متتابعة إما مطلقة أو معينة:
    فذكر أبو بكر وابن عقيل فيها روايتين:

    إحداهما: وهي الصريحة: أنه لا يدخل فيه الليلة الأولى؛ كما نقله أبو طالب, وهي اختيار أبي بكر وابن عقيل والقاضي أخيراً. وفرق أحمد وأبو بكر بين الأيام والشهر, سواء كانت الأيام معينة أو مطلقة.

    والرواية الثانية: يدخل أول ليلة على وجه التبع؛ لأن الأيام تذكر ويدخل فيها الليالي, وليست صريحة.
    وذكر القاضي عن أصحابنا طريقين:
    أحدهما: لا تدخل الليلة الأولى لا في المطلقة ولا في المعينة. على رواية أبي طالب والأثرم, وهذا اختياره في «خلافه».
    والثانية: (تدخل). وهي قوله في «المجرد»
    .
    وقال القاضي في «المجرد» وابن عقيل: إن عيَّن أياماً من الشهر, مثل أن يقول: أعتكف العشر الأواخر من رم
    ضان, أو [عيَّن] نذراً نذره أو تطوع به؛ فهذا يلزمه أن يدخل ليلة الحادي والعشرين؛ لأن الليلة تابعة ليومها, فلزمه أن يأتي بالتابع كالليالي التي تتخلل الأيام؛ فههنا هو عبارة عن أول اليوم.
    قال: وعلى هذا يحمل كلامه في رواية أبي طالب والأثرم.

    وإن قال: عليَّ أن أعتكف هذه العشر أو العشر الأواخر من رمضان؛ فعلى ما ذكره القاضي: هو مثل أن يقال: هذه الأيام. حتى قال في «خلافه»: لو نذر اعتكاف عشر بعينه, كالعشر الأواخر من رمضان؛ لم يدخل ليلة العشر فيه. وغيره: تدخل الليلة هنا, وإن لم يدخل في لفظ الأيام.

    وإذا نذر اعتكاف العشر؛ لم يكن له أن يخرج إلى هلال شوال. ذكره القاضي. وإن كان العشر عبارة عن الليالي؛ لأن بياض نهار كل يوم يدخل في ليلته, ويجزيه, سواء كان الشهر تامّاً أو ناقصاً؛ لأنه إذا أطلق العشر؛ فإنما يفهم منه ما بين العشر الأوسط وهلال شوال.
    ولو نذر اعتكاف عشر مطلق أو عشرة أيام؛ لم يجزه إلا عشرة تامة, فإذا اعتكف العشر الآخر من رمضان, وكان ناقصاً؛
    لزمه أن يعتكف يوم العيد.
    وإذا نذر عشراً مطلقاً, أو عشر ليال؛ فهل يلزمه بياض اليوم الذي يلي آخر ليلة؟. . . .


    * فصل:
    وإذا نذر اعتكاف شهر مطلق؛ أجزأه ما بين الهلالين إن كان ناقصاً.
    وإن كان شرع في أثناء شهر؛ لزمه استيفاء ثلاثين يوماً, فإن شرع في أثناء يوم. . . .
    وإن قال: ثلاثين يوماً؛ لم يجزه إلا ثلاثين, فإذا كان ناقصاً؛ فعليه يوم آخر.

    وإذا نذر اعتكاف شهر؛ لزمه أن يعتكف شهراً متتابعاً, سواء قلنا فيمن نذر صوم شهر يلزمه التتابع أم لا. قاله القاضي وأصحابه. لأن الاعتكاف يصح بالليل والنهار, فاقتضى التتابع؛ كمدة الإِيلاء والعِنَّة.
    وإذا حلف لا يكلمه شهر وعليه الصوم. . . .
    ومن أصحابنا من خرج في هذه المسألة وجهين؛ قياساً على مَن نذر أن يصوم شهراً: هل يلزمه التتابع أو يجوز له التفريق؟ على روايتين.
    لأنها عبادة يجوز فعلها متتابعة ومفرقة, فأشبهت الصوم, والأول أجود؛ لأنه لو نذر اعتكاف عشر؛ لزمه متتابعاً, وإن جاز
    تفريقه؛ فكذلك الشهر.
    وإذا نذر اعتكاف ثلاثين يوماً؛ فقال القاضي: يلزمه التتابع كما يلزمه في الشهر؛ كما لو حلف لا يكلمه عشرة أيام.
    فعلى هذا إن نذر اعتكاف ليلتين:

    فقال: يحتمل أن يلزمه ليلتان ويوم.
    وقال أبو الخطاب: يجوز أن يفرقهما, وإن أوجبنا التتابع في لفظ الشهر؛ لأن أحمد فرق ب
    ين اللفظين في نذر الصيام:
    فقال في رواية ابن الحكم في رجل قال: لله عليَّ أن أصوم عشرة أيام: يصومها متتابعاً. وإذا قال: شهراً؛ فهو متتابع, وإذا قال: ثلاثين يوماً؛ فله أن يفرق.
    فعلى هذا: إن نذر اعتكاف عشرة أيام؛ تلزمه متتابعة كما يلزمه الصوم.
    وقال ابن عقيل عن أحمد: الفرق بين الأيام والشهر, فأوجب التتابع في الشهر دون الأيام.
    وزعم القاضي أنه لا فرق بين ثلاثين يوماً وعشرة أيام. قال: ولعله سهو من الراوي.

    وليس كما قال؛ لأن عدول الحالف عن لفظ (شهر) إلى لفظ (ثلاثين يوماً) , مع أنه أصل, وهو خلاف المعتاد: دليل على أنه أراد معنى يختص به؛ بخلاف لفظ عشرة أيام؛ فإنه ليس لها إلا لفظ واحد, والمطلق في القرآن من الصوم محمول على التتابع؛ فكذلك في كلام الآدميين.

    وإذا وجب التتابع؛ لزمه اعتكاف الليالي التي تتخلل الأيام, فأما ليلة أول يوم؛ فلا تلزمه؛ مثل أن يقول: لله عليَّ اعتكاف يومين. فتجب الليلة التي بينهما دون التي قبلهما, هذا هو المشهور. وعلى الرواية المذكورة.
    قيل: تجب الليلة التي قبل.

    قال ابن عقيل: ويتخرج وجوب يومين بلا ليلة أصلاً؛ كما لو أفرد؛ لأن ليلة اليوم الأول لما لم يلزم أن تدخل في اعتكافه؛ كذلك ليلة اليوم الثاني.
    وأما إذا لم يجب التتابع؛ فإنما تجب عشرة أيام بلا ليال. ذكره ابن عقيل وغيره. كما لو قال: عليَّ أن أعتكف يوماً؛ فإن اليو
    م اسم لبياض النهار خاصة, وهذا كله عند الإِطلاق.
    فإن نوى شيئاً أو شرطه بلفظه؛ عمل بمقتضاه قولاً واحداً. . . .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان


    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 766الى صــ 775
    (53)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (23)





    * فصل:
    وإذا نذر اعتكاف يوم يقدم فلان؛ انعقد نذره؛ لأنه نذر قربة, يمكنه الوفاء ببعضها, كما لو نذر صوم يوم يقدم فلان؛ فإن قدم ليلاً؛ لم يلزم النذر؛ لفوات الشرط, وإن قدم نهاراً؛ اعتكف ما بقي من النهار, ولم يلزمه قضاء ما مضى قبل قدوم
    ه؛ كما لو قال: لله عليَّ أن أعتكف أمس.
    وإن قدم والناذر عاجزاً عن الاعتكاف لمرض أو حبس أو نحو ذلك؛ فعليه مع الكفارة قضاء ما بقي من النهار دون ما مضى؛ لأنه لم يجب عليه إلا اعتكاف ما بقي. هذا قول القاضي وأصحابه وأبو محمد وغيرهم من المتأخرين.
    [من شرط] الصوم؛ فإنه يلزمه القضاء, ولا يصح اعتكاف بعض يوم عن نذره؛ لعدم شرطه, و
    هو النذر.
    وعلى الوجه الآخر؛ يجزيه اعتكاف ما بقي منه إذا كان صائماً.

    واصل هذا أن عندهم مقتضى النذر في الصوم والاعتكاف الفعل فيما بقي من الزمان بعد القدوم, وأما ما وجد قبل القدوم؛ فليس بواجب عليه, لكن لما لم يمكن في الصوم أن يصام بعض يومه؛ لزمه صوم يوم كامل, حتى إذا كان قد أصبح صائماً متطوعاً؛ أجزأه تمام ما بقي من نذره.
    وقال أبو بكر: إذا قدم في بعض النهار؛ كان عليه كفارة يمين والقضاء, ولا معنى لإِتمامه
    من يوم آخر.
    وحكاه عن أحمد؛ كما قد نص أحمد في غير موضع في الصوم على مثل ذلك.
    وهذا لأن لفظ الناذر اقتضى اعتكاف جميع اليوم كما اقتضى صوم جميع اليوم, وقد تعذر ذلك؛ فعليه القضاء في الاعتكاف, كما عليه قضاء الصوم والكفارة لفوات المعين. . . .

    مسألة:

    ويستحب للمعتكف الاشتغال بالقرب واجتناب ما لا يعنيه من قول أو فعل.
    فيه فصلان:
    أحدهما: أن الذي ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالعبادات المحضة التي بينه وبين الله تعالى؛ مثل: القرآن, وذكر الله تعالى, والدعاء, والاستغفار, والصلاة والتفكر, ونحو ذلك.

    فأما العبادات المتعلقة بالناس؛ مثل: إقراء القرآن, والتحديث, وتعليم العلم, وتدريسه, والمناظرة فيه, ومجالسة أهله: إذا قصد به وجه الله تعالى, لا المباهاة؛ فقال الآمدي: هل الأفضل للمعتكف أن يشتغل بإقراء القرآن والفقه أو يشتغل بنفسه؟ على روايتين:
    إحداهما: يشتغل بإقراء الفقه. وهذا اختيار الآمدي وأبي الخطاب؛ لأن هذا يتعدَّى نفعه إلى الناس, وما تعدى نفعه من الأعمال أفضل مما اقتصر نفعه على صاحبه.

    والثانية: لا يستحب له ذلك. وهذا هو المشهور عنه, وعليه جمهور أصحابنا؛ مثل: أبي بكر, والقاضي, وغيرهما.
    قال القاضي والشريف وغيرهما: يكره ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف؛ دخل معتكفه, واشتغل بنفسه, ولم يجالس أصحابه, ولم يحادثهم كما كان يفعل قبل الاعتكاف, ولو كان ذلك أفضل؛ لفعله, ولأن الاعتكاف هو من جنس الصلاة والطواف, ولهذا قرن الله تعالى بينهما في قوله: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية 125].
    ولما كان في الصلاة والطواف شغل عن كلام الناس, وكذلك الاعتكاف, وذلك أنها عبادة شرع لها المسج
    د, فلا يستحب الإِقراء حين التلبس بها كالصلوات والطواف.
    قال القاضي: لا خلاف أنه يكره أن يهدي القرآن وهو يصلي أو يطوف, كذلك الاعتكاف, ولأن العكوف على الشيء هو الإِقبال عليه على وجه المواظبة, ولا يحصل ذلك للعاكف إلا بالتبتل إلى الله سبحانه وترك الاشتغال بشيء آخر.

    وأما كون النفع المتعدي أفضل؛ فعنه أجوبة:
    أحدها: أنه لا يلزم من كون الشيء أفضل أن يكون مشروعاً في كل عبادة, بل وضع الفاضل في
    غير موضعه يجعله مفضولاً, وبالعكس.
    ولهذا؛ قراءة القرآن أفضل من التسبيح, وهي مكروهة في الركوع والسجود, ولهذا لا يشرع هذا في الصلاة والطواف, وإن كانا أفضل من الصلاة والطواف النافلتين.
    الثاني: أن كونهما أفضل يقتضي الاشتغال بهما عن الاعتكاف.
    قال الآمدي: لا تختلف الرواية أن من أراد أن يبتدئ الاعتكاف؛ فتشاغله بإقراء القرآن أفضل من تشاغله بالاعتكاف.
    قال أحمد في رواية المروذي؛ وقد سئل عن رجل يقرئ في المسجد, ويريد أن يعتكف؟ فقال: إذا فعل هذا؛ كان لنفسه, وإذا قعد؛ كان له ولغيره, يقرئ أعجب إليَّ.

