قل خيرًا تغنم...واسكت عن شرٍّ تسلم

محمد الجهمى





الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أمَّا بعد،

فهذه باقة من كلام سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- تأتي على أمر في غاية الخطورة بالنِّسبة إلى كل إنسان، وهو أمر لسانه. ونكتفي بذكر تعليقات يسيرة على هذه الأحاديث، وإن كانت وحدها كافية لتحريك القلوب وهزِّ النفوس، لما احتوته من نور النبوة وبهائها.

فعن شقيق قال: لبـَّى عبد الله -رضي الله عنه- على الصَّفا ثم قال:

يا لسان قل خيرًا تغنم . اسكت عن شرٍّ تسلم من قبل أن تندم.

قالوا: يا أبا عبد الرحمن، هذا شيء أنت تقوله أم سمعته؟

قال: لا، بل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( أكثر خطايا ابن آدم في لسانه) <1>.

وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلـَّها تكفِّر اللِّسان فتقول: اتـِّق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا) <2>. ومعنى تكفِّر اللِّسان : تذلُّ وتخضع له.

وعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (ليس شيء من الجسد إلاَّ يشكو ذَرَبَ اللسان على حِدَّته)<3>.

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله أيٌُّ الأعمال أفضل؟ قال: (الصَّلاة على وقتها)، قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: (أن يسلم النَّاس من لسانك)<4>.

وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته).<5>

وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله ما النَّجاة؟ قال: (املك عليك لسانك، ولـيَسَعَكَ بيتك وابْكِ على خطيئتك)<6>.

وعن شَكَل بن حميد -رضي الله عنه- قال: (أتيت النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله علِّمني تعوُّذًا أتعوَّذ به. قال: فأخذ بكفِّي فقال: (قل اللهم إنـِّي أعوذ بك من شرٍّ سمعي ومن شرِّ بصري ومن شرِّ قلبي ومن شرِّ مَنَيـِّي).<7>

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنَّ الرَّجل يتكلَّم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفًا في النَّار).<8>

وفي لفظ للبخاري (لا يلقي لها بالاً) أي لا يتأمَّلها بخاطره ولا يتفكَّر في عاقبتها ولا يظن أنـَّها تؤثِّر شيئا ، وهي نحو من قوله تعالى (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُم ْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)(15النور).كما في الفتح .(11/311).

وسأل معاذ -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا نبيَّ الله ، وإنـَّا لمؤاخَذون بما نتكلَّم به؟ فقال: (ثكلتك أمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ النـَّاس في النـَّار على وجوههم – أو على مناخرهم – إلاَّ حصائد ألسنتهم؟)<9>.

وقال بعض السَّلف: "إن ضعفت عن ثلاث فعليك بثلاث. إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشَّر، وإن كنت لا تستطيع أن تنفع النَّاس فأمسك عنهم ضُرَّك، وإن كنت لا تستطيع أن تصوم فلا تأكل لحوم النَّاس".

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- مرفوعاً (أفضل المؤمنين إسلامًا من سلم المسلمون من لسانه ويده ، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله).<10>

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان".<11>

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: (لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى قلبه)<12>.

وقد قال الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (18).<13>

وعن مجاهد أنه قال: (ما من شيء يتكلم به العبد إلا أُحصي عليه حتى أنينه في مرضه).

لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرغِّب في الصَّمت كما روى التِّرمذي وأحمد وغيرهما عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله --صلى الله عليه وسلم--:(من صمت نجا)<14>.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"<15>.

وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنـَّك لن تزال سالمـًا ما سكتَّ، فإذا تكلَّمت كُتب لك أو عليك".<16>

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- قال: "من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النَّار أولى به".<17>

وروى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طويل الصمت قليل الضحك).<18>

وقال الفضيل: "خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام وكثرة الأكل".<19>. وعن سفيان "طول الصَّمت مفتاح العبادة". وقال طاووس: "لساني سُبع، إن أرسلته أكلني". <20> وعن أبي بكر بن عيَّاش قال: (أدنى نفع السُّكوت السَّلامة وكفى به عافية. وأدنى ضرر المنطق الشُّهرة وكفى به بليَّة).<21>

وعن سهل بن سعد الساعديِّ -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من يضمن لي ما بين لحيـيه وما بين رجليه أضمن له الجنَّة). <22>

وفي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).

فليكن الأصل هو الصمت، إذ يكفي في فضل الصمت كونه أقوى وسيلة وقائية من الغيبة وأخواتها من آفات اللسان. والسَّلامة لا يعدلها شيء إلاَّ من تيقَّن حصول الغنيمة بالكلام.

و صلَّى الله على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.






1- قال الألبانيُّ في الصَّحيحة رقم (534): إسناده جيِّد وهو على شرط مسلم.



2- رواه التِّرمذي برقم (2407) والإمام أحمد في مسنده (3/96).



3 - صحَّحه الألبانيُّ على شرط البخاري في الصَّحيحة رقم (535).



4- قال في الترغيب (3/524):رواه الطبراني بإسناد صحيح وصدرُه في الصَّحيحين.



5- قال في الترغيب ( 3/524) : رواه الطبراني في الأوسط والصَّغير وحسَّن إسناده.



6- رواه الإمام أحمد في مسنده (5/259) والترمذي (2406) وحسَّنه، وانظر إلى الصَّحيحة رقم (890).



7- صحيح التِّرمذي رقم (2775) وصحيح أبي داود رقم (1387).



8 - رواه التِّرمذي والإمام أحمد وابن ماجه ، وهو في صحيح ابن ماجه برقم (3206).



9- صحَّحه الألبانيُّ في صحيح التِّرمذي برقم (2110) وصحيح ابن ماجه برقم (3209).



10- صححه الألبانيُّ في الصَّحيحة رقم (1491).



11 - الزُّهد للإمام أحمد (162).



12- الآداب الشَّرعية لابن مفلح.



13 - سورة ق آية 18.




14- صححه الألبانيُّ في الصَّحيحة رقم (536).



15- رواه البخاري ومسلم.



16 - عزاه الحافظ إلى الطبراني وسكت عليه في فتح الباري (11/309).



17 - جامع العلوم والحكم ص 161.



18- حسَّنه الألبانيُّ.



19 - سير أعلام النُّبلاء.



20 - الإحياء (3/120).



21- سير أعلام النُّبلاء (8/501).



22- رواه البخاري رقم 6474.