    وفي لفظ: لا يتطيب المعتكف, ولا يقرئ في المسجد وهو معتكف, وله أن يختم في كل يوم, فإذا فعل ذلك؛ كان لنفسه, وإذا قعد في المسجد؛ كان له ولغيره, يقعد في المسجد يقرئ أحب إليَّ من أن يعتكف.
    الثالث: أن النفع المتعدي ليس أفضل مطلقاً, بل ينبغي للإِنسان أن يكون له ساعات يناجي فيها ربه, ويخلو فيها بنفسه ويحاسبها, ويكون فعله ذلك أفضل من اجتماعه بالناس ونفعهم, ولهذا كان خلْوة الإِنسان في الليل بربه أفضل من اجتماعه بالناس. . . .


    * فصل:
    قال أحمد في رواية ابن حرب: المعتكف إذا أراد أن ينام؛ نام متربعاً؛ لئلا [تبطل] عليه الطهارة, فإذا كان نهاراً, وأراد أن ينام؛ فلا بأس أن يستند إلى سارية, ويكون ماء طهارته معلوماً؛ لئلا يقوم من نومه وليس معه ماء
    .
    قال علي بن حرب: إنما أراد أحمد أن يكون ماؤه معلوماً, لا يكون يستيقظ يشتغل قلبه بالطلب.
    قال أبو بكر: لا ينام إلا عن غلبة, ولا ينام مضطجعا, ويكون الماء منه قريباً؛ لأن الله سمى العاكف قائ
    ماً, والقائم هو الواقف للشيء المراعي له, والنوم يضيع ذلك عليه, ولأن العكوف على الشيء هو القيام عليه على سبيل الدوام, وذلك لا يكون من النائم.
    نعم؛ يفعل منه ما تدعو إليه الضرورة؛ كما يخرج من المسجد لضرورة.
    ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف العشر الأواخر؛ أحيا الليل كله, وشد المئزر.
    فإن شق عليه النوم قاعداً:

    851 - عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف؛ طرح له فراش, ويوضع له سريره وراء أسطوانة [التوبة]». رواه ابن ماجه.

    *الفصل الثاني:
    أنهه ينبغي له اجتناب ما لا يعنيه من القول والعمل؛ فإن هذا مأمور به في كل وقت.
    852 - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
    ». رواه أبو داود.
    وقال أحمد في رواية المروذي: يجب على المعتكف أن يحفظ لسانه, ولا يؤويه إلا سقف المسجد, ولا ينبغي له إذا اعتكف أن يخيط أو يعمل.
    قال أصحابنا: ولا يستحب له أن يتحدث بما أحب, وإن لم يكن مأثماً, ويكره لكل أحد السباب والجدال والقتال والخصومة, وذلك للمعتكف أشد كراهة.
    853 - قال علي رضي الله عنه: «أيما رجل اعتكف؛ فلا يساب ولا يرفث في الحديث,
    ويأمر أهله بالحاجة (أي: وهو يمشي) , ولا يجلس عندهم». رواه أحمد.
    قالوا: ويجوز الحديث ما لم يكن إثماً.
    854 - لحديث صفية: أنها زارت النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً في معتكفه فحدثته.

    قال أحمد في رواية الأثرم: لا بأس أن يقول للرجل: اشتر لي كذا, واصنع كذا.
    وفي معنى ذلك ما يأمر به مما يحتاجه أو يأمر بمعروف من غير إطالة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان معتكفاً؛ أطلع رأسه من القبة, وقال: «من كان اعتكف معي؛ فليعتكف العشر الأواخر. . .» الحديث, وتحدث مع
    صفية بنت حُيي.
    قالوا: فإن خالف وخاصم أو قاتل؛ لم يبطل اعتكافه؛ لأن ما لا يبطل العبا
    دة مباحه لا يبطلها محظوره؛ كالنظر, وعكسه الجماع.
    فأما الصمت عن كل كلام؛ فليس بمشروع في دين الإِسلام.
    قال ابن عقيل: يكره الصمت إلى الليل.
    وقال غيره من أصحابنا: بل يحرم مداومة الصمت.
    والأشبه: أنه عن صمت عن كلام واجب - كأمر بمعروف ونهي عن منكر وتعين عليه ونحو ذلك -؛ حرم, وإن سكت عن مستحب أو فرض قام به غيره - كتعليم العلم والإِصلاح بين الناس ونحو ذلك -؛
    فهو مكروه.
    فإن أراد المعتكف أن يفعل ذلك؛ لم يستحب ل
    ه ذلك, وهو مكروه أو محرم.
    855 - وذلك لما روي عن علي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «لا صمات يوم إلى الليل». رواه أبو داوود.
    856 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائماً في الشمس, فقال: «منْ هذا؟». قالوا: هذا أبو إسرائيل؛ نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال: «مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه». رواه البخاري.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 776الى صــ 785
    (54)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (24)








    857 - وعن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصوم
    يوم الجمعة ولا أكلم ذلك اليوم أحداً؟ فقال: «لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها أو في أو في شهر, وأما [أن] لا تكلم أحداً؛ فلعمري؛ لأن تكلم بمعروف وتنهى عن منكر خير من أن تسكت». رواه أحمد.
    858 - وعن قيس بن أبي حازم؛ قال: «دخل أبو بكر على امرأة من أحمس, فقال لها: زينب! فأبت أن تتكل
    م. فقال: ما بال هذه؟ قالوا: حجت مصمتة. فقال لها: تكلمي؛ فإن هذا لا يحل, هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت». رواه البخاري.
    فقد بينت الأخبار أن هذا منهي عنه في الصوم والإِحرام وفي غيرها.
    ويتوجه أن يباح هذا للمعتكف؛ لأنه بمنزلة الطائف والمصلي؛ خلاف الصائم والمحرم. . . .

    وأما قول مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: رقم 26]؛ أي:صمتاً؛ فذاك كان في شريعة من قبلنا, وقد نسخ ذلك في شرعنا.
    قال ابن عقيل وغيره من أصحابنا: ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً عن الكلام؛ لأنه استعمال له في غير ما وضع له؛ فأشبه استعمال المصحف في التوسد والوزن ونحو ذلك.

    859 - وقد جاء: «لا تناظر بكتاب الله».
    قيل: معناه: لا تتكلم به عن الشيء تراه كأنك ترى رجلاً قد جاء في وقته, فتقول: لقد جئت على قدر يا موسى.
    قال ابن عقيل: كان أبو إسحاق الخراز صالحاً, وكان من عادته الإِمساك عن الكلام في شهر رمضان, فكان يخاطب بآي القرآن فيما يعرض له من الحوائج, فيقول في إذنه: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} , ويقول لابنه في عشية الصوم: {مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا}؛ آمراً له أن يشتري البقل. فقلت له: هذا تعتقده عبادة وهو معصية. فصعب عليه, فقلت: إن هذا القرآن العزيز نزل في بيان أحكام شرعية, فلا يستعمل في أ
    عراض دنيوية, وما هذا إلا بمثابة صرك السدر والأشنان في ورق المصحف. فهجرني ولم يصغ إلى الحجة.
    * فصل:
    قال أحمد في رواية حنبل: يعود المريض, ولا يجلس, ويقضي الحاجة, ويعود إلى معتكفه, ولا يشتري ولا يبيع؛ إلا أن يشتري ما لا بد له منه؛ طعام أو نحو ذلك.
    وقال في رواية المروذي: لا ينبغي له إذا اعتكف أن يخيط أو يعمل.
    وقال أبو طالب: سألت أحمد عن المعتكف يعمل عمله من الخياطة وغيره؟ قال: ما يعجبني. قلت: إن كان يحتاج؟ قال: إن كان يحتاج؛ فلا يعتكف.

    قال أصحابنا: ولا يتجر, ولا يصنع صناعة؛ لسببين:
    أحدهما: أن التجارة والصناعة تشغل عن مقصود الاعتكاف, فلا يفعله في المسج
    د, ولا إذا خرج منه لحاجة.
    والثاني: أن ذلك ممنوع منه في المسجد.
    فأما البيع والشراء؛ فقال القاضي وابن عقيل: لا يجوز ذلك في المسجد, سواء في ذلك اليسير - مثل الثوب ونحوه - والكثير, وكذلك لا يجوز له فعل الخياطة فيه, سواء كان محتاجاً أو غيره, وسواء قل أو كثر؛ لأن في ذلك فعل معيشة في المس
    جد, وكذلك الرقوع ونحوه. . . فيمنع من البيع والشراء في المسجد مطلقاً, ويحتمل كلام أحمد. . . .
    فأما خارج المسجد؛ فيجوز له أن يشتري ما لا بدَّ منه.
    فأما شراء خادم لأهله وكسوة ونحو ذلك مما لا يتكرر أو شراء طعام لهم. . . .
    وإذا خاط ثوبه أو رقعه أو فعل نحو ذلك مما لا يتكسب به؛ فقيل: يجوز اليسير منه.
    [وإذا كان به حاجة إلى الاكتساب والاتجار؛ فلا يعتكف].

    قال أصحابنا: وله أن يتزوج في المسجد, وأن يزوج غيره, وأن يشهد النكاح؛ لأنها عبادة لا تحرم الطيب, فلم تمنع النكاح والصيام, وعكسه الإِحرام أو العدة. . . .
    وإذا اتجر أو اكتسب في المسجد؟ فهل يبطل اعتكافه؟. . . .
    وإن فعل ذلك خروجاً لأمد قضاء الحاجة أو خروجاً يمتد للحيض والفتنة. . . .


    * فصل:
    ويجوز للمعتكف أن يغسل رأسه ويرجله حال الاعتكاف:
    860 - لما روي عن عائشة رضي الله عنها: «أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم و
    هي حائض, وهو معتكف في المسجد, وهي في حجرتها, يناولها رأسه, وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان إذا كان معتكفاً». متفق عليه.
    وفي لفظ للبخاري: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه وهو في المسجد, فأرجله, وكان يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً».
    وفي لفظ له: «كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف, فأغسله وأنا حائض».
    قال ابن عقيل: ويجوز غسل جسده والتنظيف بأنواع التنظ
    يف.
    وفي معنى ذلك أخذ الشارب وتقليم الأظفار والاغتسال؛ لأن هذا من باب النظافة والطهارة, وهذا مما يستحب للمعتكف.
    قال ابن عقيل: لأنها عبادة لا تحرم الطيب, والطيب أكثر من التنظيف, فكان من طريق الأولى أن لا يحرم الغسل والتنظيف.
    وأما الطيب:

    فقال في رواية المروذي: لا يتطيب المعتكف, ولا يقرئ في المسجد وهو معتكف.
    وكذلك ذكر أبو بكر. ذكرها القاضي في بعض المواضع.
    وقال القاضي وابن عقيل وغيرهما: لا يحرم عليه الطيب؛ لأن الاعتكاف لا يحر
    م عقد النكاح فلا يحرم الطيب.
    قالوا: والمستحب له أن لا يلبس الرفيع من الثياب, ولا يتطيب؛ لأنها عبادة تختص بلبث في مكان مخصوص, فلم يكن الطيب والرفيع من الثياب فيها مشروعاً؛ كالحج.
    فإن كان المعتكف قد حبس نفسه باعتكافه كما حبس المحرم نفسه بإحرامه, وهذا لأن الاعتكاف يحرم الوطء وما دونه, والطيب من دواعيه, فإذا لم يحرمه؛ فلا أقل من أن لا يستحب.
    وأن يخرج إلى المصلى في ثياب اعتكافه, ولا يجدد ثياباً غيرها حتى يرجع إلى المصلى, ولا يحرم
    عليه شيء من اللباس المباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف إلى أن مات, ولم ينقل عنه أنه تجرد لاعتكافه.
    قالوا: وله أن يأكل ما شاء كالمحرم.
    وقال أبو بكر: يمنع نفسه عن التلذذ بما هو مباح قبل الاعتكاف.


    مسألة:
    ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد له منه؛ إلا أن يشترط.
    وجملة ذلك أن الاعتكاف هو لزوم المسجد للعبادة, فمتى خرج منه لغير فائدة؛ بطل اعتكافه, سواء طال لبثه أو لم يطل؛ لأنه لم يبق عاكفاً في المسجد.

    861 - وقد روت عائشة رضي الله عنها: «أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي ح
    ائض, وهو معتكف في المسجد, وهي في حجرتها, يناولها رأسه, وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان إذا كان معتكفاً». متفق عليه.
    وفي لفظ للبخاري: وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً.
    862 - وقد تقدم قولها: «لا يخرج لحاجة؛ إلا لما لا بد له منه». رواه أبو داوود.
    فأما خروجه لما لا بد له منه مما يعتاد الاحتياج إليه, ولا يطول زمانه, وهو حاجة الإِنسان, وصلاة
    الجمعة؛ فيجوز, ولا يقطع عليه اعتكافه, ولا يبطله, ويكون في خروجه في حكم المعتكف بحيث لا يقطع عليه التتابع المشروع وجوباً واستحباباً.

    ولا تجوز له المباشرة, ولا ينبغي أن يشتغل إلا بالقرب وما يعنيه؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: رقم 187]؛ فنهى عن المباشرة لمن اعتكف في المسجد, وإن كان في غيره؛ لأن المباشرة في نفس المسجد لا تحل للعاكف ولا غيره.
    فعلم من هذا أن العاكف في المسجد قد يكون في حكم العاكف مع خروجه منه, حتى تحرم عليه المباشرة.
    وقد ذكرت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان؛ تع
    ني: الغائط والبول, كُني عنهما بالحاجة؛ لأن الإِنسان يحتاج إليهما لا محالة.
    وتقدم الدليل على أن له أن يخرج للجمعة.
    ومثل هذا المصلي صلاة الخوف إذا استدبر القبلة ومشى مشياً كثيراً؛ فإنه لا يخرج عن حكم الصلاة - وإن كانت هذه الأفعال تنافي الصلاة - [لكنها] أبيحت للضرورة.

    وكذلك؛ الطائف إذا صلى في أثناء صلاة مكتوبة أقيمت أو جنازة حضرت؛ فإنه طواف واحد, وإن تخلله هذا العمل المشروع.
    وكذلك إذا قطع الموالاة في قراءة الفاتحة لاستماع قراءة الإِمام ونحو ذلك.
    وفي معنى ذلك كل ما يحتاج إلى الخروج له, وهو ما يخاف من تركه ضرراً في دينه أو دنياه, فيدخل في ذلك الخروج لفع
    ل واجب وترك محرم وإزالة ضرر؛ مثل: الحيض, والنفاس, وغسل الجنابة, وأداء شهادة تعينت عليه, وإطفاء حريق, ومرض شديد, وخوف على نفسه من فتنة وقعت, وجهاد تعين, وشهود جمعة, وسلطان أحضره, وحضور مجلس حكم, وقضاء عدم الوفاء, وغير ذلك؛ فإنه يجوز له الخروج لأجله, ولا يبطل اعتكافه, لكن منه ما يكون في حكم المعتكف إذا خرج بحيث يحسب له من مدة الاعتكاف ولا يقضيه - وهو ما لا يطول زمانه -, ومنه ما ليس كذلك - وهو ما يطول زمانه -؛ كما سنذكر إن شاء الله تعالى.
    ويدل على جواز الخروج لا يعرض من الحاجات, وإن لم يكن معتاداً, مع احتسابه من المدة



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 786الى صــ 795
    (55)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (25)



    863 - ما روى علي بن الحسين: أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان, فتحدثت عنده ساعة, ثم قامت تنقلب, فقام النبي صلى الله علي
    ه وسلم معها يقلبها, حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة؛ مرَّ رجلان من الأنصار, فسلما عللا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما؛ إنها صفية بنت حيي». فقالا: سبحان الله! وكَبُر عليهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من الإِنسان مجرى الدم, وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئاً». رواه الجماعة إلا الترمذي.
    وفي رواية متفق عليها: وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد.

    وفي لفظ للبخاري: كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عنده أزواجه, فرحن, فقال لصفية بنت حيي: «لا تعجلي حتى أنصرف معك» , وكان بيتها في دار أسامة بن زيد, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معها, فلقيه رجلان. . . (وذكر الحديث).
    وهذا صريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معها من المسجد, وأن قولها: «حتى بلغت باب المسجد عند باب أ
    م سلمة»؛ تعني: باباً غير الباب الذي خرج منه؛ فإن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت شرقي المسجد وقبلته, وكان للمسجد عدة أبواب, أظنها ستة, فيمر على الباب بعد الباب, والرجلان رأيا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المرأة خارج المسجد؛ فإنه لو كان في المسجد؛ لم يحتج إلى هذا الكلام.
    وقوله: «لا تعجلي حتى أنصرف معك» , وقيامه معها ليقلبها: دليل على أن مكانها كان بينه وبين المسجد مسافة يخاف فيها من
    سير المرأة وحدها ليلاً, وذلك والله أعلم قبل أن يتخذ حجرتها قريباً من المسجد, ولهذا قال: «كان مسكنها في دار أسامة».
    وهذا كله مبين لخروجه من المسجد؛ فإن خروجه إلى مجرد باب المسجد لا فائدة فيه, ولا خصوص لصفية فيه لو كان منزلها قريباً دون سائر أزواجه, فهذا خروج للخوف على أهله, فيلحق به كل حاجة.

    ولا يجوز أن يقال: اعتكافه كان تطوعاً, وللمتطوع أن يدع الاعتكاف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظ اعتكافه مما ينقصه, ولهذا كان لا يدخله إلا لحاجة, ويصغي رأسه إلى عائشة لترجله, ولا يدخل.
    ولأنه لو ترك الاعتكاف ساعة؛ لم يكن قد اعتكف العشر الأواخر, وهو صلى الله عليه وسلم كان يعت
    كف العشر الأواخر.
    ثم إنه كان يقضي هذا الاعتكاف إذا فاته؛ فكيف يفسده أو يترك منه شيئاً؟!
    على أن أحداً من الناس لم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان ترك اعتكافه بخروجه مع صفية؛ فإن العمدة في صفة الاعتكاف فرضه ونفله على اعتكافه صلى الله عليه وسلم, كيف وقد كان إذا عمل عملاً أثبته صلى الله عليه وسلم.

    * فصل:
    وأما عيادة المريض وشهود الجنازة؛ ففيه روايتان منصوصتان:

    إحداهما: يجوز.

    قال في رواية ابن الحكم: المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة.
    864 - ويروى عن عاصم بن ضمرة, عن علي رضي الله عنه «المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة والجمعة». وعاصم بن ضمرة عندي حجة.
    وقال حرب: سل أحمد عن المعتكف يشهد الجنازة ويعود المريض ويأتي الجمعة؟ قال: نعم. ويتطوع في مسجد الجامع؟ قال: نعم؛ أرجو أن لا يضره. قيل: فيشترط المعتكف الغداء أو العشاء في منزله؟ فكره ذلك. قيل: فيشترط الخياطة في المسجد؟ قال: لا أدري. قيل: فهل يكون اعتكاف إلا بصيام؟ قال: قد اختلفوا فيه.

    وكذلك نقل عن الأثرم: يخرج لصلاة الجنازة.
    وقال في رواية حنبل: ويعود المريض, ولا يجلس, ويقضي الحاجة, ويعود إلى معتكفه, ولا يشتري, ولا يبيع؛ إلا أن يشتري ما لا بد له منه؛ طعام أو نحو ذلك, وأما التجارة والأخذ والعطاء؛ فلا يجوز شيء من ذلك
    .
    والرواية الثانية: لا يجوز ذلك إلا بشرط.

    قال في رواية المروذي في المعتكف: يشترط أن يعود المريض ويتبع الجنازة؟ قال: أرجو. كأنه لم ير به بأساً.
    ويشبه أن تكون هي الآخرة؛ لأن ابن الحكم قديم.
    وهذه اختيار عامة أصحابنا: الخرقي, وأبي بكر, وابن أبي موسى, والقاضي, وأصحابه, وغيرهم.
    لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان.
    فعلم أن هذه سنة الاعتكاف, وفعله يفسر الاعتكاف المذكور في القرآن.

    وقد تقدم حديث عائشة رضي الله عنها على المعتكف: «أن لا يعود مريضاً, ولا يشهد جنازة, ولا يمس امرأة, ولا يباشرها, ولا يخرج إلا لما لا بد منه».

    865 - وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة, والمريض فيه, فما أسأل عنه إلا وأنا مارة». متفق عليه.
    866 - وعنها؛ قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف, فيمر كما هو, ولا يعرج يسأل عنه». رواه أبو داوود, عن ليث بن أبي سليم, عن ابن القاسم, عن أبيه, عن عائشة.
    وفي لفظ: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف».
    ولأنه خروج لما له منه بد, فلم يجز؛ كما لو خرج لزيارة والديه أو صديقه أو طلب العلم ونحو
    ذلك من القرب.
    فعلى هذا: إذا خرج لحاجة؛ فله أن يسأل عن المريض في طريقه, ولا يجلس عنده, ولا يقف أيضاً, بل يسأل عنه مارّاً؛ لأنه [مقيم] لغير حاجة.
    وقد ذكر عائشة مثل ذلك.
    وقول أحمد: «يعود المريض ولا يجلس»: دليل على جواز الوقوف؛ إلا أ
    ن يحمل على الرواية الأخرى.
    ووجه الرواية الأولى: ما احتج به أحمد, وهو ما رواه عاصم بن ضمرة, عن علي رضي الله عنه؛ قال: «إذا اعتكف الرجل؛ فليشهد الجمعة, وليحضر الجنازة, وليعد المريض, وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم».
    867 - وعن عبد الله بن يسار: «أن عليّاً أعان ابن أخيه جعدة بن هبيرة بسبع مائة درهم من عطائه أن يشتري خادماً, فقال له: ما منعك أن تبتاع خادماً؟! فقال: إني كنت معتكفاً. قال: وما عليك لو خرجت إلى ال
    سوق فابتعت؟!».
    868 - وعن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال, وهي له [و] إن لم يشترط: عيادة المريض, ولا يدخل سقفاً, ويأتي الجمعة, ويشهد الجنازة, ويخرج في الحاجة».
    869 - قال: وكان إبراهيم يقول: «لا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة أو سقف المسجد». رواهن سعيد.

    870 - وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض». رواه ابن ماجه, وراويه متروك الحديث.
    وأيضاً؛ فإن هذا خروج لحاجة لا تتكرر في الغالب, فلم يخرج به عن كونه معتكفاً؛ كالواجبات.
    وذلك أن عيادة المريض من الحقوق التي تجب للمسلم على المسلم, وكذلك عيادة المريض. . .؛ فعلى
    هذه الرواية هل يقعد عنده؟. . . .
    وإن تعين عليه الصلاة على الجنازة, وأمكنه فعلها في المسجد؛ لم يجز الخروج إليها, وإن لم يمكنه؛ فله الخروج إليها.
    وكذلك يخرج لتغسيل الميت وحمله ودفنه إذا تعيَّن ع
    ليه.
    وأما إذا شرط ذلك؛ فيجوز في المنصوص المشهور كما تقدم.
    وقال في رواية الأثرم: يشترط المعتكف أن يأكل في أهله, ويجوز الشرط في الاعتكاف.
    وحكى الترمذي وابن المنذر عن أحمد. . . .
    871 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة: «حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني؛ فإن لك على ربك ما اشترطت».
    عام, فإذا كان الإِحرام الذي هو ألزم العبادات بالشروع يجوز مخالفة موجبه بالشرط؛ فالا
    عتكاف أولى.
    872 - [وعن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال, وهي له إن لم يشترط: عيادة المريض, ولا يدخل سقفاً, ويأتي الجمعة, ويشهد الجنازة, ويخرج في الحاجة».]
    وكان إبراهيم يقول: «لا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة أو سقف المسجد». رواه سعيد.


    * فصل:
    قال أبو بكر: لا يقرأ القرآن, ولا يكتب الحديث, ولا يجالس العلماء,
    ولا يتطيب, ولا يشهد جنازة, ولا يعود مريضاً؛ إلا أن يشترط في اعتكافه.
    ذكر ابن حامد والقاضي وغيرهما: أن له أن يشترط كل ما في فعله قربة؛ مثل: العيادة, وزيارة بعض
    أهله, وقصد بعض العلماء.
    وقسموا الخروج ثلاثة أقسام:
    أحدها: ما يجوز بالشرط ودونه ولا يبطل الاعتكاف.
    وهو الخروج لما لا بد منه من قضاء الحاجة والخوف والمرض ونحو ذلك مما تقدم.
    والثاني: ما لا يجوز الخروج إليه إلا بشرط.
    وهو عيادة المريض, وزيارة الوالدة, واتباع الجنازة.

    والثالث: ما لا يجوز الخروج إليه بشرط وبغير شرط, ومتى خرج إليه؛ بطل اعتكافه.
    وهو اشتراط ما لا قربة فيه؛ كالفرجة والنزهة والبيع في الأسواق.
    وكذا لو شرط أن يجامع متى شاء.

    قال بعض أصحابنا: وكذا إن شرط التجارة في المسجد أو التكسب بالصنعة فيه أو خارجاً منه.
    وأما المنصوص عن أحمد, والذي ذكره قدماء وأصحابه؛ فهو اشتراط عيادة المريض واتباع الجنازة.
    قال ابن عقيل: وزاد ابن حامد فقال: ولا بأس أن يشترط زيارة أهله لأنه لما كان له أن ي
    شترط قطعه والخروج منه؛ كان له أن يشترط تحلل القربة له.
    قال: والجواب عما ذكره ابن حامد: أنه ليس إذا ملك أن يقطع الاعتكاف, يملك أن يشترط شيئاً يبطل مثله الاعتكاف مع عدم الشرط؛ كما أنه يجوز أن يشترط يوماً ويوماً لا, ولا يملك أن يطأ في اليوم الذي لم ينذر اعتكافه, ومع هذا لا يملك أن يطأ.
    فأما اشتراط المباح؛ على ما ذكره القاضي: لا يجوز.
    وقال بعض أصحابنا: يجوز شرط ما يحتاج إليه؛ كالأكل والمبيت في المنزل؛ لأن الاعتكاف يجب بعقده, فكان الشرط إليه فيه كالوقف.
    ولأنه لا يختص بقدر, فإذا شرط الخروج؛ فكأنه نذر القدر الذي أقامه.

    أما الأكل؛ ففيه عن أحمد روايتان؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
    وأما المبيت؛ فقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن المعتكف يشترط أن يأكل في أهله؟ قال: إذا اشترط؛ فنعم. قيل له: وتجيز الشرط في الاعتكاف؟ قال: نعم. قلت له: فيبيت في أهله؟ قال: إذا كان تطوعاً؛ جاز.

    فأخذ بعض أصحابنا من هذا جواز شرط المبيت لجواز شرط الأكل, [و] ليس بجيد؛ فإن أحمد أجاز الأكل بالشرط مطلقاً, وأجاز المبيت في الأهل إذا كان متطوعاً, ولم يعلقه بشرط, فعلم أنه لا يجوز في النذر.
    وليس هذا لأجل الشرط, بل لأن التطوع له تركه متى شاء؛ فإذا بات في أهله؛ كأنه يعتكف النهار دون الليل.
    ولو نذر أن يعتكف عشرة أيام يبيت بالليل عند أهله؛ يكون قد نذر اعتكاف الأيام دون الليالي, فيكون اعتكاف كل يوم اعتكافاً جديداً يحتاج إلى نية مستأنفة.
    وإذا خرج بالليل؛ لم يكن معتكفاً, حتى لو جامع أهله فيه؛ كان له ذلك.
    فأما جواز المبيت في أهله, مع كونه معتكفاً؛ فهذا إخراج للاعتكاف عن حقيقته. . . .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 796الى صــ 805
    (56)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (26)


    * فصل:
    فإن قال: عليَّ أن أعتكف شهر رمضان إن لم أكن مريضاً أو مسافراً, أو أصوم شعبان إن لم أكن مريضاً أو مسافراً, أو أتصدق بكذا إن لم يحتج إليه؛ جاز؛ لأن النذر عقد من العقود, يصح تعليقه بشرط؛ فلأن يصح الاستثناء فيه والاشترا
    ط أولى وأحرى.
    وإن قال: عليَّ أن أعتكف هذا الشهر على أني متى عرض لي ما يمنعني المقام خرجت؛ جاز ذلك؛ كما لو قال في الحج: إن حبسني حابس؛ فمحلي حيث حبستني, ويكون فائدة ذلك أنه لا يلزمه قضاء ولا كفارة.


    مسألة:
    ولا يباشر امرأة.
    والأصل في هذا قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: رقم 187].
    فلا يحل له في المسجد ولا خارجاً منه إذا خرج خروجاً لا يقطع الاعتكاف أن يباشرها بوطء ولا لمس ولا قبلة لشهوة, بل ذلك حرام عليه.
    873 - قال قتادة في قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}؛ قال: «كان الناس إذا اعتكفوا يخرج أحدهم فيباشر أهله, ثم يرجع إلى المسجد, فنهاهم الله تعالى عن ذلك».

    874 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: «إذا جامع المعتكف؛ بطل اعتكافه, واستأنف الاعتكاف». رواهما إسحاق بن راهوية.
    875 - فأما إن مسها لغير شهوة, مثل أن يناولها حاجة أو تناوله؛ فلا بأس؛ لحديث عائشة.
    والوطء يبطل الاعتكاف بإجماع أهل العلم. ذكره ابن المنذر
    .
    لأنها عبادة حرم فيها الوطء فأبطلها كالصوم والإِحرام.
    فأما المباشرة دون الفرج؛ كالقبلة واللمس؛ فإنها لا تبطله فيما ذ كره القاضي ومن بعده من أصحابنا؛ كما لا يبطل الإِحرام والصيام؛ إلا أن يقترن بها الإِنزال؛ فإن أنزل؛ فسد الاعتكاف كما يفسد الصيام بالإِنزال, وكذلك الحج في رواية, وفي الرواية الأخرى الحج آكد في اللزوم؛ فإنه لا يخرج منه بالإِفساد؛ بخلاف الاعتكاف؛ فإنه لو خرج من المسجد أو جامع؛ خرج من الاعتكاف, ولو أراد الخروج من تطوعه؛ كان له ذلك.
    ويبطل الاعتكاف بالوطء؛ سواء عامداً أو ناسياً أو عالماً أو جاهلاً عند أصحابنا, وهو ظاهر كلامه؛ كما قلنا في الإِحرام والصيام.
    ويتخرج. . . .

    وإن باشر ناسياً فأنزل؛ فقياس المذهب أن ما كان منه ملحقاً بالوطء يستوي فيه عمده وسهوه, وهو جميع المباشرة في رواية, أو الوطء دون الفرج في رواية.
    وما كان منه مفارقاً للجماع في وجوب الكفارة به في الصيام.
    وإن خرج من المسجد ناسياً؛ ففيه وجهان:

    أحدهما: لا يبطل اعتكافه. قاله القاضي في «المجرد»؛ لأن الاعتكاف منع من شيئين: المباشرة والخروج؛ كما منع الصوم والمباشرة والأكل, فلما كان أكل الصائم ناسياً لا يبطل صومه؛ بخلاف الجماع؛ فكذلك خروجه من المسجد, والجاهل بأنه محرم. . . .
    والثاني: يبطل اعتكافه. قاله القاضي في «خلافه» والشريف وأبو جعفر وأبو الخطاب وابن عقيل, حتى ج
    علوه أوكد من الجماع؛ لأن اللبث في المسجد من باب المأمور به, فيستوي في تركه العمد والخطأ؛ كترك أركان الصلاة وأركان الحج وواجباته؛ بخلاف الجماع؛ فإنه من المنهي عنه.
    وسواء في ذلك إن نسي المسجد أو نسي أنه معتكف (. . .).
    فإن أكره على الخروج؛ لم يبطل اعتكافه, سواء أكره بحق؛ مثل إحضاره مجلس الحكم, أو بباطل؛ بأن يحمل أو يكره على الخروج لمصادرة أو تسخير.
    فأما إن أمكنه الامتناع بأداء ما وجب عليه أو بغير ذلك, بأن يكون عليه حق, وهو قادر على وفائه, فيمتنع حتى يخرجه الخصم إلى مجلس الحكم؛ بطل اعتكافه.


    * فصل:
    وإذا أبطل اعتكافاً لزمه قضاؤه؛ فهل عليه كفارة؟ على روايتين:
    إحداهما: لا كفارة عليه.
    قال في رواية أبي داود: إذا جامع المعتكف؛ فلا كفارة عليه؛ لأنه لا نص في وجوب الكفارة ولا إجماع ولا قياس صحيح.
    لأنها إن قيست على الصيام؛ فالصوم لا تجب الكفارة بالوطء فيه إلا نهار رمضان خاصة, ولهذا ت
    جب على من وجب عليه الإِمساك, وإن لم يكن صائماً, فكانت الكفارة لحرمة الزمان لا لحرمة جنس الصوم.
    وإن قيست على الحج؛ فالحج يلزم جنسه بالشروع, ثم الكفارة الواجبة فيه ليس
    ت من جنس كفارة الحج.
    وأيضاً؛ فالحج والصيام عبادتان عظيمتان, يجب جنسهما بالشرع, ويدخل المال في جبرانهما؛ بخلاف الاعتكاف. ثم ليس إلحاقه بالحج والصيام بأولى من إلحاقه بالطواف والصلاة والطهارة؛ فإنه لو نذر أن يبقى يوماً متطهراً, ثم أفسد طهارته؛ م تجب عليه كفارة. . . .
    والرواية الثانية: عليه الكفارة, وهي اختيار القاضي وأصحابه.
    وحكى ابن أبي موسى وغيرهما هذه الرواية: أنه يلزمه كفارة الظهار, سواء وطئ ليلاً أو نهاراً, عامداً أو ساهياً.
    قال ابن أبي موسى: وهو مذهب الزهري.

    876 - وذكر إسحاق عن الزهري في الرجل يقع على امرأته وهو معتكف؟ قال: «لم يبلغنا في
    ذلك شيء, ولكنا نرى أن يعتق رقبة, مثل الذي يقع على أهله في رمضان».
    877 - وعن الحسن: «إذا واقعها وهو معتكف؛ يحرر محرراً».
    وذك لأنها عبادة مقصودة يحرم فيها الوطء ويفسدها, فوجب فيها كفارة كالصيام والحج, ولا ينتقض بالطواف والصلاة؛ لأن الواطئ إنما يفسد الطهارة, وفساد الطهارة يفسد الصلاة والطواف.
    والطهارة ليست عبادة مقصودة لنفسها, أو يقال: عبادة لا تشترط لها الطهارة, ويحرم الوطء, فأشبه الصيام والحج.
    وهذا لأن العاكف قد منه نفسه من الخروج, كما منع الصائم نفسه عن الأكل والشرب والنكاح, ومنع الم
    حرم نفسه عن اللباس والطيب والنكاح وغيرها.
    878 - ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في العاكف: «هو يعكف الذنوب».
    879 - كما قال في الصوم: «الصوم جنة».

    ولهذا كره للصائم والعاكف والمحرم فضول القول والعمل منصوصاً في الكتاب والسنة, ولهذا قرن العكوف بالصيام: إما وجوباً, أو استحباباً مؤكداً, وجمع بينهما في آية واحدة, وقرن بالحج في قوله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ } [البقرة: 125].
    ولفظ هذه الرواية فيما ذكره القاضي: قال في رواية حنبل: وذكر له قول ابن شهاب: «من أصاب في اعتكافه؛ فهو كهيئة المظاهر» , فقال أبو عبد الله: وإذا كان نهاراً أوجبت عليه الكفارة.

    وقال في موضع آخر في مسائل حنبل: إذا واقع المعتكف أهله؛ بطل اعتكافه, وكان عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك, ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً وليس هو واجباً فتجب عليه الكفارة.
    ولأصحابنا في تفسير هذا الكلام ثلاثة طرق:

    أحدها: أن قوله: «لا كفارة عليه إذا كان ليلاً, ليس هو واجباً عليه فتجب عليه الكفارة»: دليل على أن الكفارة تجب في الواجب وإن كان ليلاً.
    وقوله في اللفظ الآخر: «وإذا كان نهاراً وجبت عليه الكفارة»: قصد به إذا كان الاعتكاف واجباً عليه أو لم يوجبه على نفسه ليلاً, فأما إذا وجب اعتكاف شهر متتابع أو أيام متتابعة؛ فإن الليل والنهار سواء في ذلك. هذا تفسير القاضي.

    الثانية: أنه في اللفظ أوجب كفارة الظهار بالوطء نهاراً فقط؛ لأنه يكون صائماً؛ فإن الصوم وجب في إحدى الروايتين, وهي رواية حنبل. ومؤكداً الاستحباب في الأخرى, فيكون قد أفسد الصوم والاعتكاف كالواطئ في رمضان يهتك حرمة الإِمساك و
    حرمة الزمان, ويكون الصوم المقرون به الاعتكاف كالصوم في نهار رمضان؛ بخلاف الواطئ ليلاً؛ فإنه لم يفسد إلا مجرد الاعتكاف.
    وفي اللفظ الثاني: أوجب الكفارة بالوطء ليلاً ونهاراً إذا كان واجباً.
    فتكون المسألة على ثلاث روايات:
    وهذه طريقة ابن عقيل في «خلافه» , ولم يذكر في الفصول إلا روايتين:
    إحداهما: وجوب الكفارة.
    والثانية: لا تجب إلا إذا كان واجباً بالنذر, وكان الوطء نهاراً.
    قال: ولعل الوطء في ليل المعتكف يوجب كفارة اليمين, فعلى هذا تكون الروايتان متفقة على أن النهار فيه كفارة الظهار, والليل فيه كفارة يمين.

    الثالثة: أن احمد إنما سئل عن المعتكف في رمضان, وعلى هذا خرج كلامه؛ فإن وطئ نه
    اراً؛ وجبت عليه كفارة الظهار لأجل رمضان, وإذا وطئ ليلاً وليس هو واجباً عليه؛ فلا كفارة عليه, وإن كان واجباً؛ وجبت عليه كفارة ترك النذر.
    ويدل على أن هذا معنى كلامه قوله: «ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً وليس هو واجباً»؛ فهذا دليل على ثبوته إذا كان نهاراً, وإذا كان ليلاً وهو واجب, ودليل على أنه إذا كان واجباً؛ وجبت الكفارة لوجوبه, وهذه كفارة اليمين. وكذلك قال أبو بكر.
    والرجل إذا جامع في اعتكافه؛ بطل اعتكافه, ويستقبل؛ فإن كان نذراً؛ كان عليه كفارة يمين والقضاء لما أفسد.
    وعلى هذه الطريقة فتكون المسألة رواية واحدة: أنه يجب عليه كفارة اليمين لترك النذر.
    وذكر القاضي أبو الحسين وغيره في الكفارة الواجبة بالوطء في الاعتكاف؛ هل هي كفار
    ة يمين أو ظهار؟ على روايتين:
    إحداهما: أنها كفارة يمين. اختاره أبو بكر والقاضي في «الجامع الصغير».
    والثانية: أنها كفارة ظهار. اختاره القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى في «خلافه».
    وهذا يقتضي أنه لا كفارة على الرواية الأخر
    ى؛ لا كفارة جماع, ولا كفارة يمين.
    وهذا غلط على المذهب؛ فإن الاعتكاف إذا كان منذوراً معيناً وأفسده؛ لزمته كفارة ترك المنذور بغير خلاف في المذهب؛ كما يلزمه كفارة لو خرج من المسجد.
    وقول أحمد: «إذا جامع المعتكف؛ فلا كفارة عليه»؛ أي: لا كفارة عليه للجماع في الاعتكاف.
    وهذا إنما تجب عليه الكفارة لتفويت النذر؛ كالخروج من المسجد وأولى.

    نعم؛ مَنْ قال مِن أصحابنا عليه كفارة ظهار؛ فإنه يستغني بوجوبها عن كفارة اليمين, ومن لم يوجب عليه كفارة ظهار. . . وهو الذي يقتضيه كلام أحمد وقدماء أصحابه؛ فإنه لا بد في كفارة اليمين إذا كان النذر معيناً.
    وأما إذا كان مطلقاً؛ فهل تجب كفارة اليمين؟
    وإذا باشر دون الفرج فأنزل؛ فقال ابن عقيل: يتخرج في إيجاب الكفارة وجهان, على الروايتين في الصوم؛ لأن الاعتكاف عبادة تحرم الوطء ودواعيه؛ هو كالصيام والإِحرام.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 806الى صــ 815
    (57)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (27)


    * فصل:
    ويبطل الاعتكاف أيضاً بالردة؛ لأن الردة تبطل جميع العبادات من الطهارة والصلاة والصوم والإِحرام؛ فكذلك الاعتكاف؛ لأن الكافر ليس من أهل العبادات.
    فإن عاد. . . .ويبطل أيضاً بالسكر؛ لأن السكران ممنوع من دخول المسجد؛ لقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُو
    ا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: آية 43]. . . .
    فأما إن زال عقله بغير النوم من جنون أو إغماء. . . .


    * فصل:
    وإذا ترك الاعتكاف بالخروج من المعتكف: فإما أن يكون نذراً أو تطوعاً: أما النذر؛ فأربعة أقسام:
    أحدها: أن يكون نذراً معيناً, مثل أن يقول: لله عليَّ أن أعتكف هذا الشهر, أو هذا العشر, أو العشر الأو
    اخر من رمضان. . . ونحو ذلك؛ ففيه روايتان, ويقال: وجهان مبنيان على روايتين منصوصتين في الصيام:
    أحدهما: يبطل ما مضى من اعتكافه, وعليه أن يبتدئ الاعتكاف, فيعتكف ما بقي من المدة, ويصله باعتكاف ما فوته منها؛ لأنه وجب عليه أن يعتكف تلك الأيام متتابعة, فإذا بطا الاعتكاف؛ قطع التتابع؛ فعليه أن يأتي به في القضاء متتابعاً؛ لأن القضاء يحكي الأداء, ووجب عليه أن يعتكف ما بقي من المدة لأجل التعيين, وهذا أولى من الصوم؛ لأن الصوم عبادات يتخللها [ما ينافيها, فإذا أفطر يوم؛ لم يلزم منه فطر يوم آخر؛ بخلاف] الاعتكاف؛ فإنه عبادة واحدة متواصلة, فإذا أبطل آخرها؛ بطل أولها؛ كالإِحرام وصوم اليوم الواحد والصلاة.
    والرواية الثانية: لا يبطل ما مضى من اعتكافه, بل يبني عليه ويقضي ما تركه, وإن شاء قضاه متتابعاً, وإن ش
    اء متفرقاً, وإن شاء وصله بالمدة المنذورة, وإن شاء فصله عنها؛ لأن التتابع إنما وجب تبعاً للتعيين في الوقت, فإذا فات التعيين؛ سقط التتابع لسقوطه؛ كمن أفطر يوماً من رمضان؛ فإنه يبني على ما صام منه, ويقضي يوماً مكان ما ترك, وعليه كفارة يمين لما فوته من التعيين في نذره رواية واحدة.

    القسم الثاني: أن ينذر اعتكاف الوقت المعين متتابعاً, بأن يقول: عليَّ أن أعتكف هذا العشر متتابعاً, فإذا ترك بعضه؛ كان عليه استئناف الاعتكاف, فيعتكف ما بقي, ويصله بالقضاء.
    الثالث: أن ينذر اعتكافاً متتابعاً غير معين؛ مثل أن يقول: عليَّ أن أعتكف عشرة أيام متتابعة أو شهر
    اً متتابعاً, فإذا ترك بعضه؛ كان عليه أن يستأنف الاعتكاف في أي وقت كان, ولا كفارة عليه.
    الرابع: أن ينذر اعتكافاً مطلقاً غير متتابع, مثل أن يقول: عليَّ اعتكاف عشرة أيام متفرقة, فإذا ترك اعتكاف بعضها؛ لم يبطل غير ذلك اليوم. . . .
    وأما إذا أبطله بالوطء والسكر ونحوهما:
    فقال ابن عقيل وكثير من متأخري أصحابنا: هو كما لو أبطله بالخروج من معتكفه.
    فإن كان مشروطاً فيه التتابع؛ فعليه الاستئناف؛ رواية واحدة؛ لفوات التتابع المشروط فيه, لا لفساد ما مضى منه.
    وإن لم يشترط فيه التتابع؛ فهل يبني أو يستأنف؟ على وجهين, مع وجوب الكفارة فيهما.
    ولفظ ابن عقيل: هل يبطل ما مضى منه. على روايتين:

    إحداهما: يبطل. لأنها عبادة واحدة, فيبطل لما مضى منها بالوطء فيما بقي؛ كالطواف.
    والثانية: لا يبطل الماضي.
    لأنه عبادة بنفسه؛ بدليل أنه يصح أن يفرد بالنذر والنفل, وإن لم يكن معيناً؛ فعليه القضاء والاستئناف.
    وإن كان متتابعاً بغير كفارة. . . .

    والذي ذكره قدماء الأصحاب مثل الخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى وغيرهم أن عليه القضاء والاستئناف. وهذا هو المنصوص عنه.
    قال في رواية حنبل: إذا واقع المعتكف أهله؛ بطل اعتكافه, وكان عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك, ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً, وليس هو واجب فتجب عليه الكفارة.

    وكذلك قال أيضاً: إذا وطئ المعتكف؛ بطل اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
    وهذا أجود؛ لأنه إذا نذر اعتكاف العشر, وجامع فيه؛ فإن الجماع يبطل اعتكافه, فيبطل ما مضى منه؛ لأن الاعتكاف المتتابع عبادة واحدة, فإذا طرأ عليها ما يبطلها؛ أبطل ما مضى منها؛ كالإِحرام والصيام.
    وأيضاً؛ فإن مدة الوطء قليلة؛ فلو قيل: إن ما قبله صحيح, وما يفعل بعده صحيح؛ لم يبق معنى قولنا: يبطل اعتكافه؛ إلا وجوب قضاء ذلك الزمن اليسير, وهذا لا يصح.
    وأيضاً. . .

    وكون ما قبل الوطء يصح إفراده بالنذر والفعل لا يلزم منه أن يكون عبادة إذا ضم إلى غيره؛ كما لو صلى أربع ركعات؛ فإنه إذا أحدث في آخر ركعة؛ بطل ما مضى, ولو خرج منه؛ لصح, وكذلك لو جامع المحرم في لحج بعد الطواف والسعي؛ بطل, وإن كان يصح إفراده ما مضى عمرة.
    وإفساد العبادة يخالف تركها, والخروج من المسجد ترك محض.


    * فصل:
    قال ابن أبي موسى: لو نذر اعتكاف العشر الأواخر من رمضان, ثم أفسده؛ لزمه أن يقضيه من قابل في مثل وقته.
    وهذا أخذه من قول أحمد في رواية حنبل وابن منصور: إذا وقع المعتكف على امرأته؛ انتقض
    اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
    وهذا لأن الاعتكاف هذه الأيام أفضل من غيرها.
    ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصها بالاعتكاف, ويوقظ فيه أهله, ويحيي الليل, ويشد المئزر, وفيها ليلة القدر, فلا يقوم مقامها إلا ما أشبهها,, وهو العشرين العام القابل؛ كما قلنا فيما إذا [عين] مكاناً مخصوصاً بالسفر إليه مثل المسجد الحرام؛ لم يجزه الاعتكاف إلا فيه, ولو أفسد الاعتكاف الواجب فيه؛ لم يجزه قضاؤه إلا فيه.
    ولا يرد على هذا قضاء النبي صلى الله عليه وسلم لاعتكافه في شوال؛ لأنه لم يكن واجباً عليه, على أنه
    قد اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين, ولم يكن في الرمضان الذي كان مسافراً فيه, فلعله قضاه من ثانية.
    فإن قيل: فقد قلتم: إذا أفسد اعتكاف الأيام المعينة؛ لزم إتمام باقيها, إما بناء أو ابتداء؛ لأجل التعيين.

    قلنا: إذا كان ما بعدها مساوياً لها, فأما هنا؛ فإن العشر إلى العشر أقرب من شوال إلى العشر.
    وقال القاضي: إذا قلنا: يصح الاعتكاف بغير صوم, وفاته, فنذر اعتكاف شهر رمضان؛ لزمه اعتكاف شهر بلا صوم؛ فإن أراد أن يقضيه في رمضان آخر؛ أجزأه وكذلك إن قضاه في غير رمضان.

    وإن قلنا: لا يصح بغير صوم؛ لزمه قضاء شهر بصوم, فإن أراد أن يقضيه في رمضان آخر؛: فعلى وجهين:
    أحدهما: لا يجزيه؛ لأنه ما فاته؛ لزمه اعتكاف شهر بصوم, فلم يجعل صيام رمضان واقعاً عليه.
    والثاني: لا يجزيه؛ لأنه لم يلزمه بالنذر صيام, وإنما وجب ذلك عن رمضان, وهو ظاهر قوله في رواية حنبل: عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك.
    وبمكن الجمع بين القولين بأن تحمل مسألة ابن أبي موسى على ما إذا نذر اعتكاف شهر مطلق, ومس
    ألة القاضي على ما إذا نذر اعتكاف هذا العشر.
    * فصل:
    فإن كان الاعتكاف الذي أفسده تطوعاً؛ فلا قضاء فيه. ذكره الخرقي وابن أبي موسى والقاضي وعامة أصحابنا.
    قال في رواية أبي داوود: المعتكف ببغداد إذا وقع فتنة يدع اعتكافه, وليس عليه
    شيء, إنما هو تطوع. . . .
    وقال أبو بكر: إذا جامع الرجل؛ بطل اعتكافه, ويستقبل, فإن كان نذراً؛ كان عليه كفارة يمين والقضاء لما أفسده.
    وظاهر هذا أن عليه أن يستقبل التطوع, ولا كفارة فيه.
    وهكذا نقل حنبل: إذا واقع المعتكف أهله؛ بطل اعتكافه, وكان عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك, ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً, ليس هو واجباً فتجب عليه الكفارة.
    فجعل عليه استقبال القضاء مطلقاً, وخص الكفارة بالواجب.
    وكذلك قوله في رواية حنبل وابن منصور: إذا واقع المعتكف امرأته؛ انتقض اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
    وفي لفظ: والمعتكف يقع بأهله يبطل اعتكافه, وعليه الاعتكاف
    من قابل.
    ولم يفرق بين النذر والتطوع.
    وهذا يحتمل شيئين:
    أحدهما: أنه ليس له أن يخرج من الاعتكاف لغير عذر.
    والثاني: أنه ليس له أن يطأ مع نية الاعتكاف؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: آية 187].
    مسألة:

    وأن يسأل عن المريض أو غيره في طريقه ولم يعرج عليه
    880 - وذلك لقول عائشة رضي الله عنها: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة, والمريض فيه, فما أسأل عنه؛ إلا وأنا مارة». رواه مسلم.
    881 - وقد تقدم أنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك.
    ولأن سؤاله عن المريض كلام فيه مصلحة وقربة ولا يحبسه عن اعتكافه, فجاز كغيره من الكلام المباح, ومثل هذا أن يأمر أهله بحاجة أو يسأل عما يعنيه, لكن لا يجلس عند المريض ولا يعرج إليه إذا لم يكن على طريقه.
    قال القاضي وابن عقيل: يسأل عنه مارّاً ولا يقيم للمسألة عنه؛ لأنه يقيم لغير حاجة, ولم يشترط ذلك في اعتكافه, وهذا على قولنا: لا يجوز للمعتكف أن يعود المريض بغير شرط.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 816الى صــ 825
    (58)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (28)




    * فصل:
    في تفصيل الأسباب المبيحة للخروج وأحكامها.
    أحدها: الخروج لحاجة الإِنسان من البول والغائط, وهو في خروجه في حكم المعتكف؛ بحيث لا يقطع خروجه تتابع الاعتكاف المشروط فيه, بل يحسب له من أوقات الاعتكاف.
    ولو جامع في مخرجه؛ بطل اعتكافه.
    ويستحب له أن يتحرى الاعتكاف في مسجد تكون المطهرة قريبة
    منه لئلا يطول زمن خروجه.
    قال في رواية المروذي: اعتكف في ذلك الجانب, وهو أصلح من أجل السقاية, ومن اعتكف في هذا الجانب؛ فلا بأس أن يخرج إلى الشط إذا كانت له حاجة, ولا يعجبني أن يتوضأ في المسجد.

    قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن الاعتكاف في المسجد الكبير أعجب إليك أو مسجد الحي؟ قال: المسجد الكبير. وأرخص لي أن أعتكف في غيره. قلت: فأين ترى أن أعتكف في هذا الجانب أو في هذا الجانب؟ قال: في ذاك الجانب هو أصلح. قلت: فمن اعتكف في هذا الجانب ترى أن يخرج إلى الشط يتهيأ؟ قال: إذا كان له حاجة لا بد له من ذلك. قلت: يتوضأ الرجل في المسجد؟ قال: لا يعجبني أن يتوضأ في المسجد.

    قال القاضي: [يكره] الطهارة في المسجد كما يكره غسل اليد؛ لأنه يتمضمض ويستنشق فربما تنخع فيه.
    وإذا خرج من المسجد, وله منزلان, أو هناك مطهرتان, إحداهما أقرب من الأخرى, وهو يمكنه الوضوء في الأقرب بلا مشقة؛ فليس له المضي إلى الأبعد. قاله أبو بكر.
    وإن كان هناك مطهرة أقرب من منزله يمكنه التنظف فيها؛ لم يكن له المضي إلى
    منزله. قاله القاضي وغيره. لأنه له من ذلك بدّاً.
    وإن لم يمكنه التنظف فيها؛ فله المضي إلى منزله.
    وقال بعض أصحابنا: إن كان يحتشم من دخولها, أو فيه نقيصة عليه ومخالفة لعادته؛ فله المضي إلى منزله؛ لما فيه من المشقة عليه في ترك مروءته, هذا إذا كان منزله قريباً من معتكفه.

    فأما إن تفاحش بُعده؛ فقال القاضي: لا يمضي إليه؛ أنه خرج عن عادة المعتكفين, وليس عليه أن يشرع المشي, بل يمشي على عادته.
    وقد قال أحمد في رواية المروذي: يجب على المعتكف أن يحفظ لسانه, ولا يؤويه إلا سقف المسجد, ولا ينبغي له إذا اعتكف أن يخيط أو يعمل. . . .
    فأما البول في المسجد؛ فلا يجوز, وإن بال في طست ونحوه. . .
    .
    وإن أراد أن يفصد أو يحتجم لحاجة؛ فله أن يخرج من المسجد كما يخرج لحاجة الإِنسان, ولا يجوز أن يفعل ذلك في المسجد لحاجة ولا لغيرها. قاله القاضي.
    كما لا يجوز له أن يبول في الطشت؛ لأن هواء المسجد تابع للمسجد في الحرمة, بدليل أنه لا يجوز له أن يترك في أرضه نجاسة, ولا يجوز أن يعلق في هوائه نجاسة, مثل ميتة يعلقها, أو قنديل فيه خم
    ر أو دم.
    قال ابن عقيل: ويحتمل التجويز مع الضرورة؛ كما ورد في المستحاضة.
    فأما مع القدرة على الخروج؛ فلا. وهذا قول بعض أصحابنا: أنه إذا لم يمكن التحرز من ذلك إلا بترك الاعتكاف؛ ألحق بالمستحاضة.
    فعلى هذا يجوز لمن به سلس البول. . . .

    فإن كان في المسجد نهر جارٍ أو برك يفيض ماؤها إلى بلاليع ونجو ذلك؛ جاز غسل اليد, وإزالة الوسخ فيها.
    فأما الفصد والبول ونحو ذلك؛ فلا يجوز على ما ذكره أصحابنا.
    وإذا خرج لحاجة الإِنسان, فدخل في طريقه إلى مسجد آخر ليتم فيه بقية اعتكافه؛ جاز, فإن دخل فيه ليمكث فيه بعض مدة الاعتكاف ثم يعود. . . .
    وكذلك إن خرج من مسجد إلى مسجد آخر, وليس بينهما ما ليس ب
    مسجد؛ لأنه لا يتعين للاعتكاف بقعة واحدة.
    وإن ذهب إلى مسجد هو أبعد منه عن بيته ومسجده الأول؛ بطل اعتكافه؛ لأنه مشى إليه لغير عذر, فأشبه ما لو خرج إليه ابتداء.
    وأما الوضوء؛ ففي كراهته في المسجد روايتان:
    فإن خرج من المسجد لتجديد الطهارة؛ بطل اعتكافه؛ لأن له منه بدّاً.
    وإن خرج للتوضي عن حدث؛ لم يبطل, سواء كان في وقت صلاة أو لم يكن؛ لأن به إليه حاجة, وهو من تمام سنن الاعتكاف, ولأن الوضوء لا بد منه, وإنما يتقدم وقته.

    وإن توضأ للشك في بقاء طهارته, أو خرج لغسل الجمعة؛ فقيل: لا يجوز ذلك. . . .
    * فصل:
    وأما خروجه للجمعة.

    فقال القاضي: يكون خروجه بقدر ما يصلي [أربعاً قبل الجمعة وأربعاً بعدها] , ثم يوافي معتكفه, فيبني على ما مضى.
    وكذلك قال ابن عقيل: لا يستحب له الإِطالة, ولكنه يصلي الجمعة, وإن أحب أن يتنفل؛ تنفل بأربع, وعاد إلى معتكفه, ولا يزيد على ذلك.
    وقال ابن عقيل: يحصل أن يكون بضيق الوقت, وأفضل من البكور إلى الجمعة؛ لأنه إن كان نذراً؛ فهو واجب, والبكور ليس بواجب, وإن كان تطوعاً؛ فقد ترجح الاعتكاف بتقدمه على الجمعة.

    وقال أحمد في رواية أبي داوود: يركع بعد الجمعة في المسجد بقدر ما كان يركع. قيل له: فيتعجل إلى الجمعة؟ قال: أرجو.
    قال القاضي: وظاهر هذا جواز التقديم إلى الجمعة؛ لأنه بالتقديم هو في مسجد أيضاً.
    وقد قيل له في رواية حرب: وقيل: يتطوع في المسجد الجامع؟ قال: نعم
    ؛ أرجو أن لا يضره.
    فقد نص أنه يصلي بعد الجمعة سنتها الراتبة. قدَّرها القاضي وابن عقيل بأربع, وقال أحمد: يركع كعادته. وأطلق التطوع في الرواية الأخرى.
    وعلى ما قالوه: الأفضل أن يعجل الرجوع إلى معتكفه, ويكره له المقام بعد السنة الراتبة.
    وقيل: يحتمل أن يكون الخيرة إليه في تعجيل الرجوع وتأخيره؛ كما لو نوى إتمام الاعتكاف في الجامع؛ لأنه في مكان يصلح للاعتكاف, [وهذا ليس بشيء؛ لأن المكان إن صلح للاعتكاف] , فليس هو معتكفاً فيه حتى ينوي
    الاعتكاف فيه.
    ولو نوى الاعتكاف فيه؛ لم يجز له العود إلى معتكفه الأول لغير حاجة, فإذا كان من نيته العود إلى معتكفه؛ لم يكن بمقامه فيه معتكفاً, بل يكون مصلياً للجمعة, فلا يزيد على القدر المشروع, فإن زاد. . . .


    * فصل:
    وإذا جوزنا له الخروج لعيادة المريض وتشييع الجنازة بغير شرط أو كان قد اشترطه؛ فإنه لا يزيد على المسنون, وهو اتباعها من حين كان يخرج من دارها إلى أن يؤذن بالانصراف, وأن يجلس عند المريض, ما جرى به العرف, فإن لم يعلم حين خروجها؛ فهل ينتظرها. . . .
    * فصل:
    قال في رواية المروذي: يجب على المعتكف أن يحفظ لسانه, ولا يؤويه إلا سقف المسجد, ولا ينبغي
    له إذا اعتكف أن يخيط أو يعمل, وذلك لما روي:
    882 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: «لا يدخل المعتكف تحت سقف». ذكره ابن المنذر.
    883 - وعن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال, وهي له إن لم يشترط: عيادة المريض, ولا يدخل سقفاَ, ويأتي الجمعة, ويشهد الجنازة, ويخرج في الحاجة».

    وكان إبراهيم يقول: «لا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة أو سقف المسجد».
    ومعنى هذا انه لا يؤويه سقف مسكن.
    فأما في حال مروره في طريقه أو في حال دخوله إلى منزله إذا آواه الباب أو دخل الكنيف ونحو ذلك مما يحتاج إليه؛ فلا بأس به.
    وهذا لأن مقامه تحت السقف دخول إلى المساكن وإقامة فيها, وذلك يخالف حال المقيم في المسجد.

    884 - ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض أن يقمن في رحبة المسجد؛ لئلا يقمن في مساكنهن.
    فعلى هذا الحائض. . . .
    * فصل:
    قال الخرقي وابن أبي موسى: ولا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإِنسان أو صلاة الجمعة.
    وقال غيرهما من أصحابنا: يخرج للاغتسال من الجنابة, لكن. . . .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 826الى صــ 835
    (59)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (29)




    * فصل:
    قال الخرقي وابن أبي موسى: ولا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإِنسان أو صلاة الجمعة.
    وقال غيرهما من أصحابنا: يخرج للاغتسال من الجنابة, لكن. . . .

    * فصل:
    وأما الأكل؛ فالمنصوص عن أحمد أن عليه أن يأكل في المسجد؛ إلا أن يشترط الأكل في أهله؛ ففيه روايتان منصوصتان:
    أحدهما: ليس له ذلك.
    قال حرب: قيل لأحمد: فيشترط للمعتكف الغداء والعشاء في منزله؟ فكره ذلك.

    وذلك لأنه شرط الخروج من المسجد لغير قربة, فلم يجز ذلك؛ كما لو شرط الخروج للجماع وللبيع والشراء أو النوم.
    والثانية: له ذلك.
    قال في رواية الأثرم: يشترط المعتكف أن يأكل في أهله.
    ويجوز الشرط في الاعتكاف؛ لأنه شرط للخروج لما هو محتاج إليه, فأشبه شرط الخروج لعيادة
    المريض أولى؛ لأنه ربما كان عليه كلفة في الأكل والشرب في منزله.
    وهذه الرواية. . . .
    فأما إن خرج من المعتكف لقضاء الحاجة ونحوها مما يجيز الخروج, فأكل عند أهله:فقال ابن حامد: يأكل في بيته اللقمة واللقمتين مع أهله, فأما جميع أكله؛ فلا؛ لأن ذاك يسير, لا يعد به معرضاً عن الاعتكاف؛ لأن تناول اللقمة واللقمتين لا يمنعه
    المرور في طريقه, فأشبه مساءلته عن المريض في طريقه.
    وقال غيره: ليس له ذلك؛ لأنه لبث في غير معتكفه لما له منه بُد, فأشبه اللبث لمحادثة أهله.
    فأما إن أكل وهو مارٌّ؛ فلا بأس بذلك؛ لأنه لا احتباس فيه.

    وقال القاضي: يتوجه أن يقال: له أن يخرج للأكل في بيته؛ لأن الأكل في المسجد دناءة وسقوط مروءة, ولأنه قد يخفي جنس قوته عن الناس, ويكره أن يطلع, مثل الشعير والذرة.
    قال القاضي وابن عقيل: إذا خرج لحاجة, فأراد أن يقيم للأكل؛ فالحكم فيه وفي الخروج للأكل ابتداء واحد.
    قال شيخنا: يجوز أن يأكل اليسير في بيته؛ مثل اللقمة واللقمتين مع أهله, فأما
    جميع أكله؛ فلا.
    وهذا والله أعلم غلط على ابن حامد؛ فإنه يجوز الخروج ابتداء, وإنما يجوز الأكل الي
    سير إذا خرج لحاجة؛ كما يجوز السؤال عن المريض في طريقه.
    وقال أبو الخطاب: إذا خرج لما لا بد منه من الأكل والشرب وقضاء حاجة الإِنسان؛ لم يبطل اعتكافه, والصواب المنصوص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان, وهذا يقتضي أنه كان يأكل في المسجد, ولأن الخروج من المسجد مناف للاعتكاف؛ فلا يباح منه إلى القدر الذي تدعو إليه الحاجة, ولا حاجة إلى الخروج للأكل والشرب.
    وإذا أراد أن يأكل في المسجد؛ وضع مائدة أو غيرها؛ لئلا يقع من طعامه فتات يلوث المسجد
    ويسقط فيه شيء من إدامه؛ كالدبس والعسل, والأولى أن يغسل يده في الطست ليصب الماء خارج المسجد لئلا يلوث, ولو خرج لغسل يده؛ بطل اعتكافه. قال القاضي.
    وقال ابن عقيل: إذا احتاج إلى غسل يده؛ خرج من المسجد كما يخرج للفصد والحجامة؛ لأن المسجد تجب صيانته من الأدران والأوساخ.
    فأما إذا احتاج إلى الخروج بأن لا يكون له من يشتري له الطعام فيحتاج أن يخرج ليشتريه. . . .
    وإن صنع له في داره طعام, ولم يكن له من يأتي به. . . .


    * فصل:
    وأما إذا تعينت عليه شهادة أو أحضره سلطان بحق؛ مثل أن يخرجه لإِقامة حد في زنى أو سرقة, أو بغير حق؛ مثل أن يخرجه لأخذ ماله؛ لم يبطل اعتكافه. وقد أباح الله تعالى إخراج المعتدة لإِقامة الحد
    عليها.
    فإن خرج مختاراً للأداء؛ بطل اعتكافه, سواء قد تعين عليه التحمل أو لم يتعين.
    * فصل:
    وإذا حاضت المرأة أو نفست؛ فإنه يجب أن تخرج من المسجد؛ لأن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض, لا سيما إن كانت قد نذرت الصوم في الاعتكاف, أو قلنا: لا يصح إلا بصوم؛ فإن الحيض لا يصح معه الصوم, ولأن الاعتكاف من جنس الصلاة والطواف, فنافاه الحيض.
    قال في رواية حنبل: والمعتكفة إذا حاضت؛ اعتزلت المسجد حتى تطهر؛ فإذا طهرت؛ قضت ما عليها من الاعتكاف والصوم ولا كفارة عليها.
    وكذلك قال أبو بكر: إذا حاضت؛ خرجت, فإذا طهرت؛ رجعت, فبنت على اع
    تكافها.
    قال القاضي: إذا خرجت من المسجد؛ كان لها المضي إلى منزلها لتقضي حيضها ثم تعود. نص عليه.
    وقال الخرقي وابن أبي موسى وغيرهما: تضرب خباء في الرحبة.
    قال القاضي: وهذا على طريق الاختيار؛ لتكون بقرب المسجد.

    885 - وذلك لما روى عبد الرزاق, ثنا الثوري, عن المقدام بن شريح, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «كن المعتكفات إذا حضن؛ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من المسجد, وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن».
    رواه المحاملي وابن بطة وغيرهما.
    وظاهر كلام الخرقي الوجوب على ظاهر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهن بضرب الأخبية, ولأن رحبة المسجد فناؤه ومختصة به؛ فمقامها فيها ضرب من العكوف؛ بخلاف ذهابها إلى دارها؛ فإنه خروج عنه بالكلية من غير ضرورة, ولأن
    الخروج من المسجد إنما يباح للحاجة, والحكم المقيد بالحاجة مقدر بقدرها, وإنما يحتاج في الخروج إلى الرحبة خاصةً؛ ذهابها إلى منزلها لا حاجة إليه, ولهذا قالوا: إذا أمكن حاجة الإِنسان في مكان قريب من المسجد؛ لم يجز له أن يذهب إلى منزله. . . .
    فإن لم يكن للمسجد رحبة أو كانت رحبة لا يمكنها المقام فيها؛ جاز ل
    ها الذهاب إلى منزلها.
    وهل تدخل تحت السقوف؟
    قال أصحابنا: لها ذلك.
    وإذا خرجت من المسجد؛ فهل هي في حكم المعتكفة بحيث تحرم عليها لو خرجت لحاجة الإِنسان ونحو ذلك مما يقصد زمانه. . . .

    والحيض لا يبطل ما مضى من الاعتكاف, سواء كان اعتكافها زماناً لا يخلو من الحيض أو أمكن أن ينفك من الحيض, مثل أن تنذر اعتكاف خمسة عشر يوماً, أو لم يمكن؛ مثل أن تنذر اعتكاف شهر ونحو ذلك؛ فإذا طهرت؛ بنت على ما قبل الحيض, ولم تستأنف الاعتكاف, سواء كان الاعتكاف معيناً؛ مثل أن يقول: هذا العشر, أو مطلقاً؛ مثل أن يقول: عشرة أيام, ولا كفارة عليها إن كان منذوراً. نص عليه, وهو قول عامة الأصحاب.
    قال بعضهم: لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنه خروج لأمر معتاد, فأشبه الخروج للجم
    عة والجنازة وحاجة الإِنسان.
    وطريقة بعض أصحابنا أنه إن كان معيناً؛ بنت, وعليها الكفارة في أحد الوجهين, وإن كان مطلقاً؛ فلها الخيار بين أن تبني وتكفر وبين أن تستأنف؛ إلحاقاً لخروج الحائض بخروج المعتدة والخروج لفتنة والنفير ونحو ذلك؛ لأنه خروج يطول زمانه, فأشبه الخروج للفتنة ونحو ذلك.
    ولا تحتسب بمدة الحيض من الاعتكاف على ما نص عليه في رواية حنبل, وهو قول عامة أصحابه أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي وأصحابه وغيرهم.
    بل إن كان نذراً معيناً أو مطلقاً؛ فعليها قضاء مدة الحيض, وإن لم يكن نذراً؛ لم يكن عليها قضا
    ء, لكن لا يتم لها اعتكاف المدة التي نوتها إلا بالقضاء.
    وظاهر كلام الخرقي أنها إذا أقامت في الرحبة حسب لها من الاعتكاف كما يحسب [له من الاعتكاف خروجه للحاجة والجمعة, ويتوجه أن يحسب] مطلقاً, ويتوجه أن لا قضاء عليها.
    وإن لم يحسب من الاعتكاف, لا سيما إن كانت المدة التي نذرتها مما لا تنفك عن الحيض؛ فإن مدة الحيض تقع مستثناة بالشرع والنية والنذر
    ووجه الأول: أنه زمن يطول. . . .

    فأما المستحاضة؛ فإنها تقيم في المسجد:
    886 - لما تقدم عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «اعتكفت مع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة, فكانت ترى الحمرة والصفرة, وربما وضعت الطست وهي تصلي». رواه البخاري.
    ولأن أكثر ما في ذلك أنها محدثة, ولأنه يخرج منها نجاسة لا يمكن الاحتراز منها لا تلوث المسجد؛ فإن الواجب عليها أن تتحفظ من تلويث المسجد: إما بالتحفظ, أو وضع شيء تحتها.
    فإن لم تكن صيانة المسجد منها؛ خرجت منه؛ لأنه عذر, وكانت كالتي خرجت. . . .
    [ثم إن طالت مدته]. . .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,480

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 836الى صــ 844
    (60)
    المجلد الثانى
    كتاب الصيام
    (30)


    * فصل:
    وإذا وجبت عليها عدة وفاة وهي معتكفة؛ فإنها تخرج لتعتد في منزلها, وإن كان الاعتكاف منذوراً؛ لأن قضاء العدة في منزلها أمر واجب, فخرجت من اعتكافها إليه؛ كخروج الرجل للجمعة, وخروجها لمجلس الحاكم, وأداء الشهادة, وذك لأن الاعتكاف وإن كان واجباً, لكن يقدم عليه قضاء العدة في منزل الزوج لوجوه:
    أحدها: أن هذه الأشياء وجبت بالشرع, فتقدمت على ما وجب بالنذر؛ لأن نذره لو جاز أن يت
    ضمن إسقاط ما يجب بالشرع؛ لكان له أن يسقط إيجاب الشرع عن نفسه, وهذا لا يكون.
    الثاني: أن قضاء العدة في منزل الزوج يتعلق بها حق لله تعالى وحق للزوج؛ فيأخذ شبهاً من الجمعة ومن أداء الشهادة, فيكون أوكد مما ليس فيه إلا مجرد حق الله تعالى.

    الثالث: أن الاعتكاف يمكن استدراك ما فات منه بالقضاء؛ بخلاف المكث في منزلها؛ فإنها لا يقضى بعد انقضاء العدة.
    الرابع: أن الاعتكاف يجوز تركه للعذر, وهذا عذر من الأعذار.
    فأما عدة الطلاق الرجعي - إذا قلنا: هي كالمتوفى عنها على المنصوص -, وعدة الطلاق البائن - إ
    ذا قلنا بوجوبها في منزلها على رواية, أو اختار الزوج إسكانها في منزله في الرجعي والبائن -؛ فينبغي أنه إن كان الاعتكاف بإذنه. . . , وعليها قضاء ما تركه من الاعتكاف إن كان واجباً,ويستحب لها قضاؤه إن كان مستحبّاً بغير تردد؛ لأنها تركت الاعتكاف لأمر غير معتاد, وهو مما يطول زمانه.
    وظاهر ما ذكره القاضي في «خلافه»: أنه ليس عليها استئناف الاعتكاف؛ كما لو أخرجها السلطان إلى مسجد آخر, أو خرجت لصلاة الجمعة.
    ثم إن كان معيناً؛ فإنها تبني على ما مضى, وفي الكفارة وجهان حكاهما ابن أبي موسى, أحدهما: عليها الكفارة. قاله الخرقي.

    وإن كان مطلقاً؛ فقيل: لها الخيار بين أن تبني وتكفر وبين أن تستأنف الاعتكاف.
    وقال القاضي: إذا قال: لله عليَّ أن أعتكف شهراً متتابعاً. وخرج منه لعذر؛ لم يبطل اعتكافه, وإن خرج بغير عذر؛ بطل اعتكافه وابتدأ.

    والأعذار التي [لا] تبطل: إما فعل واجب, أو ما يخاف عليه فيه الضرر؛ كال
    خوف والمرض والكفارة على ما تقدم.

    * فصل:
    وإذا وقعت فتنة خاف منها على نفسه أو ماله أو أهله الحاضر عنده أو الغائب؛ فله أن يخرج, سواء كان واجباً أو تطوعاً.
    قال أحمد في رواية أبي داوود: المعتكف ببغداد إذا وقعت فتنق؛ يدع اعتكافه, ويخرج, وليس عليه شيء, إنما هو تطوع, والمعتكف ينفر إذا سمع النفير.
    وذلك لأن ما وجب بأصل الشرع من الجمعة والجماعة يجوز تركه بمثل
    هذا؛ فما وجب بالنذر أولى.
    ثم إن كان تطوعاً؛ فإن أحب أن يتمه, وإن أحب أن لا يتمه.
    وإن كان واجباً بالنذر معيناً؛ مثل: هذا الشهر؛ فإنه يبني على ما مضى, ويقضى ما تركه.
    وهل يجب في القضاء أن يكون متصلاً متتابعاً؟ أو يجوز أن يفرقه ويقطعه؟ على وجهين, وعليه كفارة يمين لفوات التعيين في المشهور عند أصحابنا.

    وذكر ابن عقي لان أحمد نص فيمن خرج لفتنة: يكفر كفارة يمين ويبني؛ لأن هذا قطع للاعتكاف بأمر غير معتاد, وهو لحظة.
    ومما يبد. . . .
    وإن كان مطلقاً غير متتابع, مثل عشرة أيام؛ فإنه يبني على ما فعل, لكن يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله؛ لأن التتابع في اليوم الواحد واجب.
    وإن كان مطلقاً متتابعاً؛ فله الخيار أن يستأنف ولا كفارة عليه, أو يبني على ما فعل وعليه الكفارة. هذا هو المشهور في المذهب.
    وروى. . . .

    ولو خاف انهدام المسجد عليه, أو انهدم بحيث لم يمكنه الاعتكاف؛ فإنه يخرج فيتمه في غيره, ولا يبطل اعتكافه, ولا كفارة عليه.
    ومثل هذا إذا مرض مرضاً لا يمكنه المقام منه في المسجد؛ كالقيام المتدارك وسلس البول والإِغماء, أو يمكنه القيام بمشقة شديدة, بأن يحتاج إلى خدمة وفراش؛ فله ترك الاعتكاف, ويكون كما لو تركه للخوف.

    وإن كان مرضاً خفيفاً؛ كالحمى الخفيفة ووجع الضرس والرأس؛ فهذا لا يخرج لأجله؛ فإن خرج؛ استأنف.
    [وإن] احتاج إلى ما يأكل, وليس له شيء, فاحتاج إلى اكتساب أو اتِّجار. . . .
    قال القاضي وابن عقيل: متى خرج خروجاً جائزاً لحق وجب عليه؛ كإقامة الشهادة أو العدة والنفير والحيض والجمعة والمرض الذي لا يمكن معه المقام؛ فلا كفارة عليه. وإن كان لغير واجب؛ كالخروج من فتنة أو لمر
    ض يمكن معه المقام بغير مشقة؛ فعليه الكفارة؛ لأنه خرج لحظ نفسه. وتأول كلام الخرقي.
    * فصل:
    وإذا تعيَّن عليه الخروج للجهاد؛ بأن يحضر عدو يخافون كلبه, أو يستنفر الإِمام استنفاراً عامّاً؛ فإنه يخرج ويدع اعتكافه؛ كما قلنا في الخروج لقضاء العدة وأشد؛ لأن الجهاد من أعظم الواجبات, والتخلف عنه من أعظم المفاسد.
    ثم إذا قضى غزوه, وكان تطوعاً؛ فله الخيار بين أن يقضيه أو لا يقضيه,والأفضل أن يقضيه.
    وإن كان نذراً؛ فعلى ما ذكرنا في الخروج لقضاء العدة: يبني إن كان معيناً, وفي الكفارة وجهان حكاهما ابن أبي موسى في العدة.
    أحدهما: يجب. قاله الخرقي وغيره.
    والثاني: لا يجب. قاله القاضي. وفرَّق بين الخروج الواجب كالنفير وال
    عدة وبين الخروج. . . .
    وإن كان مطلقاً؛ فهو بالخيار بين أن يستأنف وبين أن يبني. . . .
    وإن لم يكن الجهاد متعيناً؛ فهل يجوز الخروج إليه؛ كصلاة الجنازة وعيادة المريض؟ وأولى. . . لم يجز له الخروج عند أصحابنا, مع أن الجهاد والرباط أفضل من الاعتكاف.
    وقال في رواية الأثرم: الخروج إلى عبادان أحب إليَّ من الاعتكاف, وليس يعدل الجهاد والرباط شيء. . . .
    فإذا كان الاعتكاف تطوعاً, فعرض [له] جنازة أو مريض يعاد ونحو ذلك؛ فقال بعض أصحابنا: إتمام اعتكافه أفضل:
    887 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرج على مريض.

    ولم يكن واجباً عليه, ولأن إتمام العبادة التي شرع فيها أفضل من إنشاء عبادة أخرى؛ لأن إتمامها واجب عند بعض العلماء, ومؤكد الاستحباب عند بعضهم.
    888 - وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم إذا دعي وكان صائماً أن يصلي, ولم يأمره بالأكل.

    * فصل:
    ويستحب لمن اعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان أن يبيت ليلة العيد في معتكفه ويخرج منه إلى المصلى في ثياب اعتكافه.
    قال في رواية الأثرم: يخرج من معتكفه إلى المصلى.
    وقال في رواية المروذي: لا يلبس ثيابه يوم العيد, ويشهد العيد في ثيابه التي اعتكف فيها. وذكر ذلك عن أبي قلابة.
    889 - وذلك لما روي عن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضا
    ن أن ينام ليلة الفطر في المسجد, ثم يغدو إلى المصلى من المسجد».
    890 - وعن أيوب: «أن أبا قلابة اعتكف في مسجد قومه, فغدوت عليه غداة الفطر وهو في المسجد, فأتى بجويرية مزينة, فأقعدها في حجره, ثم أعتقها, ثم خرج كما هو من المسجد إلى المصلى».
    رواهما سعيد.
    891 - 892 - وذكر القاضي عن ابن عمر والمطلب بن عبد الله بن حنطب وأبي قلابة مثل ذلك.
    وذلك لأن يوم العيد يوفى الناس أجر أعمالهم, وفي ليلة الفطر ينزل جوائز للصوام, والصوام. . . ,فاستحب له أن يصل اعتكافه بعيده؛ كما استحب للمحرم أن يصل إحرامه بعيده.

    فأقعدها في حجره, ثم أعتقها, ثم خرج كما هو من المسجد إلى المصلى».
    رواهما سعيد.
    891 - 892 - وذكر القاضي عن ابن عمر والمطلب بن عبد الله بن حنطب وأبي قلابة مثل ذلك.
    وذلك لأن يوم العيد يوفى الناس أجر أعمالهم, وفي ليلة الفطر ينزل جوائز للصوام, والصوام. . . ,فاستحب له أن يصل اعتكافه بعيده؛ كما استحب للمحرم أن يصل إحرامه بعيده.
    انتهى المجلد الثاني
    وهو آخر كتاب الصيام
    ويليه
    كتاب الحج




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •